كامل إدريس ابن المنظمات الدولية لايريد أن تتلطخ أطراف بدلته الأنيقة بطين قواعد الإسلاميين    البروفيسور الهادي آدم يتفقد مباني جامعة النيلين    9 دول نووية بالعالم.. من يملك السلاح الأقوى؟    ترامب: "نعرف بالتحديد" أين يختبئ خامنئي لكن لن "نقضي عليه" في الوقت الحالي    إنشاء حساب واتساب بدون فيسبوك أو انستجرام.. خطوات    عودة الحياة لاستاد عطبرة    عَوض (طَارَة) قَبل أن يَصبح الاسم واقِعا    السهم الدامر والهلال كريمة حبايب في إفتتاح المرحلة الأخيرة من الدوري العام    شاهد بالفيديو.. الفنانة هدى عربي تظهر بدون "مكياج" وتغمز بعينها في مقطع طريف مع عازفها "كريستوفر" داخل أستوديو بالقاهرة    شاهد بالصورة والفيديو.. تيكتوكر سودانية تثير ضجة غير مسبوقة: (بحب الأولاد الطاعمين "الحلوات" وخوتهم أفضل من خوة النسوان)    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد.. عروس الموسم الحسناء "حنين" محمود عبد العزيز تعود لخطف الأضواء على مواقع التواصل بلقطات مبهرة إحداها مع والدها أسطورة الفن السوداني    شاهد بالفيديو.. (يووووه ايه ده) فنان سوداني ينفعل غضباً بسبب تصرف إدارة صالة أفراح بقطر ويوقف الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناوات سودانيات يشعلن حفل "جرتق" بلوغر معروف بعد ظهورهن بأزياء مثيرة للجدل    "الجيش السوداني يصد هجومًا لمتمردي الحركة الشعبية في الدشول ويستولي على أسلحة ودبابات"    يبدو كالوحش.. أرنولد يبهر الجميع في ريال مدريد    غوغل تطلب من ملياري مستخدم تغيير كلمة مرور جيميل الآن    تدهور غير مسبوق في قيمة الجنيه السوداني    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    ايران تطاطىء الرأس بصورة مهينة وتتلقى الضربات من اسرائيل بلا رد    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    خطأ شائع أثناء الاستحمام قد يهدد حياتك    خدعة بسيطة للنوم السريع… والسر في القدم    وجوه جديدة..تسريبات عن التشكيل الوزاري الجديد في الحكومة السودانية    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفا - إنتباه
نشر في الراكوبة يوم 11 - 04 - 2014


تداعيات
دخل حامد مكتب الناظر ، ناظر المدرسة الثانوية العامة- ج - ، دخل بعد ان طرق الباب عدة مرات و حين قرر ان يرجع سمع صوت الناظر يقول :- اتفضل
دخل حامد و الحيرة تحتل خطواته ، وجلا ، خائفا ، وقف امام الناظر الذي كان مستغرقا في تصحيح الكراسات التي امامه مما جعل حامد يخمن ماهو موضوع الناظر ، من تحت نظارته السميكة شمل الناظر حامد بنظرة سريعة
:- ايوه ، في شنو ؟
:- انا حامد ، حامد محمود
:- ايوه يا حامد ، في شنو ؟
:- ما انت رسلت لي
:- آآ ، انت حامد
:- ايوه يا استاذ
:- حامد انت بتسف تمباك ؟
:- انا ؟ ، يا استاذ ، ابدا ، ما بسف
وقف الناظر كالملدوغ ، بعثر الكراسات التي امامه بينما كان حامد يرتجف من الخوف ، اخذ الناظر احد الكراسات ، لوح به امام حامد قائلا :- ده كراسك و لا لا ؟
نظر حامد الي الكراس و اجاب بصوت بعيد :- نعم يا استاذ
:- طيب ، تعال ، قرب هنا ، شوف ده شنو ، البقعة دي شنو ؟ ، كاستر يعني ؟ ، دي مش بقعة تمباك ؟ ، كمان ما خايف ، تمسح السفه في كراس الحساب ؟ ، يعني داير تثبت إنك صعلوك ولا شنو ؟
امام هذا الاثبات الدامغ لم يحاول حامد ان يستنكر هذه التهمة لذلك حين وضع الناظر نظارته علي المكتب بانتصار واضح و اخرج عينيه بطريقة بوليسية امام وجه حامد وصرخ فيه :- انت بتسف تمباك ؟
