محمد الطيب كبور يكتب: لا للحرب كيف يعني ؟!    القوات المسلحة تنفي علاقة منسوبيها بفيديو التمثيل بجثمان أحد القتلى    لماذا دائماً نصعد الطائرة من الجهة اليسرى؟    ترامب يواجه عقوبة السجن المحتملة بسبب ارتكابه انتهاكات.. والقاضي يحذره    مصر تدين العملية العسكرية في رفح وتعتبرها تهديدا خطيرا    إيلون ماسك: لا نبغي تعليم الذكاء الاصطناعي الكذب    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    دبابيس ودالشريف    نحن قبيل شن قلنا ماقلنا الطير بياكلنا!!؟؟    شاهد بالفيديو.. الفنانة نانسي عجاج تشعل حفل غنائي حاشد بالإمارات حضره جمهور غفير من السودانيين    شاهد بالفيديو.. سوداني يفاجئ زوجته في يوم عيد ميلادها بهدية "رومانسية" داخل محل سوداني بالقاهرة وساخرون: (تاني ما نسمع زول يقول أب جيقة ما رومانسي)    شاهد بالصور.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تبهر متابعيها بإطلالة ساحرة و"اللوايشة" يتغزلون: (ملكة جمال الكوكب)    شاهد بالصورة والفيديو.. تفاعلت مع أغنيات أميرة الطرب.. حسناء سودانية تخطف الأضواء خلال حفل الفنانة نانسي عجاج بالإمارات والجمهور يتغزل: (انتي نازحة من السودان ولا جاية من الجنة)    البرهان يشارك في القمة العربية العادية التي تستضيفها البحرين    رسميا.. حماس توافق على مقترح مصر وقطر لوقف إطلاق النار    الخارجية السودانية ترفض ما ورد في الوسائط الاجتماعية من إساءات بالغة للقيادة السعودية    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    الدعم السريع يقتل 4 مواطنين في حوادث متفرقة بالحصاحيصا    قرار من "فيفا" يُشعل نهائي الأهلي والترجي| مفاجأة تحدث لأول مرة.. تفاصيل    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    الأحمر يتدرب بجدية وابراهومة يركز على التهديف    كاميرا على رأس حكم إنكليزي بالبريميرليغ    لحظة فارقة    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    كشفها مسؤول..حكومة السودان مستعدة لتوقيع الوثيقة    يحوم كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. هل يقتل أنشيلوتي بايرن بسلاحه المعتاد؟    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    صلاح العائد يقود ليفربول إلى فوز عريض على توتنهام    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا النبي لا كذب (4) بداية تضليل العقول– القبلة نموذجا!
نشر في الراكوبة يوم 17 - 01 - 2014

وبعد أن كان الدين يواجه صراحة عداوة قريش فقط، بدأ يواجه عداوة من نوع آخر، عبارة عن نخر سوس وهجوم من الداخل وسفاهة ما بعدها سفاهة. فلا تظنن بعد الهجرة للمدينة قد إستقرت وهدأت الأمور وطفق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو بحرية و أريحية وإرتياح تام. كانت هناك قلاقل لاحصر لها ولا عد ففي كل زمان ومكان تجار دنيا وتجار دين، يتعارض دين الله مع مصالحهم الدنيوية ومكاسبهم الشخصية إن كان ذلك بقصد أو بأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
كان هؤلاء من علية القوم ومن أهل الكتاب الذين يزعمون أنهم أهل الدين الصحيح ويحتكرونه لمصالحهم الدنيوية. فهؤلاء يأكلهم الحسد من هذه الدعوة الإنسانية التي ترفع من شأن جميع الناس وتجعلهم سواسية معهم. سيسلم البعض منهم حقا ولكن أخرين بألسنتهم فقط.
فقد علم هؤلاء السفهاء أنهم لا يستطيعون هدم دين الله بتحريف القرآن، الذي يعلمون إنه لحق، وإن الله حافظه ب: ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) [الحجر: 9]. ولكنهم يمكن أن يدمروه بواسطة إختلاف المسلمين وتفريقهم وتضليل عقولهم عن فهم هذا الكتاب الذي لا يختلف على مرجعيته كل من آمن بالله ورسوله. ومن ثم يمكن صرفهم للجوء لمصادر أخرى لتستند عليها كل فرقة في مرجعيتها. فيتفرق المؤمنون ولا يعتصموا بحبل الله المدود لهم.
