(1 ) بعضهم لم يألو جهدا فى جرد حسابات الربح والخسارة ل ( الإنقاذ ) فور بدء حرب الجنوب .. ومنذ تراجع حظوظ .. اولاد قرنق .. فى صراعاتهم السياسية مع سالفا كير .. وتقدم سالفا كير على خصومه .. كان خصوم الإنقاذ غير سعداء .. وحين إندلعت المواجهات العسكرية .. ظن البعض أن هذه نهاية عسل الإنقاذ مع الجنوب .. وبعض هذا البعض تمنى أن تتورط الإنقاذ بأى صيغة فى تلك الحرب .. مع أمنية أخرى مصاحبة .. أن يخسر من ستدعمه الإنقاذ .. أيا كان هذا الخاسر .. والذى حدث أن القيادة هنا فاجأت المراقبين .. بموقف لم تنقصه الحصافة .. بل والحكمة السياسية ..! فاستطاعت حتى الآن أن تحافظ على شهر العسل مع حكومة الجنوب .. دون أن تعطى الطرف الآخر فرصة الإحتجاج على موقفها هذا أو ذاك .. والحكومة هى الأخرى لا تخفى سعادتها .. بل وشماتتها .. من ما آل اليه حال حلفاء خصوم سالفا من كوادر الجبهة الثورية .. واطمأنت الحكومة أن قوات الجبهة الثورية الموجودة فى الجنوب لن تجد مناصا من الإنحياز لجانب رياك مشار وحلفائه ..! إختبارين أساسيين واجهتمها حتى الآن حكومة الخرطوم .. تجاوزت الأول ولا يزال الثانى عالقا ..أما الأول فكان حين فوجئت النقاط الحدودية جنوبى هجليج بقوات رياك مشار المنسحبة من ولاية الوحدة تتدفق الى هناك .. بكامل اسلحتها ..ولكنها .. كما افادت التقارير .. لم تكن قوات عدائية .. وهذا ربما اعطى القيادة السياسية فرصة دراسة الموقف واتخاذ القرار الصحيح .. فكان القرار أن تخير تلك القوات بين التجريد من اسلحتها واستقبالهم كلاجئين .. أو العودة من حيث اتوا .. فانقسمت القوة على نفسها .. مجموعة آثرت الإحتفاظ باسلحتها وعبور الحدود الدولية جنوبا .. ومجموعة أخرى سلمت سلاحها وبقيت داخل السودان ..ولكن التى تمسكت بسلاحها لم تذهب بعيدا فاضطر الجيش لوضع قوة أمامها تحسبا لأى طارىء ..! أما الإختبار الثانى .. والذى لم تحسب الحكومة حسابه .. ولا تدرى مآلاته .. فهو أن قوات حركة العدل والمساواة والتى تعتبر جزءا من الجبهة الثورية .. قد خالفت الخط العام للجبهة .. وتوجهها الأقرب لكوادر ( السودان الجديد ) فى الحركة الشعبية .. وفى خطوة لا ينقصها الذكاء السياسى .. انضمت الى جانب قوات سالفا كير فى معاركه شمال جنوب السودان .. وعوضا عن ما أحدثه هذا الموقف من إرباك سياسى لحسابات الحكومة .. فثمة تعقيدات أخرى يمكن أن يكون لها تأثيرها السالب على الأرض .. فالعدل والمساواة ومن خطوتها هذى .. قد حققت ثلاثة مكاسب .. أنها وفور إعلانها الإنحياز لجانب سالفا قد تم تزويدها بالسلاح والعتاد .. ثم وبإستمرار المعارك .. واستصحاب حالة الفوضى .. حصلت الحركة على مزيد من الأسلحة والآليات والعتاد .. من تحركها هنا وهناك .. وأخيرا ما تردد من أنباء أن هذه القوات قد حصلت على مبلغ خمسة مليار جنيه جنوبى ..من إقتحام احد البنوك .. وانها انطلقت فى تشوين قواتها من هذا المبلغ الضخم .. مما يمكنها من الصمود لوقت غير معلوم .. هذا على المدى القريب .. أما على المدى البعيد فإن الحركة تكون قد كسبت موطىء قدم لدى سالفا كير حال سيطرته النهائية على الأمور ..! وبين هذا وذاك .. يبقى السؤال .. هل ستنهار الجبهة الثورية ..جراء ما يجرى فى الجنوب ..؟ والسؤال الأهم .. ما هى حسابات الربح والخسارة بالنسبة للخرطوم .. حال .. تفكك الجبهة الثورية ..؟ غدا .. نبحث عن إجابة مكاسب الخرطوم .. وخسائرها فى حرب الجنوب (2 ) وبين هذا وذاك .. يبقى السؤال .. هل ستنهار الجبهة الثورية ..جراء ما يجرى فى الجنوب ..؟ والسؤال الأهم .. ما هى حسابات الربح والخسارة بالنسبة للخرطوم .. حال .. تفكك الجبهة الثورية ..؟ غدا .. نبحث عن إجابة .. هذا ما كنا قد إنتهينا اليه بالأمس .. حتى قبل أن تنفجر الأحداث فى جنوب السودان .. وتسير مسارها هذا .. كانت الحكومة قد نجحت فى محاصرة الجبهة الثورية على مستوى المنابر .. فهى من جهة كسبت تأييدا دوليا واسعا لمبدأ المنبر التفاوضى الواحد لدارفور .. فأصبح المنبر المعترف به هو منبر الدوحة .. وهذا الإجماع العالمى خصم على توجه الجبهة الثورية الساعية لتوحيد قضايا .. كل المهمشين .. فى السودان .. ثم .. وغير بعيد من هذا .. حققت الحكومة إنتصارا آخر .. أشد تأثيرا على الجبهة الثورية من سابقتها .. وهو إقناع الوسيط الإقليمى .. ومن ورائه الإتحاد الأفريقى .. بأن المنبر التفاوضى القائم فى أديس ابابا برعاية افريقية كاملة .. لا صلة له بقضايا دارفور .. وأنه مخصص فقط لمناقشة قضايا المنطقتين فقط .. أى جنوب كردفان والنيل الأزرق .. والجولة السابقة تقترب من الإنفضاض كان جليا أن قطاع الشمال .. بات محاصرا .. ولا يجد نصيرا يدعم موقفه فى نقل قضايا دارفور وقضايا المركز .. تغيير النظام مثلا .. الى منبر اديس .. وهذه الخطوة لا يقتصر تأثيرها على توحد وجهة الجبهة الثورية فحسب .. بل يتجاوز ذلك للنيل من مصداقية قطاع الشمال .. بإعتباره عراب الجبهة الثورية .. وصانعها .. ولإهتزاز المصداقية تأثير سالب .. ولا شك ..! الحكومة وبعد أن إطمأنت الى الجبهتين .. الإقليمية والدولية .. نظرت الى الداخل .. لترى ما يمكنها أن تفعله لتضييق الخناق على الجبهة الثورية .. وربما .. ولأول مرة .. تكتشف الحكومة أن قانون الأمن .. ذو الحول والطول .. عاجز عن تأديب الخارجين .. والمارقين .. والمعارضين .. فتتفتق العبقرية عن حلٍ .. رهيب .. اللجوء الى قانون الجيش .. فيعدل القانون بحيث يحاكم كل مدنى يؤيد أى عمل عسكرى ضد الدولة أمام المحاكم العسكرية .. وما ادراك ما المحاكم العسكرية ..؟؟؟ إحتج البعض بأن هذا زج بالجيش فى السياسة .. فقالوا لهم بحزم .. ومتى كان الجيش فى السودان بعيدا عن السياسة .. ؟!! ولا تلام الحكومة .. فهكذا حالة يصعب الدفاع عنها .. فالخيانة العظمى فى هذه الحالة تهمة جاهزة يمكن أن تطال كل من أبدى .. تصريحا أو تلميحا .. تأييدا أو تعاطفا .. مع أى عمل عسكرى موجه ضد الحكومة .. بإعتباره موجها ضد الدولة .. ففى العالم الثالث .. تسقط الفواصل بين الدولة والحكومة .. وتذوب الأولى فى الأخيرة .. وليس العكس .. وكل ما يستهدف الحكومة .. يكون استهدافا لا للدولة فحسب .. بل للأمة بأسرها .. وفى هكذا حالة .. لن يجرؤ عاقل على المجاهرة بتأييد الجبهة الثورية .. وهكذا تكون الحكومة قد جيرت منفذا ثالثا لصالحها .. ! وبقى السؤال قائما .. لنختم بالإجابة عليه غدا .. مكاسب الخرطوم .. وخسائرها فى حرب الجنوب (3 ) بالأمس سجلنا ثلاثة نقاط .. لصالح الحكومة .. فى مواجهة الجبهة الثورية .. منها حصر قضية دارفور فى طاولة الدوحة .. فقط .. وإقتصار منبر اديس ابابا على قضية المنطقتين .. فقط .. وفق ما جاء فى اتفاقية السلام الشامل .. ولكن .. وبالمقابل .. هل الجبهة تبدو خالية الوفاض ..؟ هناك من يرى غير ذلك .. فالجبهة التى يقودها مالك عقار .. ينوب عنه خمس اسماء يعتبر بعضها من العيار الثقيل فى قاموس التمرد .. بدءاً من جبريل ابراهيم ومنى اركو مناوى ومروراً بعبد الواحد نور وانتهاءاً بنصر الدين الهادى .. الذى يلقبه البعض هناك بالإمام .. وحتى التوم هجو .. علاوة على عبد العزيز الحلو وياسر عرمان .. وبكل ما يمثله هؤلاء هنا وهناك ..لا يمكن التعامل مع الأمر وكأن الجبهة الثورية صفر كبير على الشمال .. فالواقع أن لهذه المجموعة تأثيرها الداخلى والخارجى .. وهى تحاول الآن إستثمار علاقات قياداتها الخارجية لدعم موقفها الداخلى . صحيح كما قلنا بالأمس أن الحكومة نجحت فى تحقيق إختراقين مهمين على الصعيد الإقليمى والدولى لمحاصرة الجبهة الثورية فى ساحات التفاوض .. لكن الصحيح ايضا .. أنه وبالنسبة للقوى المتمردة فإن اليأس فى ساحات التفاوض .. ينقلب دائما الى سلوك حاد وعنيف على الأرض .. فى شكل عمليات عسكرية محدودة هنا وهناك .. وقد يقول قائل .. إنها محدودة بما يعنى أنها غير مؤثرة .. ولكن المنطق يقول إن أى تحرك مسلح خارج الشرعية .. يدفع ثمنه المواطن دائما .. إما رعبا .. أو نهبا أو حتى روحا .. وقد لا تتأثر الحكومة بشكل مباشر .. ولكن المؤكد أنها تدفع ثمنا فادحا حال عجزها عن توفير الحماية اللازمة والتأمين المطلوب ..لكل مواطن .. أيا كان موقعه .. طالما كان داخل الحدود الجغرافية لجمهورية السودان .. وبجانب الثمن السياسى والمعنوى .. فإن الكلفة الإقتصادية ايضا تظل عالية .. وكل هذه التكلفات تقع على عاتق الحكومة .. التى تحيل الأمر بشكل أو بآخر الى عاتق المواطن .. وهنا خسائر معنوية وسياسية أخرى تدفعها الحكومة .. ايضا ..! الواقع الآن .. أن هذه الجبهة التى إعتبرها البعض رأس الرمح فى تغيير النظام .. تجد نفسها فى موقف لا تحسد عليه ..يلاحقها الجيش من الشمال .. ويحاصرها الصراع الجنوبى الجنوبى من الجنوب .. ورغم ذلك .. ثمة من يرى أن أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن تنكفىء حركات دارفور على نفسها .. وتعيد إشعال الإقليم من جديد .. أوأن تنطلق جماعات جنوب كردفان والنيل الأزرق فى عمليات أشبه بالإنتحارية .. خاصة إذا شعرت أنها باتت تقاتل وظهرها الى الحائط .. وهناك خيار إنهيار جوبا .. رغم صعوبته .. وما يمكن أن يحققه من تعزيز للموقف .. عليه يرى كثير من المراقبين .. أن الوقت ملائم الآن .. وعلى الخرطوم أن تأخذ زمام المبادرة وتدفع الوسطاء .. فى المسارين .. مسار دارفور ومسار المنطقتين .. بروح جديدة ..وتنازلات حقيقية .. و بالتزامن مع شعارات الإصلاح والتغيير المرفوعة فى المركز .. لتحقيق الإختراق السياسى الأكبر .. تجنيبا للبلاد مزيدا من الويلات .. وإن حدث هذا تكون الخرطوم قد ربحت بالفعل من حرب الجنوب .. أيا كان الخاسر هناك . ملحوظة :- * هذه المادة نشرت على ثلاث حلقات بصحيفة الرأى العام ورأينا عرضها هنا للإسئناس بآرائكم القيمة [email protected]