بسم الله الرحمن الرحيم قفز الصحفي والإعلامي الأستاذ حسين خوجلي الي دائرة الضوء والتركيز، عبر برامجه ذائع الصيِّت، "مع حسين خوجلي" الذي يعده ويقدمه بطريقته الخاصة، عبر قناة أم درمان المملوكة لشخصه، علي الأقل ظاهريا! وهذا البرنامج وبغض النظر عن الإتفاق او الإختلاف معه، فقد حاز علي قدر كبير من الإهتمام، وهو إنعكاس لنسبة المشاهدة العالية التي يجدها! وبما أن مجمل ماشاهدته علي مدار ثلاث حلقات لم يتجاوز النصف ساعة! لذلك كل ما يذكر يظل مجرد إنطباعات او ملاحظات أولية، ولا ترقي لدرجة التعمق او الصبر الطويل علي مشاهدة كل ما يقدمه، بأي حال من الأحوال! ومن هذه المُلاحظات، أن نسبة المشاهدة العالية، التي يتقاسمها المؤيدون لشخصه وأفكاره وما يقدمه بصفة عامة، او المخالفون لتوجهاته ويتشككون في أهدافه ومراميه! تُعزي لعدة أسباب، جزء منها، قد يرجع لسبق ما ذكرنها في موضوع آخر، يخُص إنتشار صحيفة الإنتباهة، وكان ملخصه، أن سبب الإنتشار يعود للقدرة علي الترويج، كأحد آليات السوق، والنهج الإقتصادي الربحي، الذي لا يسكنف المُتاجرة بكل شئ، حتي مخاوف ومطالب الشعوب! وهذا الإنتشار لا يعكس بالضرورة، القيمة المعرفية والتنويرية والإخبارية العالية، المحمولة عبر الرسالة الإعلامية او القناة الإعلامية(صحيفة تلفزيون إذاعة نت)! ولكن هذا لا يمنع أن هنالك جوانب ذاتية، ساهمت في هذا الترويج والإنتشار، من ضمنها الموهبة والذكاء الإعلامي! وفيما يلي الأستاذ حسين خوجلي، فهو يمتلك الموهبة الإعلامية(بغض النظر عن طريقة توظيفها)، والتي طورها بتوسيع الإهتمامات(ثقافية سياسية إجتماعية إستثمارية!) وطعَّمها بلغة بسيطة وعامية، تجد الإستحسان والقبول لدي متلقي، يكره(التفلسف والكلام الكبار!)، ولو أنها لا تعدم إستخدام تعابير، تشابه تعابير الشيخ محمد أحمد حسن، الغارقة في الشعبية، والتي تثير بعض الإختلافات حول إستخدامها او عدمه، من زاوية الرسالة الإعلامية، كآلية للإرتقاء بالذوق العام وتهذيبه، وأيضا بسبب دخولها الي كل الأسر والعائلات، بمختلف شرائحها وثقافتها وميولها دون إستئذان! او رفضها لإرضا المُتلقي كيفما شاء! ومن زاوية أخري، إن طريقة الإهتمام الشديد، بمثل هذا النوع من البرامج، او صعود مثل صحيفة الإنتباهة، بمثل هذه السرعة، رغم قصر العمر والتجربة! تعكس حالة المجتمع، أو مرآة للمستوي الذي وصل إليه المجتمع! سواء من ناحية ثقافية فكرية سياسية، او كيفية تعاطيه مع المادة الإعلامية، وتاليا ردة فعله تجاه الأحداث التي تجري من حوله. وبكلام آخر تعكس مرحلة المخاوف والهموم والقلق التي يعبرها المجتمع، وفي نفس الوقت نزعة الإستسهال والإستهلاك ولا نقول السطحية( بحمولاتها المُتعالية المُتثاقفة المُتفاهمة علي الآخر) التي تجتاح المجتمع! واللتان بدورهما يعبران عن نقصان الزمن الخاص، الذي يُمكِّن من التروي والتمهُل وإحسان الإختيار بين ما هو متاح او مقدم، وذلك يرجع لمُداهمة الزمن الخاص، من قبل الهموم