لم يملك حامد الا ان يجيب و باستسلام شديد :- اي يا استاذ ، بسف تمباك
:- ايوه ، احسن تعترف
بانفعال واضح فتح الناظر الدولاب ، اخرج سوط العنج المشهور و اتجه نحو حامد الذي ايقن تماما انه في مصيدة ولا فكاك لذلك إنحني ممسكا اقرب كرسي و اغمض عينيه استعدادا لتحمل لسعات السوط ، رفع الناظر السوط الي اعلي و حين هم بانزال اول ضربة علي جسد حامد ، برقت منه العيون و توقف عن ذلك ، نظر الي حامد المنحني علي الكرسي ، رجع الي المكتب ، ازداد بريق العيون ، نظر الي حامد الذي تشجنت اعصابه اكثر بسبب إنتظاره الذي طال لاول ضربة من ذلك السوط الشهير
:- تعال هنا
صرخ الناظر ، إزداد خوف حامد اكثر لجهله بخطوة الناظر القادمة ، إقترب من المكتب ، نظر اليه الناظر بذلك البريق
:- حامد
:- ايوه يا استاذ
:- طبعا ، بتعرف كل الطلبة البسفو تمباك
:- والله يا استاذ ...
:- ما عايز كلام كتير ، بتعرفهم و لا ما بتعرفهم ؟
:- بعرفهم يا استاذ
:- بس خلاص ، بكره في الطابور تطلعهم لي كلهم ، مفهوم ؟
:- مفهوم يا استاذ
:-عشان كده انا بطلت اجلدك
:- ............
صمت حامد و هو يحس بصعوبة المهمة
:- بكره في الطابور ، كلهم ، اوعك تنسي زول ، مفهوم ؟
:- مفهوم يا استاذ
:- خلاص امشي
خرج حامد بينما إبتسم الناظر بخبث شديد قبل ان يستغرق في عملية التصحيح ، رجع حامد ليقول :- يا استاذ ، بس بكره الجمعه
:- خلاص يوم السبت يا غبي ، تعال هنا ، الموضوع ده سري جدا ، اوعك تقول لي زول ، مفهوم ؟
خرج حامد من المكتب و خطواته تنوء بعبء تلك المهمة السرية الخطيرة .
عباس التوم ، ناظر المدرسة الثاتوية العامة - ج - مثار إهتمام الطلاب بسبب تصرفاته الغريبة ، متقلب المزاج ، يظهر ذلك في لبسه قبل تصرفاته ، صاحب صوت جهور و له همس مميز حين يرغب في ذلك ، مهاب جدا و لكن لا تمنع تلك الهيبة من ان يكون موضوع نكات الطلاب ، حين يضحك يضحك بعمق و حين يغضب يرتجف من الغضب ، لكن ، يجهل الجميع ما يضحكه و ما يغضبه ، كتلة من النشاط و الحيوية ، يفعل كل ذلك بإستغراق كلي يجعله ينسي كل التفاصيل ، يدرس مادتي الانجليزي و الرياضيات بمتعة يحسها الطلاب و يفرحون يها ، حدث مرة انه كان يدرس الرياضيات للصف الثاني و حيث انه كان مستغرقا في عملية التدريس ، كان يكتب المسائل الحسابية و يحلها علي السبورة بمتعة متناهية و حين إمتلأت السبورة تماما لم يفكر مطلقا في مسحها بل إستمر بكل ذلك الإستغراق يكتب بالطباشير علي الحائط القريب من السبورة و استمر يكتب علي الحائط وسط همهمات الطلاب الضاحكة ، عادة ما يخلع الاستاذ عباس التوم حذاءه حين يبدأ الحصة و عادة ما يخرج من الفصل حافيا ، حينها يتخاطف الطلبة الحذاء كي يحمل اليه في مكتبه تعبيرا عن الحميمية تجاهه ، حدث ان حمل احد الطلبة الفردة اليمين من الحذاء و هرول بها الي مكتبه بينما حمل طالب اخري الفردة اليسار و هرول بها نحو المكتب ايضا و حين وصل الحذاء الي مكتب الناظر عباس التوم بتلك الطريقة ، إستنكر الامر تماما و اخرج سوط العنج من الدولاب و جلد الطالبين بعد ان اوضح سبب العقوبة قائلا :- ما في جزمة بشيلوها نفرين ، ده خطأ في التصرف ، ما في علاقة بين الجهد و الفعل
يقال إن السبب في تصرفات وشطحات الاستاذ عباس التوم التي تقترب من الجنون هو انه نجا من الموت باعجوبة لا تعزي الا الي الاقدار ، كان ذلك إبان التمرد في الجنوب في الستينات حيث تم حرق ميز المدرسين في - اكوبو - و مات كل المدرسين ماعدا الاستاذ عباس التوم المستغرق الان حتي الجنون في كل ما بفعله .
