شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من كتاب ذكريات من البادية .. بقلم: الصادق عبدالله عبدالله
نشر في سودانيل يوم 12 - 01 - 2014


المسبعات الصغرى (مدرسة دريبو) 1965- 1968
أورد الأديب الطيب صالح رحمه الله في روايته موسم الهجرة للشمال حوارا قصيرا بين الطفل مصطفى سعيد (بطل قصة موسم الهجرة للشمال) وأحد شخصيات الرواية من الكبار يريد أن يدخله إلى المدرسة. ورد في حوار مصطفى سعيد الآتي: س: هل تحب أن تتعلم في المدرسة؟
الطفل مصطفى سعيد : ما هي المدرسة؟ :
س: هي بناء جميل من الحجر. تدخل الفصل مع التلاميذ، تتعلم القراءة والكتابة والحساب. حين تكبر وتخرج من المدرسة ستصير موظفاً في الحكومة.
الطفل مصطفى سعيد : (دخلت المدرسة. وسرعان ما اكتشفت في عقلي مقدرة عجيبة على الحفظ والاستيعاب والفهم. ... أقرأ فيرشح الكلام جملة في أذني.. أركز في مشكلة الحساب فتنفتح مغالقها.. تذوب بين يدي كأنها قطعة ملح وضعتها في الماء). انتهي.
أما المدرسة الأولى التي التحق بها صاحبنا فهي مدرسة المسبعات، وهذا هو اسمها الرسمي أومدرسة (دريبو) باسمها المعروف في قرية دريبو، على الضفة الغربية للنيل الأزرق شمالي مدينة سنجة. لقد كانت مبنىً جديداً، جميلاً من ثلاثة فصول ومكتب واحد بشبابيكها الخضراء، لها فناء واسع و مسورة باغصان الشجر في شكل مربع. انتصبت المدرسة على الضفة الغربية للنيل الأزرق تقابلها من الناحية الشرقية مدرسة تريرة مدني الصغرى أيضا. التحق أخي الأكبر أحمد بمدرسة دريبو، المدرسة الصغرى. لحظة عودته مع والدي من المدرسة يوم تسجيله في مدرسة دريبو، بادرني بقوله (قبلوني في المدرسة)، رنت الكلمة في أذني ولم أعرف ماذا تعني المدرسة، ولم يكن لدي تصور عنها. وقد كان بيتنا وقتها في الفريق (البادية)، وقد كان الفريق غرب حِلّة زينوبة بنحو كيلومتر واحد في ميعة عين الجمل (ربما سميت كذلك أولاً لأن بها بعض الخيران التي تحتفظ بالماء لفترة ما بعد موسم الأمطار، أو لأن أحد الجمال قد مات وتناثرت عظامه في تلك الأنحاء). والعرب تسمي مورد المياه بالعين. عين الجمل منخفض من الأرض عما حوله، وبه بعض الخيران. وتنمو به الأشجار أكثر عزارة وأكثر خضرة مما حولها، من أشجار الهجليج والطلح والسنط واللعوت في الأطراف وشجرة واحدة من المخيط، أو ما يعرف بالكرسان في مناطق كردفان).
انتظم أحمد في المدرسة، وأقام في حِلّة زينوبة مع جدتنا عائشة بنت مقداري، بعد أن رحل الفريق في رحلة النشوق و رحلت مع الفريق. استمر ذهب أحمد لمدرسة دريبو(المسبعات) يومياَ مع أولاد الحِلّة في مشوار يومي يمتد لخمسة كيلومترات. رحل الفريق إلى غرب الخزان. كان أحمد يأتي في نهاية الأسبوع عندما يقترب الفريق في ديار الشتاء والمصيف. جاء أحمد مرة إلى الفريق، رغم بعده، لوحده، وجدني وحدي في البيت (خيمة من بروش السعف على حنية . كنت لوحدي في الخيمة، إذ كان بقية أفراد الأُسرة في بيت آخر احتفاء بضيف أو نحو ذلك. كنت أصنع لعبة من قصب الذرة. والوقت منتصف النهار. بدلاً من التحية كما يفعل الكبار، قال لي: قالوا في عنيكليبة (يقصد قرية عنيكليبة) في نمر كتل زول (أي هناك نمر قتل أحد الناس). كان أحمد في عمر لم يتجاوز العشر سنوات، يسلك طريقاً بين الأشجار لمسافة تقارب العشرة كيلومترات، لا بد أنه كان خائفاً. وقد كانت قصة النمر تلك حقيقية. ثم أخرج ورقة من جيبه فيها رسم. ثم أعطاني ألوأن شمع لأراها لأول مرة. وقد لفت نظري اللون البنفسجي الذي شاهدته لأول مرة. وقد ظل اللون البنفسجي في ذاكرتي، فقد شهدته بكثرة ملفتة أثناء إقامتي بنيروبي حيث تتفتح زهور أشجار البنفسج (الجاكراندا) وتحول المدينة إلى بحر من البنفسج.
في عام تال لذلك، وبعد عامين من دخول أحمد للمدرسة، والفريق في موقع شتوي غرب الخزان، في الفرناغة قرب قرية الهدى الخضراء الحالية جوار طريق الأسفلت المتجه جنوبا والمؤدي إلى سنجة، وجدتُ نفسي يوما استعد للركوب خلف أبي على ظهر جمل، بعد أن تلقيت حماماً في طشت، خلف سترة من الشمل . وارتديتُ جلابية. في ذلك العام اجتمعت لدي سبعة من الجلاليب المزركشة، بعضها لونه أزرق سماوي، وآخر سمني ( أو بيجي)، وبعض مخطط بياقة أو بدون ياقة. فقد كان ذلك الموسم موسم حصاد جيد وموسم أفراح متواترة، في الحِلّة والفريق وفي مثل هذا الموسم يقوم الكبار بتوزيع الهدايا، خاصة الثياب على الأطفال، وكان الكبار يفضلون الكسوة في هداياهم للصغار. ولا يزال السودانيون مولعون بالهدايا من الثياب.
انضم إلي الركب ابن خالي صديق عبدالرحمن . للذهاب والتسجيل في المدرسة في ذلك اليوم. بدأ المشوار قبل شروق الشمس في اتجاه نحو الشمال الشرقي، ثم شرقاً. مع طلوع الشمس مررنا على بعض أجحار، وجدنا مجموعة من الحيوانات، تشبه الكلب لكنها صغيرة، ولها أذان كبيرة على نحوٍ ما، قرب الأجحار. عندما أقترب الجمل دخلت الحيوانات في أجحارها، وقد سألنا أبي عنها فأخبرنا أنها البوة وهي ما يعرف بابي الحِصّين . كنّا نسمع صوت البوة ليلاً قبل أن نراها. كما كان يحكي الكبار أسطورة عن عواء البوة ليلاً ، عندما تتبع البوة المرفعين (الضبع)، لتظفر ببعض مما يصطاده. ومعلوم في الدراسات العلمية وجود حيوانات مفترسة واخرى متطفلة على بقايا الفرائس. ولم يعرف بأن البوة من الحيوانات المفترسة. يحاول المرفعين أن يبعدها فتعوي في وجهه. فيسعى لإسكاتها إغراءاً، يقول لها أعطيك الرأس، ترد عليه (ما دايرة حق الناس)، فيقول لها أعطيك المصارين، لترد عليه (ما دايرة حق المساكين). وبصياحها ينتبه الناس فيطردونه ويحترزون منه دون أن ينال من الشياه شيئاً. كنّا عندما نسمعها نحسب أنها تعوي في وجه مرفعين فيصيبنا شيئا من الخوف. لكن لا بد أنها تتعاوى بطبيعتها فيما بينها تواصلاً لاغراض حياتها الخاصة.
عبرنا، في مسيرنا مع مطلع شمس ناعسة، تحت أشجار السنط الكثيفة، ذات الخضرة الداكنة، والجذوع السوداء والنوار (البرم) الأصفر، وشعاع الشمس ينساب في أعمدة ضوئية بين جذوع الأشجار بين الظلال الممدودة في منخفض الخزان، حيث انحسر الماء ليبقى في بعض الخيران، وزهرة السنط (البرم) يفوح عبيرها في المكان. ونبات الستيب (اللوتس) ترقد أوراقه العريضة في سطح الماء وتشرئب زهوره الشهيرة بأعناقها الطويلة بعطرها الفواح لتعلن للنحل أن هلمّي إلي يا نحلاتي. مررنا عبر حِلّة زينوبة ، ثم ترعة مشروع ود رباع الزراعي، رأيت حواشات القطن لأول مرة، إلى حِلّة المسبعات . دخلنا الحِلّة من الغرب للشرق، في اتجاه الشمس. كان أبي يلقي التحية السودانية بكلماتها من الطيبة والعافية على من يقابله أحيانا يذكره باسمه، وكل في طريقه. تلك هي الرحلة الأولى التي رأيت فيها أول مبنى من الطوب وهو المدرسة.
أناخ أبي الجمل في ركن ساحة المدرسة الجنوبي الغربي، إلى جذع شجرة طندب. (كلمة مناخ يقال أنها أشتقت من الأماكن التي يقصدها العرب الرُحَّل ويستقرون فيها لبعض الوقت لجودة هوائها ومائها ومرعاها، حيث ينيخون رواحلهم). دخلنا نتبع أبي إلى مكتب المدرسين. إلتقينا أحداً يرتدي زياً لم أره من قبل، بنطلون وقميص. عرفت أنه ناظر المدرسة. وعرفت لاحقاً أن القميص الإفرنجي (كالذي نرتديه اليوم مع البنطلون كان يسمى محلياً بالبردلوبة (ربما معربة من الطلياني). كان يومي ذاك مثل الشاعر محي الدين الفاتح في قصيدته المشهورة (اتطلع لامرأة نخلة) التي يذكر فيها:
قد أذكر لي سنوات ست ولبضع شهور قد تربو.
أتفاعل في كل الأشياء أتساءل عن معنى الأسماء.
والنفس الطفلة كم تشتط لما تصبو.
في يوم ما ... إزدحمت فيه الأشياء .
أدخلنا أذكر في غرفة ..
لا أعرف كنت لها اسماً.
لكني أدركها وصفا .. كبرت جسماً ...
بهتت رسماً ... عظمت جوفاً... بعدت سقفاً
الناظر جا ... وردد قائمة الأسما ..
وأشار لأفخرنا جسدا .. أن كن ألفا...
كأن الألفة... إذا وقف قامته أرفع ..
وإذا فهم أطولنا أصبع ...
مدرسة دريبو (المسبعات) كان يتلقى التعليم بها أبناء حِلّة دريبو، وأحيائها أو فرقانها ود رباع، شمبول وهناك مسميات داخلية لبعض أحياْ الحِلّة. كما يدرس فيها كذلك أبناء حِلّة زينوبة وحِلّة عنيكليبة، وبعض أبناء العرب الرُحَّل من فريق الكرتان(بطن من بطون قبائل الكواهلة) الذي درج أن يصيف بين حلتي دريبو وزينوبة. كما يدرس فيها أبناء عمال وموظفي المشروعات الزراعية (ابن ناظر المشروع، وأبناء مشغل الوابور). في المدرسة هناك قد تم تسجيل من هم في عمرنا من أبناء زينوبة. وكما هو الحال أنّ معظم أبناء السنة الأولى من أبناء دريبو، بعض التلاميذ من أبناء حِلّة عنيكليبة. وهناك قليل من البنات بالفصل، يجلسن في صف في آخر صف في الفصل. فلم تكن تتح لغالبية أخواتنا فرصة التعليم وقتها، بل كان عددهن بالمدرسة ربما لا يتجاوز العشرة ولم تتجاوز واحدة منهن عتبة السنة الثالثة (ثالثة اساس بتعبير الحاضر). كان فصل سنة أولي يضم (أذكرهم بملابسهم وحقائبهم ومواقف كثيرة، كأنها بالأمس وقد أصبحوا رجالاً لهم بنين وحفدة. اللهم ارحم من مضى منّا وأحسن ختام من ينتظر. هذه الذاكرة التقطتهم جميعاً، إلا قليلاً ، وهم:
إبراهيم الصادق مسبل زينوبة عمل في مجال البناء
إبراهيم عبدالهادي دريبو عمل في مجال التمريض
إبراهيم كباشي ابراهيم عنيكليبة ......
أحمد أدم فضل الله زينوبة اغترب لامريكا
أحمد الطيب علي دريبو عمل في قطاع النقل بود مدني
أحمد صديق قريب ود رباع .......
أحمد علي العبيد زينوبة مزارعاً و تاجراً
أحمد عمر عبدالكريم دريبو ......
أم كلتوم علي العبيد زينوبة ربة منزل
حسن التوم عبدالله زينوبة طبيب بيطري
حسن الياس دريبو
حسن حمودة فريحة دريبو ......
حسين التوم عبدالله زينوبة عمل ميكانيكيا بهيئة المياه
حسين الياس دريبو
حسين محمد أحمد دريبو عمل ضابطاَ بالقوات المسلحة
حياة سليمان أبوريش دريبو ......
