الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    المريخ فِي نَواكْشوط (يَبْقَى لحِينَ السَّدَاد)    اردول: افتتاح مكتب ولاية الخرطوم بضاحية شرق النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    المريخ يكرم القائم بالأعمال و شخصيات ومؤسسات موريتانية تقديرًا لحسن الضيافة    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    برمجة دوري ربك بعد الفصل في الشكاوي    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    مجلس إدارة جديد لنادي الرابطة كوستي    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    وصول 335 من المبعدين لدنقلا جراء أحداث منطقة المثلث الحدودية    ترامب يبلغ نتنياهو باحتمال انضمام أمريكا إلى العملية العسكرية ضد إيران    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    تنفيذ حكم إعدام في السعودية يثير جدلاً واسعًا    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فوزية حسن حسين تبشركم بالنصر القريب


فوزية حسن حسين الراحلة المقيمة هل تعرفوها
هذه لمحة فقط:
("" كانت قد حدَّدت سلفاً صورةً لنهاية أيامها في دنيا أيامنا، بلا أيّ خصوصية من القَدَر،عدا ذلك، تركتنا إلى اليومي والمألوف والعادي من أعدائنا! أرادت أن تعوَّدنا على الموت بسحرٍ ما مع أنّ الحياة والحياء كانا غائبين إلا من خلالها والرحيل صنو الطريق، كانا حبيبان لا يفترقان. وكفراشةٍ من زهرة إلى أخرى، كانت تنأى بنا عن الرحيق.. لجدبٍ كانت تعرف أنّه خيار العاجز، وخصّبت فكرتنا لننجز فصل هذا الخيار. لكنّ الأسطورة كانت بحاجة إلى خسارة الواقع لتعجَّل فوزها وتؤجّل نصرنا!!!
كانت ترفل في العامّية تتماهى في اللّاشخصي، تقود الأدمغة عبر الميتافيزيقا للوجود الوطني الأصيل، وبزّت المسّاحين جميعاً في حساب مسافات الوقت لتبني البقاء.بشرفٍ تخشاه مجالس الكليات والطوائف القديمة ومغتصبي الحروف في عصر الرثاء بالقانون والهارمونيكا.
لم تفز في في مبارياتنا مع الدولة وذاكرتها لكنها حتماً في الشتات الداخلي وخارطة الهوية الوطنية لم يفتها طرف من غياب أو حضور، كفراشةٍ دائماً كانت تتنقّل لتثبت الحقيقة في الوعي الإنساني والفوز فيها.
كانت "جيباتها" الطويلة المنتقاة بعناية فولكلورية دليل المعنى والمعني، اختزلت في فوزها دلالنا وبحثنا في عجزٍ بائس تأصيل الفكرة وأنكرت علينا غياباً جسدي وباعتنا روحاً لتتفرغ للموت لتموته بكل النجاة.
لكن ذات "الجيبة" الرمزية الغارقة في ألوان يوسف منعتنا حضور المعارض وبقدر حاجتها الخسارة كانت في حاجة إلى أن تهوّن علينا الأساطير لنكتفي بالبلاد والخلاص من الإنقاذ، فكشفته في معاركها مع الفوز الشافي لها الغير متكافئ مع المعارك ذاتها، وبانت ملامحنا الداخلية.
بارعةٌ وماجدة كانت في حياتها وفوزها، غنيةٌ بالثقافة وبالتسامح فهي تعرف الأشقاء والشقيقات و الزملاء والزميلات، الرفقاء والرفيقات وحتى الأخوات كانت على حصانها الأبيض، فارساً يخترق حتى الأزمنة الحديثة ويجئ إلى مثلما التفاؤل غيمة النيات والعود الأحمد المرح نحو الدولة, بخفة الفراشة ذاتها. وتعلّمنا أنّ الطريق إليها بقبول الآخر مكان الأنا.