المُتراكمة، مُنعدمة الحلول والمخارج، والتي تُخيِّم علي مجتمع عصر الإنقاذ المغدور! وأيضا من الأسباب الهامة لذلك الإنتشار(مُعادل الإنحدار، وفق قانون تطور المجتمع، وعلي ضوء نتائج الحقبة الإنقاذانوية)، إمتلاك الفضاء الإعلامي بواسطة النظام وأذياله! عبر الدعم المباشر او غير المباشر لمُناصريه وأشباه مُناصريه، وتشكيل مظلمة حماية شاملة لهم، أي ضمانة ضد الخسائر المادية، وحصانة ضد الإنتهاكات وتجاوزات الأجهزة الأمنية، وإحتمال هي وفد مقدمة لتلك الأجهزة، بمفهوم الزيارات الليلية والمفاجئة التي تعشقها تلك الأجهزة! وفي نفس الوقت، ممارسة التضييق والحرمان، علي الأحزاب المُعارضة والكتاب المُعارضين، وإستهداف صُحفهم بالإيقاف، وتعريضها للخسائر المادية، وجرجرة الكتاب الي المحاكم. وهذا ناهيك عن المُضايقات والعنت والعوائق، التي يجده الصحفيون من أجل الحصول علي المعلومة او لإجراء تحقيق نزيه في قضية تخص الصالح العام. إضافة الي إرتفاع تكاليف صناعة الإعلام بصفة عامة، والتعسُفات الإدارية والمماطلة الإجرائية، في عملية الحصول علي إذن من أجل مزاولة المهنة، او لغرض إنشاء صحيفة او إذاعة او قناة، لمن إستطاع الي ذلك سبيلا! أما قوانين تنظيم(تقييد) المهنة، حمالة الأوجه والتفسيرات الجُزافية، فقد صُممت خصيصا، لتشكل تهديد لحرية الصحافة والصحفيين، وكسيف مُسلط علي رقاب الناشرين، يعدهم بمزيد من الخسائر و يدفعهم للهروب الي مجال آخر أكثر أمان! أي إستخدام القانون كأداة حماية للنظام، أكثر من كونه آلية للتنظيم ووسيلة لرد الحقوق الي أهلها، وجبر لخاطر العدالة والمساواة، المكسور بطول عمر النظام! ومجمل ذلك يعطل تطور الصحافة ويفقدها قيمتها، ويجعلها من أدوات ملء الفراغ وتسجية الوقت، بدلا من القيام بدورها في تبصير وقيادة المجتمع، الي آفاق أكثر حرية وديمقراطية وتنمية وسلام، ومشاركة في صنع قرار الحاضر وخطط المستقبل. وبجملة واحدة عملية الإنتشار والجماهيرية...الخ، هي عمليات مُصطنعة ومُتحكم فيها بواسطة النظام! وليست تعبير عن المنافسة العادلة او تقييم للمقدرة الإعلامية او الرغبة الجماهيرية الحُرة! والسبب بسيط، وهو أن النظام يُصمم إستراتيجية بقاءه علي فلسفة مُحددة، ليس من ضمنها رضا القاعدة المحوكمة او إعطائها حقها في الإختيار والمفاضلة، بين عدة خيارات مطروحة! ولكنها قائمة علي أعمدة بث الرعب الجماهيري وتعميم الخوف عبر الأجهزة الأمنية والعسكرية، وغسل الأدمغة وتغبيش الرؤية وصناعة القضايا الإنصرافية عبر الإعلام الموجه! والإغراء او المنع عبر المال والمناصب، وتاليا لا يمكن السماح للإعلام الحر بالتعبير عن نفسه او الإعلان عن ذاته! لأن ذلك يشكل تهديد مباشر لإستراتيجية الحماية السالف ذكرها، وبكلام واضح، السقوط الحتمي، لنظام لا يملك أي مبرر للإستمرار، بوصفه يعمل ضد مصالح الجماهير، التي يحكمها قهرا وخداعا! ولكن أعتقد أن النقطة الجوهرية فيما يخص هذا البرنامج، ليست خاصة برواده ومعجبيه، ولكنها