الخير محمد علي دريبو من قرية السادرة غرب سنار.
سكينة عثمان اتيم دريبو عملت بالقطاع الصحي
السيد جمعة ود رباع ......
الصادق عبدالله عبدالله زينوبة المؤلف
صباح الخير ادريس سليمان زينوبة عمل في مجال البناء
صلاح مهاجر عبدالله دريبو توفي باكراً......
عباس أبوالقاسم ابراهيم زينوبة توفي في السنة الثانية
عباس الياس عباس
عبدالرحمن أحمد ضباح دريبو .......
عبدالرحمن البدوي احمد دريبو عمل بالنقل ، توفي مبكراً
عبدالرحمن حسن عبدالله دريبو عمل ضابطاَ بالقوات المسلحة
عثمان إسماعيل أبوكلام دريبو .......
عزالدين أحمد ابوكلام دريبو ......
الفاضل ابراهيم عمر دريبو
الفاضل سليمان عنيكليبة .......
الفاضل طه حسن دريبو تاجر ،
فاطمة الصديق عبدالله زينوبة ربة منزل
فوزية سعد حسب الله دريبو ....
قاسم أحمد علي دريبو .......
قمر حسين قمر دريبو عمل بالقوات المسلحة هجانة
محجوب عبدالسلام دريبو عمل في مجال النقل بالخرطوم
محمد اسحق دريبو
محمد المهدي أدم دريبو ......
محمد حماد أحمد الناير زينوبة تاجر ، صاحب لوري
محمد ضحية (بيضون) دريبو توفي باكراً
محمد علي السيد احمد زينوبة أمين مخازن، السعودية
محمد علي عبدالله زينوبة عمل كاتباَ بسلك القضاء
مصطفى الجعيلي عنيكليبة .......
الهادي جابر يعقوب دريبو .......
الهادي عبدالكريم محمد دريبو ود جقود .....
الهادي مالك عبدالكريم دريبو من شمبول ......
وداد أحمد القرشي دريبو .......
يحي عبدالله دريبو ........
يعقوب محمود الفكي علي دريبو ......
يوسف حسن عبدالنبي زينوبة عمل في مجال البناء
يوسف محمد دريبو ......
وقد كان بالمدرسة ممن هم في الفصلين المتقدمين (سنة ثانية وثالثة) من أسماء عديدة من الرجال المعروفين اليوم في قرى دريبو وشمبول ودرباع وزينوبة وعنيكليبة منهم (مما تتيحه الذاكرة في وقت الكتابة، من دريبو (بأحيائها الثلاثة، بدون ترتيب في الفصول: بشرى سعد حسب الله، بشرى عبدالهادي، بليل ابراهيم عمر، سكينة الطيب علي، صديق ابراهيم خليفة، زينب عمر حسين، صديق اسحق، العازة ابراهيم، عبدالرحمن ابراهيم، عبدالعظيم زكريا، عثمان يحي الياس، علي حمودة فريحة، احمد الياس عباس، الغزالي احمد علي، الهادي احمد علي، الفاضل أحمد (وأخوه الأكبر)، محمد عبدالكريم (ود جقود)، محمد رابح، محمد زكريا، محمد هاشم، عبدالمطلب هاشم، منصور عثمان اتيم ، نصرالدين الحاج محمد، الهادي طه حسن، يحي عبدالله ، يوسف دريبو، اسماعيل الخير، احمد الياس عباس، بلة ابراهيم ادريس، محمد عبدالسلام. ومن عنيكليبة: الهادي أدم، حسن بشير. ومن فريق الكرتان محمود رابح وحسن علي رابح. أما من زينوبة و الدامر، كان منهم علي أحمد دوكة (إبن خالتنا عائشة الدقش بنت عبدالله ود مقداري)، وابن عمته ابراهيم يوسف مرزوق (وهوابن خالنا أيضا من جهة أبيه)، والصادق خميس أحمد (وهوابن عمة علي أيضا وابن خالة ابراهيم)، ثم أحمد الزين حماد ( حمود ود الزين) وابن خاله عبدالله الصديق عبدالله (أبوعائشة ود الصديق) وبشرى حسن عبد النبي. أما من الدّامِر وهي طرف الحِلّة الشمالي، فقد كان هناك الأخوان صديق والصادق سعيد الفكي محمد، وأبناء أعمامهم كمال والهادي عبدالوهاب ومحمد إبراهيم الفكي محمد (حميدة ود براهيم) وعبد القادر عبدالله آدم. وقد وجدنا ذكرى كثيرين كانوا قبلنا تركوا المدرسة في وقت مبكر. أما دفعتنا كما ذكرت فيبدوأنها كانت كبيرة نسبيا. ومن الذين وجدنا سيرتهم وقد تقدموا في التعليم هم : شمبول (استاذ شمبول)، محمد يحي الياس (استاذ)، مصطفي المهدي (رجل حسابات)، أحمد الياس (الجمارك) صديق دريبو (صيدلي )، عبدالقادر عمر أبو كلام (القوات المسلحة)
عدتُ إلى المدرسة في التاريخ المحدد لانتظام الدراسة، تم استعراض أسماء التلاميذ من قائمة الفصل في الطابور، وكان يستعرض أسماء تلاميذ سنة أولى أحد تلاميذ سنة ثالثة. وتتم كتابة أسماء الغائبين. في أول طابور لم يذكر اسمي واسم الخير الصادق (ابن عمتي) . ثم تلى ذلك التنبيه بأن الذي لم يسمع اسمه يطلع برة (يتقدم للأمام). ذهبنا مع استاذ عفيف للمكتب. راجع أحد الدفاتر، يبدو أنّه لم يجد إسمينا ضمن المسجلين، ثم قال: (ما اشوفكم تاني هنا). انصرفنا، لم يحضر الخير ذلك العام، إلا أني واصلت مجيء للمدرسة وحضور الطابور اليومي، ولا أسمع إسمي ضمن القائمة، وقد واظبت على الحضور ولم يطلب مني الإنصراف أو مقابلة أي شخص مرة أخرى. الآن بعد استعراضي لقائمة الفصل فهمت الآن لماذا لم أكن ضمن المسجلين، إذ كان مقرر الفصل أربعين تلميذاَ، مع إعطاء فرصة للعائدين والمنقولين. أما صديق عبدالرحمن ابن خالي فلم يحضر في ذلك العام، ليسجل في العام التالي بمدرسة أم شوكة ويسكن مع أخواله وجدته حواء بت جرار في قرية شكا. غبت يوم قدوم عمنا حاج حسين ضحية من الحج، وقد تصادف أني مصاب ببعض الزُكام، ولم أذهب للمدرسة ذلك اليوم، وقد تلقيت منه هدية عبارة عن فانلة بيضاء، جاء بها بنفسه لخيمتنا التي لا تبعد كثيرا عن خيمته، مع طلوع الشمس، وكنت أعالج سلكا بين حجر (سندان) ويد (مطرقة) لأصنع منه عربة. ذهبت في اليوم التالي، وكان النداء في الطابور (الغايب أمبارح يطلع برة)، طلعت مع غائبي يوم أمس، ولم يكن عذر الزُكام مقبولا، وتلقيت جلدتين رغم أن أسمي لا يتم ترديده في الطابور.
حان وقت الإمتحان، وقد كان مرة واحدة في نهاية العام. كان إمتحان مادتي الحساب والعربي يتم داخل الفصل، أما تسميع سور القرآن الكريم فيتم بعد إخراج التلاميذ من الفصل ثم يتم استدعاؤهم واحد تلوالآخر لغرض التسميع حتى آخرهم، حتى لا يستفيد الذي لم يحفظ فيحفظ من جراء تكرار زملائه للسور. لم يتم ذكر إسمي. وكنتُ جاراً للفاضل طه، الذي نبّه استاذ عفيف لوجودي بالخارج، فاستدعاني وراجع القائمة فلم يجد إسمي رغم أنه يعرفني جيدا عبر وجودي المستمر، بل وقدرتي على المشاركة والتسميع أولاً بأول، غير عدم قدرتي على تسميع سورة الكافرون. وقد نلت منه عقوبة على ذلك. امتحنني وسجل اسمي في نهاية القائمة. وعندما ظهرت نتيجة الإمتحان كنت قد أحرزت الترتيب الثاني وقد كان يعقوب محمود في المركز الأول، سكينة عثمان في المركز الثالث، وحسن التوم ، ابن خالي في المركز الرابع. وبعد استئناف الدراسة في العام الجديد كان إسمي آخر أسماء قائمة الفصل التي يتم نداؤها يوميا في طابور الصباح، وكل تلميذ يسمع اسمه يرفع صوته بالإجابة (فندي) أي فندوم .
درب المدرسة:
كان اتجاه درب المدرسة شرقاً وغرباً. في الصباح نسير في اتجاه الشمس، و بعد انتهاء الدروس، بعد الظهيرة كنا نسير أيضاَ في اتجاه الشمس، يا إلهي، كم كانت حارقة، خاصة في أشهر ابريل ومايو. كنّا نسلك إلى المدرسة أحد طريقين، لمسافة تصل إلى خمسة كيلومترات. الطريق الشمالي وهو طريق الترعة (قناة ري القطن) الذي يحاذي ترعة مشروع ودرباع التي تمتد على طول الطريق من الشرق إلى الغرب. طريق الترعة هو طريق العربات، وأهمها عربة المفتش الزراعي للمنطقة اللاندروفر، وعربة لاندروفر مكشوفة (دون مقصورة لمهندس وابورات مشروعات القطن في المنطقة. كنا نسميها (كليب الحر)، ونسمي اللاندروفر ربع الطيارة، لا أدري من أين أتي الاسم لكن يوحي لنا الاسم بمقارنة سرعتها بالطائرة. العربات العابرة في المنطقة عربات تشمل اللّواري الانجليزية الصنع الأوستن ، البدفورد، اللاندروفر والكومر . أما عربة الينموق الصفراء (شاحنة مرسيدس رباعية الدفع) تاتي موسميا لتجهيز طائرة رش مبيد حشرات القطن، والتي يعد لها مهبط صغير في الأرض التي تقع غرب دريبو، جنوب ودرباع وشرق الترعة مباشرة. كما كان هناك أحد فني الوابورات يدعى سيف الدين يأتي في موترسيكل ذا صوت عالي في طرقات متقطعة، من ماركة البي إس إيه BSA البريطانية. من العربات الراتبة في الطريق بص الحِلّة الذي يبدأ مشواره من قرية دريبو، كذلك بعض اللّواري التي تتحرك في المنطقة لنقل المحصول والحطب والفحم حيث كان هناك نشاط واسع لصناعة الفحم، كانت نتيجته زوال الغطاء وانكشاف الحال.
أهم قسمات الطريق هي كوع الترعة (زاوية انحناء الترعة) حيث مزرعة عمنا حماد الناير شرق زينوبة بنحو نصف كيلومتر، وهنا ترتفع جنبات الترعة عالياً، حيث تعبر منخفض خور مهيلة. وفي هذا الجزء، حيث التقاء الطريق مع الترعة، قد يتخذ البعض قرار النزول إلى الماء والاغتسال فيه، خاصة في يوم تفتيش النظافة في يومي السبت والثلاثاء. ثم الكُبْري (قنطرة على الترعة) وإلى جواره شجرة هجليج ظليلة، نتخذها محطة للاستراحة، وننتظر عندها العربات عندما نتوقع قدوم عربة ما. ثم كوع الترعة الثاني مما يلي قرية دريبو. ثم الخوير (تصغير خور) وهو منخفض صغير ينتهي في النيل الأزرق إلى الجهة الشمالية، وهوخلف الحِلّة مباشرة. ذلك الطريق هو جزء من الطريق المؤدي إلى سنجة عبر قرى الشلال والرماش، وهو ما يعرف بالدرب التحت. الدرب الذي يقترب من مجرى النيل الأزرق، ويقابله الدرب الفوق الذي يحازي السكة حديد ويتفادى الأودية الصغيرة التي تحمل ماء الأمطار للنيل. وقد أشتهر الدرب التحت بأغنية الحقيبة (يالسايق الفيات) لشاعرها ابراهيم العبادي التي غناها سرور (سائق الفيات نفسه، ثم الثنائي أولاد شمبات (عوض وابراهيم شمبات) كما غناها المطرب على ابراهيم اللحووتقول ابيات منها:
يا سايق الفيات قوم بي وخد سندة .
بالدرب التحت تجاه ربوع هندا.
يا سايق الفيات ، أوصيك قبل تبدا.
تواصل سيرك في الطريق يالسابق الربدة .
حي هندا المراد منك بعيد جبدة.
عجّل سيرك أطوي الطريق وأضرع .
يا سايق الفيات أسرع ميل علي المشر ع
ما تريع القطيع ويجفل الأدرع. .
شوف سائق الفيات الليلة كيفن هاش
والشجر الكبار بقي شوفنا ليه طشاش
قول لي دحين وين ماش
فارقت الطريق اتيامن الرماش .
انزل يا سرور وشوف يد القدرة
وشوف حسن البداو ة الما لمس بدرة
ورّاد النهر أردوني ما بدرا أردوني .