تسلل حميدان و مجدي من حصة المذاكرة في ذلك المساء عن طريق فتحة في سور السلك الشائك البعيد عن الفصول ، كانت تلك التسللات ذات تراكم في النجاح و لكن لسوء حظ حميدان و مجدي إكتشف الناظر عباس التوم تلك الفتحة مصادفة حين كان يركض مستغرقا وراء عدد من الاغنام التي دخلت حوش المدرسة عن طريق تلك الفتحة ، لذلك وضع عباس التوم تلك الفتحة تحت المراقبة و هكذا ، تسلل مجدي و حميدان في ذلك المساء و عيون الناظر قد احتلها ذلك البريق و تحرك من مكانه لمتابعتهما و بكل ذلك الإستغراق تسلل مثلهما عبر نفس الفتحة ، حرص علي متابعتهما من بعيد ، كان حميدان و مجدي يتحهان نحو السينما التي تعرض فيلم - جانوار - مرا بالسوق و الناظر عباس التوم يتبعهما من بعيد ، تجاوزا - حي السوق - و الناظر مستمر في المتابعة ، - زريبة العيش - متابعة الناظر مستمرة ، - سوق الرواكيب - يحافظ الناظر علي المسافة المعقولة ، تجاوزا الفسحة بين موقف البصات و اللواري والسينما ، وقفا في صف التذاكر ، وقف الناظر في الصف خلفهما حريصا كل الحرص علي عدم إكتشافه ، دخل مجدي و حميدان السينما ، دخل بعدهما الناظر عباس التوم ،كانت المناظر قبل الفيلم قد بدأت ، وسط تلك العتمة كان الناظر يبحث بين المقاعد عن حميدان و مجدي مثيرا الكثير من المشاكل مع رواد درجة - الشعب - ، اخيرا وجد الناظر عباس التوم حميدان ومجدي و اقتلعهما من تلك المتعة التي هربا من اجلها و خرج بهما خارج السينما ، يقودهما امامه صامتين بينما إستغرق الناظر يحكي عن اعظم فيلم شاهده و هو - سقوط الامبراطورية الرومانية - و حين وصل الناظر و معه الرهينتان الي المدرسة كانت حصة المذاكرة قد إنتهت و اطفئت انوار المدرسة حينها نظر الناظر عباس التوم الي حميدان و مجدي قائلا :- معليش يا شباب يوم الجمعه انا عازمكم سينما
في احدي الصباحات خرجت المدرسة الثانوية العامة- ج - مشاركة في مظاهرات الطلاب بمختلف المراحل الدراسية ، في ذلك الصباح دخل الاستاذ عباس التوم الفصل الاول ليدرس حصة الانجليزي حسب الجدول الموضوع ، وجد الفصل خاليا الا من ثلاثة طلاب ، كان الناظر عباس التوم يعلم بامر المظاهرات ، نظر الي الثلاثة طلاب المتخاذلين عن بقية زملائهم و شعر بالإشمئزاز و صرخ فيهم :- وانتو مالكم ؟ ، مكسرين . ، مالكم ما طلعتو مع زملاكم . ، خايفين ؟
رد احد المتخاذلين و بصوت متمكن من منطقه
:- يا استاذ نحن دايرين نقرأ بس ، مالنا و مال المظاهرات
عندها إرتجف عباس التوم من الغضب و نادي الخفير الذي اسرع و احضر سوط العنج و بإنفعال واضح اغلق الناظر كل الشبابيك و باب الفصل بإحكام و صرخ في اولئك المتخاذلين :- الليله انا حاوريكم القرايه ام دق يا جبانات
وكانت معركة نموذجية تحكي دائما حين يتحدث المتحدثون عن شخصية الاستاذ عباس التوم .
