*هاجس المشّاء أو شجر الأسلاف يتنزَّه في ظهيرة الروح أو في ضرورة الحرب ******************************** أنا لست رامبو كي أرى عدناً خرابا (1) أهاجر مثل أسلافي إلى حلمٍ بعيدٍ، أقتفي أنفاسهم، وأحسّ نبضهمو على الصخرِ العنيدِ، أحسّ وقع خطاهمو، والسدُّ منهارٌ (2) أرى: قمريةً"3" لألاءةً وسْط المياهِ، حضارةً خفضتْ قوائمها، حنيناً تائهاً من ألف عامٍ، شهوةً سقطتْ مصادفةً من امرأةٍ عجولٍ، غصًةً نفضتْ عن الأحلام ِريشَ الارتباكْ أنا لست رامبو كي أرى عدناً غيابا ولكني أنا المشّاءُ ، أمشي من خريف العمرِ نحو ربيع قامتها، أشّد وقائع الأيّام نحو فضاء قيثاري الحزينْ أنا لست رامبو كي أرى ذهباً على سُررِ الغرابةْ ولكني أنا المشّاءُ ألبس ُجبّة َالزهّادِ أفتش عن يقين ٍضاع في تُرْب البلادِ، وعن بهاءٍ ضاع من أيّام عادِ أنا لست رامبو كي أرى عدناً هديراً من كآبةْ و لكنّ الفتى كجدودهِ، وحنينه أبداً لأول منزلٍ، أرنو إلى الخرطوم عزّ الظهرِ، و التخزين ِ(4) أدنو من تلال الحلْم ِ، أدنو من صحابي وبركلتين ِمن الغموضِ، نفضّ إيماضات دهشتنا، نفكّر ما اشتهينا من مصائرَ، نحتفي بكلام سيِّدة البطاقات الملوّنة الجميلةِ: هذه الخرطوم ُما خُلقت ْ لأفغان العربْ و ما دُهنتْ لتجاّر المنابرِ، ما زهت ْبجلافة الريفي، والوعّاظِ، ما سُئلتْ، و ما قُتلتْ، وما بُسطتْ لتكديسِ السلاحِ، وما أُضئتْ للذقونِ، وللظنونِ، و للمتونِ، وللحواشي ألا ليت اللحى كانت حشيشاً، فترعاها خيولُ الانكماشِ (5) أنا لست رامبو كي أرى وطني سرابا ولكني أنا المشّاء أحمل وردتي الخرطوم من منفىً إلى مبغىً، وأصرخ: إنها الخرطومُ تركض في مسامي، وانتصاري، وانكساري هي للغناءِ، وللدعاءِ، وللصلاةِ، وللنشيدِ، لضحكةِ الفتياتِ في أفق ِالعناقِ، لصرخةِ الدرويشِ تصرعهُ فراديسُ الجمالِ، للذعة ِالعَرَق ِالمعتّق ِفي جرار الانعتاقِ، لهاجس ِالإنسانِ، و الشيطانِ، والرحمنِ، شيءٌ من عجين الروح يطلعُ، من سديم الحزن يبزغُ، حاملاً صمت َالبراري أنا المشّاء أحمل صُرّةً من حُرْقة ِالخرطومِ، أصرخ هاتكاً صمت َالشوارعِ، والأزقةِ: دثِّريني، قبِّليني، دثِّريني، قبِّليني، دثِّريني، قبِّليني، دثِّريني، قبِّليني، وانثري ورد اليقين ِعلى نهاري فكم من فكرةٍ، خضراءَ، أو حمراءَ، أو رعناءَ، أو قدسيّةٍ، عبرتْ سماءكِ، كي تهذِّب شعبنا جاء الفلاسفة ُ، الأباطرةُ، الجهابذةُ، انتضوا أمخاخهمْ، وأتوا بمحراث ِالتقدّمِ، والألوهةِ، والعجائبِ، أفرغوا أوهامهم في شارع القصر الحزينِ، وحنّطوها في أضابير الشعارِ فباسم اللهِ، والقراّن ِ، يخترعون مملكة ًمن الألفاظِ، شعبا ًمن ركامٍ، باسمه القدّوسِ، يبتكرون آلهةً من الكابوسِ، يغتالون شعبا ًصادحاً، ومسامحا ً، ومدينة ًخُلقت ْمن الأبنوسِ، واللاهوتِ، والناّسوتِ، باسم اللهِ يعتقلون زهرة حبنا، يرمون نهرا ًمن حنان ٍفي المواعظِ، يشترون اللهَ بالدولارِ، باسم العصرِ ينتهكون حُرْمةَ حُزننا المدنيِّ، باسم ِالربِ يخْتلقون حلْماً من بوارِ أنا المشّاء، نبضُ البغضِ، نبض ُالقدْ قدْ يذهب التاريخ نحو الجُبْ قدْ يذهب الأجداد نحو الرَّبْ قدْ يذهب الأحفاد نحو الحُبْ قدْ تذهب الخرطوم نحو اللُبْ قد ْهاجر المشّاء نحو الحرْبْ أنا المشّاء أنبح في المدائنِ، والقفارِ لا بدّ من حرْبٍ لأفهمَ شكل َبؤسي في المسارج و الظلالِ لا بد ّمن حرْب ٍلأدرك َعمقَ روحي، وامتدادي في فضاءاتِ البراعةِ و الكمال ِ لا بد ّمن حرْبٍ تعيد صياغة الموتى، وتعريف الحياةِ لابد ّمن حرْب ٍلإيقاظ الطغاةِ لا بدّ من حرْب ٍتغير عادة النسيانِ، والنوم الطويل على سراب الاكتمال ِ لثقافةِ الحرْب انتمينا، واحتمينا