وحين يبتعدوا عن كلام الله الأصلي الخالد، سيحدث إنفصام لهم ومضادة بكثرة المصادر وعدم تطابقها، وتراشق ثم تكفير لبعضهم البعض. ويتمادى الأمرفتصبح أفعالهم تكذب أقوالهم، وأعمالهم تكذب قرآنهم، وبالتالي يتشوه دين الله وتصد و تنفر الإنسانية عن دين الحق.
فتضليل العقول وتغيبها هو السبيل الوحيد لهم. ولصد المؤمنين عن كلام الله لابد بادئ الأمر من زعزعة الثقة في أنفسهم وفي عقولهم بتضعيفها وتخميلها لتصبح كسولة عن التفكر والتدبر والتعقل الذي أمر به الله تعالى، ليس علماء وفقهاء الدين وحدهم، بل الكل لكتابه. وعندما تصاب العقول بفقر الفهم يلجأوا للجاهز من القوالب لتغذية عقولهم، تماما كما يتغذى الأطفال أو المريض بفقر الدم. والأطفال ينضجون ولكن عقولهم لا تنتضج لأنهم تعودوا على تلك الفهامة الدائمة التي لا يقدرون على التخلص منها بعد كل تلك الإلفة. بالرغم من تحذير القرآن بالوقاية خير من العلاج، والتحصن ضد شلل العقول ب: ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون)) [التوبة: 31].
والله يحذرنا في كتابنا أن لا نكون مثلهم حتى لا نقع في نفس هوة الغفلة وعدم الفهم: ((مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا)) [الجمعة: 5]. فالله يحترم عقولنا بكلامه لنا؛ فلماذا نهينها وننزع الثقة منها!.
فكما ضللوا أمما، فقد قاموا بالفعل بإدخال الإسرائيليات بتأويلات وقصص وشروح وتفاسير ليلبسوا على المؤمنين دينهم وحتى لا ينتشر هذا الدين. فمنها قد كشف، أما الآخر ما زال يقبع في الأذهان وأصبح مسلمات إسلاميات. ولكن الله أنزل القرآن المجيد على قلب رسول الله عليه الصلاة والسلام خاتما لكل الرسالات وكاشفا به كل الأباطيل و الأكاذيب، وحافظا لدينه في هذا الكتاب إلى يوم يبعثون، وبفهم مسيرته صلى الله عليه وآله وسلم عبره، ولم يجعله في يد أشخاص والحمد لله.
وقد بدأ القرآن أول ما بدأ بالتحذير منهم في عدة سور، فقالوا أولا: ((ليس علينا في الاميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)) [آل عمران: 57]. أي بيتوا لكم النية. فهم بالرعون "يحرفون الكلم عن مواضعه ومن مواضعه، ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم، ويحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون، ويلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون، وما قدروا الله حق قدره فجعلوا كتابهم قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا". ويبدوا إن هذه التنبيهات والتحذيرات الصريحة ضاعت أدراج الرياح، في بعض الفترات، فسمحت لبعض الإفتراءات أن تدخل في الدين. فهذه التحذيرات المتكررة جُعلت قرآنا مخلدا يتلى إلى يوم يبعثون لكي نلتفت بأن هناك الكثير من الروايات المضللة قد تروى لكم من الذين بدلوا دين الله. وللأسف كل المعالم والآثار التاريخية للإسلام طمست لعدم إمكانية تحري الحقائق. ولكن أيضا لخير، ولكي نبحث ونتدبر أكثر فأكثر في هذا الكتاب العزيز. وبحمد الله، إفكهم وأكاذيبهم يزيلها القرآن وحده، فهو لهم بالمرصاد.
أول ما أختلق أهل الكتاب في المدينة بعد هجرة رسول الله إليها قصة القبلة ليلفقوا بأنها قبلة المسلمين ويضللونهم. و يجب أن يتبادر لأذهاننا أسئلة: لماذا كان يصلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تجاهه أولا؟، لماذا لم تتغير القبلة في مكة قبل الخروج للمدينة وتغيرت في المدينة؟. هل هناك طواف في "بيت المقدس" كما سموه، فكيف كان يصلي من كان هناك، وأين هو مركز القبلة فيه؟. وكل تلك الأسئلة يجيبها لنا الحق تعالى. فالله تعالى يقول: ((إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين)) [آل عمران: 96]. فأول بيت له هي قبلته. ومن أوائل السور سورة قريش التي نزلت بمكة، قبل الهجرة. فكانت تخاطب قريش بقول: ((فليعبدوا رب هذا البيت)) [قريش: 3]، وليس أي بيتا آخر!.
