٭ كانت الفاجعة أقرب الى خيال تراءى شبحه بعيداً لكنه أصبح قريباً جداً بمقياس الرحيل المر وبحسابات الفراق الأبدي الذي جعل من رحيل بثينة نمر وجعاً مقيماً في كيمياء القلب، ليظل مقعدها شاغراً إلا من دموع نرسلها مدرارة تحكي تفاصيلها عن امرأة أصيلة وكريمة معطاءة استمدت الكرم الحفي من موروث جدها العمدة نمر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بعطاياه الثرة التي ورثتها بثينة فتسربل به عمرها القصير. ٭ كانت بثينة اسماً على مسمى أرض خضراء حبلى بالعطاء تمد كفها نيلاً لا يعرف الانكفاء.. فتنال بياض القمر والصفاء لوناً ظل يكسو حياتها وحياة أسرتها الى أن غادرتنا خلسة في مساء داكن السواد ذي طعم مرير. ٭ تركت بثينة نمر مكاناً لم يطب الجلوس لنا فيه لحظة لأنها كانت سيدة المكان ان جلست وان قامت وان جاء ليل السمر الجميل لأنها كانت سيدة القبيلة التي تتوشح الطيبة والسماحة والندى.. لأنها كانت امرأة الزمن الجميل الذي منحته من جمال روحها سفراً ترجم السيرة العطرة لبثينة ربة الصون والعفاف. ٭ جاءت إلى الدنيا وفي يدها غصن زيتون وتاج سلام ووجه صبوح وفم باسم وصوت مغرد كبلابل الدوح عندما تفرد جناح الطرب فيتمدد العشق وتحلو اللحظة.. أخذت بثينة كل هذا الجمال والامان فطرزته ثوباً وكست به الصغار والكبار.. الأهل والأحباب والجيران فعزف لها الجميع نشيداً ملؤه الرحمة وطيب الذكر. ٭ مرت بثينة كلمح البصر وقبل أن يرتد الطرف بعد أيام فقط من ملازمة غرفة العناية المكثفة وحولها الأسرة تذرف الدمع وتدعو بعاجل الشفاء لكن إرادة الله دائما هي الأقوى.. غادرتنات وتركت في القلب حسرة وجرحاً لن يندمل. ٭ جاء الأهل والعشيرة من كل بقاع الوطن الذي شهد خطى بثينة عندما كانت وزوجها المهندس محمد الحسن الرشيد يجوبون السودان مدينة مدينة وقرية قرية هناك في بورتسودان ذكريات لا تنسى في منزل كان الكرم عنوانه الأصيل والدفء أمسياته الندية بين الاصدقاء الذين فاجأهم الرحيل فبللت دموعهم الصدور ولم تجف المآقي بعد.. ٭ رحم الله بثينة نمر التي أعطت حتى آخر لحظة من حياتها وغشي قبرها الرحمة مطراً لا ينضب معينه.. وانزلها مع الصديقين أعالي الفردوس.. وكتب اسمها مع الشهداء في الصحائف العُلى.. وألهم ابنيها دكتور اسامة وحاتم الصبر الجميل ولنا جميعاً حسن العزاء.. اللهم تقبلها قبولاً حسناً يا كريم.. ٭ همسة: بين الرحيل والإياب مدائن تنزف.. جروحاً من عذاب.. فترتوي أرضي بلوعة الشجن المقيم.. يا حاطباً في الليل اجنحة الرحيل.. وداعاً فالقلب بعدك ينطوي على عمق المصاب..