يوم السبت ، الطابور الصباحي ، الناظر عباس التوم يقف علي دكة عالية ، يبدو انيقا هذا الصباح ، إنتهت الاصوات التي تنادي باسماء الطلاب للتاكد من الحضور و الغياب
:- صفا ، إنتباه ، صفا ، إنتباه
من تلك الدكة العالية جاء صوت الناظر ، تحدث عن النظام و الضبط و الربط و عن الاخلاق الحميدة ، بعدها برقت منه العيون و قال : - انا عارف إنو في بعض الطلبه بيسفو تمباك و الليله هنا و في الطابور ده حنطلعهم واحد واحد
احد الطلبة لكز زميل بجانبه مشيرا الي - حقة -عبارة عن علبة بحاري كانت لتباكو تقبع مشكلة دائرتها في جيب بنطال الناظر
:- زميلكم حامد محمود حيتولي هذه المهمة ، حامد محمود ، تعال هنا
جاء حامد محمود يتصبب منه العرق ، وقف امام الناظر ، همس الناظر في أذنه ، تحرك حامد نحو الطابور و حيث ان الطابور يتشكل من ثلاثة فصول يقف كل فصل علي طريقة صف في الامام و صف في الخلف لذلك كان خط سير حامد بين الصفين الخلفي و الامامي .
تحرك حامد بين صفي الفصل الاول ، مر حامد بين الصفين ، في مروره ذاك همس متعاطو التمباك باصوات تدين هذا السلوك
:-خلي عندك ذوق يا حامد
حامد مستمر في مروره
:- ما ما معقول ياحامد
قالها احد الطلبة في الصف الامامي دون ان يلتفت الي الوراء
حامد يتصبب منه العرق و يحس بالانهيار
:- تكون بالغت يا حامد
خرج حامد من صفي الفصل الاول دون ان يعلن عن احد ، في مروره بين صفي الفصل الثاني تكررت تلك النداءات الهامسة و الزاجرة تدين و تشجب مبدأ الخيانة ، خرج حامد من صفي الفصل الثاني دون ان يشير الي احد ، في صفي الفصل الثالث تضخمت كذلك نداءات الزملاء في أذن حامد بحيث لم يستطع ان يؤدي تلك المهمة التي اوكلها له الناظر ، خرج حامد من الطابور دون ان يعلن عن متعاط واحد للتمباك ، تحرك نحو الناظر الذي يقف علي تلك الدكة العالية ، إقترب من الناظر بحذر و قال بصوت مخنوق :- ما في زول بسف يا استاذ
هنا ، صرخ الناظر عباس التوم بكل فرح الدنيا لتشمل الدهشة عقول الجميع
:- برافو ، برافو يا ابني ، إنت رفضت الخيانة ، برافو ، برافو يا ابني
و احتضن الناظر عباس التوم الطالب حامد محود بحضن حميم وضج الطابور بالفرح و تعالت الضحكات ، عندها إنتبه الناظر لتلك الفوضي و صرخ في الطابور
:- صفا ، إنتبا ، صفا ، إنتباه .
