لم يصدق قادة مايو الذين تجمعوا في منزل صديقهم المقدم الهاموش لتناول وجبة غداء مع أسرته عندما داهمتهم مجموعة عسكرية مسلحة.. زوار الظهيرة طلبوا من قادة مايو رفع الايادي والخروج بذات الملابس الى المعتقلات.. كان ذاك الحدث ظهر 19يوليو1971 تاريخ انقلاب الحزب الشيوعي على رفاقهم في مايو.. القوميون العرب الذين يمثلون الشق الاخر من انقلاب مايو ردوا التحية باعنف منها بعد فشل انقلاب الحزب الشيوعي..حيث شهدت دار المدرعات بمنطقة الشجرة محاكمات دموية وصورية تخللها تصفية حسابات عبر الضرب بالبونية والدبشك قبيل تنفيذ اعدامات بالجملة شملت المذنب والبريء وصاحب الحظ السيء.* لابد من استصحاب الصورة السابقة حينما نمعن النظر الى موقف اليسار السوداني من مبادرات الحل السلمي لأزمات السودان المستعصية ..الحزب الشيوعي ورفاقه من جبهة اليسار غابوا عن فعاليات المائدة المستديرة التي دعي لها رئيس الجمهورية مؤخراً..ذات الموقف شمل حلفاء اليسار وكوادره في الحركات المسلحة ..ياسر عرمان امين عام الحركة الشعبية شمال سخر من المبادرة قبل ان تؤتي اكلها ووصفها بسوق عكاظ. جبهة اليسار المسالمة والمسلحة كانت دائماً تطلب مزيدا من التنازلات..نادوا بحرية التعبير والتجمع ولما اصدر الرئيس توجيهات تيسر من سبل التعبير و ترخي من القبضة الحكومية على حق *التجمع الحزبي والتظاهر الجماعي طالبوا بمزيد من الشروط ..صحيح ان مطالب اليسار مشروعة ولكن يحب ان ينظر للحوار في أطار التنازلات المتبادلة بين القوى الفاعلة في الساحة..الحزب الحاكم يخطو خطوات متثاقلة نحو الإصلاح وبين صفوفه من يرى في ذلك ردة فكرية وربما دينية..لذلك الغلو في رفع سقف المطالب ربما يعرقل عملية الحوار بأكملها ويردها المربع الاول حيث الدولة الشمولية القابضة. بصراحة موقف اليسار بكافة قواه *من الديمقراطية لا يمثل قناعة فكرية بل احيانا يبدو كانتهازية سياسية..اليسار بشكل عام لم يكن في يوم من الايام ديمقراطيا..تجربة الشيوعيون في الاتحاد السوفيتي والصين وكوبا وكوريا الشمالية كانت تجارب شمولية من الطراز الاول..البعثيون وبمختلف نسخهم السياسية أنتجوا دولة الرجل الواحد بل كانت جمهورياتهم تورث العرش للابناء كما حدث في سوريا..جمال عبد الناصر حقق نجاحات كثيرة في مصر ولكنه حطم حقوق الانسان المصري في حرية الاختيار السياسي. يسارنا السوداني لم يكن استثناء من منابته العالمية والإقليمية ..اليسار السوداني واد الديمقراطية الثانية عبر انقلاب جعفر نميري في مايو 1969..لم يستطيع الرفاق في سنوات مايو من إدارة حوار ديمقراطي سلس..بات الزعيم عبد الخالق محجوب منفيا في مصر ثم بعد عودته اختفاء من جعفر نميري داخل القصر الجمهوري..ثم كان الحدث الاكثر عنفا في ثورة الشيوعيين التصحيحية ..في *بيت الضيافة *تم قتل عشرات من الضباط العزل المعتقلين..اي كان الفاعل لم يخرج من بين الفئتين الباغيتين. بصراحة الان اليسار السوداني لن يراهن على تحول سلمي يفضي الى أيرادة شعبية..السكرتير السياسي للحزب الشيوعي قال في تصريحات لصحيفة الميدان انهم ضد التغيير الناعم الذي يحافظ على طبقية النظام .. الشيوعيون يدركون جيدا في كل الانتخابات السودانية لم يتحاوز كسب الحزب الشيوعي في البرلمان عدد أصابع اليدين..بل في اخر ديمقراطية كان لهم من النواب ثلاثة فقط..حزب البعث العربي ورغم الدعم الكبير من العراق خرج صفر اليدين من اخر انتخابات شرعية ومعترف بها..لهذا السبب لا يعول اليسار السوداني على انتخابات شعبية تمنحه فقط حرية الحركة ورفع الصوت. بناءا على القناعة الواقعية فكر الحزب الشيوعي ورفاقه من اختراق الحركات الجهوية والعنصرية والانفصالية عبر ابتعاث كوادره *الى حركات الاطراف ..في هذا الصدد تجد نسخ متعددة من ياسر عرمان في كل الحركات المتمردة ..شيوعية عرمان ليس تهمة نرميها به بل هى اعتراف جاء من لسان الرجل الاول في الحزب الشيوعي ..الخطيب سكرتير الحزب الشيوعي وصف في حديث صحفي عرمان بالشيوعي العاصي..في دارفور تبرز كوادر يسارية مثل المحامي عبد الواحد محمد نور قائد حركة تحرير السودان ..الحزب الشيوعي عبر هذا التخطيط طويل الأجل يجني مكاسب سياسية عبر التسويات السلمية مع هذه الحركات او الغلبة العسكرية لذات الحركات ..لهذا لن يقبل *الشيوعيون نحو تنازلات تجعلهم حزبا عاديا كسائر الاحزاب..ما ان بدات عملية الحوار بين الحكومة ومجموعة من الاحزاب ذات الوزن الجماهيري حتى هرع الاستاذ فاروق ابو عيسى لتوقيع تفاهمات مع الجبهة الثورية..من شدة استعجال ابو عيسى لم يشاور حتى رفاقه في تحالف المعارضة .* *ومن حسن حظ الشيوعيين ان سلطة الإنقاذ تمنحهم دائماً المبررات التي تجعلهم ضد الحوار عبر التضييق على نشاطهم السياسي او مصادرة صحفهم او اعتقال كوادرهم. بصراحة ان الأوان ان يقدم اليسار السوداني وعلى راسه الحزب الشيوعي العريق على اجراء مراجعات عبر جراحات *فكرية تفضي الى اخراج الدم الفاسد وتحدد موقفه بجلاء من الديمقراطية ومن الدين..ان تمت هذه المراجعات بذات الصراحة والوضوح فيمكن ان ينبت اليسار السوداني في التربة السودانية ويثمر تنوعا تحتاجه الساحة السياسة بشدة. . (الصيحة) [email protected]