مدخل: على النخب الصاعدة ان تبدا بقراءة الواقع من زوايا مختلفة بعيدا عن ما انتجته النخب السابقة والذي قاد الى الحروب والانفصال وغيرها اذا كانت ترغب في وطن يسع الجميع، فما تفعله النخب السابقة عبارة عن تكرار للازمة واشعالها في مزيد من المناطق دون حلول حقيقية يمكن ان تفيد هذا الوطن. فما يحدث في السودان وفي كل الشرق الاوسط حاليا عبارة عن صراع فكرى حول تعريف الذات ومكانة الاخر فاما ان تقوده النخب وتقوم الثورة القادمة على اساس فكرى واما ان تقوده المجتمعات ويتواصل كصراع دموى فعلى النخب الصاعدة تحديدا ان تقوم بدورها. النخب السياسية وادمان الفشل: يحتار المرء فيما يسمي بالنخب السياسية فهذه النخب ليست ادمنت الفشل فقط كما قال منصور خالد ولكنها بالاضافة الى ذلك تمتلك حاسة تبلد غريبة تجاه الوطن والمواطنين، فرغم دخول الوطن الى النفق المظلم منذ انفصال الجنوب الذي حرك احساس المناطق الاخرى بالاتجاه بعيدا عن الوطن وزاد ذلك من وتيرة حرب الابادة التي تقودها الحركة الاسلامية على المجتمعات الحقيقية رغم كل ذلك لم نجد من السياسيين رد فعل حقيقي يوازي ما يحدث، فلازالت الاحزاب السياسية التي تسمي معارضة تتباكي على ندوة منعت او اعتقال فرد وتنشغل بهموم الوسط اكثر من هموم المجتمعات الحقيقية، وهو ما يؤكد اننا نمتلك نخب عشائرية لم تصل بعد الى مستوى النخب الوطنية التي تمثل كل الوطن، وما يؤكد عدم وجود مبادئ وطنية وانما انتماءات عشائرية نجده متمثلا في قبول حزب الترابي في الفترة السابقة كجزء من المعارضة بل ويصبح الناطق الرسمي للمعارضة (كمال عمر) من حزب الترابي، الترابي الذي انقلب على الديمقراطية وبدا حرب الابادة وقال بالجهاد ضد ابناء الوطن وقاد التمكين .... يصبح جزء من المعارضة ليس لانه كفر عن كل ذلك ولا قال بانه اخطا ولا نقول اجرم في حق الوطن، يصبح جزء من المعارضة لاننا نمتلك نخب عشائرية لا ترى ابعد من مجتمع الوسط وافراده!!! ان تكتل ابناء الوسط (مجتمع التحولات) من اقصى اليمين الى اقصى اليسار في مقابل المجتمعات التي انتجتهم هو الدافع الحقيقي في عدم الاحساس بالسودانوية ككل واحد مما دفع نحو التعددية وغيره. فكيف لفرد مثل الترابي ان يفعل كل ما فعله ثم يعتبر بعد ذلك مدافعا عن حق السودانيين في وطن يسع الجميع لولا الانتماء العشائري. ان اعادة قراءة الواقع السوداني يعني تفكيك الثوابت التي قامت عليها مفاهيم النخب السابقة واعادة تعريفها من جديد، من مفهوم الدين الى مفهوم الانسان حتى نخرج من حالة الازمة التي تشتد كل يوم، ففي ظل هذا الوضع الذي لا يفصل بين الانتماء المجتمعي الضيق وبين الانتماء الى الكل المتمثل في الوطن من جانب كل النخب سياسية وغيرها يصبح الحلم بعيد المنال، فالنخبوى الحقيقي هو الانسان الذي يرى الكل باعتبارهم جزء منه يرى معاناة ابناء النوبة ويحس بها ويرى معاناة ابناء دارفور والانقسنا وغيرها كجزء من معاناته الشخصية وبالتالي يعلي من الانتماء للكل على حساب الانتماء للمجتمع الضيق. اما ما يحدث الان من جانب النخب التي تعلي من شانها الخاص على حساب العام وترى منع ندوة باعتبارها كارثة وترى حروب الابادة التي تتم في الاطراف وداخل المركز والاغتيالات التي تتم على اساس عرقي واخراها طالب جامعة الخرطوم بانها اقل اهمية، يجب ان لا ننتظر من هذه النخب غير مزيد من التفكك لهذا الوطن. وبين التفكك السابق الى شمال وجنوب وبين تفت قادم نتمني ان تتحرك النخب الصاعدة لاستلام زمام المبادرة من النخب السابقة التي فشلت وانهزمت امام ذاتها وتركت الوطن يضيع دون ان تقوم بموقف حقيقي يعادل ما يحدث، فقد بدات تلك النخب بتقسيم الثقافة السودانية حينما اعتمدت على مفاهيم الغير واستسهلت الازمة العميقة التي يعيشها الشعب السوداني، فلجات الى مفاهيم مقولبة مثل الديمقراطية والعدالة وغيرها دون ان تكون لتلك المفاهيم جذور واقعية داخل المجتمع. فالسؤال الحقيقي الذي يجب ان تبدا به النخب الصاعدة هو تعريف من هو الانسان السوداني؟ ويجب الاعتماد على اجابة ذلك السؤال على الواقع ومرحلة التحولات الانية وليس على المفاهيم المستوردة اذا كانت غربية او عربية. فهنالك الكثير من المجتمعات التي وصلت الى المرحلة الثقافية وهنالك مجتمعات في طور التحول فالاختلاف في الدرجة فقط بين مجتمع واخر ويقود كل ذلك مجتمع التحولات (مجتمع الوسط) وتقوم المرحلة الثقافية على الترميز السلوكي بعيدا عن التراكم التاريخي للمرحلة السابقة المتمثلة في مرحلة العشيرة والقبيلة والتي تاتي منها مصطلحات ابناء العائلات وغيرها (كما قراءت في بيان للشرطة اليوم فالخطا خطا في المرحلة الثقافية بغض النر عن مرتكبه). وذلك يعني ان الثقافة السودانية عبارة عن كل واحد وليس كل متعدد ومن هنا ياتي تعريف الدين والحياة والاخر المختلف والاخر الضد. فمفهوم التعدد الذي اتي من النخب السابقة التي لم تحاول ان تجهد نفسها في محاولة لادراك الكل السوداني، يعني ذلك المفهوم ان لكل مجتمع نظرته الخاصة للحياة تختلف وتتقاطع في بعض الاحيان مع المجتمع الاخر، اذا كيف لذلك ان يشكل كل متوازن ومتكافيء؟! فعلينا اذا اخراج المفاهيم الوافدة مثل العروبة والاسلاموية والفردية ومن ثم العمل على تدوين فكر سوداني يعبر عن الواقع السوداني ويمثل الانسان السوداني في مقابل التدوين العربي والتدوين الغربي الذي اختصر التاريخ الانساني على ذاته عند ذلك سنجد ان المجتمع سيتبع النخب عندما تحث بصدقه وتمثله للمرحلة، فالتدوين الغربي يري ان الثقافة الغربية تمثل قمة الانسانية والتدوين العربي يري ان الثقافة والقيم العربية تمثل قمة الانسانية وذلك باستيعابها من قبل الاله، واعتمد التدوين الغربي على العلم الطبيعي والتدوين العربي على الرسالة الارشادية المحمدية لاثبات افضلية تلك الثقافات على الثقافات الاخرى. اذا اذا اخرجت النخب الصاعدة كل تلك المفاهيم وحاولت استيعاب الواقع المتمثل في حركة المجتمع، تجد ان القيم المجتمعية لكل المجتمعات السودانية تختلف في الدرجة عن قيم مجتمع الوسط الذي يمثل ذروة التحولات، وكان مجتمع الوسط (مجتمع التحولات) يمثل البوصلة والملجا لكل المجتمعات ما قبل حكم الحركة الاسلامية الذي اثبت للمجتمعات الاخرى نفور نخب الوسط وعدم تمثيلها للكل السوداني، فما قبل حكم الحركة الاسلامية جاء كل ابناء الجنوب الى الوسط الذي يمثل مركز التحولات بالنسبة للمجتمعات الاخرى ولم يذهبوا بعيدا قبل ان تحول الحركة الاسلامية الحرب الى حرب اقصائية جهادية تفصل بين مجتمع التحولات ومجتمعاته الحقيقية، وكذلك ابناء جبال النوبة وابناء غرب السودان والانقسنا كل ذلك حدث لان الحرب في ذلك الوقت كانت حرب استيعابية وليست حرب اقصائية عندما حولتها الحركة الاسلامية الى حرب اضداد. فقد حاولت المجتمعات بوجودها ان تساهم في حركة الاستيعاب من جانب مجتمع التحولات وتحديدا نخبه ولكن لا حياة لمن تنادي. فعلي النخب الصاعدة ان تدرك اذا اردنا ان نحافظ على ما تبقي من هذا الوطن فالواجب ان نبدا باستلام زمام المبادرة من المجتمعات وان ندرك ان الحرب في جوهرها حرب افكار تحولت مع القصور النخبوى الى افعال اجتماعية، والتاسيس لفكر سوداني يعني ان يتم تفكيك الفكر العربي والغربي واخضاعه للفحظ واعادة الاستيعاب من مفهوم الاله الى مفهوم الدولة والمجتمع، والثابت في كل ذلك هو الانسان السوداني الحالي وقيمه بغض النظر عن مركزه من التحولات الاجتماعية. فالاعتماد على مفاهيم الغير وتعريفها للاله والذات والاخر هو اساس كل الازمات التي يمر بها الوطن، فاذا ظللنا نقول بان هنالك اسلام واعتمدنا على التدوين العربي وان هنالك ديمقراطية واعتمدنا على التدوين الغربي سيظل نزيف الدم السوداني ثمنا لذلك القصور والفشل. [email protected]