لا أدري ماهو الدافع الذي يجعل الحكام الظالمين يختارون الصفات والتسميات المناقضة لدولة حكمهم ولذواتهم وسلوك أنظمتهم ! هل هو الهروب من عقدة الذنب أم الشعور بالنقص .. ربما ؟ يأتي الواحد منهم على ظهر دبابة داهساً ديمقراطية قائمة على إختيار الأمة لحكامها عبر الصناديق ..أياً كانت درجة شفافية ممارستهم لسلطاتهم وفق تلك الديمقراطية طالما أنهم قابلون للإزاحة بذات الآلية و يخضعون للمحاسبة في بلاد السلطات فيها مفصولةٌ باستقلالية معقولة ! فتجد ذلك الحاكم المغتصب للسلطة كما فعل نميري بعد إنقلابه على ديمقراطية ما بعد أكتوبر أن أطلق على السودان في ظل ديكتاتوريته ..جمهورية السودان الديمقراطية ! في جنوب أفريقيا..قاد المؤتمر الوطني ومنذ عام 1912 نضاله الطويل لتخليص البلاد من حكم الأقلية البيضاء التي حكمت لمدة أربعة قرون حيث أنتهت البلاد بسببه الى أول حاكم من الغالبية السوداء عام 1994 بعد خروجه من سجنه الذي إستمر 27عاماً في عام 1990 وهو الزعيم الخالد نيلسون مانديلا الذي حكم لدورة واحدة فقط وأفسح المجال لتلامذته لتجديد دماء الحزب وتداول السلطة من بعده كقدوة حسنة وحكيمة ..! وحينما حامت شبهة استغلال منصبه الرئاسي في الخلط بينها وبين سلطاته الحزبية ..تنحى تابو إمبيكي في هدوء وتفرغ ليكون حمامة سلام ترفرف في سماء أفريقيا كلها ! الان جاكوب زوما الرئيس الحالي يتعرض لإنتقادات ربما لن يحميه منصبه إذا ما ثبت إستغلاله لسلطاته ولو بفساد إنشائه مجرد حوض سباحة في منزله الخاص ! المهاتما غاندي أى الروح كما أطلق عليه الشاعر الكبير طاغور .. ولكن إسمه بالكامل موهنداس كرمشاند غاندي..كان محامياً مغترباً في جنوب أفريقيا وعاد الى بلاده في ظل الإستعمار البريطاني لها ..عام 1915 وقاد حركة أسماها الساتيا غراها ..أي النضال السلمي وأسس حزب المؤتمر الهندي عام 1921 و لعل المسمى كان نابعاً من تأثره وتيمنه باسم مؤتمر الأفارقة السود مع إختلاف نهجي الحزبين بين السلمية والنضال المسلح المصاحب لكفاح العمل السياسي! اغتيل غاندي الذي لم يكن حاكماً ، بواسطة هندوسي متطرف إعتبره قد خان الهند بعد أن أقر للمسلمين في باكستان بحق تقرير المصير بقيادة رفيق نضاله محمد على جناح ..! ومن ثم جاء بعده في الحزب تلميذه البانديت نهرو..وظل بعد ذهابه هو الآخر الكثيرون يتدالون الحكم ديمقراطياً و عاشت من بعدغاندي مبادئه راسخة في دولة ديمقراطية تعددية عريقة الإرث الذي لم يتزحزح كنهج للحكم ! لست ادري مما استوحى الدكتور حسن الترابي إسم مؤتمره الوطني.. الذي جاء بانقلاب سافر الملامح ..خائب الخدعة .. فأعلن الحرب على أهل البلاد جنوبا وغربا ووسطا وشرقا وشمالا .. ثم أسقط ربع سكان سكانها جنوباً مع خمس مساحة الأرض .. والحبل على الجرار إن بقى شريكه في السرقة الرئيس البشيرمطارداً يحتمي خلف شلالات الدماء وركام الوطن المهدم بكل معاول الفساد والتسلط وذبح الحريات والعزلة.. لم يقتل أحدٌ الترابي الذي عاش طويلاً وأسسً مؤتمراً آخر لتقسيم الشعب بعد أن شق البلاد بمؤتمره الأول ! ولم يمت البشير بالذبحة جراء هزائمه وفشله وما فعله بالبلاد وأهلها وهو الذي ورث عن شيخة الخبث و التأمر وأورثه لجماعته .. ! ولم ينتحر مثل هتلر لان ضميره هو الذي مات ولم يتداول السلطة مثل نهرو ولا تابو إمبيكي ولن يكون أبدًا قابلاً للمحاسبة مثل جاكوب زوما.. لانه ما عرف إستغلال الفرص التي لاحت له للخلاص بذكائه المحدود قبل أن يسقط في مصيدة الجنائية! الان الأخوة في ليبيا يستخدمون ذات عنوان المؤتمر الوطني لسلطتهم الحاكمة بتعثر .. ولعلهم حسب المؤشرات المؤسفة لتخبط حكمهم كسير الجناح يسعون به لإعادة تقسيم ليبيا الى ثلاث امارات كما كانت سابقاً قبل أن يوحدها الملك إدريس السنوسي ..ثم جاءها القائد الأممي القذافي وملك ملوك أفريقيا الثوري ليوقف نموها كطفل منغولي جعل رضاعته وقفاً على حليب أفكاره المجنونة ! حقاً .. مؤتمرات كتب لها ..ولزعمائها المجد والإباء والخلود ولأوطانها الهيبة..! ومؤتمرات وُصمت بالخيبة وأورثت بلدانها المحاق..والعار.. وسامتها كل ألوان الذل و الجحود .. فجعلت شعوبها تدعو على قادتها باللعنة الأبدية حتى تلقى الملكيك المقتدر واقفة ذليلة أمام ميزان عدله الذي سينصف المظلوم .. وويل للظالم من شدة حكمه ! إنه المستعان .. وهو من وراء القصد.. [email protected]