قال لي شيخ التجار بمببسا الكينية ،،، خمسين عاما نرسل البن والشاي لاصدقائنا في السودان ،،لم نطلب يوما خطاب اعتماد بنكي ، ولم نفقد فلسا،،حين تجئ السفن ،بها سوداني يتنافس عليه التجار لتوظيفه ،اما قائما مؤتمنا علي مال او عرض ،،ما خذلنا ابدا،،ماذا حدث لكم.. ماذا حدث لنا ،،ماذا اصاب البيوت المشرعة الابواب تستقبل ضيف الهجعة ، تغيث الملهوف والمحتاج ، بل ماذا اصاب المؤتمنين علي المال العام نفوسا ابيه ،لا تفرط في ما اؤتمنت عليه ولو اهلكها الجوع،،لقد كان عارا لا تمحه السنين مد الموظف يده لمال الدولة،،تفريطه في عمل استهانته بواجب. لا زلت اذكر مدرستي الاوسطي ، طوال سنين دراستنا ما تركت حصة فارغة لغياب معلم ،كيف بالله يدخل المرحوم فضل السيد،كوزير خارجية مبجل ،ممتلئا بهاء ونضار،يشع جدا وذكاء،يملا الفصل حتي يفيض بحضوره القوي،علمه المجيد وسلطانه النبيل،،ثم يتعاقبون نبلاء اجلاء،في الجمعية الادبية ،ناقشت المدرسة،طلابا دون الخامسة عشر موضوعي ،التدخين ذلك العدو المحبوب والقاتل المهذب،نوقش الامر بجد واهتمام،،ونحن بعد في اول الصبا. بالقرب منا كانت المستشفي العريق،،تفوح روائح ذكية منها،،مغسولة صباح مساء،معقمة مطهرة بهية،،يتعهدون المريض بالعلاج المجاني،الاكل المجاني ،فيعود لاهله في عافية وحبور. يجاورنا الري ،يعمل كساعة سويسرية فخيمة نوافير المياه فوق الكباري القناطر والاشجار الغناء ،السوق القديم،تجارة عنوانها الامانة والتجويد،المحكمة جوهرها العدل. زرت مدرستي القديمة ،لم اجدها ،وجد اطلالا دوارس،توجهت نحو المستشفي العريق،،هالني عدد المرضي والامراض،ولكني زكمت بروائح العفونة والعطن،،طنين الذباب وقرص الناموس،،ثم انين المرضي وشكاوي اهاليهم ،وكان كل شئ يملاك اسي،الافق كله كئيب،،الري ادركه الوهن وعوادي خيول المغول،تهدم السوق القديم بفضائل قيمه وحل سوق جديد فهلوة ولهف. سقط سهوا كل شئ ،طوابير المدارس واناشيد الصغار للوطن والعلم،همة عمال وردية الصباح والليل ،كالعصافير خفافا نحو المصنع والعمل،،كان هناك مصنع نسيج عظيم،فباريك مصانع زيوت وصابون وشعيرية وبسكويت ،عمال ري هندسة زراعية ،سكك حديد ،قطارات تاتي في مواعيد ممتلئة بالناس والاشواق وحلو الحكايا،،وكانت هناك صافرات في تمام الوقت ومحطات في تمام البهاء. يا لزمان المعلم النبيل،والفلاح الجليل،والعامل الجميل والموظف الاصيل،،يا لزمان التاجر الصدوق والشرطي الخلوق،،ومحمد احمد السوداني الطيب الاغبش،كريما شهما نظيفا . علي اننا سقطنا في الهاوية،،حمل الناس بقجهم وحنينهم،هاربين من الويل والليل ،في سفن الهلاك خلف البحار الصفار،تفترسهم الغيلان وتجار البشر في صحراء سيناء وجبال اليمن،،موزعين في مطارات الدنيا ومهاجرها ،ملئين بالحسرة والوجع ،تاركين وراءهم وطنا عظيما يتلاشي،بلاد من اخصب الاراضي تشقها الانهار تموت جوعا وفاقة،يطارد نصفها نصفها الاخر وكل يحمل ناره للحريق. هل قرعت قارعتنا،قامت قيامة بلدنا ونحن غافلين،،،هل سقط الوطن سهوا... [email protected]