كانت تُعلّم أن الوطن مقدّس المحرومين عنوانه الاستقلال وتؤذن بأن انتقالها إلى الحقيقة، سريعاً هو التقاط فوزها وأننا في حاجة إلى نشيد المسؤولية:
(((كل زول بيحمل رسالة أمينة صادقة بعيد مداها، بيعرف التاريخ، بيحسب كل خطواته المشاها،/ والحدود الفاصلة، هي، يبقى عندنا مسؤولية../ اسمعوا مني الوصية: نحنا لازم نبني نعمل، والعمل في حدّ ذاته للبيشعر مسؤولية../ الكلام الداير أقوله: علينا يا ثوار أمانة، الوطن نعمل لعزه والقيم نرفع مكانها،/ نعلّي رايات الحقيقة البيحلى لينا نموت عشانها/ ونقيف مع الأحرار ندافع بحياتنا وبدمانا،/ والمابيصون الوصية يبقى خان المسؤولية/ أيّ زهرة جميلة زابلة انتو مسؤولين تجاهها، وأي شمعة الريح طفاها كونوا أنفاسها وضياها))) كانت عواطف التسعينيات. أسيرة الفهم والوعي والسلام.
كانت لوحدها انتفاضة ثالثة، إرادة وطنية تعيد الحياة من إجل موتٍ كريم، ولدته الحرية ورعاه الاستقلال. لم تتبدل ولم تبدّل، فقط هكذا دمها غالٍ ذهبت للنجوم.
وراهنت علينا نطيع هذا الزمن العابر، بما فينا من فوز وما معنا منها وما أعدَّتنا له من لقاء بهيج. وهكذا قررت بتوافق عدّادها الذي لم يخزلها التأقيت يوماً، قررت أن تزور الموت. ومنحتنا الوقت لنتدرّب الحزن علينا لتربية الأمل،وكتابة تاريخ ما صاغ خطابه نصرُ وصورته فوز.
في هذا التاريخ فتحت لنا ما لا نعي، لنتعرّف على حاضرنا وألّا نهاب المستقبل، فهو طريق فوزنا الوحيدة.
كان النصر عند فوز وهي تقرأ المنهج الثقافي لتفسير التاريخ ككتاب يتوزع بين الشعر والنثر، كما سير الطفولة والصبا، لم تتعجّل زيارة الموت وإنّما حالفها النسيان طويلاً للإنقاذ بنبض خفي لا نجيده، عندما تستطلع العميق من شجون الحياة وشؤونها ببريق أخّاذ.
كان النصر عندها كعافية الكتابة، وهي تعترف وتصف ويحتفيان سويّاً بالوصف والاعتراف.كتبتناّ إذاً، فوز،وسألتنا، وأنتم أصدقائي: "ما التاريخ ؟ من هؤلاء ؟". ولمّا كنت من بين الأصدقاء استنكرت السؤال لأنّه استفزّني وحيّرني فاعدته فارتدّ إليّ مع رحيل فوز ما التاريخ ومن هؤلاء؟. وكانت زيارتها للموت خاطفة فهي فوزُ حتى على الموت، وأصرّت على حضورٍ لافت في النجوم المضيئة للتاريخ.
وبلغة -وديان الهمّ التي ما أخطأت رسومها في جبهتها الشمّاء- شفيفة تؤثر وتحفر عميقا في الوجدان، كانت تصف لنا أجواء الحرب القائمة والقادمة وألوان الدمار بمهارة لافتة، فكان أن تعلّمنا عن الظلم الذي رفضته، وذهبت.
كانت تكشف التاريخ وما خفي عن الرواة ما شاء لهم التأويل، وكانت مشاهد ومقاطع استقرت في الذاكرة من تاريخ فوز هو ما دون الانتباه وما خلف الصورة . و بحسها الرفيع الاستخلاص كان الخفي والمستورطائعاً لوعيها البصري وصاغت لنا التاريخ وأرغمتنا على التلصص على زوّار الموت وكشف منازل الروح والحنين وننتزع منّا اعترافاتنا بعزلتنا في الذات.
كانت تجسّد الصبر والمنفى والطفولة والمكان ومذاق القهوة والموت والقلق والانتظار وظلّت تجسّد الأمل كأفضل ما تجسّد وكانت حريصة على الأسئلة المحظورة تبويب أجوبتها، و بسجية البوح، وتلقائية الرقة والغضب والأسى دون إخفاء الخيبة أنجبت ثوّار الحرية من تزويج وجدانها بفراسخ المعنى.
