العيشة (المعيشة) والعيشة (الخبز) وجهان لعملة واحدة. وبغض النظر عن نوع الغذاء المعتاد أو المستحب لأي شعب، يظل الخبز أو الرغيف هو "لقمة العيش" وهو الأساس والرمز لاستمرارية الغذاء وبالتالي المعيشة. والتعجب هو ذلك الشعور الذي ينتابك عندما يطلع سعادة المدير في التلفاز ويقول أن الناس قبل مجيء حكومته الخالية كانت تقف في صفوف العيش وفي طرمبات البنزين الطويلة لأوقات ليست بالقصيرة ولكن بعد أن أتى هذا النظام الخرافي اختفت هذه الظواهر وعاش الناس في سلام وإخاء وألفة ومحبة. أما من ناحية صفوف البنزين فكلامه عين الصواب، لا يوجد صفوف نظرا لارتفاع أسعار الوقود ومن المحتمل أن تختفي الصفوف تماما عما قريب. ولكن التعجب هو أن يقول المدير كلامه هذا وبعد بضعة أسابيع تخرج من بيتك لتشتري رغيفة فلا تجدها. التعجب في أن تجد المخبز القريب من بيتك مقفل والذي بجانبه مقفل وتضطر للسفر بعيدا للبحث عن لقمة عيشتك وعندما تجدها تجدها أمام صف من 40 شخصا وتتمنى من الله أن يكون نصف الصف (عزابة) لكي تجد نصيبا من الخبز عندما تصل! ربما تصيبك حالة من الإحباط والتعجب (بكسر التاء والعين والجيم) عندما تيقن أن نصف إنجازات حكومتك الرشيدة (إعدام صف العيش وفصل الجنوب) في الكم وعشرين سنة من الحكم طارت هباء منثورا وكلام المدير طلع "فشنك"! والحيرة فهي ما يصيب الخبز في السودان من أمراض. الرغيفة من عرفناها لها ثلاثة أصناف: إما لينة تؤكل وإما ناشفة ضارباها الشمس وإما قديمة عفنت (خدرت). أما رغيفة ضاربها سوء تغذية وكمان (رافعة سعر) فهذه عاهة خلقية وأخلاقية. العيش هو الثروة القومية الوحيدة التي تبقت بعد انكماش الثروة النفطية إلى الربع فإذا انكمشت العيشة هي الأخرى ماذا نفعل؟ نحن عندما نجوع نأكل العيش، فماذا نأكل إذا جاع العيش نفسه وانكمش؟ ذهب محمد أحمد إلى المخبز وأعطى الخباز جنيا فأعطاه الخباز 3 رغيفات صغار. اهتقد أنها عينة مجانية فوقف جانبا وأكل ال3 خبزات والتفت إلى الخباز وقال له "أيوا الصنف دا كويس.. هات منو". أما المضحك وشر البلية ما يضحك عندما يأتي المسؤول في حكومة سلة غذاء العالم العربي ليتهم بهض (الجهات) بإثارة الهلع وافتعال أزمة الدقيق ويطمئن المواطنين بعدم القلق لأن مخزون البلد من القمح يكفي ل25 يوما إضافيا. 25 يوم إضافي من الازدهار الرغيفي. فمن يمسك بعيشة فليأكلها ومن وقفت له عيشة في حلقه فليبلعها فاخبز لم بنتهي بعد! ولكن في نفس الوقت من لديه صاج لعواسة الكسرة فليخرجه و ينفضه من الغبار ومن ليس لديه فليشتري صاجا ويستعد لأكل الهوتدوق بالكسرة. سادتي الكرام سوف تختفي كلمة سندوتش من المعجم السوداني، لا شاورما ولا طعمية ولا غيرها، ستتلاشى الفتة (البوش) وينقرض صحن الفول. سيؤكل الفول بالملعقة مثل المهلبية أو الرز باللبن و سيؤكل صحن الشية مثل العنب. وأخيرا المصيبة، المصيبة أن يكون المدير لا يعرف القيادة ويصر على عدم فك المقود لمن يعرف. يا إما ركبنا في عمود أو وقعنا كلنا في هاوية. كأن التردي المعيشي والغلاء والفساد ليس بكفاية. حتى الغذاء حرموا الناس منه. خبز الان ولحوم وخضروات لاحقا. ان استمر الوضع كما هو عليه، بعد 6 شهور سيتمنى السودانيون المعيشة في قطاع غزة المحاصر أو في أحد مخيمات اللاجئين السوريين! .. كرهتونا العيشة وكرهتونا العيشة (الرغيفة). ياسر عبدالرحمن حاج الخضر [email protected]