"منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    عثمان ميرغني يكتب: «منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود    مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا النبي لا كذب (6) بل لم ولا ينتشر بالسيف أبداً!
نشر في الراكوبة يوم 20 - 01 - 2014

ثم جاء فتح مكة ليحد حدا للعداوة ويهدم صرح المشركين المعتدين ويكسر شوكتهم في عقر دارهم، ويطهر بيت الله العتيق من الأصنام والأوثان، ويجبر الكفار على عدم التعرض لهذا البيت أو لمن يسلم وجهه لله. وبالفعل يدخل المسلمون بأعداد هائلة لمكة، ليس كغزاة يستبيحونها وينتقموا ويثأروا لأنفسهم، ولكن فاتحين ومحققين مبدأ السلام والتعايش السلمي والحرية للجميع، و الذي كان قد قاله الله عز وجل من قبل لهم، و على لسان نبيه الطاهر عليه أفضل الصلاة والسلام: ((قل يا أيها الكافرون.......، لكم دينكم ولي دين)).
و رغم كل الدم والثأر والظلم والألم والتشريد والتهجير والتعذيب والعداوة الحاقدة من قريش لهم حقق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبدأ العدالة الإنتقالية، ولأول مرة في تاريخ الإنسانية، ليس بالإنتقام ولكن بالتسامح والصفح والعفو ب: فأذهبوا فأنتم الطلقاء ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. وبذلك تتهيأ أجواء الحرية والسلام والأمن للدعوة لهذا الدين من جديد.
والرسالة لم تختم كما ختمها فيلم الرسالة وعاشوا في سبات ونبات. فمن السذاجة إننا صدقنا بعد فتح مكة إن العداوة للإسلام والمسلمين إنتهت وعاش الناس في سلام وأمان، ولا نعلم هل رعت قريش إتفاقية السلام والأمن المجتمعي والدين لله والوطن للجميع أم لا؟.
قريش لم تفعل وذلك بدليل سورة التوبة أو براءة التي كانت السورة قبل الأخيرة نزولا على النبي صلوات الله وسلامه عليه. وقد نزلت تتبرأ من المشركين (((المعتدين))). ونضع أقواسا على هذه الكلمة لأنها الأصل في مبدأ القتال في الإسلام بمبدأ وجوب قتال المعتدين "فقط" الذي ذكرناه سابقا. وذلك لكي لا يفكر اي معتدي على حريات الناس وامنهم وسلمهم بإجبار الناس على دينه.
السورة أول ما تبدأ أولا، لا تبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم كباقي سور القرآن لأن بعضا من قريش و حلفائها نقضوا هذا العهد و واصلوا عداوتهم للإسلام وعلى المسلمين. فأوصت السورة بقتل أولئك المعتدين بعد كل هذا الأمن والسلم، لأن هؤلاء لا يريدون إستقرار الناس ولا الحرية لهم ليتعرفوا على الأقل على دين الله. ولكن توصيهم السورة أيضا بإلإلتزام بالأشهر الحرم في القتال والأعراف السائدة عند العرب بأن لا يقاتلوا في الأشهر الحرم.((فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم)) [التوبة: 5].
وهي الآية التي يروجون بأنها نسخت الأيات الأخرى ليستبيحوا قتل الناس، غير المسلمين من طرف، إن كانوا معتدين أو لم يكونوا، وأيضا لكي يصادروا حرية إختيار الناس بحد أسموه حد الردة. وقد قلنا في مقال آخر إنه ليس هناك ناسخ ومنسوخ في آيات الله ولكنها آلية وضعت لإبطال مفعول القرآن وأخذ البعض ورد غيره الذي لا يتماشى مع من يريد تشويه الدين. فقد قال تعالى: ((منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله)) [آل عمران: 7]. فيريدون بذلك الفتنة والقتل بسن تلك الاحكام. وسنتعرض لموضوع الحدود ومفهومها الخاطئ لاحقا.
فالدعوة هكذا ((فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد)) [آل عمران: 20]. تبليغ فقط وحرية في الإختيار والهداية من عند الله. فلابد من جو حرية لتبليغ الدعوة، ولابد من حرية الفرد للإختيار ليتم الإقتناع التام بلا إجبار، وحتى لا يكون هناك نفاق ورياء.
