حضرات القراء، لقد تابعتم تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير، التي حملتها وسائل الإعلام إلينا نهاية الأسبوع المنصرم والتي كشف فيها عن تلقيهم في حكومة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان لمطالبات من "قوى دولية" بإعادة الوحدة بين البلدين (السودان وجنوب السودان). ووفقاً لنص التقارير الواردة، قال البشير: "نحن دولة قائمة ولا بد أن نستفتي شعبنا لانضمام آخرين إن قبلنا نحن". بادئ ذي بدء، نقول إن هذا الكلام ليس صحيحاً إطلاقاً بدليل أن المجتمع الدولي لا يتعامل مع البشير لأنه متهم بإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجريمة إبادة عرقيات محددة في إقليم دارفور غربي بلاده، وصدر قرار بإعتقاله من قبل محكمة الجنايات الدولية في مارس عام 2009م. المجتمع الدولي يتعامل مع السودان فقط في إطار ممارسة الضغط عليه وليس لديه وقت ليُوصيه بإعادة الوحدة مع بلادنا. هذه محاولة رخيصة من البشير لتصوير السودانيين الجنوبيين بأنهم غير قادرين على إدارة شؤونهم بأنفسهم بعد أندلاع الحرب التي يدور رحاها منذ ديسمبر 2013م في البلاد، وهذا في حد ذاته يتناقض مع زيارته إلى جوبا مطلع هذا العام بعد اندلاع موجة العنف وإبدائه حسن نية بلاده في المساعدة لإيجاد الحل بين أطراف النزاع، إن كان في قاموسه الشخصي وقاموس نظامه ثقافة حسن النية أصلاً. واللوم هنا يعود للقيادات التي تطاحنت وأعطت الفرصة بذلك لكل شامت أن يشمت. نحن شعب جنوب السودان شعب شجاع ونعترف بأن بلادنا تعاني من "أزمة الحكم" وما يحدث الآن ناتج عن هذه الأزمة. أشك بنسبة ال100% في أن هناك أحد من المجتمع الدولي تحدث إلى البشير في ظل "سوء العلاقات الخارجية" الذي تعيشه السودان منذ فترة طويلة كما قال زعيم المعارضة السودانية فاروق أبو عيسى في إحدى ندواته في الأيام القليلة الماضية. وبإيجاز يمكننا القول أن هذا كلام لا أساس له من الصحة. نعم، بلادنا تمر بمرحلة عصيبة جداً، لكن ذلك لا يدفعنا إلى الحنين إلى الوحدة القهرية القديمة تحت نظام البشير القائم والأنظمة التي سبقته منذ 1956م. والمسألة برمتها هو غياب المصداقية لدى البشير كشخص وكنظام سياسي في السودان. أليس هو الذي صرح قبل أيام بأن السودانيين الجنوبيين سيتم إعادتهم إلى الخدمة المدنية في السودان، زاعماً بأنه يفعل ذلك كخطوة تضامنية مع جنوب السودان في محنته، في حين أن كثيرين من أبناء الشعب السوداني عاطلون عن العمل، وقد تم فصل الجنوبيين عن وظائفهم بعد تصويتهم للاستقلال عام 2011م لتذهب تلك الوظائف للسودانيين أو قل لعناصر النظام؟ ألم يكن ذلك ترويج سياسي تعكس بهتان البشير ونظامه؟ لم يكف البشير عند هذا الحد، بل مضى يقول: "أعداء السودان احتاروا بعد فصلهم الجنوب لتدمير الشمال لأن ذلك لم يحدث والآن يدعون الخرطوم للوحدة مع جوبا ويقولون إنهم نادمون". هذا حديث مفتعل أيضاً وهو محاولة لتصوير السودان كدولة ناجحة على الرغم من أن الحروب مزقته وماتزال تفعل، فها هو دارفور لايزال يتلظى بنار نظامه، وها هو الأنقسنا وجبال النوبة والجبهة الثورية تقف في صف واحد وتخوض الحرب ضد نظام البشير. أي سودان يُريد البشير التباهي به؟ أليس هو سودان الإنقاذ الذي نعرفه حق المعرفة؟ كفانا البهتان في ظل الوحدة القهرية التي ودعناها بنسبة فاقت ال99% من الأصوات في يناير 2011م. إن شعبنا اختار أن يكون له دولته ورغم تعرض هذه الدولة الآن لهزات سياسية متتالية، يظل قراره قرار مصيري لا تراجع عنه. على البشير وعناصر نظامه أن يتركوا دولة جنوب السودان وشأنها. عليهم أن يكفوا عن إساءاتهم واستفزازاتهم ضد شعبنا لأننا لا نتحدث عن أمورهم ولن يحدث أي استفتاء للشعب السوداني حول عودة الوحدة. هذه أحلام زلوط من رجل تشتت شمل السودان بين يديه وأصبح يبكي على اللبن المسكوب بعد فوات الأوان ! [email protected]