Post your free ad now! Yahoo! Canada Personals
تداعيات
=========
يحيي فضل الله
=============
صفا - إنتباه
==============
دخل حامد مكتب الناظر ، ناظر المدرسة الثانوية العامة- ج - ، دخل بعد ان طرق الباب عدة مرات و حين قرر ان يرجع سمع صوت الناظر يقول :- اتفضل
دخل حامد و الحيرة تحتل خطواته ، وجلا ، خائفا ، وقف امام الناظر الذي كان مستغرقا في تصحيح الكراسات التي امامه مما جعل حامد يخمن ماهو موضوع الناظر ، من تحت نظارته السميكة شمل الناظر حامد بنظرة سريعة
:- ايوه ، في شتو ؟
:- انا حامد ، حامد محمود
:- ايوه يا حامد ، في شنو ؟
:- ما انت رسلت لي
:- آآ ، انت حامد
:- ايوه يا استاذ
:- حامد انت بتسف تمباك ؟
:- انا ؟ ، يا استاذ ، ابدا ، ما بسف
وقف الناظر كالملدوغ ، بعثر الكراسات التي امامه بينما كان حامد يرتجف من الخوف ، اخذ الناظر احد الكراسات ، لوح به امام حامد قائلا :- ده كراسك و لا لا ؟
نظر حامد الي الكراس و اجاب بصوت بعيد :- نعم يا استاذ
:- طيب ، تعال ، قرب هنا ، شوف ده شنو ، البقعة دي شنو ؟ ، كاستر يعني ؟ ، دي مش بقعة تمباك ؟ ، كمان ما خايف ، تمسح السفه في كراس الحساب ؟ ، يعني داير تثبت إنك صعلوك ولا شنو ؟
امام هذا الاثبات الدامغ لم يحاول حامد ان يستنكر هذه التهمة لذلك حين وضع الناظر نظارته علي المكتب بانتصار واضح و اخرج عينيه بطريقة بوليسية امام وجه حامد وصرخ فيه :- انت بتسف تمباك ؟
لم يملك حامد الا ان يجيب و باستسلام شديد :- اي يا استاذ ، بسف تمباك
:- ايوه ، احسن تعترف
بانفعال واضح فتح الناظر الدولاب ، اخرج سوط العنج المشهور و اتجه نحو حامد الذي ايقن تماما انه في مصيدة ولا فكاك لذلك إنحني ممسكا اقرب كرسي و اغمض عينيه استعدادا لتحمل لسعات السوط ، رفع الناظر السوط الي اعلي و حين هم بانزال اول ضربة علي جسد حامد ، برقت منه العيون و توقف عن ذلك ، نظر الي حامد المنحني علي الكرسي ، رجع الي المكتب ، ازداد بريق العيون ، نظر الي حامد الذي تشجنت اعصابه اكثر بسبب إنتظاره الذي طال لاول ضربة من ذلك السوط الشهير
:- تعال هنا
صرخ الناظر ، إزداد خوف حامد اكثر لجهله بخطوة الناظر القادمة ، إقترب من المكتب ، نظر اليه الناظر بذلك البريق
:- حامد
:- ايوه يا استاذ
:- طبعا ، بتعرف كل الطلبة البسفو تمباك
:- والله يا استاذ ...
:- ما عايز كلام كتير ، بتعرفهم و لا ما بيتعرفهم ؟
:- بعرفهم يا استاذ
:- بس خلاص ، بكره في الطابور تطلعهم لي كلهم ، مفهوم ؟
:- مفهوم يا استاذ
:-عشان كده انا بطلت اجلدك
:- ............
صمت حامد و هو يحس بصعوبة المهمة
:- بكره في الطابور ، كلهم ، اوعك تنسي زول ، مفهوم ؟
:- مفهوم يا استاذ
:- خلاص امشي
خرج حامد بينما إبتسم الناظر بخبث شديد قبل ان يستغرق في عملية التصحيح ، رجع حامد ليقول :- يا استاذ ، بس بكره الجمعه
:- خلاص يوم السبت يا غبي ، تعال هنا ، الموضوع ده سري جدا ، اوعك تقول لي زول ، مفهوم ؟
خرج حامد من المكتب و خطواته تنوء بعبء تلك المهمة السرية الخطيرة .