الكاتل الصفار ام نضرة الخضرة
ما نفرن تقول سابق الكلام إلفة .
عطشان قلت ليهن وصحت البلفة
ما فيش كاس قريب ..
قالن بدون كلفة، تشرب بكفوفنا لما تتكفي
أما درب المدرسة الثاني فهو طريق عبر غابة السنط والطلح إلى الجنوب من طريق العربات، فيما نعرفه بدرب خور مهيلة. ومهيلة أمراة من دريبو، اتخذت مزرعة على على منخفض الخور الذي سمي اسمها. وطريق خور مهيلة موسمي، حيث يصعب سلكه في الأشهر التي تلي موسم المطر (أكتوبر نوفمبر) لكثرة حشائشه وأشواكه، ثم أن الترعة تجاهه تخلومن كبري، ويستخدم المزارعون أحيانا جسر من أفرع الاشجار. هذا الطريق يفضله أبناء الطرف الجنوبي من القرية والتي تعرف بزينوبة. أما ابناء حِلّة الدّامِر (الطرف الشمالي من القرية وهو ما يعرف بحِلّة الدّامِر فيسلكون دوما طريق العربات. عندما انتظمنا في المدرسة وكنا في السنة الأولى كان هناك من يكبرنا من إخواننا من زينوبة .
كانت مدرسة دريبو تعرف في سجلات وزارة التربية بمدرسة المسبعات الصغرى. كلمة صغرى تعني أن بها ثلاثة فصول فقط وهوما كان يعرف بال Sub Grade، بدلا من أربعة فصول حتى السنة الرابعة، وفي الحالة الأخيرة تسمى المدرسة أولية، مثل مدرسة الشلال الأولية أو مدرسة أم شوكة الأولية في ذلك الوقت. أما المدارس الأولية التي بها داخلية وبها فصلين للسنة الرابعة فتسمى مدرسة أولية ذات رأسين، مثل مدرسة سنجة الغربية ذات الرأسين أومدرسة كركوج الأولية ذات الرأسين. يتنافس تلاميذ المدارس الصغرى في منافسة للحصول على مقعد في ذات الرأسين التي تلحق بها داخلية للتلاميذ. اذكر في عام امتحاننا في عام 1968، كان بالفصل بضع وأربعين تلميذا، تم اختيار عشرة وقد قبل منهم ستة، ليكون عدد الذين عبروا إلى السنة الرابعة نحو14% من جملة الذين درسوا حتى السنة الثالثة الأولية. وقد كان الستة هؤلاء هم :
1 الخير محمد علي
2 محمد علي عبدالله
3 يعقوب محمد الفكي علي
4 نصرالدين الحاج محمد
5 عبدالرحمن حسن عبدالله
6 الصادق عبدالله غبدالله
تقع قرية دريبو، على ضفة النيل الأزرق الغربية شمالي مدينة سنجة، بنحو الخمسة وعشرين كيلومتر. وهي القرية المعروفة رسميا بالمسبعات ومعروفة محليا بحِلّة دريبو. سميت باسم المسبعات لأن نواة سكانها من قبيلة المسبعات الذين سكنوا في الضفة الغربية للنيل الأزرق عند منحنى النيل شمال غرب مدينة السوكي. ومعروفة قبيلة المسبعات التي أقامت مملكة المسبعات في كردفان و لهم قرى ظاهرة غرب الأبيض ومنها قرية (الجِكة. إلا أن بقرية المسبعات آخرين من السكان من قبائل القمر والهوارة، التعايشة، الجوامعة والمعاليا. كما أن هناك قرية شمبول (حي شمبول) تقع إلى الجنوب وتعتبر حي من حِلّة دريبو تقطنها قبيلة الجوامعة، ويفصل بينها وبين المدرسة خور (مجرى منخفض لمياه الأمطار ينحدر نحوالنهر). الخور تنبت فيه أشجار اللعوت وتكسوه حشائش خفيفة من نبات السعدة، الكريب والضفرة. كنّا أحيانا نربط حميرنا ودحوشنا (جحوشنا) في خور شمبول، خاصة بعد موسم الأمطار ووجود تلك الحشائش، حتى تتوفر لها وجبة اثناء النهار. الجهة الأقرب للنهر من خور شمبول تنبت فيها بعض أشجار الطلح والسنط.
ثم قرية ود رباع تقع إلى الشمال من قرية دريبو، ويفصلها أيضا مجرى آخر ينحدر نحو النيل، وتسكنها قبيلة الحمر وتبدأ خلفها ترعة ود رباع التي تسقي المشروع المعروف بمشروع ود رباع. اسم القرية مشتق من اسم شيخها (محمد ود رباع). ومعروف لدى أهلنا الحمر لديهم أسماء عربية اسماء صفات وتفعيلة(فارح، مفرح، تابر، متبر، معلىّ، رباع، ماهل، سالم). في الطريق إلى المدرسة ونحن نتجه من الغرب للشرق، الشمس أمامنا ومشروع ود رباع إلى شمالنا وصوت طلمبة مياه مشروع ود رباع، يحدث إيقاعاً راتباً لسيرنا في الطريق. كما يوجد بود رباع منزل ناظر المشروع والمكتب الذي يؤمه المزارعون لأخذ مدخلاتهم وصرف عائداتهم. قرية دريبو وأحياؤها شمبول وودرباع، مثل قرى المنطقة، تأسست مع مطلع القرن العشرين عقب سقوط ام درمان وبقاء مقاتلي جيش أحمد فضيل الذي كان يتحرك على طول النيل الأزرق للانضمام للجيش السوداني في ام درمان، إلا أنه سبق السيف العزل، فقد دخل الغزاة أم درمان، وتوزع جيش أحمد فضيل في تلكم الأنحاء، أما أحمد فضيل لم يهدأ له بال حتى التحق بالخليفة عبدالله واستشهد معه في أم دبيكرات غرب كوستي، وكان يسعى لآخر اللحظات أن يفك طوق المحاصرين (الكردون الذي ضرب حول الخليفة ومجموعته). لذلك كان سكان دريبو، مثل ما حولهم من الأهل القرى، جميعهم من الأنصار، يلبسون الجلابية الأنصارية ويلفون العمة ذات الذؤابة التي تتدلى من مؤخرة الرأس ثم فوق الكتف الشمال لتتدلى على الصدر من الناحية الشمال ويحتفظ كل واحد منهم بلبسة على الله. لبسة على الله هي الزي العسكري للأنصار، وقد تطورت في فترة الإمام عبدالرحمن حيث تطور التفصيل وتطورت الأقمشة. والاحتفاظ بهذا الزي لدى الأنصاري يعني الجاهزية للقتال، ويعني (توكلنا على الله). الآن دخل الزي (على الله) دائرة الموضات للشباب، وما أروع أن تكون الموضة من صميم إرث الأمة. أما موضة الجينز فهي ترجع لأقمشة أشرعة السفن والمراكب في أمريكا، دخلت كموضة(mode) أو طريقة أو فاشون) هناك ثم انتشرت إلى كل الأنحاء.
الأنصار في دريبو وفي تلك القرى القائمة، يتلون وردهم اليومي المعروف براتب الامام المهدي . سميت الحِلّة باسم حِلّة دريبو نسبة لشيخها حسن عبدالله المشهور بحسن دريبو. وأيضاً يسمى حسن أبيد، لأن يده اليسرى كانت تنتهي مباشرة بعد الكوع ببضع سنتمترات، أي ليس له ساعد ولا كف يسرى، فقد ولد هكذا. رغم ذلك فقد كان يستخدم تلك اليد بمهارة عالية في تثبيت العمامة ولفها، وفي تعليق عصاته الخيزرانة المعقوفة، كما كان يعلق عليها مسبحته وكانت لا تعيقه عن امتطاء حماره العالي. فقد كان عمنا حسن دريبو رحمه الله طويلا، جهير الصوت، وكان حكيماً ومحترماً، من كل الناس بشتى قبائلهم، الذين ارتضوه شيخا لهم. كان يرتدي الزي العربي أو الجلابية الانصارية عريضة الأكمام. وقد كا ن عضواً في المحاكم الأهلية. وقد امتلك حسن دريبو بستاناً غرب النيل الأزرق ، قُبالة قرية البُساطة من الناحية الشرقية. وله أبناء وبنات معروفين في المنطقة (منهم طه حسن والدقيل ود حسن، المقدم عبدالرحمن حسن (النقراش).
يبدوا أن حسن دريبو بوعيه وحضوره لدواوين الحكومة فاز بتأسيس مدرسة صغرى لتعليم الصغار في السنين التالية للاستقلال، هذا من دون القرى الأخرى التي حوله. ساعده في ذلك قرب قريته من النيل الأزرق فالماء متوفر للبناء وللتلاميذ والمدرسين، على خلاف قرى زينوبة، عنيكليبة اللتين تبعدا بنحو أربعة وسبعة كيلومترات.
عدتُ يوماً في عطلة نهاية الأسبوع من داخلية مدرسة كركوج ذات الرأسين، بعد أن اشتقت إلى أهلي، وتقدمت إلى أستاذ يوسف حولي، ضابط داخلية كركوج، بطلب الذهاب إلي أهلي ضمن قائمة الخروج التي تمنح إذناً كل اسبوعين. سافرتُ إلى سنجة عبر البنطون، كان عمري حينئذ نحو اثنتي عشرة سنة. وفي سنجة وجدت بص طه حسن (من نوع البصات الكومر من ذات الموديل الواضح في الصورة، المقابلة)، إلا أني لم أجد أحدا من قرية زينوبة ذلك اليوم في سنجة. ركبت في بص دريبو الذي سلك طريق العودة عبر الدرب التحت، وانتهى البص إلى قرية دريبو، وقد وصل البص مع المغيب. وبعد مراسم الضيافة لهذا الضيف الصغير، أسرج عمنا حسن دريبو حماره. وهو شيخ الحِلّة وله أبناء كبار، كما له أبناء أخوانه وأخواته من حوله، وأردفني خلفه والليلة مقمرة، إلى أن أوصلني إلى جدتي، ونادى بصوته الجهوري المميز (يا بت مقداري.. يا بت مقداري أديني البشارة جبت ليك ولدك..)، رحمهما الله رحمة واسعة. مع حسن دريبو كان هناك أعيان مشهورين في القرية، منهم الطيب على الشريف (صاحب الدكان)، وكان يوفر في الدكان كثير من مستلزمات المدرسة من الكراسات والاساتيك وأقلام الرصاص، ويحتفظ بالحلويات ومن أشهرها حلاة سمسم القضارف وطحنية. وفي الدكان كان الفكي محمد البرناوي يأتي من قرية أم شوكة بشنطة الحلاقة خاصة عندما تقرب إجازة العيد حيث لا يجد الأطفال فرصة للذهاب للحلاقة في سوق أم شوكة. ومن رجال قرية دريبو عمنا زكريا والد الأستاذ عبدالعظيم زكريا ومحمد زكريا، وكان أيضا له دكان وكان ترزيا يفصل شنط الدمورية. وأخوه إبراهيم (قَرِّي) والد المهندس الجيولوجي إسماعيل إبراهيم وأخوانه عبدالرحمن ومحمود، أيضا كان له دكان في اتجاه الشمال الغربي من المدرسة. أصحاب البصات في قرية دريبو منهم طه حسن (إبن حسن دريبو) ودريبو عبد الهادي وضوينا حماد. وابناء الياس عباس الياس، يحي الياس وسليمان الياس (المساعد الطبي الراحل مع العرب)، وليحي الياس جزارة غرب القرية إلى الشمال من الطريق. الجزارة عبارة عن كرنك من القش به تربيزة وخطاطيف وقُرْمَة . من أهل دريبو أولاد البليل حسن وحسين اشتهرا بتربية الأبقار. والتيمان حسن وحسين المشهوران ب (تِلِّي)، وقد اشتهرا بسعاية جمال الشيل لحمل القطن من المشروع إلى تجميعه، واشتهر معهما ود بشارة أحد الجمالة. وفي مدخل القرية من ناحية الغرب علي الجانب اليمين منزل عمنا جنقول، كان يحرص عم جنقول على ربط ابقاره واحدة واحدة، حرصا على عدم تسللها وإتلافها للزراعة، يجاوره من ناحية الجنوب منزل عمنا ضوينا حماد الذي خدم المنطقة ببصه المشهور (بص ضوينا).