تتعلق بالمُعارضة، وتثير حفيظة الكُتاب المُعارضين او المُختلفين مع هذا النظام. والمقصود أن الأستاذ حسين خوجلي بني نسبة المشاهدة العالية والإعجاب به! علي أخطاء هذا النظام وتقصير وإنحرافات قادته وعجزه عن تقديم ما يصلح حال البلد. وهذا بالضبط ما تستثمر فيه المُعارضة عن حق، وبإتساق مع مواقفها المُعلنة، ويشكل منصة لإرسال النقد الصارم والمُستحق، وتقديم بدائل لهكذا نظام! لطالما أفسد الحياة السياسية، وأوصل البلاد الي حافة المجاعة والإنهيار الشامل، بسبب تصديه لمسؤولية غير مؤهل سلفا للقيام بها! لا من حيث البرامج الواقعية او الخطط التنموية او تفهمه لإحتياجات البلاد الفعلية، ولا من خلال الكادر المؤهل الحامل للرؤية والمنفذ للمشروع العدمي، الذي يتباهي به النظام! والذي قاد بعد تطبيقه الي تفتت البلاد، ماديا(إنقسامها) ومعنويا( الخلط بين الوطن والنظام او بالتعبير الطفولي البلد حقتنا! والحقيقة هي العجز عن بناء فضاء المُشاركة والتعايُش مع الآخر المختلف تنظيميا مع النظام، بمعني التخلي عن الآخر بكل حقوقه وإحتياجاته). وبتعبير آخر، تم صنع دولتان، دولة موجهة الي الداخل او دولة الباطن، التي يصُب ريعها، وتنال إمتيازاتها، الجماعة الحاكمة او المُتحكِّمة، وهي نفسها تتقسم الي عدة وحدات وإدارات، أكثر فساد وغموض وطُفيلية، وقدرة علي تحويل المال العام والصالح العام، الي صالح شديد الخصوصية والإلتواء! مثل إدارة السدود البترول الشركات الحكومية الخاصة...الخ، ونهجها المُتبع في تجنيب الأموال والإستعصاء علي المُراجعة، او معرفة حدود سُلطاتها او تتبع شبكاتها وتداخلاتها. ودولة عامة، مسلوبة الإرادة والمُنفعة، توجه لبقية قطاعات الشعب الغير مُنظَّم! أي دولة تُقدم، تعليم علاج مُدخلات زراعية..الخ أي خدمات، في غاية التدني والهشاشة والضعف وبكل إهمال، أي دولة فارغة المضمون، تؤسس لبؤس النتائج وخواء المشاريع التنموية والخدمية، ذات الطابع الدعائي و المردود الوهمي! وهي تخصم من رصيد المواطن المُفقر والمُنهك أصلاً، بدلا أن تقدم له علي الأقل، الإكتفاء وإحترام الذات، ناهيك عن التقدم والرفاهية ومتعة الحياة، أي في حقيقتها دولة شكلية، وظيفتها الأساسية، مُراقبة الشعب وحصاره وقمعه، لتوفير أكبر درجة من الحماية لدولة الباطن، المُحرك والمستمتع الحصري بالوطن!! بمعني أن الإستاذ حسين خوجلي لم يبنِ نجاحه، علي الدفاع عن نظام، يُمثل أحد أعمدته في فترة من الفترات، وكصوت راعد ومجلجل، لطالما دافع عن المشروع الحضاري والدولة الإسلامية، المورد الفكري والمنهجي والبشري لهذا النظام. حتي ولو أظهر نوع من الخصومة الآجلة معه! والرفض لنتائجه الكارثية!! أي أن الإستاذ حسين خوجلي إستفاد من النظام، في عز سطوته ومنحه للإمتيازات المجانية، التي ينعم بها حسين خوجلي حتي الآن! والآن يحاول الإستثمار في نقد رجالاته وبعض نتائجه، والغرض أيضا المزيد من الكسب، ولو عبر إستدرار عاطفة الجمهور العريض، الذي يتحدث باسمه الآن! وكأنه مبعوث إلهي، أُرسل لتبصير الشعب وجهته الصحيحة، وتبصير النظام هفواته وسقطاته! بمعني أن الإستثمار الرائج الآن، وما يجلب المكاسب المادية(زيادة نسبة مشاهدة القناة، وتاليا الإعلانات) والمعنوية(حالة النضال المتأخرة التي تتلبسه الآن!)