بالمحابرِ، كي نرى حرْب الحروبِ، مطلّة ًفوق النصوصِ، وفوقَ آفاق الخيال ِ لا بد ّمن حرْب ٍستنبتُ من شظاياها، ضفائر من سيقبلن الزواجَ، بموجة النيل اليتيمةِ، وانهماراتِ الجلالِ لا بد ّمن حرْب ٍتعلِّمنا الرحيلَ إلى الحروبِ، على غواياتِ المحالِ لا بدّ من لا بد ّمن حرْبٍ، لنكسرَ حلقة الصمت ِالمخيِّم ِفي خلايانا، ونشهد َمولدَ الرؤيا الجديدةِ من جماجمنا، وجمْجمة السؤالِ أنا المشاّءُ، هل سأظل ّأنبح في المدى، أٌقعي طويلاً، كي أرى حربا ًتفسِّر لؤم إخوتنا الكبارِ، وبؤس َ هذا الارتحالِ ************************************ هوامش: (1) الشاعر الفرنسي الشهير أرثور رامبو. (2) إشارة إلى سد مأرب. (3) زجاج ملوَّن يعكس الضوء، ويوضع أعلى النوافذ في البيوت اليمنية. (4) مضغ القات. (5) البيت في الأصل للشاعر اليمني يزيد بن مفرع الحميري، وهو: ألا ليت اللحى كانت حشيشا فترعاها خيول المسلمينا. *********************************************** *النص الملتيميدي: . ****************************************** *ميثاق النسيان أو الهاجس الذي انتاب المشَّائين في رحلتهم المحتملة لشرب البيرة في بار الحزانى الساذجين ******************************************************** نحن الذين تبعثرتْ أرواحهم فوق المنافي والقذى نحن الذين توهَّجتْ أحزانهم في الشارع السريِّ، قرْب الائتلاقِ، نقرّ أنَّا سوف نخرج من سراديب المراثي والأسى، برهافة النسيان نمسح ما تناثر من فجائع فوق مائدة الرحيلِ، نهبُّ، نصرخُ في المدى الكوني:ِّ "مشَّاؤونَ، مشَّاؤونَ، حلّاجون للنسيانِ، خوَّاضون في الهذيانِ، مشتاقونَ، مشتاقونَ، مشتاقونَ، يا خرطوم، يا خرطومُ، يا خرطومُ، يا أبنوسُ، يا ناسوتُ، يا لاهوتُ، مشتاقونَ، مشتاقونَ، مشتاقونَ، يا سودانُ، يا نادوسُ، يا بيضانُ، يا فرّيسُ، يا قدِّيسُ، يا عربيُّ، يا زنجيُّ، يا وثنيُّ، يا صوفيُّ، يا سنيُّ، مشتاقونَ، مشتاقونَ، من نسْياننا نعْدو إلى غثياننا الروحيِّ، يا خرطومُ، يا خرطومُ، يا كِبْريتُ، يا كَبَريتُ، يا كابروتُ، يا رحموتُ، يا رهبوتُ، مشتاقونَ، مشتاقونَ، نقذف قبَّعات الشوقِ، نمسح دمعة الترحالِ، خطَّاؤونَ، توّابونَ، نسَّاؤونَ، بكَّاؤونَ، مشتاقونَ، مشتاقونَ، يا "حمَّيد"، يا "قدَّالُ"، يا "محْجوبُ"، نمشى من مصائرنا إلى نسياننا حبْواً، لنحرق غابة المعنى، ونكنس غصَّة المنفى، ونهدم حائط الشكوى، ونشرب دمْعنا ، نسْقي الكلام جسارة الأحلامِ، أهتفُ: "يا مدى أحلامنا، يا غابة المعنى المدلَّك بالوساوس والهواجسِ، هل سنحصد راحةً من مشهد النسيانِ، يا وطني، أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا لعصْر فضائحٍ وقراع قهْرٍ، أدخلوا الإرهاق في روحي ، و "منديل التقزُّز في دمي"، فلمن سنزرع غرْسة النسيان يا وطني؟ لمن ستدقُّ أجراس التسامحِ؟ من سيأخذ-يا أصيلُ-بثأرنا؟ ومن سيعيد "منْ" لحظيرة التكوين-يا وطني الجميل، متى سأصرخ مثْل "حمزاتوفَ": "داغستانُ يا بلدي"، فتهتف مثْل "داغستانَ": "حمزاتوف يا ولدي، ويا كبدي"؟ ...وأهمي راعفاً: "يا أيُّها الوطن المزجَّج بالأذى، قُلْ إنَّك الفرح المكرَّس للنساءِ، وصُنْ فضاءكَ للأراملِ، والسكارى، واليتامى، مُدّ ساعدكَ الفتيَّ لأجمل الغرقى أنا، أنا "إرميا" السودانِ، نكّاح الدروبِ، فآهِ،يا وطني القمامةَ، هل ستبقى واحداً، متعدِّداً؟ متأكِّداً، متوجِّساً؟ متفرِّداً، متجذِّراً؟ هل سوف تمنحُ سَمْتكَ الزنجيَّ قامات الورود الكوكبيَّةِ، أم سنشرب "بيرة" النسيانِ في بار الحزانى الساذجينْ؟؟ *********************************** *النص الملتيميدي: . أسامة الخوَّاض [email protected]