بنيت مدرسة دريبو من القش في بداية الأمر حتى ينظر إن كان عدد التلاميذ كاف لتأسيس مدرسة أم لا، وقد نجحت المدرسة، فتم بناؤها بالطوب بعد سنوات قليلة. مدرسة دريبو كانت جديدة بيضاء مثل السحابة المنفردة في السماء، لها شبابيك خضراء . تتكون من ثلاثة فصول ومكتب . فصل أولى وثانية ومكتب المدرسين في مبنى واحد. ثم فصل ثالثة منفردا إلى النحاية الجنوبية، بينه وبين مكتب المدرسين برندة صغيرة لا تتعدى المترين.. بجانب المدرسة من الناحية الشمالية قطيتين واحدة لسكن المدير والثانية لسكن الاساتذة. يجاور سكن المدرسين من الناحية الشمالية منزل عمر حسين وقد زرعت في فنائه شجرة نيم ضخمة. وقد كانت جملة هيئة التدريس ثلاثة بمن فيهم الناظر. وفي عهدنا كانوا هم الناظر محمد أحمد، حل محله الناظر عبدالقادر الشايقي، ثم حل محله الناظر السيد البشاري. استاذ النعيم تقلي حل محله استاذ ابراهيم حامد. كان ابراهيم حامد يأتي على حماره من الرماش، مرتديا بنطلون وقميص ويعتمر برنيطة إتقاء الشمس ويحمل أحيانا شمسية. حل محله استاذ الصادق بدري يرتدي جلابية دوماً. الأستاذ عفيف الدين محمد إمام من طابت الشيخ عبدالمحمود، حل محله استاذ مصطفى يوسف من كركوج ثم حل محله استاذ صلاح التنقاري. وتوجد قُطِّية في الناحية الغربية للمدرسة نتناول فيها فطورنا (هذا عندما نتفق نحن أبناء زينوبة لجلب الفطور معنا في بعض المواسم). ثم تم بناء مزيرة من القش إلى الناحية الجنوبية من تلك القُطِّية. و نعتقد أنه من تلكم المزيرة انتقلت لنا عدوى مرض الحسبة ، لم يكد ينجو منها أحد. زاد من حدة الحسبة لدينا أنها أصابتنا مع بداية عطلة نصف السنة التي تزامنت مع بداية السنة الميلادية. ولما كنا نذهب في العطلة إلى الفريق الذي كان وقتها يحط جنوب قرية شكا في المنطقة المعروفة ب(أم سمن). كان لا بد لنا أن نعبر الخزان ، وقبل أن نصل إلى الفريق أخذنا وقتنا نعوم في الخزان حتى اكتفينا، ولم ندر ي أن تعرضنا للبرد في الهواء الطلق قد سبب لنا نزلة تزامنت مع عدوى الحسبة، طلعنا منها تحت حد السيف. وقد تأكد لأهلنا أنها حسبة بظهور الطفح الجلدي المعروف للحسبة، وكان العلاج البلدي عندئذ أن يتم مسح المصاب بلبن الغنم مباشرة بعد حلبه، مع الدعاء (إن شاء الله باردة وبخيتة). الدعاء فلا أشك أنه مستجاب لأنه دعاء لمريض، ودعاء من والد لولد، كما أنه دعاء لمضطر ، وكل ذلك مناط استجابة. فلم يمت منا أحد كما لم يصب منا أحد بأي عاهة. أما المسوح باللبن تأكد لي مؤخرا بعد قرأت على أحد علب الكريمات ( يسمى الكريم باللغة العربية باسم الحنجور) بأن الكريم يحتوي على فيتامين أ وفيتامين إي مما يفيد البشرة ويغذيها، واللبن ، خاصة لبن الغنم (الماعز) معروف بما يحتوية من فيتامينات وسكر آحادي وخلاف ذلك. لم يكن التطعيم للأطفال على ما هو عليه الآن . كان التطعيم للصغار والكبار للجدري فقط، الذي أعلن لاحقا أن السودان خال منه تماماً،
كانت المصاريف اليومية للتلميذ قرش واحدلشراء وجبة الفطور. بعض النسوة يعرضن الكسرة بالمُلاح، اللفة بقرش والطرقة بتعريفة . كذلك يعرض بعضهن الطعمية التي تصنع من اللوبيا البيضاء، تباع مع الشطة، خمسة حبات بتعريفة، وكباية الكَبْكَبي (الحمص) بتعريفة، والفول السوداني المدمس، علبة الصلصة الصغيرة منه بتعريفة. وفي موسم البطيخ تباع الواحدة منه بقرش. كان التلاميذ يشتركون لصرف نصف المصروفات في الوجبة الرئيسية وهي الكسرة، والنصف الآخر لشراء صنف أخر لزم التحلية و(القزقزة).
يكون إتفاق التلاميذ في بعض الأحيان، فيما يشبه الموضة أوالإضراب، فيما يعرف بتأثير القرناء (Peer Group Pressure) ليحضر الفطور من البيوت. كل يحمله في بستلة أو بسكلة (إنا من الألومنيوم). يتمثل الفطور المجلوب من البيوت في لفات الكسرة مع البصل والطماطم والزيت والشطة والملح. أو قراصة الدخن باللبن خاصة في فصل الشتاء. أحياناً يؤتى باللبن فقط ويتم شراء الرغيف وتقطيعه فيه قبل الدخول للفصول. ذاك لعمري أطيب من وجبة رقائق الذرة (الكورنفليكس). بائع الرغيف حبشي أسمه يحي، يأتي من أم شوكة على حماره، واضعاً الرغيف في صندوقين من الخشب. ولتنبيه الزبائن يقوم بالطرق على الصندوق بعصاة صغيرة فيصدر صوتاَ عالٍ يميزه الناس. وكان بعض بائعي الرغيف غير يحي ينادون على الزبائن بالنداء ورفع الصوت ومما يقوله أحدهم وقتها: (أيوا ... عيش طازه.. حار من نارُه..السمن جارُه.. تقيل ميزانُه.. ايوا) . يبيع يحي بعضا من رغيفه في زينوبة قبل طلوع الشمس، ليصل إلى دريبو ويقف بساحة غرب المدرسة قبل الجرس. فيشتري التلاميذ منه الرغيف.
حدث أنه يوماَ اتفق الصبيان أن يأتوا بطعامهم من البيوت، بدلاً من شراء الرغيف. أخبرنا جدتنا عائشة بت مقداري بأننا سنأخذ فطورنا من البيت. قامت رحمها الله باكراَ وجهزت العصيدة بملاح شرموط أبيض، عندما اكتشفنا أن وجبتنا عصيدة، في حين أن الآخرين يأتون بكسرة، رفضنا العصيدة. فنادت ابنتها حواء (عمتنا حواء الدقيلة التي تجاورها من الناحية الشمالية بأن تعد لنا كِسرة (طَرَقة) وقد كان، كما ظلت العمة تجهز ها لنا كل يوم. اللهم أجزيهما عنا خير الجزاء. فكان ذلك اليوم فطورنا كسرة بملاح شرموط أبيض ، بدلاَ من الطماطم والبصل مع زيت السمسم والشطة والملح والشمار. كنا ناكل في مجموعات، مثل الأكل في الضرا . وللمفاجأة أن إناءنا كان أول إناء تلتهمه الأيدي والافواه الصغيرة.
كانت سنة أولى هي الفصل الأول من ناحية الشرق. يفتح بابها جنوبا وبها خمسة شبابيك، إثنين من الجنوب وثلاثة من الشمال. كانت الشبابيك مغطاة بسلك النملي المزدوج (نملي الارانب ونملي ناعم). فصل سنة أولى لا توجد به أي كنبة ولا يتخذ أي بساط للجلوس، الفصل مكتمل البلاط (مربعات 20*20سم من الأسمنت ملساء من النوع الذي يمسى البلاط الأسمنتي. وقد كان هذا النوع من البلاط هو الوحيد في زمانه قبل ظهور البلاط المزايكو ثم بلاط السيراميك بأنواعه، والأنواع الأخيرة لم تدخل تلك القرى بعد، لكن وجدناها في ترحالنا خارج تلك الأماكن. كان البلاط باردا في أيام الشتاء، ومعتدلا في فترة الصيف. ولما كانت الإجازة السنوية في الصيف، فمشهد الشمس المعتاد هوميلها نحوالجنوب، مع تكوين ظل قصير في الناحية الشمالية، يستفاد منه في فترة الاستراحة (الفسحة) بين الحصص بعد الحصة الرابعة. المدرسة ليست بها شجرة مزروعة، لكن هناك شجرة هجليج في ناحية الشرق، تبعد عن مبنى المدرسة بنحو خمسين مترا، يستفاد من ظلها في حصة الأعمال، وغالبا ما تكون من أعمال الطين. كان التلاميذ يوماً في ظلها في حصة الأعمال وقد انصرف أستاذ الصادق بدري إلى المكتب، ثم جاء راجعاً، وكلنا منهمكين في معالجة أعمالنا، كان أخونا أحمد علي العبيد يردد مقطع (يالدر الماليك تمن والله نور عيني ونور الزمن) . ليسأل الأستاذ : مين يغنّي الدر الما ليك تمن؟. لنسكت كلّنا ويستمر الأستاذ في مراجعته لأعمال التلاميذ.
كان جلوس التلاميذ داخل الفصل في صفوف، تبدأ الصفوف مباشرة بعد باب الفصل، أربعة تلاميذ في كل صف. صف يمين وصف شمال، لتكون مجموعتين من الصفوف ذات اليمين وذات الشمال لتكون جملتها نحو خمسة أوستة صفوف في كل جانب. يدخل التلاميذ الفصل في صف واحد بعد الطابور الصباحي، وكل يدلف لمكانه المحفوظ. كان صف البنات هو آخر صف من الناحية اليمين. يجلس التلميذ القرفصاء، مع نداءات الألفة أحيانا بتربيع الأيادي (وضع الذراع اليمين فوق الشمال وإدخال اليد اليمين تحت الذراع الشمال واليد الشمال تحت الذراع اليمين) ومنع الكلام أوبالمقابل الوقوف في صف المهرجلين أمام الفصل. عندما يأتي الأستاذ يقف التلاميذ، فيلقي الأستاذ التحية: السلام عليكم، فيرد التلاميذ بصوت عالي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، يرد الأستاذ جلوس، فيجلسون. في حالة الاستماع للاستاذ يكون جلوسهم كما هو، وفي حالة الكتابة يجلس كل واحد في وضع أقرب لوضع الجلوس في الصلاة، ثم يميلون بأجسامهم نحو الكراريس. كثيرا ما أقوم أجر رجلي الشمال (خدراً) بعد الحصة الثانية، بسبب جلوسي عليها في حالة الكتابة. كان القيام للاستاذ عند دخوله يريحني كثيراَ، كذلك في حالة المشاركة واقفاً أوفي السبورة فذلك حافز أحرص أن لا يفوتني.
الفصل به سبورة سوداء. وإلى جانب السبورة من الناحيتين وإلى أعلى السبورة يتم تثبيت رسوم وجداول إيضاحية حسب تسلسل الدروس. فتكتب الأرقام ومعها رسم يرمز للرقم المعين. الحروف ومعها رموزها. يتحرك الأستاذ في المساحة المتاحة بين السبورة والصفين الأولين وبين الباب والشباك في الجهة المقابلة. أغلب المدرسين كانوا يرتدون البنطلون والقميص عدا الناظر السيد البشاري وإستاذ الصادق بدري. يدخل الأستاذ عادة للفصل ومعه وسيلته الإيضاحية من رسم لحرف أولرقم. والتي تنتهي بالتثبيت على الحائط بمسمار مثبت للغرض أعلى السبورة. قد يطلب الأستاذ من أحد التلاميذ أن يحضر كرسياً من مكتب المدرسين، لغرض تصحيح الكراسات أويحضر السوط. والسوط كان وسيلة تعليمية معتمدة وغالباً ما يكون سوط عنج من النوع القصير. في أحد أيام الشتاء وفي الطابور، كان يديره ذلك اليوم الناظر محمد أحمد الذي كان يرتدي سترة للبرد بدون أكمام فوق القميص. قال اليوم لدينا ضيف جديد نرحب به، وكان يحمل سوطاً بيده، والكل كان في حالة انتباه، ليعرف من هوالضيف، فإذا به يرفع السوط عالياً ويقول هذا هو ضيفنا الذي سيبقى معنا في المدرسة. وقد قابلني ذلكم الضيف في تلكم المدرسة ثلاث مرات، مرة في غياب يوم، وثانية في تسميع سورة الكافرون حيث أقوم بتكرار الآيات أكثر أو أقل. ومرة ثالثة حيث أتهمنا بأننا أولاد زينوبة أتلفنا السمسم في حواشة أحد المزارعين بالمشروع (إبن عم لنا)، وقد كان الوقت بداية سنة دراسية جديدة، في أكتوبر حيث تم التأثير علينا من قبل أحد إخوتنا الكبار من تلاميذ سنة ثالثة، فجُمعت تعريفة من كل منّا. قام بشراء سكر من دكان الطيب على (نصف رطل بثلاثة قروش). وفي الطريق دلفنا إلى حزم السمسم نحتها أونحثها (نهزها) بعد أن فرشنا بعض ثيابنا لتتساقط حبات السمسم (تنبت بالدهن)، ذات النكهة الخاصة. خلطنا ما حصدناه بالسكر وتنأولنا وجبة كاملة وغنية وشربنا عليها من ماء الجدول (أبوعشرين). يبدوا إننا قد حصدنا ما حصدناه وأتلفنا الكثير. فإذا بنا صباحاَ في الطابور ينادى بأن (من أولاد زينوبة بالأمس من شارك في الدخول في حواشة سمسم ، وأسماؤهم معنا، الافضل أن يخرجوا، ومن لم يخرج بنفسه سيتلقى ضعفاَ من العقاب. فخرج اخوتنا الكبار الواحد تلو الآخر، ثم خرجنا من بعدهم لننال جزءانا عقاباً من سياط على ظهورنا. لقد لقينا من فعلنا ذلك نصباً. كانت هناك مقولة رددها أحد الاساتذة عن أهمية الضرب تقول (العلم يرفعهم والضرب ينفعهم، لولا مخافتهم لم يحفظوا الكتبَ)، إني أعلم أن بعضنا كان ذكياَ لماحاَ، لكن عندما يكون في الفصل يفقد ذهنه تماماَ، حتي فارق البعض المدرسة وفقد فرصته في التعليم.