، يتمثل في توجيه اللوم والنقد، لمُمارسات سلطوية، تسببت في إلحاق الأذي والمثغبة والفقر والمرض والإحباط، للجمهور المُشاهد! وتاليا يجد الجمهور المغبون، في هذا الإسلوب التهجمي، وبلغته العامة وصراحته الشديدة! نوع من السلوي والتنفيس عن حالة الكرب والرهق التي يرزح تحت نيرها الجمهور، وممنوع من التعبير عنها، سواء عبر الإعتصامات، او المسيرات والخروج الي الشارع، ولو بطريقة في غاية السلمية(العنف يحدث غالبا كردة فعل لعنف المواجهة). بل مجرد التجمع والتجمهر البسيط، يُقابل بقوة مفرطة، لا تُعادل شكل التظيم والتعبير بأي حال من الأحوال. والنتيجة، إجبار الآخر الشريك في الوطن، علي سلك الدروب الوعرة، كحمل السلاح ونحوه، لنسمع بعد ذلك البُكاء علي اللبن المسكوب! أي نبذ الحروبات والإقتتال وغيرها من أساليب(العياط) الذي تتقن ممارسته أجهزة إعلام النظام. والسؤال الذي يفرض نفسه، لماذا السماح للأستاذ حسين خوجلي، بكل هذه المساحة والحرية وتمديد رجليه؟! وإمكانية إيقافه لبعض الوقت، دون المساس بممتلكاته ومصالحه(هذا ليس تحريض ضده، وإنما تساؤلات مشروعة، إذا ما كُنا شُركاء مثله في هذا الوطن المفقود)، في حين أن أقل من هذا النقد، عندما يأتي من قبل الأحزاب المُعارضة او الكُتاب المغضوب عليهم! تُغلق في وجههم القنوات والصحف، وتَفتَح المحاكم قاعاتها وأرشيفها والسجون والمعتقلات أبوابها لإستقبالهم! وكل هذا يقودنا للنُقطة الهامة الأخري! وهي ظهور تيار جديد من الإسلامويِّن، يتقاسم الدور مع بقية المنظومة الإسلاموية، او بدونها لا فرق في المحصلة النهائية! اي ما يُمكن وصفه بالتيار الناقم. وهو أقدر علي قراءة اللحظة الراهنة، مُقارنة ببقية المنظومة الغافلة! أي يعلم صعوبة او إستحالة إستمرار الأوضاع بهذا الشكل، وأن مسار الأحداث والوقائع، يُنذر بالإنفجار الوشيك، وذهاب ريح النظام الي غير رجعة، آخذا معه مشروعه الحضاري، بقضه وقضيضه، وتيار الإسلام السياسي بفشله وخيباته وإنكساراته وبرمته، الي نهايته الفاجعة او مثواه الأخير مُشيَّع بالغضب واللعنات! لكل ذلك يندفع هذا التيار، لمُمارسة نوع من النقد الغاضب! لبعض المُمارسات الخاطئة والأفراد شديدي الفساد، في العلن، والسعي بجد لإعادة تأهيل بعض الشخصيات، بما فيهم المُناضل الجديد، الأستاذ حسين خوجلي! وإعدادهم لمرحلة جديدة يقودون فيها المسيرة الظافرة! بإذن تلوانتهم الحربائية، ورهانهم علي ضُعف الذاكرة الجمعية للشعب! وبكلام آخر، محاولة تلميع المشروع الإسلاموي وإحيائه من جديد!! والذي في حقيقته منظومة من المصالح الخاصة، تم خلقها وتأسيسها خلال الفترة الماضية، وآن الأوان للمُحافظة عليها، بعد أن إستنفد المشروع