لم تكن تحاصر أطفالها بمعاتبات جارحة فكانت عارفة بقوانين العلاقات، فصاروا اليوم مدونين لحقول المعرفة بهرطقاتها، صاروا منذ الذهول الأول، وغموض النشأة؛انبلاجاً للكون الصاعق لا عدمه. وصاروا ينجزون أعمالاً رحيبة وبلا انقطاع؛ يخوضون ذلك بيأس أحياناً، وبجسارة الأمل في كثير الأحايين. يستنهضون كل شيء، يمشون في كل مكانٍ وصعيد، حتى في المتاهة!!.
كانت نخبوية، وكانت شعبية، فطنة، قديرة التقويم، عارفة، لا تفوتها السهولة لكنها تكره أن تتكرر، فذهبت لتترك الرحابة كلها لتكرارها لمن يجرؤ. كانت كتاب ملئ بثراء في المعنى والصياغة، يصعب تجزئته،تتنقل من فضاء إلى آخر، ومن بلاد إلى أخرى، ومن حقل جمال إلى آخر. توثق لحظات وتواريخ غفلنا عنها، ترصد الرتيب والطارئ، الهامش والمتن، الرخي والعاصي. لم تكن تسعى إلى ترتيب أوراق العمر، وترميم الفجوات والشروخ الظاهرة على لوحتها، بل تعتني بها فقط بنشاط.
رحلت عنا قبل عقد من الزمان، وما زلنا نفتقد جميل الصبر على فقدها، لكنّا على حقّ!!
فاقت "فوز" صويحباتها في سباكتها الحياة، تميز وتؤدي بمعيار وما يضبط فعلها، لا تزوّق،تتقصي ما تورد حتى في الونس، وكان سلطانها على الدوام في البعد عن السلطان.
كانت،تنمي قدراتها في مجالات كثيرة، لتضيف الجديد إلى الأيام الرتيبة، رؤاها الفكرية لا تجاريها سوى عقيدتها السياسية،التي لا يضاهيها سوى حبها الفن والخير، وإذا ما أعجبها شئ كانت تقول "الله" بمدّ اللام.
كانت ضميراً للطالبات، النساء عموماً، وللشعب بوجه أعمّ،برغم أصوات الفساد الضاجة، وكانت ذات بصيرة دائماً تتحدث عن قضايا الناس والألم يعتصر قلبها. كانت كريمة تستقبلك أينما صادفتك بحفاوة الأصدقاء، وفية للصحاب تكره الجاه والوجاهة، وتحب الصدق والناس. رحم الله فوز، وتقبلها قبولاً حسناً وأسكنها فسيح جناته."")
(فوز2)
---------------------------
كانت مؤمنة لأنها كانت ذات خلق حسن،كانت مجاهدة في العمل الوطني، فاعلة في العمل السياسي، أعطت ولم تأخذ، مواقفها قويّة، وآرائها معتدلةٌ ثاقبة، واجهت حكومة الإنقاذ وأذيالها داخل الجامعة وخارجها، وكانت حاضرة في كل نشاط وتطور لازم تنظيمها فكانت دوماً محل تقدير واحترام. كانت رمزاً للصمود والكفاح والنضال والجسارة، لم تعرف الخوف ولا التهاون، بل دائماً صلبةٌ واثقة. كانت وفيّة وكريمة وذات حسّ سياسي وفكر عاليين، وكانت صاحبة قدرات استثنائية وما كانت المهارة و الحنكة لتفوتاها، وحتى عندما تكون حادّة كان ذلك يلامس حبّ الناس لها لأنها تحبّ الخير لهم، فيجد اللطف واللين طريقاً ممهّدة تمشي عليها شجاعة الرأي.
كانت صبورة، لا تشتكي، ذات رعاية ودراية، وإحساسها بالمسؤولية الوطنية لا يُعلى عليه، كانت لنا جميعاً ساعداً وعضداً وعاشت حياتها القصيرة الطويلة للوطن والمواطن وبيتها كان الجامعة وفي بيت أبيها بكسلا المفتوح كقلبها للجميع عاشت البنت السودانية الأصيلة المحبة المحبوبة، وكانت تحاول الحلول للمشكلات السودانية أينما حلّت فكانت قومية التوجه تمسك بالقيم والمبادئ تسند وتساند وتقود بودٍ وصدرٍ مشروح للكل،وما تعبت من حمل معول الدعم والمساعدة في البيت والجامعة والتنظيم والشارع السوداني.