و بالنسبة لهذه الآية بالذات [التوبة: 5]، فإنها ليست لها علاقة بردة أصلا. فلا تتحدث الآية أساسا عن مسلمين تركوا الصلاة ولم يؤدوا الزكاة لذلك يجب قتلهم، بل مشركين إن تظاهروا بمظاهر الإسلام. و لا يمكن أن تتحدث على إجبار الناس على دخول الإسلام قسرا بدون حرية إختيار بهذه الطريقة اللئيمة. فإذا أفترضنا ذلك فهؤلاء بالتأكيد سيكونون منافقين ليس إلا.
ولفهم الآية يجب أن تقرأ الآية التي تسبقها مباشرة والتي تثتثني غير المعتدين من القتال ((إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين)) [التوبة: 4]. لتؤكد إن الإسلام والمسلمين لا يعتدون على أحد أبدا، فكل له حريته إذا إلتزم بعهد العيش بسلام. وتأتي الآية، [التوبة: 5]، تحث على قتل المشركين (((المعتدين)))، لأنهم معتدون ويريدون القضاء على دين الله ومن آمن به. والمعتدي عندما يُزنق ويحصر في رُكن ويداهمه القتل، سيحاول النجاة من الموت بالتعلق بأستار الكعبة، ويعلن توبته ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة لكي يتخارج من الموقف. لذلك يتجاوز الله سبحانه ولم يقل "فإن أسلموا فقد إهتدوا" ليقول تعالى لهم "فإن تابوا"- والتوبة هنا تعني نوبتهم من العداوة- و أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وتظاهروا بإسلامهم فلا تقتلوهم وخلو سبيلهم، فإن الله غفور رحيم. فالله يريد الناس أن تعيش بسلام أولا. و المنافقين لا يقتلون، والله لم يأمر بتفتيش الضمائر وقتل المنافقين، فهو سبحانه الذي يعلم السرائر وحده، فمن هو منافق ومن هو مسلم حقا. بل و تأتي آية أخرى لتؤكد وإن كانوا منافقين، فإنهم إخوانكم في الدين ما دام يصلون ويزكون ((فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون)) [التوبة: 11]. وإما إن أظهروا لكم العداء ونكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فهؤلاء هم إذن أأمة الكفر الذين يجب قتالهم.
وتأتي الآية التي تليها لتؤكد مبدأ السلم والأمن والتبليغ ثم حرية الإختيار: ((وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون)) [التوبة: 6].
وتتحدث بقية السورة عن تحذير المؤمنين من غدر أولئك المعتدين وإنهم لا يراعون عهدا ولا ذمة فيكم فلا يجب خشية من يعتدي وقتاله. وإمعانا في الإذلال وإظهارا لقوة دين الله سيحرموا من دخول المسجد الحرام بعد عامهم هذا لأنهم نجس ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر. وللأسف قد جعلوا الدين مظاهر وشعارات، فهل جعلتم يا قريش سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر!.
ومن ثم خرج المسلمون لصد إعتداء قادم عليهم قبل أن يتوجهوا للمدينة. فقد سمعوا بأن جيشا من قبيلتي ثقيف وهوازن بأطفالهم ونسائهم- ليزيدوا حماسهم في القتال ومما يجعلهم يقاتلون حتى الموت- قادمون إلى مكة لينقضوا على المسلمين ليعيدوا الوضع الجاهلي كما كان. والمسلمون بعد دخول مكة و أعدادهم كبيرة كانوا بنفسيات عالية، وقالوا لن نغلب اليوم من قلة. وعند دخولهم في وادي ضيق إسمه حنين إنهالت السهام عليهم من كل جانب، وتزعزعت الصفوف وفر بعض المسلمين وبقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحيدا يقول: "(أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)".
هذه الكلمة جعلت المؤمنون الصادقون يلتفون حوله مجددا وتمكنوا من دحر الأعداء، ثم لحقهم باقي المسلمين وذهبوا للطائف فحاصورا حصون ومنازل ثقيف حصار شديدا تأديبا لهم. ثم أعلن أن من خرج من عبيد ثقيف للمسلمين فهو حر، فخرج إليهم ثلاثة وعشرون رجلاً، فأعتقهم و بالتأكيد لم يلزمهم بأن يسلموا فهذه حريتهم. ثم رفع الحصار عنهم ورجع إلى المدينة.