عباس التوم ، ناظر المدرسة الثاتوية العامة - ج - مثار إهتمام الطلاب بسبب تصرفاته الغريبة ، متقلب المزاج ، يظهر ذلك في لبسه قبل تصرفاته ، صاحب صوت جهور و له همس مميز حين يرغب في ذلك ، مهاب جدا و لكن لا تمنع تلك الهيبة من ان يكون موضوع نكات الطلاب ، حين يضحك يضحك بعمق و حين يغضب يرتجف من الغضب ، لكن ، يجهل الجميع ما يضحكه و ما يغضبه ، كتلة من النشاط و الحيوية ، يفعل كل ذلك بإستغراق كلي يجعله ينسي كل التفاصيل ، يدرس مادتي الانجليزي و الرياضيات بمتعة يحسها الطلاب و يفرحون يها ، حدث مرة انه كان يدرس الرياضيات للصف الثاني و حيث انه كان مستغرقا في عملية التدريس ، كان يكتب المسائل الحسابية و يحلها علي السيورة بمتعة متناهية و حين إمتلأت السبورة تماما لم يفكر مطلقا في مسحها بل إستمر بكل ذلك الإستغراق يكتب بالطباشير علي الحائط القريب من السبورة و استمر يكتب علي الحائط وسط همهمات الطلاب الضاخكة ، عادة ما يخلع الاستاذ عباس التوم حذاءه حين يبدأ الحصة و عادة ما يخرج من الفصل حافيا ، حينها يتخاطف الطلبة الحذاء كي يحمل اليه في مكتبه تعبيرا عن الحميمية تجاهه ، حدث ان حمل احد الطلبة الفردة اليمين من الحذاء و هرول بها الي مكتبه بينما حمل طالب اخري الفردة اليسار و هرول بها نحو المكتب ايضا و حين وصل الحذاء الي مكتب الناظر عباس التوم بتلك الطريقة ، إستنكر الامر تماما و اخرج سوط العنج من الدولاب و جلد الطالبين بعد ان اوضح سبب العقوبة قائلا :- ما في جزمة بشيلوها نفرين ، ده خطأ في التصرف ، ما في علاقة بين الجهد و الفغل
يقال إن السبب في تصرفات وشطحات الاستاذ عباس التوم التي تقترب من الجنون هو انه نجا من الموت باعجوبة لا تعزي الا الي الاقدار ، كان ذلك إبان التمرد في الجنوب في الستينات حيث تم حرق ميز المدرسين في - اكوبو - و مات كل المدرسين ماعدا الاستاذ عباس التوم المستغرق الان حتي الجنون في كل ما بفعله .
تسلل حميدان و مجدي من حصة المذاكرة في ذلك المساء عن طريق فتحة في سور السلك الشائك البعيد عن الفصول ، كانت تلك التسللات ذات تراكم في النجاح و لكن لسوء حظ حميدان و مجدي إكتشف الناظر عباس التوم تلك الفتحة مصادفة حين كان يركض مستغرقا وراء عدد من الاغنام التي دخلت حوش المدرسة عن طريق تلك الفتحة ، لذلك وضع عباس التوم تلك الفتحة تحت المراقبة و هكذا ، تسلل مجدي و حميدان في ذلك المساء و عيون الناظر قد احتلها ذلك البريق و تحرك من مكانه لمتابعتهما و بكل ذلك الإستغراق تسلل مثلهما عبر نفس الفتحة ، حرص علي متابعتهما من بعيد ، كان حميدان و مجدي يتحهان نحو السينما التي تعرض فيلم - جانوار -مرا بالسوق و الناظر عباس التوم يتبعهما من بعيد ، تجاوزا - حي السوق - و الناظر مستمر في المتابعة ، - زريبة العيش - متابعة الناظر مستمرة ، - سوق الرواكيب - يحافظ الناظر علي المسافة المعقولة ، تجاوزا الفسحة بين موقف البصات و اللواري والسينما ، وقفا في صف التذاكر ، وقف الناظر في الصف خلفهما حريصا كل الحرص علي عدم إكتشافه ، دخل مجدي و حميدان السينما ، دخل بعدهما الناظر عباس التوم ،كانت المناظر قبل الفيلم قد بدأت ، وسط تلك العتمة كان الناظر يبحث بين المقاعد عن حميدان و مجدي مثيرا الكثير من المشاكل مع رواد درجة - الشعب - ، اخيرا وجد الناظر عباس التوم حميدان ومجدي و اقتلعهما من تلك المتعة التي هربا من اجلها و خرج بهما خارج السينما ، يقودهما امامه صامتين بينما إستغرق الناظر يحكي عن اعظم فيلم شاهده و هو - سقوط الامبراطورية الرومانية - و حين وصل الناظر و معه الرهينتان الي المدرسة كانت حصة المذاكرة قد إنتهت و اطفئت انوار المدرسة حينها نظر الناظر عباس التوم الي حميدان و مجدي قائلا :- معليش يا شباب يوم الجمعه انا عازمكم سينما
في احدي الصباحات خرجت المدرسة الثانوية العامة- ج - مشاركة في مظاهرات الطلاب بمختلف المراحل الدراسية ، في ذلك الصباح دخل الاستاذ عباس التوم الفصبل الاول ليدرس حصة الانجليزي حسب الجدول الموضوع ، وجد الفصل خاليا الا من ثلاثة طلاب ، كان الناظر عباس التوم يعلم بامر المظاهرات ، نظر الي الثلاثة طلاب المتخاذلين عن بقية زملائهم و شعر بالإشمئزاز و صرخ فيهم :- وانتو مالكم ؟ ، مكسرين . ، مالكم ما طلعتو مع زملاكم . ، خايفين ؟
رد احد المتخاذلين و بصوت متمكن من منطقه
:- يا استاذ نحن دايرين نقرأ بس ، مالنا و مال المظاهرات
عندها إرتجف عباس التوم من الغضب و نادي الخفير الذي اسرع و احضر سوط العنج و بإنفعال واضح اغلق الناظر كل الشبابيك و باب الفصل بإحكام و صرخ في اولئك المتخاذلين :- الليله انا حاوريكم القرايه ام دق يا جبانات
وكانت معركة نموذجية تحكي دائما حين يتحدث المتحدثون عن شخصية الاستاذ عباس التوم .