كانت علاقاتها مع من يخالفها الرأي من تنظيمات وأحزاب ودودة راسخة وهى تعلم وتعلّم أن الألم والوجع والنضال ضريبة وطنية يدفعها الجميع، أخذت قسطها من الإساءات ممن تربوا عليها من زمرة الانقاذ، ومن المطاردة والملاحقة ومحاولات الترويع من ضعاف النفوس والجهلاء،وتخطّت بكل قوة ومروءة يحسدها عليها الرجال، كل أحابيلهم السوداء ترسي فيها ولنا جهاداً ونضالاً وصلابة فكانت ذات خصائص نادرة ومثقفة،ثقافة من عركته التجارب فكانت المرأة الحديدية،المرأة القوية الواعية والمستنيرة، وبإمكاناتها وقدراتها الانسانية الثقافية والسياسية والاجتماعية تجدد الدماء في التنظيم و في كل من تلن عزيمته قليلاً.
تحمّلت المواقف الصعبة كافة، وتحملت خياراتها وقدرها وتحمّلت المسئولية بكل قوة.. مسؤولية الطالبة، مسؤولية التنظيم ومسؤولية الوطن من قبل ومن بعد.. ونجحت نجاحاً منقطع النظير، فكسبت محبة الجميع لما تتمتع به من شخصية وكاريزما قوية، وكان منطقها يحلّ ما استشكل ويقنع مخالفيها الرأي بكل هدوء.. وكانت أماً وأختاً وزميلة وصديقة للجميع.. داخل وخارج التنظيم.. وكانت هي للتنظيم بوصلة تحدد له معالم الطريق.. وتدربنا نحن على السير فيها.
لم تكن واحدة بل كانت تساوي الكثير. كانت فوز لا يعوّض. كانت تبتسم وتضحك لا تزيّف ولا تنافق.. كانت كالسودان الذي تحلم به يسع الجميع ونحن نشهد لها بأنها نذرت حياتها لقضايا السودان من ديمقراطية وحرية، ولم تلن لها قناة أبدا في مواجهة الإنقاذ والوقوف بصلابة والتحرّك بجسارة وقوة ضدها!! وكانت تفجّر فينا الأمل تفجيرا. لم تصمت، ولم تهن، وكانت لها (لا) مجلجلة، في وجه الظلم ك(لا) أمل دنقل ،حين كان الصمت ملاذ الكثيرين.
كانت تمنح أصحابها العزيمة والمضاء برغم القمع والظلام الآسن، وبرغم المحن والمآسي والتجارب الفاسدة التي كانت تطبقها الإنقاذ والمصائب التي ألمّت بالوطن والموت الذي كان يتخطّف أفراد أسرتها الواحد تلو الآخر، والواحدة بعد الأخرى، فكانت تقابل محن السهر والألم والمرض بقوة الصحو والصبر والصلابة. ولا تشفق على نفسها أبداً وإنما تشفق على الوطن وأبنائه كأنّما وجودها كان لتحميه وتحميهم رغم محنتها وما تتحمله من ضغوط وكأنما رسالتها كانت لتذيقنا الفوز والانتصار وحب الناس وطعم الإخلاص والوطنية والإباء والشمم والاستقلال والحرية.
وكانت تفعل ما تفعل دون مراء أو رياء، تقوم به في تواضع لا يعرف التكبّر ولا الإدعاء وكانت مبدعة فكل ما تباشره تجوّده وتجعله مميزاً يخفف للناس ما يعانونه.كانت تشقى وتبذل كل البذل وتضحي من أجل الوطن،كانت في حياتها وموتها في عليائها، فقد شاركت ضد الانقاذ في أيامها الأولى بفعالية وإيجابية وحافظت على ألّا ينقطع نشاط التنظيم وآنذاك كنا في أحلك الظروف السياسية في سنوات الإنقاذ الأول والنشاط الطلابي محظور في الجامعة، فكان بمثابرتها أن كسرنا الحاجز ورغم أنف السلطة واصلنا الحراك السياسي وكانت حريصة على الحضور في كل الأنشطة والفعاليات السياسية والمشاركة بالنقاش وبالرأي فيها، تفعّل وتنمّي وتطوّر، فكانت نوعاً من النساء فريداً، لها كينونتها الخاصة التي تبزّ الرجال بها مواقفاً وهمّةً فكانت وطنيتها عصيّة على الوصف، وسعيها يخجل الدهشة.