ومن أهل الكتاب الذين أجلوا من المدينة بدأوا ينصبون العداء البواح إنتقاما وتحالفوا مع الروم ليألبوهم للقضاء على دين الله. فلذلك يقول الحق تعالى للمؤمنين في موضع آخر من سورة براءة ((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون)) [التوبة: 29]. ولأن الروم جاءوا للإعتداء عليهم غازين في موقعة الأحزاب من قبل، وبخير وسيلة للدفاع الهجوم، ولتأديبهم، جهز النبي صلى الله عليه وآله وسلم جيشا لذلك. وكانت موقعة تبوك. وقد كانت قبلها موقعة مؤتة التي قتل فيها خيرة الصحابة رضوان الله عليهم. وأنتهت معركة تبوك بلا صدام أو قتال لأن جيش الروم تشتت وتبدد في البلاد خوفاً من المواجهة، والحمد لله الذي نصر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالرعب.
والجزية هي للإذلال ولكي تفكر الشعوب وتنتبه إن إمبراطورياتها الدينية وحكوماتها الظالمة التي تسلب حرياتها وتفرض عليها دينها بأنها صغيرة ومذلولة. فتنتفض وتسعى لحريتها. فالروم كانت دولة دينية بإسم المسيحية. والفرس أيضا دولة دينية بإسم المجوسية.
وهنا يجدر بنا الملاحظة بأن الله دوما يكفي المؤمنين القتال، لأن دين الله هو دين السلم ولا ينتشر بالسيف أبدا. فهو صلوات الله وسلامه عليه لم يضرب أحد على يده أو يشهر في وجهه السيف لكي يسلم. ولكن ظهرت بعض الخطرفات الإسرائيلية والتي للأسف يرددها كثير من المسلمين بدون وعي، بل ويستخدمها الإرهابيون لتقنين إجرامهم بأن لابد من السيف والقتل لنشر الإسلام. وقتل من يرتد أو يخرج من الإسلام!، وكان الإسلام يتأثر بذلك، والله تعالى يقول ((ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)) [آل عمران: 97]. والله تعالى فعلا غني حميد والآيات كثيرة تدلل على عدم مضرة أحد من كفر أحد.
والقرآن الذي هو خلق النبي يناقض ما يدعيه هؤلاء و سيرته تكذب أهوائهم. فهو صلوات الله وسلامه عليه لم يقاتل الناس حتى يؤمنوا ويسلب الناس حرياتهم و ينزع من الإنسان الذي كرمه الله بعقله حرية إختياره، وفي كتابه العزيز يقول لنا دوما أفلا تعقلون. بل جاء بعكس ما يدعون، وخلقه صلوات الله وسلامه عليه وهو القرآن يفضح إفكهم الذي يلصقونه على لسانه الطاهر بأحاديث مضللة، فكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا لأنهم ذهبوا لمصادر أخرى وجعلوا القرآن عضين.
ولم يكن في تلك كل الحروب التي كان يدافع فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العدوان أي إنتهاكات إنسانية لأسرى أو غيره. ولكن للأسف لفق ذلك لاحقا بالإسلام كسبي النساء وذلك لأغراض السلاطين. فأختلقوا قصة تسري رسول الله بصفية بنت حيي اليهودي والتي تقول الرواية إنه قتل والدها أولا ثم تزوجها في نفس اليوم الذي تسرى بها ليقولوا مبطنا إنه طاغية مثل فرعون. لأن عادة تقتيل الرجال وإستحياء النساء هذا ما فعله فرعون ببني إسرائيل من قبل. وإستحياء النساء ليس فقط معناه أن يبقيهن على قيد الحياة، بل ليغتصبن ويتسرى بهن وينزع منهن الحياء لإهانتهن وتحقيرهن. وهذا ما ينافي أخلاقه العظيمة، أخلاق القرآن، والذي جاء لرفع الإضطهاد والظلم عن النساء وإرساء قواعد لسن قوانين مستقبلية لحفظ حقوقهن. فلم يوثق القرآن أو يقنن السبي أبدا بل قال تعالى: ((وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا)) [الأحزاب: 27]. بل ورفع مرتبة الجواري وسماهن ملكت أيمانكم. بل وقال في سورته المفروضة والتي أنزل فيها آيات بينات لعلنا نتذكر بأن ((والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانهم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا)) [النور: 33]. وبنفس طريقة تحريم الخمر، بالتدريج ليرفع من مرتبتهن كأزواج. ولكن الأيدي الخفية تريد العبث بهذا الدين، والسلاطين الطغاة يريدون ان يسيروا على أهوائهم. ولكن العالم سائر بالفطرة الإنسانية ويلتقي في كل مرة مع قيم دين الله الحنيف.
