*غادرنا نهار الجمعة العزيز بدر الدين نمر .. مضى اسرع من وميض البرق ،في ليلة حالكة السواد ، لم يجد متسعا ليمد كف الوداع الدافئة ،ويخرج من حنجرته كلمات السلام الخيرة ، احتبست الحروف عنده فامتطاها خطى ،ومضى بها عابرا الجسر للضفة الاخرى . *كان بدر الدين يضاهي النخل شموخا وعلوا وكرما ،يهب ثمره للقريب والبعيد ممزوجا بطعم شهي ،وكان غيمة معطاءة سكوب ، تطوف كل الحقول والديار فترتوي القلوب ،وينبعث من مسامها الشكر الشفيف ، لرجل برع في الق الحديث وعرفته دوائر الكلم وساحات القضاء محاميا تواقا لتقديم الحق في دروبالسلام رغم متاهات السنين ... * رحل بدر الدين وترك لنا الحزن الكامن في القلوب ، يعتصرها، كلما مر على لسان احدهم اسم البدر ، وطلوع البدر ، ووصف البدر ، وبهاء البدر فلقد لملم الافراح وطواها ،وسافرت معه ومابقي من اثارها، تحول لبكاء عالي النشيج تحركه الجراح الرواعف .. *كان بدر الدين سيد القبيلة وتاجها الوضاء، الغيمة والنسمة وجدول الماء ، وبلبل الصباح حين يشدو على اعالى فرع في الشجرة العتيقة التي تتوسط داره الغناء، تربطه معها ذكريات الصبا ومراتع الشباب كالحبل السري ،فيترعها بالماء والحديث، فتتفتق الاهواء،عندما تجود كفه الندي العامر بالعطاء في ليالي الظلام، تبهج الاطفال، لكنه ارتحل باكرا ،تاركا كل المسافات والمخادع المطرزة بالنجوم والضياء . *برحيله انطفأت مصابيح المدينه ،وخيم الصمت على ارجاء المكان وغاب عن الدنيا حسنها الجياش ،فانسالت الدموع مطرا ،وعجزت الكلمات عن وصف بدر الدين ، الذي جمع الناس حول سريره في لحظاته الاخيرة، وتفحصهم بعين المفارق ، فاحتقب الجميع الاسى لفراق بدر الدين ، الذي كان منزله قبلة الكل يحفهم فيه بالدفء والكرم الموروث من اجداده . *اصابه المرض في مقتل ورغم ذلك ، لم يستسلم للهزيمه .اذظل حتى اخر لحظة في حياته يلتحف الصبر والهدوء ،ويلهج لسانه بذكر الفرد الصمد ...لم يفزع ... ولم ينكفىء، بل كان ينشر ايمانه الراسخ القوي ، شراعا مع كل صباح دون وثاق . *فقد جلل .. سيظل مكانه شاغرا في مجلس العائله ، التي اجمعت على رحيل البدر باكرا ، وعلى غياب الحب من اسطر الزمان القادم ، فلقد كان منبعه ومصبه الذي نهل عند شاطئه الاقران والضيوف والاصدقاء ،حين مجالس السمر على الضفاف، التي يغيب عنها الان وجه بدر الدين المغسول بالرحيق والصدق والعنبر . *ودعناك... يا بدر الدين ، وعلى اللسان حديث لم يكتمل ، وحب عرفناه على ثرى صفحة قلبك ناصعة البياض والنقاء والصفاء ،لم نرتوي من حكاياته بعد ،فلقد تسابق معارفك واصدقاؤك وهم كثر الى التشييع والماتم ، لانك كنت حاملا هموم الجميع ولوعة البائسين ....قلبك ملاذا في ليالي الحرمان القاسيه، وقبلة المستضعفين دارك الوريقة واهبا من يطأ مداخلها العشق المقيم . *وداعا بدر الدين نمر ...فقلمي لم يعد يقوى على الكتابة ...وليس لدي الا ان ارفع يدي بالدعاء، ان يتقبلك الله قبولا حسنا ، وينزلك مع الصديقين والشهداء، اعالي الفردوس وانا لله وانا اليه راجعون . همسة ودعناك وفي النفس حزن.. يستريح ... وعين تسح... كمطر الخريف ... وقلب ...يا انت ..نازف.. وجريح .... [email protected]