الإسلاموي أغراضه وشخصياته، بنسخته القديمة، وراكم الثروة والنُفوذ والسُلطة، لدي قلة من ضمنهم بالطبع الأستاذ حسين خوجلي! خاصة وأن هذا المشروع أصبح يتعرض للتهديد كما ذكرنا سابقا، بسبب نهبه للدولة وتخريبه لمرافقها وممتلكاتها، وإحتلاله لكل منابع المال، و وإستيطانه داخل أماكن التأثير في القرار داخلها! وفي نفس الوقت إهداره لحقوق وكرامة الفرد السوداني الشريك الآخر في الوطن! والذي أصبح يعي ما يدور حوله، ومن الصعوبة بمكان خداعه مرة أخري! او علي الأقل رفضه لكثير من المُمارسات السابقة، وبعض المتنفذين وأساطين الفساد الحاليين!! وكل ذلك قاد المجموعة المستفيدة سابقا، ويهمها الآن إستمرار هذا النظام ولو بشكل مُغاير(نيولوك)، علي مستوي القادة، وإتاحة بعض الهوامش السياسية والإقتصادية والإجتماعية، بحيث لا تمس عصب المصالح السالف ذكرها. وهذا التيار تتقاسمه عدة إتجاهات، أولها إتجاه صادق في دعوته للتغيير، ومعظم أعضائه عرف عنهم نظافة اليد واللسان، ولكن مشكلة هذا التيار، انه يعتقد أن الخلل في الأدوات وليس المنهج! وعندما تتغير الأدوات والأفراد، يمكن أن يصل مشروعهم الي نهايته المشتهاة، أي يحتفظ مشروعهم بصورته المُتخيلة الزاهية في أذهانهم وأحلامهم، بعد إصطدامه بالواقع الصلب! وللأسف هذا التيار يمثل أخطر الإتجاهات، عكس ما يبدو ظاهريا، لأنه يُمثل مشاريع مُحتملة، لإعادة إنتاج المآسي والكوارث بإستمرار وبصورة أكثر مأساوية!! وإتجاه آخر، هاجسه إقتصادي، يعي أن أي تغيير جذري، او تحطيم لنموذج السلطة الإسلاموية الحاكمة، يمثل ضياع لتلك المصالح الإقتصادية غير المُستحقة! والتي تتعاظم فوائدها، ليس بتطوير قدراتها ومساهمتها الإيجابية في زيادة الدخل القومي والناتج المحلي، وفتح فرص عمل جديدة نتيجة لتوسع أعمالها! ولكن يتم ذلك بتطويعها للقوانين وإستغلالها للعلاقات الخاصة، لتنمية تلك المكاسب ومضاعفتها بمتوالية هندسية ولو علي حساب المصلحة العامة! أما الإتجاه الثالث، فطموحاته سياسية، يشعر بأنه ظُلم خلال الفترة الماضية، وهو أحق من غيره بالقيادة، خصوصا وهو يتوهم في نفسه، الإستقامة والنزاهة والقدرات الفكرية والسياسية والتنظيمية العالية! وأنه غُدر به في المرات السابقة، بسبب مجاملات وتقديم من هم أقل منه كفاءة، مما أدي الي ما وصل إليه مشروعهم الهُلامي، من تفكك وسقوط وإحتقار!! والخُلاصة، أنه بتوسيع دائرة الرؤية، نجد أن هذا البرنامج "مع حسين خوجلي" لا يخرُج من منظومة الإلتفاف الإسلاموية، التي تحاول إرجاع عقارب الساعة الي الوراء، لمنحهم فرصة أخري لإدارة البلاد من غير إزعاج، وبما يحفظ مصالحهم. والدليل إن هذا التيار وبما فيهم الأستاذ حسين خوجلي وعبر برامجه هذا، لم يقدموا مراجعة حقيقية لمشروعهم الإسلاموي المزعوم، من حيث المنهج والمُنطلقات، وقدرته علي فهم وإستيعاب تعقيدات الواقع السوداني. من أجل تقديم حلول معقولة، علمية وعملية و واقعية، لتغييره للأفضل، أو ما يُتوقع تقديمه من