و نكشف إسرائيلية أخرى بمطلع سورة الروم المكية. يقول الله عز وجل: ((الم(1)غُلبت الروم(2)في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون)) [الروم: 3]. و يقول غالبية المفسرون إنه كان هناك قتالا بين الفرس والروم، وكان المشركون يودون أن تغلب الفرس الروم، لأن أهل فارس كانوا مجوسا أميين مثلهم، والمسلمون يودون غَلبة الروم على فارس لكونهم أهل كتاب!. لا أدري أولا بماذا كانوا يتابعون تلك الأخبار بالإنترنت أو عبر القنوات الفضائية!.
أتفق على إنه غُلِبت الروم، أي إنهم إنهزموا، لكن أين ومتى؟. أما " وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ"، أي أنهم من بعد إنهزامهم سيغلبوا، فهذا لا نتفق معه. أولا سورة الروم مكية، فموقع الحدث بعيد عن مكة، ثم ثانيا وماذا يضير الإسلام إن إنتصر أهل الكتاب أم لم ينتصروا؟. وهل الإسلام جاء لإشعال الحروب والوقوف مع فرقة وتشجيعها، أم نحن أمة وسطا شهداء على الناس. ثم ثانيا فهم –أي أهل الكتاب- سيعادوا هذا الدين ويحاربوا الدعوة بأقصى ما عندهم عما قريب. فإذا إفترضنا إنهم سيغلِبون في بضع سنين، كما يقول المفسرون، فكيف ذلك وهم- أي المسلمون الفرحون بنصر الروم- سيدخلون في حرب معهم وليس عداوة فقط في تلك البضع سنين أيضا!. ومتى غلبت الروم بعد ذلك الفرس؟. ويمكن أن نقول بأن تفسيرهم صحيح إذا سحقت الروم الفرس في بضع سنين ولم تقوم لهم قائمة بعد ذلك. ولكن ما زالت الفرس والروم إمبراطوريتين قويتين في كل زمن المسلمين الأوائل وكانوا يكنون العداوة للإسلام.
ولذلك شطر الآية يمكن أن يكون "من بعد غَلَبِهِمْ سيُغلبُون" –بضم الياء- أي من بعد إنهزامهم سينهزموا مجددا. فكما ل "تؤثرون" يمكن أن تقرأ "يؤثرون" في سورة [الأعلى: 16]، فيمكن ان تكون هناك قراءة أخرى أخفيت علينا.
ففي هذه السورة حديث عن مستقبل للمؤمنين و بشارة لهم. وفي تلك الآيات إنذار لقريش حتى يستسلموا ويتركوا المسلمين للعيش بسلام وأمان معهم. فهؤلاء المؤمنين الضعفاء قليلي العدد سيغلبوا الروم مرتين وفي غضون بضع سنين فقط. وهذا ما حدث في الأحزاب أو الخندق وفي تبوك. وفي سورة الفتح يسميهم القرآن الروم قوم أولي بأس شديد ((ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون)) [الفتح: 16] ويسلمون تعني أن يستسلموا ويعيشوا بأمان. وإذا رجعنا لسورة الأحزاب ((يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود...... إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم)) [الأحزاب: 10]. فهم قد جاءوا من فوقهم، من الشمال بإعتبار منطقتهم أقصى الأرض والتي تحوي المسجد الأقصى. ولما كان المسلمون في مكة فالمدينة تعتبر لهم إنها أدنى الأرض.
فمن بعد غلبهم سيغلبون، إذا من الفريات الإسرائيلية ليس إلا، لأن الآيات التالية تؤكد فرح المؤمنين و وعده سبحانه لهم بالنصر ليستيقنوا ويثبتوا على دينهم وهم ما يزالوا في أوائل مراحل الدعوة. والنصر من عند الله إذا إلتزمنا أخلاق القرآن لأن الملاحظ في المرتين كفى الله المؤمنين القتال، و بالسلم والأمان ينتشر الإسلام، وعند تحقق الإسلام بالسم يتحقق الإيمان بالإطمئنان.
ويقول جل وعلا: ((لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون، بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)) [الروم: 7].
فإذا القرآة الصحيحة للكلمة من بعد غَلَبِهِمْ "سيُغلَبُون". أي غُلب في غُلب والله أكبر كبيرا.
* الحلقة القادمة الأربعاء بإذن الله.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.