فالله تعالى أمر كل الناس بعبادة رب هذا البيت، ولكنهم أرادوا إلصاق "بيت" آخر أسموه "بيت المقدس" والذي لم يرد في القرآن.
ولعل هناك مغزى عميق لذكره سبحانه لهذه الحادثة في كتابه لنرى ونتعلم كيف أسلوبهم. فالرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي تجاه الكعبة. وكان يوما ما في الكعبة يصلي ما بين الحجر الأسود والركن اليماني، أو تصادف ذلك مع قدوم بعض من أهل المدينة (وبينهم أهل الكتاب) الذين يريدون التعرف على الإسلام. فركزت لديهم معلومة إنه صلى الله عليه وآله وسلم يصلي نحو الشمال الجغرافي. بالتأكيد من أسلم منهم، بالأخص من أهل الكتاب لا نعرف إنه إعتقد فعلا صلاته على المسجد الأقصى أم إختلق الرواية لتضليل من آمن في المدينة والإيحاء بأن أهل الدين الجديد يتبعون ملتهم. وكذلك بنى المسلمون، ومن فيهم ن أهل الكتاب، مسجدهم في المدينة في نفس الإتجاه الخاطئ وعكس القبلة.
الآيات من سورة البقرة [142 – 150]، تقص علينا الواقعة وتنعتهم أول ما تنعتهم بالسفهاء فهم كانوا قد رغبوا عن ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهي شريعته وتوحيد الله بهذه القبلة، كما في الآية ((ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه)) [البقرة: 130].
يقول تعالى: ((سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم*وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم)).
فعندما هاجر عليه الصلاة والسلام وجد قبلة مسجد المسلمين تجاه المسجد الأقصى، أو بني مسجد الذي بناه بمثل ما يعتقد أهل المدينة، الأنصار -المضيفين- أو بمثل ما أوحى لهم أهل الكتاب. لم يحاول رسول الله تغيير هذه القبلة من تلقاء نفسه، لأنه نبي عليه إنتظار أمر الله. فمع إنه المعروف في قومه بالصادق الأمين، فالله تعالى يلقنه في أبسط الأشياء؛ ك "هو الله أحد"، التي من الممكن أن يقولها مباشرة، ولكنه يقول له "قل" كإعجاز، لكي لا يأتي كل من هب ودب فيقول لنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الذي يقول له الله تعالى "قل" في البديهيات. وكتاب الله يطابق حديثه عليه أفضل الصلاة والسلام وعلينا التحري. فما على رسول الله إلا الصبر في موضوع القبلة هذا ليأتيه أمر الله.
وأول ما بدأت الآية بعدم الإلتفات لكلام السفهاء وان يقول "قل: لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم"، وبأن كل الإتجاهات لله. ويبدو إنه كانت هناك مناقشات وإستفسارات من المهاجرين عن هذه القبلة الجديدة التي لم يعهدوها لذلك يطمأنهم رب العزة بالآية التالية ويخاطبهم بأن يكونوا أمة وسطا ليست متطرفة ومتعصبة. فالتطرف والتعصب لا يخلف إلا الفرقة بينكم، وعندما تفترقوا لن تكونوا تلك الأمة الشاهدة على من على حق ومن على باطل. فالشاهد إذا تحيز أو تعصب لرأي فلن يكون شاهدا، وقد تضلوا مع سيركم مع الباطل ولن تكونوا خير أمة أخرجت للناس. ويطمأنهم سبحانه وتعالى وانه لم يترككم فقد جعل لكم رسول الله "شهيد عليكم"، يرشدكم من على حق ومن على باطل.
ثم ينتقل خطاب الآية للرسول "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله". ومن مقطع الآية، يظهر إن كثير من أهل الكتاب آمن بالرسول واتبعه بسبب هذه القبلة التي فبركها المضللون. فهذا خير أيضا لأن ذلك سيكون بمثابة إختبار لتمييز المؤمنين الذين سيغيرون القبلة مع الرسول إتباعا لأمر الله للدين الصحيح، ومن يتبع هذا الدين لمجرد تلك القبلة التي يريد بها السفهاء التضليل بمساواة بيت الله، لما يسمونه ببيت المقدس. فالمسلمون صلوا على جهة المسجد الاقصى كوجهة وليس كقبلة إرتضاها الله لهم كما كل الجهات لله، كما المشرق أو المغرب. ثم يلتفت الخطاب للمؤمنين بتطمينهم " وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم"، بأن الصلوات التي صليتموها بذاك الإتجاه لن تضيع بإذن الله الرؤوف الرحيم.