قبل كل، مَنْ يتصدي للشأن العام! او علي الأقل، القيام بعملية نقد لتجربتهم الشخصية، كفاعلين ومُنفذين لمرحلة أساسية من عمر النظام! بمعني أن ما ينتقدونه الآن، هو جزء أساس من حصاد أفكارهم وأعمالهم! ولابد من الإعتراف بذلك، وتقديم إعتذار صريح وشفاف للشعب، وتقديم ما يثبت ذلك من ضمانات لعدم تكراره، أقلاها الإبتعاد عن المُعترك السياسي، وإرجاع الأموال المنهوبة والثروات التي ينعمون وأسرهم بها الآن، لأن الأمانات لا تسقط بالتقادم او بالإدعاء بالوقوف مع الجماهير والغضب من أجلها! والمعلوم أن المُراجعة الجذرية، لهكذا مشروع فسادي كارثي، او المُنادة بالديمقراطية الكاملة، والسعي بجد لجعلها الهادي والموجه لمسار حياتنا، كآلية خلاصية من هذا التيه الإستبدادي، الذي غمرنا بظلامه وجهله وقسوته وإهانته عشرات السنين!! يعني بالتحديد تجريد الأستاذ حسين خوجلي ورهطه من الناقمين الجدد، من إمتيازاتهم المادية والمعنوية والمكانة والظهور المفروض علي المجتمع المقهور، من خلال إتصالهم الظاهر او السري بهذا النظام المُفلس ومنظومته الضالة المُضلة! وما يثبت أن هذا التيار لم يتعظ، وأن ما يفعله مجرد ذر للرماد في العيون، وتنفيس عن غضبة الشعب، ولجم لتساؤلاته وإستنكاراته! أنهم ما زالوا يحتقرون التجربة الديمقراطية السابقة، والأحزاب السياسية المعارضة، وينسون أنهم من أهم أسباب الفشل النسبي لتلك التجربة، سواء بالممارسات المنافية للقيم التحررية والخلق الديمقراطية القويم، والذوق الوطني السليم! او بالإنقلاب والحكم بالإعدام عليها، وتاليا تعطيل مسيرتها، وحرمانها من فرصتها في العيش، والتعلم من أخطاءها ونواقصها! كغيرها من التجارب الديمقراطية، التي واجهت صعابها ومعيقاتها، وتخلصت من تشوهاتها، ووصلت من خلال الصبر عليها، والإيمان المبدئي بقيمها، وسلامة خطها الصاعد، الي مرحلة النُضج والقدرة علي وضع أفضل الحلول وطرح أحسن الوسائل، لمُعالجة إشكالية الحُكم المُستعصية تاريخيا! وإدارة الدولة بطريقة سلسة، وتنظيم وترقية المجتمع بحفظها لأهم مُحفزاته وهي الحرية! وكذلك نجدهم لا يتورعون سواء بصورة صريحة او ملتبسة، في التشكيك بنجاح الديمقراطية الصريحة في هذه البلاد!(أي ليست الديمقراطية المُلتبسة التي يؤمنون ويبشرون بها، أي تحت سقف مشروعهم الإسلاموي الرغبوي المُغترب عن الواقع!)، وفي نفس الوقت لا يقدمون البديل المُقنع العملي القابل للتطبيق! وبكلام آخر، إرسال رسالة للمجتمع مفادها، أنه من الأفضل الإستمرار بالوضع الحالي، مع إجراء بعض التحسينات عليه. أي عوضا عن مشاركتها باقي التيارات والفاعليات السياسية المُعارضة، في إبتكار حلول عملية، لوضع حد لهذه المهزلة، ومحاسبة الطغمة الفاسدة، صنيعة الإستبداد، ومحطمة أي بارقة أمل، في إنجاز حياة مُشرفَة، تليق بالمواطن السوداني، الذي ضحي وصبر كثيرا علي نُخبه، دون جدوي! نجدها تحاول تخذيل القاعدة العريضة، وتشككها وتحرفها عن الإلتفاف حول المُعارضة السياسية، أو