يوم السبت ، الطابور الصباحي ، الناظر عباس التوم يقف علي دكة عالية ، يبدو انيقا هذا الصباح ، إنتهت الاصوات التي تنادي باسماء الطلاب للتاكد من الحضور و الغياب
:- صفا ، إنتباه ، صفا ، إنتباه
من تلك الدكة العالية جاء صوت الناظر ، تحدث عن النظام و الضبط و الربط و عن الاخلاق الحميدة ، بعدها برقت منه العيون و قال : - انا عارف إنو في بعض الطلبه بيسفو تمباك و الليله هنا و في الطابور ده حنطلعهم واحد واحد
احد الطلبة لكز زميل بجانبه مشيرا الي - حقة -عبارة عن علبة بحاري كانت لتباكو تقبع مشكلة دائرتها في جيب بنطال الناظر
:- زميلكم حامد محمود حيتولي هذه المهمة ، حامد محمود ، تعال هنا
جاء حامد محمود يتصبب منه العرق ، وقف امام الناظر ، همس الناظر في أذنه ، تحرك حامد نحو الطابور و حيث ان الطابور يتشكل من ثلاثة فصول يقف كل فصل علي طريقة صف في الامام و صف في الخلف لذلك كان خط سير حامد بين الصفين الخلفي و الامامي .
تحرك حامد بين صفي الفصل الاول ، مر حامد بين الصفين ، في مروره ذاك همس متعاطو التمباك باصوات تدين هذا السلوك
:-خلي عندك ذوق يا حامد
حامد مستمر في مروره
:- ما ما معقول ياحامد
قالها احد الطلبة في الصف الامامي دون ان يلتفت الي الوراء
حامد يتصبب منه العرق و يحس بالانهيار
:- تكون بالغت يا حامد
خرج حامد من صفي الفصل الاول دون ان يعلن عن احد ، في مروره بين صفي الفصل الثاني تكررت تلك النداءات الهامسة و الزاجرة تدين و تشجب مبدأ الخيانة ، خرج حامد من صفي الفصل الثاني دون ان يشير الي احد ، في صفي الفصل الثالث تضخمت كذلك نداءات الزملاء في أذن حامد بحيث لم يستطع ان يؤدي تلك المهمة التي اوكلها له الناظر ، خرج حامد من الطابور دون ان يعلن عن متعاط واحد للتمباك ، تحرك نحو الناظر الذي يقف علي تلك الدكة العالية ، إقترب من الناظر بحذر و قال بصوت مخنوق :- ما في زول بسف يا استاذ
هنا ، صرخ الناظر عباس التوم بكل فرح الدنيا لتشمل الدهشة عقول الجميع
:- برافو ، برافو يا ابني ، إنت رفضت الخيانة ، برافو ، برافو يا ابني
و احتضن الناظر عباس التوم الطالب حامد محود بحضن حميم وضج الطابور بالفرح و تعالت الضحكات ، عندها إنتبه الناظر لتلك الفوضي و صرخ في الطابور
:- صفا ، إنتبا ، صفا ، إنتباه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.