وفي درب المدرسة يتكرر اعتداء التلاميذ بروح المغامرة على المزروعات، فقد كان مرة على الطماطم ومرات أخرى على العنكوليب . وقد يخرجون أحيانا صفر الأيادي بسبب هجمة مرتدة من أحد أصحاب المزارع، بل قد يجد البعض سوطاً أو أكثر على ظهره أو رأسه، وتستخدم جذوع نبتة البامية الخلوية (الويكة أم شراية) في ذلك. لكنه كان نوع من المغامرات البطولية للصغار. فالذي يفوز بشيئ يظل يذكره ويفتخر به، والذي يرجع قمحان (مقمح) يظل يقص كيف أنه أفلت من القبض أو الجلد هرباً أو تخفياً، والذي تلسعه بعض السياط قد تغلبه دموعه، وسط سخرية إخوته. رغم أن أهل تلك البلاد من المزارعين لديهم ثقافة الوقف عالية للغاية، يقدمون نية الصدقة عند البذر إذ يقولون (بسم الله للغاشي والماشي).
تقتصر دروس سنة أولى على العربي (اللغة العربية)، الحساب، التربية الإسلامية (الدين)، والأعمال (الفنون)، فالعربي يبدأ بكتاب الحروف، وبه صور ملونة، ولكل حرف رمز، فالألف رمزها (أسد)، الباء (برك الجمل). أما حرف التأء فأشك فيه هل كان تاء تمساح أم غير ذلك. فالذي أعرفه أن الذي جاءوا من بعدنا درسوا تاء تمساح. التأء تفرض نفسها في اللغة العربية بشكل ملفت. فالتاء في اللغة العربية للمتكلم (تاء مضمومة) والتاء للمخاطب (تاء مفتوحة) وتاء التأنيث (تاء ساكنة) وتاء التأنيث ( تفرّق بين بعض المؤنث والمذكر ) و تاء الفعل المضارع تفرق أيضاَ بين نسبة الفعل للمذكر أوالمؤنث ( يجري أم تجري).
هنا أتعامل مع التاء بأنها كانت تاء تمساح. أما التمساح فنسمع عنه ولم نره، ويقال لنا إنه يعيش في البحر (النهر)، والنهر ليس ببعيد. وقد سمعنا من أهلنا الكبار أن التمساح قد سبق أن هاجم بعض الواردين للنهر لجلب مياه الشرب بالقِرَب (جمع قِرْبة) في مشرع الفيل (قبالة قرية البساطة). وأن محاولته قد باءت بالفشل فقد اصطاد إحدى قرب الماء المملوءة المثبتة في طرف الماء. وقد حكى أبي الحاج عبدالله أن التمساح قد خطف شاة من شياهه في مشرع غرب قرية الشلال عندما وردت شياهه للبحر. لذلك كانت لدي مهابة من ورود النهر مباشرة. أما حرف الثاء فقد كان ثاء (ثمر) ، الجيم (جمل)، الحاء (حَمَل)، الخاء (خرج الجمل)، الدال (دخل الجمل)، الذال (ذَنَب)، الراء (رفع اليد وما رفع القلم)، الزاي (زَرَع)، السين (سمك)، الشين (شجر)، الصاد (صرخ)، الضاد (ضرب الثمر)، والطاء طلع (طلع القمر)، الظاء (ظلع الجمل)، الغين (غنم)، الفاء (فرس)، القاف (قلم)، الكاف (كسر القلم)، اللام (لمس الولد الجمل وما لمس الأسد)، الميم (مسح الولد الدرس)، النون (نبق)، الهاء (هرب) الواو(ولد)، الياء (يد).
واضح أن هناك حروف رموزها أسماء مثل (أسد) وأخرى رموزها أفعال فالباء رمزها (برك الجمل). وبالتقدم في الدروس يتم تركيب كلمات ثم تركيب جمل قصيرة، غالباً من فعل وفاعل. في نهاية الكتاب يتم تدريس قصة حوار بين شخصين أحدهما اسمه رجب : يقول له: يا رجب هل طلع القمر، يجيب رجب نعم طلع القمر. يا رجب هل معك سمك. أذكر أني كتبت ذلك الحوار بطباشيرة في باب منزل جدتي بنت مقداري رحمها الله، وقد كان الباب مصنوعاً من الصفيح جزء منه مكتوب عليه ماركة الغزالة بخط الفارسي والجزء الآخر فيه صورة لحصان شركة موبيل المجنح.
دروس اللغة العربية تصحبها بعض القصائد الصغيرة يلحنها الأستاذ، وكان أستاذ العربي في سنة أولى كان أستاذ النعيم تقلي. ومن تلك القصائد: لي قطة صغيرة سميتها سميرة، تنوم في الليل معي وتلعب بأصابعي، بشعرها الجميل وذيلها الطويل. ثم قصيدة غنمي ترعى طول اليوم.. وسط المرعى.. طول اليوم،،، وهي شبعة .. طول اليوم .. وبها اسعى.. طول اليوم. وقصيدة قبل طلوع الفجر يصيح ديكي بدري، يصيح وهو يجري.. يقول كيكي كيكي، كلما قلت له اسكت كفاك يا ديكي .. يقول كيكي كيكي.. ويصيح أيضا معه ديوك كل الحِلّة، وهذه القصيدة قام بتدريسها أستاذ ابراهيم حامد.
أما أجمل القصائد التي كان لها وقع في النفس، وقد كان الوقت صيفاً، ربما في ابريل أو مايو، وقد شهد ليل ذلك اليوم هطول أول المطر. ليصبح الجو غائماً والحرارة معتدلة، يقوم أستاذ النعيم تقلي بتدريس قصيدة نحن إذا جاء المطر، نجري ونلعب بالزهر.. بالزهر.. ثم نغسل ثوبنا.. ثوبنا.. ويكون ثوبا معتبر.. لم أدر ما الزهر، لأننا نسميه النوار، أما غسيل الملابس وقتها في البحر أوفي برك المياه فقد كان أمراً مألوفاً.
تتمثل مادة الحساب في تعلم الأعداد نطقاً وكتابة. كانت حصة الحساب دائما هي الحصة الأولى التي تبدأ مباشرة بعد الطابور. في حصة الحساب تتم الكتابة لأي عدد في المرة الأولى في الرمل أمام الفصل، ثم يكتب مرة ثانية في الكراس، كما يتم تعليق لوحات ايضاحية في الفصل للتعريف بأشكال الارقام ودلالتها. كان كل منا يحتفظ بأمر الأستاذ بعشرة فصوص من قصب الذرة في حقيبة المدرسية المخيطة من قماش الدمورية بجيبين أوثلاثة جيوب. جيب للكراسات والكتب، جيب للقصب وجيب ثالث لقلم الرصاص والاستيكة (المسّاحة) والموس لبري قلم الرصاص، وقد كان أفضل الأمواس لذلك ذلك الموس ذا الثلاثة فتحات من ماركة الصقر. كانت حزمة القصب تستخدم لتحليل الأعداد، فيكرر التلميذ بعد أن يقسم الحزمة بين يديه، فيقول عشرة تساوي واحد وتسعة، عشرة تساوي اثنين وثمانية، عشرة تساوي ثلاثة وسبعة، حتى يصل لعشرة تساوي عشرة.
حصة الدين(التربية الاسلامية)، هكذا كنا نسميها، هي الحصة الثالثة دوماً. ويتم فيها تحفيظ السور بدءا من الفاتحة وحتى سورة الشرح. يقوم الأستاذ بتكرار السورة للتلاميذ حتى تتم عملية الحفظ . كنا قد درسنا حتى سورة الإخلاص (أربعة سور فقط) على يد الفكي عبدالله ود رضوان الذي التحق بالفريق في فترة رمضان ليؤم الناس في صلاة التراويح. كانت هناك بعض الحصص يقوم فيها أستاذ الدين بتعليم الصلاة. وفي ذلك يقوم بتحويل الفصل لحلقة دائرية، يقوم في وسطها الأستاذ بأداء الصلاة ويأمر التلاميذ بتقليده. وفي سنة أولى حفظنا بعض أسماء الله الحسنى، ربما العشرة أسماء الأولى.
هناك حصة للأعمال، وغالباَ ما تكون يوم الخميس بعد الفطور، والتي تتمثل في جلب الطين من قرب البحر في ملتقى خور شمبول مع البحر ، في رفقة الأستاذ، حيث تكون مياه البحر قد فاضت ناحية الخور وهو مكان آمن لا يخشى أن ينزلق طفل في البحر. ثم الجلوس تحت شجرة الهجليج لصناعة ما يبدو لنا. حصة الأعمال كانت دوما هي الحصة الثالثة يوم الخميس.
سنة تانية تاكل البامية:
كان الأطفال ، من عهدنا ، يرددون مثل هذه المقاطع (سنة أولى تاكل الفولة، سنة تانية تاكل البامية، سنة تالتة تاكل البايتة) لا بد أن هناك نزعة لدى الأطفال شاعرية . كان التلاميذ الكبار يقولون أن سنة تانية صعبة للغاية. كانت سنة تانية أصعب. في السنة الثانية كانت سور القرآن أطول، حيث يبدأ حفظ السور من سورة الضحى وحتى سورة البروج. أما دروس المطالعة فهي أطول والتي يطلب من التلميذ أن يقرأ من الكتاب وقد كانت العمليات الحسابية أكثر تعقيدا تضم عمليات جمع وطرح وضرب وقسمة بما يتجاوز عمليات التحليل وجمع الأعداد البسيطة. كما تزداد الحصص في سنة تانية إلى خمس حصص، حصتين قبل الفطور، ثم حصتين بعدها تفصلهما من الحصة الخامسة فسحة قصيرة. لعمري كم هي أصعب لطفل في سن الثامنة يجلس على بلاط أسمنتي.
في دروس اللغة العربية في سنة تانية كتاب المطالعة المشهور بكتاب حسن البطل. فهومباشرة يبدأ بعد كتاب الأطفال (لتعليم الحروف). وفي كتاب حسن البطل قصص لتعليم القراءة. يضم الكتاب درس خاص بالزراعة تحت عنوان زرع وحصد ، ثم قصة الفيل الظالم، وفيها أن الفيل جاء إلى أرض الأرانب ليرعى فيها، فيطأ على أولادها. لتشتكيه الأرانب إلى القاضي. فيحكم القاضي للأرانب ضد الفيل. وتقبل الأرانب بحكم القاضي العادل. وتهتف الأرانب بحياة القاضي وعدله فيقول الفيل: (العادل هوالراضي بحكم القاضي). وقصص أخرى مثل المسجون الهارب، وسالم والتمساح والحمار. الدرس المتفرد في كتاب حسن البطل درس بعنوان: هل تعلم؟ الجبن من اللبن، البلح من النخل ، العسل من النحل ثم يصل الدرس لذكر بعض الاشياء دون الاجابة عليها ، مثل السمن من ........ ، . أما قصة حسن البطل فكنّا نحفظها عن ظهر قلب. لأنها هي الأولى، وهي قصيرة ثم لأنها تشبهنا وتشبه حياتنا، بل كل المنهج كان ريفياَ قصصه عن الزرع وعن المطر والناس. وقد ذكر أخونا الدكتور حسن التوم أنه كان يتحرج من هذا الدرس، لأنه يحس بأنه كان يعنيه. تقول القصة:
حسن ولد العرب. رحل حسن مع العرب ورحل العرب مع البقر. رجب سرق البقر. أحد العرب صرخ: رجب سرق البقر. حسن ركب الفرس وطرد رجب. حسن البطل أسر رجب. ورجع حسن مع البقر. وفي كتاب حسن البطل كان هناك درس لتعليم الأسماء الموصولة. القصة بعنوان بيت الجاك. تقول القصة: هذا البيت الذي بناه الجاك. وهذا الفأر الذي أكل الدخن التي في البيت الذي بناه الجاك. هذه القطة التي قتلت الفأر الذي أكل الدخن التي في البيت الذي بناه الجاك. وهذا الكلب الذي طرد القطة التي قتلت الفأر الذي أكل الدخن التي في البيت الذي بناه الجاك. وهذه البقرة التي نطحت الكلب الذي طرد القطة التي قتلت الفأر الذي أكل الدخن التي في البيت الذي بناه الجاك. وهذه البنت التي حلبت البقرة التي نطحت الكلب الذي طرد القط الذي قتل الفأرة التي أكلت الدخن الذي في البيت الذي بناه الجاك. وقد كان بيت الجاك قُطِّية وبجانبها كل أبطال القصة من الفارة وحتى البقرة والبنت التي تحلبها.