كانت فوز الفراشة كمعرض متحرّك، يربك الركون، يريك صوراً على جدرانها لكل ما هو شامخ وشاهق في تاريخ السودان، تنظر إليه فتأتيك كل الكلمات التي تريد أن تسمعها وأن تقولها،أدب الرحلات لا يغيب عن المعرض، السير الناصعة تسّابق على صدر المعرض كانت عطاءً عظيما وسحراً مستديما.
تعلّمنا معها ومنها ألاّ نستنكر أمر الله، وألاّ ننصرف عن التفكر والتدبر في أمر الموت كحقيقة وجودية تستدعي التفكر والاعتبار، لكن الحزن لا يزال في المقدمة في سباقه مع الدموع والأفكار مبعثرة كما الكلمات، والوحشة ضيف ثقيل الظل وزائر مقيم، وبرغم مساحات الحزن والألم للفراق، لم يحن الوقت بعد للكتابة، على نحوٍ يليق بالألق، وبتلك السماحة وذلك الحنان الغامر وتلك الصلابة.
كانت تريد – وفعلت- إثراء الحياة الإنسانية واستكمال الخير والجمال فيها بتفوقها سياسياً، بحبّ السلام والنفير، وإرساء الحقوق المشروعة لشعبها وتعهدت برعاية أشجار الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وفارقتنا خلسة وفي أشد الأوقات حوجة لها قبل تحقيق إنجاز المشروع الوطني للحريات و الديمقراطية والمساواة وقبل أن تتذوق معنا ثمار ها، ثمار العطاء للبناء والرخاء.
لم تكن تبخل عندما تريد أن تبيّن ليس لعطائها حدود ..أو ليس إذاً فراغاً كبيراً ذلك الذي أحدثناه بفقدها؟، كانت تمثل التوازن في التنظيم أيام الجامعة كانت تشجع الآخرين وتحفزهم ولمن هم أولى قربى وهم كثُر كانت التوازن خاصّاً وعامّا، تُعين وتستعين على متاعب وأرق العام بعاطفة جياشة، وعلى قلق وشد وجذب. الخاص بصبر نبيل ومسؤولية كاملة، وعقلٍ راجح. عند المصاعب والمصائب وهي لا تحصى، كانت صلبة قوية تتقدم ولا تتأخر بتضحية وفدائية ونكران ذات. وعند الانفراجات – على قلّتها – كانت تجدد طاقتها والآخرين ولاتنسى نصيبها ككل حداة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان من وقود العزيمة والإرادة التي لا تنهزم وأكبر زادها كان من الحكمة والتريث.
كانت فوز وستظل تمثل تاريخاً مشرفاً، فهي لا تعرف التردد ولا الهياب ولا الهلع، إذاً سنقاوم الذات ونقوى مهما طرق قلوبنا طارق ومهما امتلأت مآقينا بالدموع وسنتجلّد ونجمع شتات قوانا لمواجهة كل مصاب جلل، وحتى تستعيد شابّات الوطن دورهن والقوة التي غرستها فوز، فلو عرفنها لما ترددن في قول:" أنّها مثلتنا خير تمثيل، حتى نجئ" - وستظل رمزاً من رموز النضال. وستظلُّ فوز
--------------
فوز (3)
مضت بفرادة السيرة والسريرة والمسيرة والرؤية الثاقبة وبعملها الجاد عبر طريق المخاطر والصعاب التي ركبتها وبتلك العزيمة التي لا تلين مؤشرة بعنق شمّاء وجبهةٌ عالية، إلى الثريا. تزيدنا قرباً و عزّة.
فوز، يتها الغصة التي استعصى علينا ابتلاع فقدها معها، واستعصى على الانقاذ ألاّ تضيق بها وبصبرها، ذرعا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.