*في شهر ما كثُر الموت في البلدة تلك ذات النيل والنخيل و(دكاي) عبد الجليل .. *وما أن يولم عبد الجليل هذا - وقد كان محباً للطرب - وليمةً قوامها الشواء والغناء و(الصهباء) حتى يتعالى صوت ال(كوبودان) معلناً وفاة شخص ما .. *وفي يوم كان صباحه منعشاً - ذا سحب - تدبر عبد الجليل (قعدةً ضحوية) حرص على أن يكون (دكايها !!) منافساً لشوائها وفرةً .. *ثم أقسم ألا يفسدن عليه يومه هذا (طارئ) ولو كان ال(كوبودان) - أي الناعي - نفسه .. *وقبل أن يتم (التمازج الكيميائي) بين الطلاء والشواء والغناء قدم إلى عبد الجليل من كان أوصاه - من الفتيان - هامساً في أذنه بأن صالح ال(كوبودان) شوهد في نواحي السوق وهو يصيح من على حماره : (هسن مسي تود غايبي كون) .. *فأسرع عبد الجليل إلى أبواب ونوافذ ديوانه يحكم إغلاقها جيدا وهو يغمغم : (والله لو البلد كلو مات النهارده نحنا مش فاضين ) .. *ثم هرول نحو جهاز ال(ريل) رافعاً صوته إلى أقصى درجة لترتج جنبات الديوان العتيق بأغنية (شقي ومجنون) .. *وبعد أن اطمأن إلى (العزلة) التي فرضها على (القعدة) طفق يردد - بسعادة - مع الكحلاوي مفرداته (الخارجة عن النص) من قبيل (آااخ أنا !!) .. *والذي دعاني إلى تذكر حكاية عبد الجليل هذه توقي - البارحة - ل(عزلة ذات سعادة) عقب وعكة صحية ألمت بي .. *فقد شعرت أنني بحاجة إلى أن أقضي فترة نقاهة بمنأى عن (المنغصات السياسية) الكثيرة في زماننا هذا .. *فلا أريد - على سبيل المثال - أن أسمع شئياً عن (الجنجويد) ولا (المنطقتين) ولا(الحوار) ولا (الفساد) ولا (جرائم أشقاء الرموز!!) .. *فأنا بحاجة - ولو ليوم واحد - إلى الذي فعله (بلدياتنا) عبد الجليل ولكن دونما (دكاي) .. *وجلست إلى الحاسوب استنطقه درراً مما كان يبثه تلفزيوننا في الزمن الجميل من أغانٍ وبرامج ولقاءات .. *ف(تثقفت) مع حسن عبد الوهاب ، وأدركت حقيقة (الزار) مع حسبو سليمان، وانتشيت ب(نسيم توتي) مع عتيق ، وأُعجبت ب(رجولة!!) نميري رغم خروجي في (أبريل) .. *ولسبب لا أعلمه شعرت برغبة في سماع رائعة الكحلاوي (شقي ومجنون) تماماً كما فعل عبد الجليل في اليوم ذي (الغيم) ذاك .. *وفي اللحظات (السعيدة) تلك هاتفني من (ينعي!!) إلي وعداً حكومياً (قاطعاً) بإنتهاء عهد (التمكين) .. *فرفعت صوت التسجيل التلفزيوني القديم عالياً حتى طغى على صوت (الناعي!!).. *ثم أخذت (أصيح) مع الكحلاوي : (آااخ أنا !!!!!) . [email protected]