يلي كتاب حسن البطل كتاب كنّا نسميه النملة الشفوقة أو كتاب الغراب النبيه. وبه إلى جانب قصة النملة الشفوقة. أما قصة الغراب فتحكي عن غراب عطش ووجد ماءاً في جرة. حتى يتمكن من شرب الماء من الجرة صار يلقي حجارةً صغيرةً في الجرة. يرتفع إثر ذلك الماء في الجرة فيتمكن الغراب من الشرب. كان هناك درس يسمى (في السوق)، وكان ذلك يمثل لنا تماماً السوق الذي نعرفه (كان وقتها سوق قرية أم شوكة. يتمثل درس السوق في صورة للسوق بها كامل المشهد للسوق به أناس يعرضون بضائعهم وآخرون يساومون في الشراء وبعض يتحدث إلى بعض. وبعض آخر ربما يشتجر. يتمثل الدرس في وصف للسوق بنص متقطع لأسئلة. يراد للتلاميذ أن يأتوا بعبارات من عندهم لإكمال وصف السوق. ثم يخلص إلى أسئلة مثل: ماذا يعمل الخياط؟: ماذا تعمل المرأة؟ كانت إجابتنا المحفوظة تقول: تبيع الفول المدمس. ماذا يقول البقال للجمال؟ وقد كان جمل الجمال في الصورة يأكل من معروضات البقال. كانت الإجابة أنه: يشتم ويسب. وبين قوسين مكتوب (لا يليق بنا أن نذكر عباراته البذيئة) تمثل الاسئلة حواراً بين المدرس والتلاميذ. في ذلك الوقت كانت الصور التي في الكتاب تأتي منها نسخ مكبرة كرسوم إيضاحية يستخدمها الأستاذ في السبورة. أيضاً هناك قصص حسن والصفارة والفأر الأكول، الدجاجة الصغيرة الحمراء، القط والكلب، كلب عبدالجليل، الولدان والدب، جرة سلمان ، الرجال البلهاء وقصة الثعلب المحتال. أما من القصائد في الكتاب فتوجد قصيدة العصفور التي منها:
رشاقة العصفور تندر في الطيور
فحجمه صغير وريشه جميل
وقفزه ظريف وظله خفيف
يهتف في الأغصان بأعذب الألحان.
هناك قصيدة القلم التي كانت في نسخة الكتاب قبل دخولنا لسنة تانية، بيد أنها اختفت من نسخة الكتاب التي وزعت في عامنا ذاك. إذ كانت المناهج في حالة تطوير وتنقيح، ويكتب في الكتاب سنة الطبع، وتكتب نسخة منقحة. قصيدة القلم درسها ولحنها من هم قبلنا، ولكثرة ترديدها، أو ربما جودة لحنها وأكثر من ذلك مضاءة عقولنا وقتها حفظتها، وتقول أبيات منها:
لي قلم ظريف وخطه نظيف
أهداه لي زميل مكرم نبيل
أكتب به خطابي لأهلي والصحاب
كم صورة جذابة في غاية الغرابة
بقلمي رسمتها بقلمي لإخوتي قدمتها
وكم نسختُ درساً في الفصل كي لا أنسى.
ومن القصائد التي في الكتاب قصيدة عنوانها (في الليل)، وهي ذات لحن جميل، تقول بعض ابياتها:
اختفى النور وغاب وانتظرنا في الظلام
ورأينا كل حي دخل البيت ونام
ليس في الليل صراخ أو صياح أو كلام
غاية الليل سكونٌ وهدؤٌ ومنام
فأرح جسمك ليلاً أيها الطفل الهمام
تفهم الدرس وتحيا في أمان وسلام
هناك أيضاً قصيدة أخرى تحت عنوان (القمر)، تقول ابياتها:
تحت القمر يحلو السمر
هيّا اجلسوا بين الشجر
وكل تلميذ حضر
من حفظه أو ما ابتكر
يحكي حكاية تسر
من قصة فيها عبر
أو نكتة بها نُسر
تحت القمر يحلوالسمر
ومن القصص المشهورة قصة الجرس. لم استطع تحديد موقعها، لكنّي تذكرتها بتذكر هاتين القصيدتين السابقتين. وأذكر أن صوت استاذ ابراهيم حامد يرن في مخيلتي ينشد هذه القصيدة التي تقول بعض أبياتها:
ماذا يقول الجرس؟
يقول رن رن رن
هيا إلى الدروس مصلحة النفوس
رن رن رن
هيا يا أولادي يا أمل البلاد
أما القصة التي مل الكتاب اسمها، وهي النملة الشفوقة، فتحكي أن نملة وجدت طفلا اسمه إبراهيم كان يرعى الغنم. كم كنا نتمثل ذلك الفتى، غير أن المنطقة لم يكن بها جبل. صعد إبراهيم للجبل وراء غنمه، وقع إبراهيم على الحجر، فكسر الحجر رجله. فأخبرت النملة اليربوع (الجربوع نوع من الفئران)، فأسرع اليربوع للغنم وأخبرها، لتخبر الغنم أهل إبراهيم فيذهبون لنجدته.
هناك أناشيد مختارة يقدمها أستاذ اللغة العربية، وكان في وقتنا أستاذ مصطفى يوسف من أبناء كركوج. الأناشيد في كتاب مصمم أصلا لاستخدام الأستاذ. في سنة ثانية وقد ضمت أناشيد ذلك الفصل:
قصيدة النهر :
أنظر أخي للنهر فيه المياه تجري
تجري على استمرار بالليل والنهار
وكلما أمر اسمعها تخرُّ
كأنها تغني بنغم ولحن
فهي لنا حياة من خيرها نقتات.
وقصيدة دجاجي:
دجاجي يلقط الحب ويجري وهو فرحان
كأن عيونه خرز لها في الشمس ألوان
ولي ديك له صوت جميل اللحن رنان
وعند الفجر يوقظنا وطول اليوم شيطان.
وقصيدة سوداننا:
سوداننا سوداننا أرض الجدود والأبي
فيه وجدت مأكلي فيه وجدت مشربي
سماؤه من فضة وأرضه من ذهب
ونيله مبارك يجري بماء طيب.
ثم قصيدة المزارع يتكلم:
طلع الفجر فهيا
نطلب الخير بنيّا
نطلب الخير سويّا
بسرور وانشراح
عاملين في الخلاء
بين شمس وهواء
ثم نمشي للرواح
وفي سنة تانية بدأت دروس التاريخ والتي تبدأ بقصص أجدادنا القدماء. والتي تتسلسل دروسه من سكن الكهوف ولبس الجلود ثم اكتشاف الآلات الحجرية، اكتشاف النار، تأليف الحيوان، اكتشاف الزراعة، اكتشاف النسيج، اكتشاف الكتابة ثم اكتشاف الورق، ثم التجارة البكماء. وتصحب الدروس صور معبرة عن كل درس تلصق في جدران الفصل كوسائل إيضاحية. أيضاً في سنة تانية تبدأ دروس الجغرافية، والتي أولها خريطة الجردل، ثم خريطة الفصل والتي ترسم على السبورة ثم يحدد كل طفل موقعه في الخارطة، حيث يذهب إلى السبورة ليكتب في موقعه علامة (x)، ثم تنهي دروس الجغرافيا في تلك السنة بخريطة المدرسة. يستكملها درس في كتاب المطالعة المعروف بطه القرشي في السنة الثالثة. الدرس يستعرض رحلة تلميذ من بخت الرضا إلى مدينة الدويم وزيارة صديق له وذهابه للمسجد مرورا ببئر توضأ عندها لينسى عمامته. في الدرس خريطة لمدينة الدويم ومعها معهد بخت الرضا. رغم أن الأستاذ هوأستاذ للغة العربية إلا أن أنه يأتي بخريطة إيضاحية مكبرة للخريطة التي في الكتاب، يقوم الأستاذ بقراءة الدرس ثم يقرأ بعض التلاميذ من بعده، ثم يطلب من بعضهم بيان حركة تلميذ الدويم ورجوعه باستخدام الخريطة للبحث عن عمامته. أما دروس التربية الاسلامية فتقتصر على تحفيظ بعض سور جزء عم بدءا من سورة الضحى وحتي سورة البروج.
سنة تالتة تاكل البايتة:
كانت سنة ثالثة (صغرى) خاتمة المطاف لكثير منّا. ففي السنة الثالثة وفي امتحان الفترة الثانية (والأخيرة) يجرى امتحان ليتم منه اختيار عشرة تلاميذ للمنافسة في امتحان الدخول للمدارس ذات الرأسين، ليذهب العشرة الأوائل من عدد تزيد من المدارس الصغرى ليتم اختيار أربعين منهم للدخول للسنة الرابعة أولية. أما بقية الفصل ستتخرج في ذلك العام، ثم الذي لا يتمكن من دخول رابعة أيضا ينضمون لأهلهم في الزراعة والرعي. كانت نهاية العام الدراسي تتزامن مع بداية حصاد الجروف، حيث يزرع البطيخ والعجور والشمام والبامية ثم يلي ذلك حصاد عيش الريف (الذرة الشامية) في أشهر الصيف، وكان ذلك مصدر بهجة للأطفال، ومغادرة المدرسة في ذلك العمر أمر مقبول بل ومطلوب للأسر لانضمام أيد عاملة جديدة.
مع بداية السنة الثالثة ذهبت مع أبي إلى مدينة سنجة لاستخراج شهادة تقدير العمر. وربما لصغر حجمي أصلاً، وتواضع حالتي الصحية، قام الطبيب بتقدير العمر بأقل من عمري الحقيقي بثلاث سنوات كاملة. لا أذكر بأني صعدت إلى ميزان أو وقفت إلى جانب مقياس الطول، غريب أن لا يسأل الطبيب والدي عن متى وأين ولد هذا الولد؟ والذي كان يمكن أن يخبره بالسنة والشهر واليوم. ولا أدري لماذا تجاهل ذلكم الدكتور المعرفة الأصيلة الكامنة في والدي، ربما لو كان ذلك عند الشرطة لكان التحري أدق من مسالة تقدير العمر، خاصة لمن هومثلي من أبناء الريف والبوادي الذين دوما يقل وزننا عن عمرنا بسبب المرض وبسبب نقص الغذاء وليس لنا أعياد ميلاد. فأهلنا يحسبون أعمارنا بلا شمعات. وقد مات من جيلنا الكثير وسمي بعض منا بالعوض، عوضاً عن من مات منا ومات العديد من أمهاتنا ومن بعد مات من أخواتنا مثل ذلك، لنقص الخدمات الصحية ونقص المعرفة، ولا يزال الكثير منا ومن أجيال من بعدنا تعيش مثل ذلك، وتظل أهداف الألفية بعيدة المنال.
كانت عملية تقدير العمر كانت لي مناسبة سعيدة، بدأت فيها أول مشاويري العولمية خارج القرية. ركبت البص إلى المدينة خائفا أترقب، وأكلت وجبة في المطعم. ولقد كان مستشفى سنجة في ذلك الوقت أجمل من كافة المستشفيات الحالية (خاص أو عام)، فقد رأيت فيها حديقة نضيدة، بها ميدان مفروش بالنجيلة الخضرء المقصوصة بعناية، وشجيرات الساسلبنيا (اوما يعرف في الحدائق الحديثة بالبسانس)، وشجيرات القاردنيا (من عائلة شجيرة البن)، الخضراء وزهرتها البيضاء مثل (مثل زهرة التبر في سهول البطانة). رغم أني درست البساتين وعملت لاحقا بالبساتين، إلا أن بستان مستشفى سنجة كان رائعاَ قل نظيره.
في السنة الثالثة تستمر دروس اللغة العربية في المطالعة لتشمل عدة كتب متتالية هي حسب تعريفنا لها وقتذاك (كتاب هاشم في العيد، كتاب طه القرشي وأخيرا كتاب الساحر والأطفال، ثم تنفرد المحفوظات بكتاب خاص بها. ويقول استاذ الاجيال عبدالرحمن علي طه في كتاب مرشد التعليم الأولي (1951) : لا يزال لتدريس اللغة أسمى مكانة وأعظمها في منهج التعليم الأولي لان الكلمة المكتوبة وبمقدار أقل المنطوقة هي أكبر وسيلة تنتشر بها الافكار في العالم الحديث وأن منهج التعليم الأولي يهدف أن يصل التلاميذ أن يستمتعوا بقراءة مادة اللغة العربية المبسطة الأسلوب. في السنة الثالثة يظهر كتاب التربية الاسلامية (كتاب الدين) ثم كتاب حساب التلميذ، إلى جانب ذلك هناك كتاب الحساب الإملائي الذي يحتفظ به المعلم لتكون من حصة الحساب يوم الخميس هي حساب إملائي. كذلك التاريخ يتم تدريسه من كتاب مرشد المعلم ومنه صور ايضاحية تلصق في الفصل . كذلك الجغرافيا تدرس من كتاب سبل كسب العيش في السودان ويحتفظ به المعلم وتوجد منه صور ايضاحية للفصل. وفي سنة تالثة تبدأ دراسة العلوم باسم الطبيعة.
