عن الحزن تستثقل الحروف الخطى وتصعُب وكلما نكتب حرفا نأتي عليه محواً وتغريبا, في الحزن تستعد حروف الإيلام أن تنهل منا ونخشى على أحبتنا حروف الوجع , عليه رفعنا القلم عسى أن نتجاوز أحزان أعوام . ففي غرة ديسمبر من عامين مضيا مثقلات بالذكرى والاحلام والتمني باللقاء ولو لحين , لكنها هي اضافة للمستحيلات عودة حبيب من تحت الثري إلا طيفاً نشتاقه ونجهز الباطن ليأتي ويأت مرات ويغيب اخرى ففقراق الغاليين قاسٍ ورحل والدي عليه من الله الكريم العطاء شآبيب الرحمة والغفران وأعالي الجنان مع الأنبياء والصديقين وحسن اؤلئك رفيقاً وكان يرفع شعار خربانة ام بناين قش في غرة ديسمبر اسلم الروح لبارئها ونذرف الدمع ونتذكر ونترحم ونشتاق لكنها ارادة الله , وسيرة الحزن الحق الماضي إلى يوم القيامة , ان يرحل عنا الأعزاء نبكيهم ونحن راضون جليل الرضاء بما قدر ربنا ولطف فالموت كما جاء في رثاء وتأبين عمنا هاشم سوركتي الرجل السيرة قال البروف العالم ( مرغني عبد العزيز) مذكراً نفسه وايّانا بأن الموت حياة أخرى كما قال ربنا في الكتاب المحفوظ ( تبارك الذي خلق الموت والحياة ) فقدم الموت على الحياة عبرة وان يحكي لك سوداني منا في رحيل عم هاشم من أهل الملتقى فقد لا يدهشك لكن أن يأت صاحب المغسلة من غير الجنسية وزبونه لزمن يأتي عم هاشم ( ليكوي ) الجلباب الخاص بالاحتفاء بأكتوبر ويحمله ثم يعود قافلاً في الرجعة سائلاً عن القيمة او أي آجل من حساب ويدفعها ويدفع معها بحدس عالي وإشارة أخرى قولاً يظل ( الموت من الحياة ما معروفة امسك حسابك ويهش مبتسماً كما طفل على اعقاب ليلة العيد ) ويحاسب عداً نقداً , يتصل فيني الأربعاء عم هاشم كما يحلو لنا القول ويطلب أرقام عدد ممن ينتمون للعمل العام وبعض الأشخاص من دارفور والشرق وأبادره بأن صلاح السنجك اتصل ببعضهم وقد أنهى محادثه معي قبل قليل قال قدم الدعوة لفلان وعلان وقمت بدوري بإخبار بعضهم قال لي بالحرف الواحد أريد أن اعزمهم بنفسي ثم ينال مراده ويعود أن فلان هذا لم يتعرف علينا وقم ياابني بتعريفه بالملتقى , ويحدد من باكر جداً انه سيكون في الباب لاستقبال الضيوف والاعضاء فيرتدي بياض حلته وجلاء تلك الشلوخ الملكية ( وقد قال لي خالي ان سوركتي من ملوك البديرية ) نعم تلك الشلوخ الملكية تُزين وجهه البهي وعيون تبرق بالذكاء والالمعية وحب الناس وتلك الابتسامة التي ترحم قلبك من أي ( برستيج ) فتدخله ويدخلك بلا تردد سالم الصغار قبل الكبار ومزح وناقش واحتفى , ورسم لوحة الوداع بيديه تأكد من كل شيئ (الكورال , الضيافة , القاعة , الفنانون .... كل التفاصيل مر عليها مرور الحصيف وحدد المقاعد للضيوف ومكان أهل دارفور تحديداً وحرص عليهم هذه المرة ايما حرص حتى كدنا ان نقول انه سيورثهم لكنها الحصافة ودقائق اللوحة ومن يرى بوعيه غير الذي يري بعينين وشتان بين وبين . هاشم سوركتي هكذا في قاعة ( الوفاء ) وبجانب من يحب وفي موقف وطني نبيل وكل مكونات