* بعد أن تعشيت- بحمد الله- لبناً ب(الفطير) تمددت على فراشي (البارد)، وباب (الحوش) الخشبي يلوح لي كطائر رخٍّ اسطوري من مكانه البعيد هناك.. * نسائم الليل المشبعة برائحة الجروف تهب تجاه (حلَّتنا) مستصحبةً معها خوار العجول وثغاء الشياه ونهيق الحمير.. * نعيق بومة يشرخ جدار السكون من جهة خرابات (حلة تحت) لينبيء- وفقاً لمعتقدات شعبية- بأن (ذات حَمل) بالبلدة سوف تجهض.. * من وراء الحائط (القبلي) للحوش يتعالى صوتٌ أجش- صاحبه هابطٌ من «غرزة» بحلة فوق ولا شك- مترنماً بالنوبية: صند لَيري... وللا عَرقِن قزازري... وللا سفنوج حنينَري ... وآسمارنا... * و (خشخشات) قشٍّ على ظهر حمار آئبٍ من ساقيةٍ ما تتداخل مع وقع حوافره على الأرض الصلبة وهو يطوي الزقاق براكبه سريعاً هرباً من رهبة الليل- ربما- ولا مهرب.. * ومن مخاوف ليل بلدتنا- على سبيل المثال- العواء الذي تناهى لمسمعي في تلكم اللحظات، من جهة المقابر، حيث يُظن أنه لا يصدر إلا عن أرواح الميتين.. * وأشد ما تكون أصوات العواء هذا هياجاً إبان برد (كياح) حسب اعتقاد البسطاء بمناطقنا تلك.. * وشجيرة صحراوية نمت عشوائياً عند الركن الجنوبي الشرقي من حوش البيت المترامي الأطراف هي آخر ما يرسو على ملامح (شبحها) طرفي- قبل الإستغراق في النوم- بينما يُعَتق سمعي من نباح كلب مزعور من جهة مدرسة البنات التي يُشاع أنها (مسكونة).. * وعند منتصف الليل شيءٌ يستحثَّني على الاستيقاظ- أشبه بوقع أقدام حافية من حولي- لأبصر جدتي نائمةً (هناك) بعيداً وهي الوحيد من أهل البيت الذي يُكثر من المشي ليلاً من بعد (السكون).. * وعوضاً عن أقدام بشرية تمشي أشاهد- بعينين نصف يقظتين- الشجيرة تلك وهي تُقبل نحوي حثيثاً لأنتقل من لحظة الماضي تلك إلى حاضر (ذي شبه!!).. * فرعب ليالي بلدتنا تلك لا يختلف- إلا من حيث المسببات- عن رعب ليالي راهننا و....... (نهاراته).. * والشجيرة التي سارت نحوي تلك قد تكون من (فصيلة!!) الأشجار التي يقول الترابي الآن أنه يراها تسير نحونا.. * أو- ربما- تسير نحو (مكان!!) يُتحكَّم منه على مصائرنا.. * أي أنها أشجار (مرعبة) مثل التي أشارت إليها زرقاء اليمامة قديماً ليستبين قومها النصح ضحى الغد.. * والذي يبدو مرعباً هذا للترابي- إن صدق- سيكون أكثر إرعاباً لنا نحن بالضرورة.. * فنحن الآن- من غير أن يبلغنا الشجر الذي يسير هذا- نستجدي ليالي (الماضي)، وإن كانت ذات رعب، سعادةً تعيننا على (مرعبات!!) الراهن.. * ويكفي أن (يتعشى) الواحد منا لبناً طازجاً بالفطير ثم يتمدد على فراشه (مرتاح البال!!!!!!). آخرلحظة