فكتاب هاشم في العيد ينحو بالتلميذ إلى أفاق جديدة في اللغة وفي التعرف بشكل أوسع على الحياة. فقصة هاشم في معنى التكافل، ثم دروس خليل في القطار الذي يقضي اجازته بعيداً مع عمه، ثم درس عن الخرطوم عاصمة السودان التي فيها دواوين الحكومة ودور السينما والبريد والمتاجر المتنوعة. كذلك يوجد درس باسم الخريف (أجمل فصول السنة، فيه تتجمع السحب وتهطل الأمطار، فينبت الزرع وينموالعشب ويمتلئ الضرع). وبكتاب هاشم في العيد قصة الكلب السمين والكلب النحيل والتي تحمل معنى الحرية. تقول حيثياتها أن كلباَ نحيلاَ إلتقى كلباَ سمينا، فقص السمين قصته. ليشتاق النحيل لحياة الكلب السمين الذي يجود عليه صاحبة باللحم ولذيذ الطعام. فيطلب النحيل مرافقة الكلب السمين لكنه شاهد مؤخراَ حلقة في عنق الكلب السمين ليسأله عنها، فيجيب السمين بأن الحلقة تستخدم لربطه أثناء النهار، فيعدل الكلب النحيل من فكرة مرافقة الكلب السمين، لان ذلك سيسلبه حريته التي هي أغلى من لذيذ الطعام.
ايضاَ يشتمل كتاب هاشم في العيد على بعض القصائد منها قصيدة:
ألا طيري ألا طيري وغنّي يا عصافيري
لديك الماء والحب لديك الحقل والعشب
تعالي رفرفي عندي بلا خوف من الصيد،
فإني لست صياد.
وقصيدة أخرى منها:
تزغزغ الطيور فرحانة بالنور
تقول في سرور ما أجمل الضياء
ما أجمل الضياء ما أجمل الضياء
يشرق بالبهاء في الارض والسماء
الولد الصغير والرجل الكبير
يقول في سرور ما أجمل الضياء
ما أجمل الضياء ما أجمل الضياء
وقصيدة ثالثة اسمها أم الحمام، تقول بعض أبياتها :
أم الحمام مرة قالت لهم لا تخرجوا
قالت لهم في عشها قالت لهم لا تخرجوا
قالت لهم لا تخرجوا ولم يبالوا بالخطر
لكن أتاهم ثعلب فأكل الحمائم
هذا مصير كل من يعصون أمر أمهم
يلي كتاب هاشم في العيد كتاب طه القرشي، ودروس متتالية تحكي عن التلميذ طه القرشي هي: (طه القرشي، مريض، طه القرشي عند الطبيب ، طه القرشي في المستشفى ). بالكتاب دروس أخرى تربط التلميذ بالعلوم مثل درس الطيور أصدقاء المزارع ، يليه قصيدة عن الطيور يقول بعضها:
نحن أيها الإنسان بذا الجمال خصنا الرحمن،
سبحانه جملنا فلا عجب إن حبنا أهل العقول والأدب .
أيضاَ من دروسه درس باسم الطيور الحزينة. إذ يحكي ذلك الدرس عن أن رجلاَ اهتم بالطيور ينثر لها الحب والماء وعندما مات الرجل شاهد الناس الطيور ترفرف وتصيح وتتبع الجثمان حتى المقابر . أيضاَهناك درس باسم ذكاء الاعمى. إذ أن رجلاً أعمى كان يخدم نفسه بجلب الماء من النهر لكنه يحمل معه فانوس. وعندما سئل بأنه لا يرى فلماذا يأخذ معه المصباح فيجيب، ذلك حتى يراني الناس. كذلك هناك درس للرياضة أونوع من النشاط أكثر منه درس في المطالعة. ويسمى ذلك الدرس (دار الصفو). وفيه يخرج التلاميذ خارج الفصل يشكلون دائرتين خارجية وداخليه. ويقف أحد التلاميذ في مركز الدائرتين. ومع ضربة كف تبدأ الدائرتان تدوران عكس بعض. يردد تلاميذ إحدى الحلقات (دار الصفو.. لفو.. لفو) يردد الآخرون: لفو الأيدي .. لفو القيد.. حتى الفجر... فجر الأمل .. فجر العمل. مع تكرار الجمل يأخذ معها التلاميذ تشكيلات مختلفة. يضم الكتاب ايضاً يضم درساَ يربط التلميذ بتعلم الخرائط. وكتاب طه القرشي هو آخر كتاب ملّون. إذ كانت الألوان لها وقع خاص في وجدان التلميذ.
يلي ذلك كتاب الساحر والأطفال، وهو أو كتاب (أبيض أسود) وبه دروس صعبة قليلاً، إذ هي أطول ومكتوبة بحروف أصغر وسحبت منه الألوان. من قصص الكتاب القصة الأولى وهي قصة الساحر والأطفال، ثم قصة المرزارع الحكيم، قصة الذئب الأزرق، قصة عثمان بائع الخضر، قصة الفتاة الباسلة ويذكر فيها اسم نابليون بونابرت. وقصة الراعي و الجنية، لا اذكر منها غير عنوانها. ومن قصصه قصة لا أدري مغزاها أن تقدم لاطفال في تلك السن المبكرة. القصة بعنوان ما رأيك في هذه الصورة، إذ تقول أن رجلاَ كان يعبر النهر في قارب ومعه أمه وزوجته، إذ هاجت الريح وانقلب القارب، وأصبح الرجل يفكر من ينقذ أمه أم زوجته؟. ينتهي الكتاب بتمثيلية الهندي والنمر التي يعلب فيها الثعلب دوراَ في انقاذ الرجل من مكر النمر. ومن القصائد التي اشتملها كتاب الساحر و الاطفال قصيدة الطاؤوس. ولم نكن نعرف الطاؤوس غير الرسم المصاحب للقصيدة و التي تقول بعض أبياتها:
مشى الطاؤوس يوما باختيال فقلّد شكل مشيته بنوه
قال: علّام تختالون قالوا: أنت بدأت به و نحن مقلدوه
ينشأ ناشيء الفتيان منّا على ما كان عوّده أبوه
هناك كتاب للمطالعة آخر لا أكاد أذكره. لا شك أنه في نهاية السنة الثالثة. فبعض كتب المطالعة تدرس في فصلين. ولا أذكر أن ذلك الكتاب قد تواصل معنا في السنة الرابعة، خاصة وأنا (التلاميذ المقبولين من مدرسة المسبعات إلى مدرسة كركوج) قد فقدنا شهراَ أو أكثر من ذلك بسبب التبليغ المتاخر للإلتحاق بمدرسة كركوج (التي تدرس صيفاَ) بدلاَ من مدرسة سنجة التي تدرس خريفاَ). الكتاب يضم درسين أذكرهما. درس يخص قصة البطل على عبداللطيف. ودرس آخر خاص بالرياضة البدنية، قصة البطل علي عبداللطيف في شكل حوار في محكمة البطل. ما يذكرني بها أن استاذ صلاح التنقاري قرأها في الفصل لوحده. ثم قرأها مع الفصل يردد هومقطع ليردد التلاميذ ذلك المقطع بعده. بعدها قال أريد واحد يتولى دور البطل علي عبداللطيف. ر فعنا ايدينا أشار لي بأن أخرج واقف إلى جانبه . ثم بدأت أقرأ ما يليني من الكتاب .
استاذ صلاح: ما اسمك ؟
الصادق: علي عبداللطيف.
استاذ صلاح : ما جنسيتك؟
الصادق : سوداني.
استاذ صلاح: أقصد السؤال عن قبيلتك؟
الصادق: بل أنا سوداني، وكلنا سودانيون، ولا تهمني قبيلة أو أخرى، و لتخرجوا انتم عن بلادنا.
حتى نهاية الحوار ، ليضربني استاذ صلاح ضربة موجعة في ظهري، ليقول : أنا داير اتنين يقرولي زي البطل دا. كان فيها الأستاذ في غاية الغبطة والفخر بما قرأته معه من حوار . بينما رجعت إلى مكاني وأنا أتمالك نفسي بالكاد من شدة الضربة، ولم تك تلك ضر بة عقاب.
اما كتاب الأناشيد والمحفوظات في السنة الثالثة، ولم أدر أنني ظللت احفظ تلكم القصائد لقرابة نصف قرن من الزمان، لكن عندما بدأت اطرق على مفاتيح الحاسوب بدأت تلك القصائد تتداعي ولا أدعي أني أجزم بترتيبها على النحوالذي يجيء ولا بد أنها ليست مكتملة تماماَ. يبدأ الكتاب بنشيد العلم، كم كان نشيد حلويؤديه التلاميذ بكل ما لديهم من قوة، لا أدري إن كانت تلك الألحان تكتب على نوته حتى تحفظ كإرث تعليمي. تقول القصيدة:
علمي أنت رجائي أنت عنوان للولاء
أنت رمز للإباء ونسيج الشهداء
لونك الأخضر زرع لونك الأزرق ماء
لونك الأصفر أرض يفتديك الأوفياء
كم فؤاد هام فيك وشهيد يفتديك
لم يمت من يفتديك خالد طول البقاء
يلي ذلك قصيدة المستقبل وتقول بعض أبياتها:
أنا طفل صغير اتخذت العلم نورا
يا ترى ماذا أصير عندما اغدوكبيرا
هل ترى أغدو زعيماَ أووزيرا
أم هل ترى أغدوطبيباَ أم صحافياَ شهيرا.
سأسعى غير وان أطلب العلم الكثير
ثم القصيدة بعنوان دعاء:
يا إلهي يا إلهي يا مجيب الدعوات
اجعل اليوم سعيدا وكثيرا البركات
وأعني في دروسي وأداء الواجبات
وانر قلبي وعقلي بالعلوم النافعات
واملأ الدنيا سلاماَ شاملاَ كل الجهات
يا إلهي يا إلهي فاستجب كل صلاتي
القصيدة الرابعة :
أحب الورد والزهر أحب الماء والشجر
أحب الطير صداحا أحب الشمس والقمر
................... ...........................
..................... ........................
القصيدة الخامسة:
قد كان عندي طائر في قفص من خشب
جميل شكل ريشه حلوطويل الذنب
فرّ عني ومضى من دون أدنى سبب
قال لي حريتي لا تشترى بالذهب
هناك قصيدة باسم اسماعيل والقط، تقول:
جاء اسماعيل تبدو بسمة في شفتيه
حاملاَ صحنا طعاماَ ورغيفاً في يديه
جاءه القط يسعى ومشى في قدميه
قال يا صديقى أنا ادري بالذي تسعى إليه
قصيدة أخرى اسمها الطائر المغني:
أيها الطائر غني ألف شكر لك منّي
أنت قد أذهبت حزني أنت قد أطربت اذني
ينبت الزهر وينموحين تشدوفوق غصن
أما القصيدة الطويلة فكانت قصيدة الديك والثعلب ، التي تقول بعض ابياتها:
برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا مشى في الأرض يهدي ويسب الماكرين
يقول الحمد لله إله العالمين يا عباد الله توبوا فهوكاف التائبين
وازهدوا في العيش إن العيش عيش الزاهدينا
واطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
أتى الديك رسول من إمام الناسكين
عرض الأمر عليه وهويرجوأن يلين
فأجاب الديك: عذراً يا أضل المهتدين
بَلّغوا الثعلب عنّي عن جدودي الصالحين
من ذوي التيجان ممن دخل البطن اللعينة
إنهم قد قالوا وإن القول قول العارفينا
مخطيء من ظن يوماَ أن للثعلب دينا.
و هناك قصيدة في شكل حوار بين فراشة وزهرة تقول بعض أبياتها:
الفراشة: صباح الخير يا أختي رأيتك زينة البيتِ
عليك ِالقطرُ ينهلُ ويغسلُ وجهكٍ الطلُّ ويجلوكِ
الزهرة: صباح الخير والنور سلمتِ اليومَ من ضيرِ
اراك زهرة طارت وبين الزهر قد سارت
تحيّر منيّ الفكرُ أطير أنتٍ أم زهرُ أجيبيني أفيديني
الفراشة: أراني زهرةً طارتْ وبين الزهر قد سارتْ
أقبّل ذلك الزهرَ وأنشقُ ريحَه العطرَ
الزهرة : سعدتِ بنعمة السير وفزتٍ بخفة الطير
إلى هذي الزهيرات خذي عنّي تحياتي وتقبيلي
كتاب حساب التلميذ:
أما الكتاب المرعب كان هو كتاب حساب التلميذ. غلافه من الورق السميك ذي سطح محبب حبيبات دقيقة ومنظوم بالخيط(ليس الدبوس). وعليه رسم أدوات علبة الهندسة. فيه دروس متقدمة مثل قواعد قراءة الزمن (الساعة) ومسائل تطبيقية عن السرعة والزمن، سرعة اللحاق وسرعة التقابل، كما فيه الكسور العادية البسيط منها والمركب وفيه دروس التمييز التي تبين للتلميذ الزمن بالساعة، والوزن بالكيلوجرامات والأرطال والأوقيات. ويعالج الكتاب مسائل تحويل الأوزان من وحدات وزن صغيرة إلى وحدات وزن أكبر وعكس ذلك، فالساعة من ثواني ودقائق إلى ساعات. وفي كتاب حساب التلميذ مبدأ القاسم المشترك. وفي مسائل حسابية معقدة لذلك العمر. وحساب التلميذ به عشرة اختبارات ، بمعدل إختبار في كل باب.