مساعدتها في تكوين أجسام أخري حقيقية، قادرة علي التخلُص من هذا الكابوس، وفي نفس الوقت تملك الرؤية والإرادة، للتأسيس لوطن ديمقراطي عظيم. هُنالك مُلاحظة أخري، تخص تسمية البرنامج "مع حسين خوجلي" فهي تشابه، تسمية البرنامج الشهير الذي كان يُبث علي قناة الجزيرة الفضائية القطرية، قبل فترة ليست بالطويلة، بإسم "مع هيكل"! ولا أظن أن التسمية هنا بريئة او مُجرد مُصادفة وتشابه في الأسماء!! ولكنها تحمل شُبهة تصوره لذاته، أو هي إنعكاس لما يدور في عقله الباطن، أي التشابه ما بين الأستاذ حسين خوجلي والأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل! بمعني إن الأستاذ حسين خوجلي يتمثل شخصية الأستاذ هيكل! ومعروف دور وأثر الأستاذ هيكل، سواء علي المستوي الصحفي او السياسي، فهو يُمثل أهم شخصيات بلاط صاحبة الجلالة، خلال فترة تاريخية محددة(الفترة الناصرية)، لدرجة أُعتقد فيها أنه العقل المُدبر للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، او علي الأقل كان صاحب تأثير كبير وحضور طاغِ، خلال تلك الحقبة. وأعقب ذلك بإنتاج غزير من الكتابات التوثيقية والإستراتيجية، والتي تنم عن إلمام كبير بقضايا وخبايا وتعقيدات، ليس دولة مصر لوحدها، ولكن كل منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص الصراع مع إسرائيل، كواحد من أكثر قضايا التاريخ تعقيدا، ليس بسبب غياب الحقوق، أو إستحالة إيجاد الحلول، ولكن بسبب المواجهة بين الحق والقوي! وتغليب عنف القوة وتجاوزاتها ومصالح من يقف وراءها، علي حساب عدالة القضايا وحقوق الشعوب وإستقرار المنطقة! وعموما هي كتابات غنية، ساعده في إنجازها، علاقاته الواسعة إقليميا ودوليا، مما مكنه من الحصول علي كثير من الوثائق، والمقابلات واللقاءات الرئاسية والدبلوماسية، وبعضها كان حاضرا خلالها. ولكن أكثر ما يُحمل علي الأستاذ هيكل، هو هجومه الشديد علي نظام السادات وتحميله أوزار كل الفشل والخطايا، وهنا يستبين شكل التأثير الواعي او اللاواعي، للأستاذ هيكل علي الأستاذ حسين خوجلي، الذي يتهجم علي النظام الآن، ويحمل هذه المرحلة كل الإخفاقات والفشل!! ولكن المؤكد أن البون بينهما شاسعا، سواء في الإمكانات والقدرات او التأثير والأثر الذي خلفه كلاهما! ولكن الأكثر تأكيد، أن كلاهما، دعم أنظمة عسكرية، تحولت الي شمولية إستبدادية قابضة، مما يؤكد أن التشبه بمُناصر الشمولية، هي شمولية في حد ذاتها!! المُهم إذا ما صح، وجود هذا المسعي للتطابق، مع الأستاذ هيكل! فهذا يعني أننا أمام دكتاتور إعلامي، لا يقل خطرا عن الدكتاتور السياسي، الذي فاضت به هذه المنطقة عامة، وبلاد السودان بصفة خاصة، وتورمت أحشائها بسبب أخطاءه وفظائهه! أليس الإستبداد في حقيقته، فرض للصوت الواحد والرأي الواحد، والإمتلاك الحصري للصاح والحقائق والوطنية، وبكلمة واحدة الحضور الطاغِ المُغيِّب للآخر علي كل المستويات!! ونختم بطرفة شهيرة مع بعض السودنة، تروي عن الأديب والفيلسوف