ثم تذهب الآيات التالية لتعطينا لمحة عن كيف كان هذا الموضوع يؤرقه صلى الله عليه وآله وسلم. فلماذا كان يتأرق حبينا صلوات الله وسلامه عليه إذن، إذا كانت قبلته أساسا تجاه المسجد الأقصى؟. وتحدثنا الآيات أيضا عن كم هو رقيق وحنين وليس فظا ولا غليظ القلب، صلوات الله وسلامه عليه، بمحاولات إثباته لهم بلطف بأن بيت الله العتيق هي القبلة الصحيحة الوحيدة. وتعطينا الآيات أيضا ملمح عن كيد ومكر أهل الكتاب وتعاملهم بلؤم وخسة، وإنهم يعلمون القبلة الصحيحة، و ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهو قبلة كل الناس بما نادى به إبراهيم وأذن فيه للناس بالحج، ولكنهم يريدون تضليل المؤمنين والناس أجمعين لكي لا يهتدوا لدين الله.
أقرأ بتمعن قوله تعالى: ((قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون* ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين* الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون*الحق من ربك فلا تكونن من الممترين* ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير)). [البقرة: 144- 148].
ويبين الله تعالى في تلك الآيات أيضا أنهم - أي أهل الكتاب- مختلفين أصلا في قبلاتهم مما يدل على تفرقتهم للدين وإلباس بعضهم البعض بالضلال. ويؤكد الله سبحانه له عليه الصلاة والسلام أن لا يستمع لأحاديثهم وإتباع أهوائهم. ويقول له سبحانه إن هؤلاء يعرفون أهمية كتابهم كما يعرفون غلاوة أبنائهم، ولكنهم بالرغم من ذلك لم يتبعوا كتابهم الغالي النفيس، بل إتبعوا كلام الفريق الذين يكتمون الحق وهم يعلمون، وذلك لكسلهم الفكري الذي ضللهم جميعا، ويا لتعاستهم.
و يرجع الله تعالى ويقول له "الحق من ربك فلا تكونن من الممترين"، فهذا كلام الله فلا تتشكك فيه وتكون مع الذين يتشككون فيه.
و لك أن تتخيل هنا معاناته في الدعوة وجهاده صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الجو المريب المسموم لإخرج دين الله الصحيح من بين تلك الأفاعي دون أن تشوبه شائبة. وبرغم كل هذه المماحكات لم يأمر القرآن بقتالهم أو معاداتهم بل بمواصلة المعاملة بأخلاق الدين ((لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)) [الممتحنة: 4].
ويؤكد الله عز وجل ويحسم الموقف بالآيتين الأخيرتين، ((ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون(149)ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون)) [البقرة: 150].
لاحظ أولا لم يقل سبحانه بيت الله بل المسجد الحرام موازنة لإسم المسجد الأقصى وتثبيت أنه مسجد فقط وليس فيه بيت الله كالمسجد الحرام.
ولاحظ تكرار " ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام" مرتين. لم يقل سبحانه هاجرت بل خرجت. والخروج يفيد عدم طول الزمن لأن المدة إذا طالت كان ستكون من حيث هاجرت. و لم يقل سبحانه وتعالى من مكة بل "ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام" دلالة على ان أهل مكة انفسهم هذه هي وجهتهم. وبما أنه صلوات الله وسلامه عليه والمؤمنين ضللوا وصلوا في إتجاه آخر يلتفت الخطاب القرآني في المقطع الأخير من الآية الأولى ليقول سبحانه وتعالى لأولئك المضللين: " وما الله بغافل عما تعملون" من تلاعب وتحريف وتضليل للناس.
ويؤكد سبحانه وتعالى مرة أخرى، ب "ومن حيث خرجت" في الآية الثانية ولكن في خطاب للمؤمنين ولأن يولوا وجوههم شطر المسجد الحرام، وعدم إدخال الريبة وفتح باب الحجج واللجلجة على الناس في هذه القبلة، فوجهة الناس واحدة وربهم واحد. فقد أذن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لكل الناس في هذا البيت فقط وليس من أي جهة أخرى. لكن الذين ظلموا، المضللون والمشككون في انه سبحانه وتعالى له قبلتان، لتفريق الناس، فهؤلاء لا تخشوا إبتزازهم الديني وإرهابهم الفكري لتتم لكم نعمة الإيمان والهداية بإذن الله.