أما كتاب التربية الاسلامية ، نسميه كتاب الدين، فيشتمل على دروس في العبادات وأشهرها الوضوء وتعلم صلاة الجماعة وبه صورة لتلاميذ بخت الرضا يؤدون الصلاة في جماعة وفيه من دروس السيرة قصة الوفاء بالوعد التي التزم فيها أحد الصحابة بضمان شخص محكوم عليه بالاعدام يغيب ذلك الشخص المضمون لبعض شأنه ثم يعود في نهاية الوقت المتفق عليه ، فقط قبيل تنفيذ الحكم على الضامن. أيضاَ قصة أخرى بعنوان مروءة ونجدة و هي عبارة عن حوار بين شخصين يتسغلان عربة بين حنتوب ورفاعة وفي الطريق يمران على إمرأة كبيرة يلفحها سموم النهار الحار ، ليتجاوزاها ثم يتفقان أن يعودا ليحملاها إلى الجهة التي تقصد، كانت تتمتم ببعض الكلام . فيسألانها، ماذ تقولين يا أماه، فترد عليهما بأنها تقول فيما معناه أن الناس فقدوا الرحمة . وفي كتاب الدين (التربية الاسلامية) هناك قصيدين واحدة باسم أمي ، كنا قد لحنها لنا استاذ مصطفى يوسف على لحن أعنية المطرب محمد وردي التي تقول: لوبالصد صليتيني ولوبالنار كويتيني ، تقول بعض أبيات تلك القصيدة :
أحب الناس إليّ أمي ومن بالروح تفديني
تخاف عليّ من حر ومن برد فتحميني
فكم من ليلة قامت على مهدي تغطيني
ساسعى في هناءتها كما تسعى وترضيني
عن حصة الطبيعة فهي بداية مشوارنا مع العلوم التي تبدأ بجدول التصنيف المشهور : المخلوقات، الأحياء، الجمادات، ثم تنقسم الأحياء إلى حيوانات ونباتات، ثم يختصر أحد أبعاد التصنيفات للقفز ماشرة للحيوانات بأنها أربعة اقسام هي : ذوات الثدي، الطيور، الزواحف والحشرات. وقد تطور لدينا هذا التصنيف حتى درسناه متشعباَ على يدي دكتور الامين الريح في كلية العلوم بجامعة الخرطوم بعيد منصف السبعينيات، وضع استاذ السيد البشاري بمدرسة دريبو الملصق الإيضاحي في الفصل (سنة ثالثة صغرى) بهذا التصنيف. ثم قام بتقسيم الفصل إلى مجموعات (جمعيات) هي: جمعية الطيور ، جمعية الزواحف وجمعية الحشرات ثم جمعية ذوات الثدي. وطلب من كل جمعية أن تحضر شيئا يرمز لكل مجموعة ، إن كان ذلك ريشاَ أوظلفاَ أوغير ذلك. أما في جانب الجمادات يقوم الأستاذ بتصنيف الجمادات إلى مواد صلبة، سوائل وغازات مع تجربة في الفصل عن التبخر في علبتين واحدة محكمة الغلق والثانية بدون غطاء تمت مراقبتهما لفترة ومن ثم سأل التلاميذ عن الفرق . كانت إجابة أحدنا بأن العلبة المفتوحة حِسَت، ليعرفنا الأستاذ بأنه حدث للماء في العلبة المفتوحة ما يعرف بالتبخر.
أما الجغرافيا، ولقد اختفى مصطلح الجغرافيا من المناهج. فبعد أن يتعرف الطفل على مبدأ الخرائط في سنة تانية، تخرج دروس الجغرافيا بالتلاميذ خيالاَ وايضاحاَ في زيار ات لبعض أقاليم السودان في عشر زيارات متلاحقة للتعرف على أساليب العيش في السودان. كان عنوان الكتاب الذي يدرس منه المعلم هو: سبل كسب العيش في السودان. كان لدي انطباعاَ عن العنوان : فكلمة كسب العيش تعني لدي سكب العيش أي قطع قصب الذرة بواسطة السيف السكاب (مدية تستخدم لقطع سيقان الذرة قرب سطح الأرض). أما كلمة سبل فاحتفظ بها كأنها سنابل. والمعنى الإجمالي لدي لا يخرج عن المعنى العام عن حياة الناس، كان كل حصة جغرافيا يحضر معه الأستاذ صورة جدارية (ايضاحية) عن الجهة المراد زيارتها، كان جملة الزيارات المدرجة في منهج الجغرافيا تسعة زيارات تغطي أنحاء مختلفة من السودان، هي كالتالي:
مسلسل الاسم المكان الموقع
الدرس الأول صديق عبد الرحيم القولد الشمالية، جنوب دنقلا
الدرس الثاني محمد القرشي الحسن ريرة البطانة ، جنوب شرق أبودليق
الدرس الثالث سليمان محمد عثمان الجفيل كردفان شرق الأبيض
الدرس الرابع محمد ود فضل بابنوسة كردفان ، جنوب غرب كردفان
الدرس الخامس منقوزمبيري يامبيو الاستوائية، غرب الاستوائية
الدرس السادس حاج طاهر محمد قول البحر الاحمر شمال بورتسودان
الدرس السابع أحمد محمد صالح ود سلفاب الجزيرة ، غرب الحصاحيصا
الدرس الثامن إدريس إبراهيم
امدرمان ام درمان، الموردة
الدرس التاسع عبد الحميد يوسف عطبرة عطبرة ، السكة الحديد
تبدأ الزيارات بزيارة صديقنا صديق عبدالرحيم في القولد، وتنتهي كالترتيب السابق في الجدول. وقد تلخيص الدراس في كراسة الجغرافية لدي التلميذ في شكل جدول. إذ يفتح التلميذ لكل درس صفحتين متقابلتين. ليقيم عدد من الاعمدة. في العمود الأول رقم الدرس. العمود الثاني الاسم، العمود الثالث: المكان، العمود الرابع: المناخ، العمود الخامس: العمل، العمود السادس: الملاحظات. ليكون مثال ملخص الدرس كالتالي:
رقم الدرس الاسم المكان المناخ السكن الطعام العمل ملاحظات
الدرس الأول صديق عبدالرحيم القولد، المديرية الشمالية حار جاف صيفاً، بارد شتاءا منازل من الطوب الأخضر السقف من خشب وسعف النخيل القمح
البلح زراعة أشجار النخيل والعمل في الخارج الأمطار: نادرة جداَ
سطوح المنازل مستوية لندرة الأمطار.
تكتمل دروس الجغرافيا بالصور الإيضاحية التي أبدع فيها واضعو المنهج في بخت الرضا بانتاجها في حجمين. حجم كبير ( 70*100سم، الحجم المعروف الآن ب حجم إيه صفر (A0) . إذ يحضر الأستاذ حاملاً مجموعة من الصور الكبيرة التي يريد عرضها في الدرس ، وكذلك الخرائط . وكل صورة لها عروة تثبت بها فوق السبورة على مسمار يوجد أعلى سبورة الفصل . يضع استاذ الجغرافية الصورة خلف بعض، وكلما تحدث عن موضوع الصورة يقوم بانزالها لتظهر الصورة التي تليها، ليتحدث عنها. بالطبع حل محل الصور في الوسائل التعليمية الحديثة (التي لم تطبق بعد في التعليم العام في السودان ) جهاز عرض الصور ثم دخول نظم العرض بالكومبيوتر). يبدأ الأستاذ الدرس بتحديد جهة الزيارة ، ومن حيث موقع المدرسة يحدث عن وسائل السفر إلى حيث موقع الصديق المحدد في الدرس ، فيتخذ العربات، القطار، الباخرة أوحتى الدواب. ويكون الصديق المحدد هو محور الزيارة بدءاً من الاستقبال والتعرف على حياة الناس وحتى لحطات الوداع.
بعد نهاية دروس الجغرافيا هنالك قصيدة ملحنة يرددها الأستاذ ومن خلفه التلاميذ . تلخص القصيدة الزيارات حتى نهايتها، ألف القصيدة واضعومنهج الجغرافيا وعلى رأسهم الأستاذ عبدالرحمن على طه. تشمل قصيدة الأبيات التالية:
في القولد التقيت بالصديق أنعم به من فاضل صديق
خرجت أمشى معه للساقية يا لها من ذكريات باقية
فكم أكلت معه الكابيتة وكم سمعت أوي أو ألودة
ودعته والآهل والعشيرة ثم قصدت من هناك ريرة
نزلتها والقرشي مضيفي وكان ذاك في أو ان الصيف
وجدته يسقي جموع الإبل من ماء بئر جره بالعجل
من هناك قمت للجفيل ذات الهشاب النضر الجميل
وكان سفري وقت الحصاد فسرت مع رفيقي للبلاد
ومر بي فيها سليمان علي مختلف المحصول بالحب امتلا
ومرة بارحت دار أهلي لكي أزور صاحبي ابن الفضل
وجدته وأهله قد رحلوا من كيلك وفي الفضاء نزلوا
في بقعة تسمي بابنوسه حيث اتقوا ذبابة تعيسه
مازلت في رحلاتي السعيده حتى وصلت يامبيوالبعيدة
منطقة غزيرة الآشجار ل ما بها من كثرة الآمطار
قدم لى منقوطعام البفرة وهولذيذ كطعام الكسرة
بعدها أستمر بى رحلى حتى نزلت في محمد قول
وجدت فيها صاحبى حاج طاهر وهوفتى بفن الصيد ماهر
ذهبت معه مرة للبحر وذقت ماءه لا كماء النر
رحلت من محمد قول لود سلفاب لآلتقى بسابع الآصحاب
وصلته والقطن فى الحقل نضر يروى من الخزان لا من المطر
أعجبنى من أحمد التفكير في كل ما يقوله الخبير
ولست أنسي بلدة امدرمان ومابها من كثرة السكان
إذ مر بى ادريس فى المدينة ويالها من فرصة ثمينه
شاهدت أكداساً من البضائع وزمراً من مشتر و بائع
وآخر الرحلات كانت أتبره حيث ركبت من هناك القاره
سرت بها فى سفر سعيد وكان سائقى عبد الحميد
أعجبت من تنفيذه الأوامر بدقة ليسلم المسافر
كل له فى عيشه طريقة ما كنت عنها أعرف الحقيقة
التاريخ:
كانت حصة التاريخ عبارة عن قصص يقصها استاذ مادة التاريخ، وقد شملت تلك القصص في السنة الثالثة قصة عمر ابن الخطاب، الفارس رولاند، الفريد ورجال الشمال، طارق بن زياد، وليم تيل، ابن بطوطة. وبنهاية منهج التاريخ تمثيلية بطلها شيخ كبير له عمامة وطربوش اسمه (الزمن): يجلس الزمن في منتصف الفصل، هذا بعد أن يتم تغيير خارطة الفصل ليمثل دائرة كبيرة في منتصفها الزمن. يبدأ الزمن في تقليب كتاب كبير. يدخل عليه حاجبه، ليقول له يا سيدي جيش عرمرم بالباب يريد مقابلتك. فيجيب الزمن دعهم يدخلون الواحد تلو الآخر. ويمثل التلاميذ أدوار أولئك الابطال. فكلما دخل واحد سأله الزمن: من أنت ايها....... ؟ حسب أبرز سماتهم، فقد كان ابن بطوطة شيخ يعرج ويحمل مخلاة (بُقجة). أما وليم تيل (المعروف في القصص الانجليزية بروبن هود) فقد كان يحتقب قوس وسهام.
ولا أشك أن فى بلادى ما يستحق الدرس باجتهادى
فابشر إذن يا وطنى المفدى وبالسعى منى كي تنال المجدا
تقيم المدرسة امتحانا مرتين كل عام. وفي سنة ثالثة يتم اختيار من أحرزوا المراكز العشرة الأولى لينافسوا في الدخول لسنة رابعة الأولية ذات الرأسين في سنجة. فكم كان أذكياء من التلاميذ حجبوا في وقت مبكر من التعليم وارتدوا للامية، لا لشيء إلا أنه لا توجد فرصة لهم. ومن ذلك الفصل يبدأ المشوار إلى المدينة. وفي تاريخ محدد ( في أحد أيام الصيف الباكر) أعلن لنا أنه يوم الأمتحان.
سوق أم شوكة:
هو سوق قرية أم شوكة الواقعة في منحنى النيل نحو منتصف المسافة بين مدينتي سنجة وسنار. وتبدأ عندها بحيرة خزان سنار التي شكلت عندها اضخم جزر البحيرة.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.