السودان حضور وتمثيل, سأل عن الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي وابناء الشرق ودارفور وكافة عضوية الملتقى جمع لقدر هؤلاء في قاعة (الوفاء) ليمضي وفياً لعهد مع شعبه وابناءه ووسطهم , قال لي سيف عيسى اتصلت به معاتباً بعد ان قرأت له اليوم في الخرطوم نعيه لعم هاشم سوركتي كيف لا تكون حضور في مأتم الرجل ومعك العصبة كاملة فنحن شعب عند الموت تتلاشى كل الفوارق ونستقيم عزاءً صادقاً قال لي عن نفسه انه كان خارج جدة في مأمورية عمل استمر حتى قبل الامس والتمسنا له العذر , فمن لا يعزيك في عزيز هو ربما لا ينتمي للسودان لان اهل السودان في الموت يقفون في تجانس ومشاطرة قلما تتوفر عند الاخرين من شعوب الارض , وفي اثناء الدردشة وبعد وفاة الاستاذ حبيب الشامي يرحمه الله قابل عم هاشم سوركتي بشلوخه تلك وقال له اظنك دنقلاوي فرد عليه في تؤده وحبور انا خليط بديرية وشايقية - واخاله كذلك قال وبعضاً من نوبية لا تنكر - قال لي حاز عم هاشم على اعظم الاسماء العربية (هاشم) واعظم الاسماء النوبية (سوركتي) وجمع بين اعظم اسم عربي واعظم اسم نوبي هاشم سوركتي ( عرباً نحن حملناها ونوبة ) ألم اقل لكم كثيره هي الملاحظات وكثيرون من ستلتقيهم يقولون لك كان ( وليت كان حذفت من قاموس العربية ) عم هاشم غادر الحياة وهو على علم اكيد بأن الحياة هنا قد انتهت وقالها كاملة لاحدهم في الهاتف ( كل شيئ تحقق عشنا مخاض الاستقلال والديمقراطية والشمولية والسجون وانجبنا وصرنا اجداد لاجداد وناضلنا واخطأنا واصبنا لم يعد في المعين إلا القليل ونمضي الى الموت راضون بما قسم الله غربة ) هكذا رسم لوحة الخروج الى دار البقاء بحذق وكأنما اختار التفاصيل ولولا ايماننا في مقال الله القائل ( ولا تدري نفس بأي ارضٍ تموت ) لقلت ان عم هاشم الذي علمنا الصبر والنفس الطويل والنضال والقراءة والنقد وعدم الخروج عن النص لقلت انه قد حدد طريقه إلى هذه الميتة المفخرة , ان تموت في حضن الوطن ولو حلماً فتلك قمة الوطنية والفرح الاعظم بثورة عشقها وتحدث عنها , امثال عم هاشم نتحسر في اننا لم نوثق لهم فهو مرجع وغاب تحت الثرى ولكنا نبقي على تاريخه فينا ودروسه وكافة مقولاته ومكتبته التي حبها كما الوطن ولو ان الوطن يعلو عنده ولا يُعلى عليه , مات عم هاشم نعم ولكن تبقى سيرة عطره ومشوار تنقل فيه موظفاً فوكيلاً وزيراً واميناً وظل طوال المسيرة يقول ان نختلف فتلك نقطة التقاء , وكان يُوصي كما جاء في كلمة السيد مجدالدين البشير بخدمة من لا ينتمي لحزبك قبل المنتمي لك وقدم خدماتك لمن تختلف معه قبل من تتفق معه , كان سيرة وكان يتابع ملفات لم نكتشف بعد القليل منها معاشات , وعلاجات وادوية وابناء شهداء ومعتقلين وطلاب وستبقى الايام رهان اثبات على اننا فقدنا رجل كبير وعلم من اعلام بلادنا , اللهم لك الحمد ولك الملك وانت على كل شيئ قدير نسألك بجلال وجهك وعظيم سلطانك ان ترحم امواتنا اجمعين . [email protected]