وبالفعل السفهاء لم يصموا أفواههم بل و واصلوا بقولهم: "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها"، ليشككوا من يرتاب وتثبت روايتهم المضللة إلى يومنا هذا. فالله يقول على لسانهم ((سيقول السفهاء: "ما ولاهم عن "قبلتهم" التي كانوا عليها؟"))، تماما كما قال تعالى على لسان لقمان ((إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)) [لقمان: 19]؛ فلم يقل هو سبحانه هذا؛ فحاشا لله أن يخلق ويشنف وهو الحكيم القدير العليم بما يخلق وحده.
فوصلت للأسف الرواية كما أرادوا بألسنتهم بأنها قبلتنا وأطلقنا عليها قبلتنا الأولى، وجرت على ألستنا (أولى القبلتين) و "بيت المقدس"، ومع تحذيره سبحانه وتعالى لنا من ألسنتهم أيضا قائلا: ((وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون)) [آل عمران: 78].
الله تعالى أراد أن تخلد هذه الحادثة في كتابه العزيز لنلتفت إلى أهمية الرجوع لكتاب الله تدبرا وتعقلا، فنرى كيف يمكن أن تغيب الحقائق، ومحاولات التضليل، ولنستنبط بعقولنا من كلامه الحكيم الحكمة، و نعرف كيف يتم التلاعب بالكلمات وكيف تشاع الأكاذيب البلقاء للناس على انها دين الله.
وهذا يفتح لنا سؤوالا عن الإسراء والمعراج ورواية تخفيف الصلاة من خمسين إلى خمسة بواسطة نبي "بني إسرائيل" موسى عليه الصلاة والسلام ، ولماذا هو من خففها ولا أحد غيره. ومن الذي الذي لقبه أولا بكليم الله التي جرت على ألستنا ولم ترد في كتاب الله؟، والله يقول: ((وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم)) [الشورى: 51]، فكل الأنبياء كان يكلمهم الله بهذه الصورة. وثانيا لماذا كان المعراج من المسجد الأقصى ولم يكن في المسجد الحرام؟ وإننا لا ننكر إسراء رسول الله عليه الصلاة والسلام إليه حسب السورة التي لم تقل من "بيت الله" إلى "بيت المقدس"؟. و لماذا كان موسى عليه الصلاة والسلام هو النبي الذي يوجه محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأن إرجع وأسأل ربك التخفيف، ولم يكن عيسى أو إبراهيم أو غيره من الرسل؟، ومع إن إبراهيم كان في السماء السابعة لماذا لم يرجع رسول الله وأرجعه موسى. و حسب الرواية كان موسى في السادسة، ومع ملاحظة إن هارون أخوه كان في الخامسة، وعيسى في الثانية، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأين هم باقي الأنبياء والرسل؟. وهل هناك فرق بينهم والله يقول ((آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)) [البقرة: 285]. وهل كان هناك تخفيف أساسا، والله خالق الناس ويعلم إستطاعة الأنفس في التكليف في كل عباداته. وكما جاء في كتابه العزيز في الآية التي تليها مباشرة: ((لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)).
ولك الآن أن تتصور هذه الفرية الإسرائيلية البسيطة، ولكن الكبيرة في محتواها ومعنى توحد قبلة الله وتوحيده فيها، والتي حاولوا تمريرها في حياة الرسول صلى الله عليه وأله وسلم، فكيف وثقت في أذهاننا، ومررت كرواية "تحويل قبلة" ولا نفهم ما وراء السطور فيها. وكم من قصة ورواية مفبركة بعد حياة رسول الله ألصقت بنفس الطريقة ولفقت لهذا الدين لتشويه صورة نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، لترسيخ مفاهيم مغلوطة في أذهاننا كالجهاد والشهادة والأمة والحدود لكي يقولوا إن الإسلام إنتشر بالسيف لإستباحة سفك دماء الناس، وتشتيت المسلمين وليسابدوا ببعضهم البعض. ولتقوم فرق منهم بإرهاب الناس بتلك المفاهيم الحاطئة ليصد الناس عن الهداية ووصم نبي الرحمة والهدى للعالمين بالضحوك القتال، و انه كان يحب النساء، وهذا الكلام الفارغ، الذي يخالف كلام الله تعالى وخلقه العظيم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. لكنهم يريدون ذلك ليحلوا مزيدا من القتل وإضطهاد النساء وإشباع رغباتهم. وبهذا التضليل للمفاهيم يغفل المسلمون عن الثورة الفكرية والإجتماعية الحقيقة التي في كتابنا العزيز.
*الحلقة القادمة الأحد إن شاء الله.
سيف الحق حسن
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.