الساخر البريطاني الراحل برنادشو، فقد كان جالسا يتناول الطعام مع صديقه، وفجأة خاطبه هذا الصديق (وقد كان بدينا ممتلئ الجسم منتفخ الساعدين كبير (الجضوم)، يعني زي اخونا حسين خوجلي كدة، الله يزيدو بسطة بس ما يطلع برة الشاشة، او يعذب الكاميرات في السيطرة عليه)، تعلم ياشو(وقد كان نحيلا، معلم الله من الشحم)، من يراك يظن أن بريطانيا العظمي تعاني المجاعة! فرد عليه شو سريعا، ومن يراك يعرف سبب المجاعة!! وكذلك من يري الأستاذ حسين خوجلي، يتضرع ويتبختر ويناضل في برنامجه هذا يعلم سبب النكسة!! كلمة أخيرة عزيزنا حسين خوجلي، أعلم إن التاريخ لم يبدأ الآن! وداعا نيلسون مانديلا رفض هذا العام أن يعدي بسلام، أو أن يمنح روح مانديلا الطاهرة، بعض الحضور الأنيق كعادتها، العام المقبل. فقد رحل مانديلا، نعم رحلت أيقونة النضال والكفاح، من أجل حق الشعوب، في أن تنعم بالحرية والإحترام. رحل باعث التسماح ومُثبت قيَّم التعايُش، وسط ساحات تزدحم بالأفاعي وتغلي بالفتن والحروبات والفناء المتبادل، وتتسيدها لغة الحقد والغضب. رحل من أعاد أفريقيا الي طريق الإحترام، كقارة قادرة علي إنجاب القديسين والنبلاء والعظماء، بقدر ما فُجعت بمجموعة من الطغاة والدكتاتورين والمستبدين، أحالو صباحها ليلا وإستقلالها إستغلالا، وغدها المشرق، الي كوابيس ومآسٍ، وحاضرها الهش الي وكر للفساد ووليمة دموية تُسحل فيها الأنفس البريئة ويعذب فيها أفضل أبناءها وتُشرد بسببها أفضل كفاءتها! والنجاح الوحيد الذي حققته، ويحق لها أن تفرح به، هو إخراج إنسان القارة البسيط من العصر والتاريخ! أي أعطي مانديلا الأمل وإنتصر علي المستحيل، وأجبر العالم علي الإنحناء، تقديرا لمساهماته الصلبة في دفع قيَّم الخير الي الأمام، او رده الإعتبار لقيمة الوفاء للمبادئ والإصرار علي الإلتزام جادة الطريق، رغم كل التهديد والمغريات! وجعل العالم ككل، وليس أفريقيا او جنوب افريقيا وحدهما، ينصتوا ويسترقوا السمع، لهمساته وأقواله ونشاطاته، التي تجد القبول وتعانق النفوس الحرة، وترطب الوجدان (الشقي)، بهموم العالم والإنسانية. خاصة وهي تصب في مجري، جعل العالم أفضل حالا والحياة تستحق أن تُعاش. رحل مانديلا بجسده، ولكنه ترك إرثه وعطائه، كنبراس يُضئ لكل القادمين من خلفه، ويفتح كوة أمل لا يُمكن سدها، في سبيل تخليص البشرية من العنصرية والإستبداد وإهدار حق الشعوب، في أن تعيش في حرية وتعاون وأمان. الغريبة أن كل الكلمات والتعابير التي قيلت في حق مانديلا، من قبل زعماء العالم ومشاهيره، كانت في غاية الجمال والتأثير، وتعبر عن الموصوف أصدق تعبير، وإحتمال مرد ذلك يرجع لشخصية مانديلا نفسه، فهي قادرة علي الإلهام بالتعابير المُشعة، وإكساب الكلمات بهاءها وضوءها وجمالها. خاصة وهو يضفي علي العالم حالة من اليقين والطمأنينة والهدوء، كحاجات إفتقدها العالم علي الدوام! شكرا مانديلا فقد جملت العالم وجعلته أكثر إنسانية، ولترقد روحك بسلام. [email protected]