عدت من السودان قبل قرابة شهر بعد إجازة لشهر قضيتها بالخرطوم. وفيما يلي انطباعاتي عنها بمدنها الثلاث: أصبحت العاصمة السودانية بمدنها الثلاث من الضخامة بحيث أنها تمددت أفقياً إلى تخوم ولايات أخرى أما رأسياً فإن مبانيها تجاوزت الوصف الشيق الذي وصفها به الدكتور منصور خالد حين زارها في أعقاب اتفاقية سلام نيفاشا عام 2005 بعد انقطاع لعقدين حين لا حظ ظاهرة (الشغب المعماري)، لقد تحولت أماكن بكاملها إلى أحياء جديدة واشرأبت من مال البترول والجبايات والفساد بنايات لو أن شاعر قطار الغرب كان شهدها لأضاف لقصيدته مقطعاً يقول هذه ليست إحدى أنحاء الخرطوم . كنت قبل نحو عقد من الزمان كتبت مقالاً بعنوان (عاصمة ثلاثية وحجمها رباعي) أشرت فيه إلى تمدد العاصمة غرباً بعد أم درمان إلى ولاية كردفان وشرقاً بعد شرق النيل إلى البطانة وشمالاً بعد الجيلي إلى ولاية النيل وجنوباً إلى ولاية الجزيرة بعد الباقير الأمامية(القدامية) لجهة الجنوب شرق، وبعد جبل أوليا ء لجهة الجنوب غرب. وناديت وقتها بضرورة التخطيط لعاصمة جديدة للبلاد حين تعود الديمقراطية.وأقول حين تعود الديمقراطية لأنه لا يمكن أن يقوم أي مشروع يستند إلى العلم وينأى عن الفساد ما أمكن بدون الإستناد إلى أعمدة الديمقراطية وحكم القضاء المستقل العادل ودواعي التنافس الشريف وتلك قضايا أخرى. واقترحت أن يتم النقل لمنطقة بالشرق ناحية أركويت. العاصمة الحالية يتم فيها تجريف أخصب الأراضي الزراعية وتتم فيها سمسرة غير واقعية للأراضي السكنية وبالنقل يموت الدش في أيدي السماسرة وتكف العاصمة الثلاثية عن حركة التربيع المستمرة وتعود لأبنائها الأصليين ومن وفد إليهم خلال عقود، الجديد في حالة نقل إدارة الدولة وبناء المدن المختلفة ورفدها بمشاريع تنموية وخدمية تجعلها مكتفية بذاتها، أن تقل الهرولة نحو الخرطوم فتعود مدينة جميلة كما كانت في الخمسينات والستينات؛ وتصبح عاصمة ثقافية.أما العاصمة الجديدة فلابد من خلق ميكانيزمات تمنع تجار الأراضي وتمنح قطع الأراضي للسودانيين المظاليم في الحروب المختلفة والمعتقلات وقدامى المعلمين، قدامى كل من خدم السودان بنزاهة ثم تأتي قائمة من يشترون بحر مالهم مما لم يدخل فيه فساد. مال الفساد يجمع بعقاراته ومركباته في صندوق جامع لبناء المدن السودانية الجديدة والقديمة بطريقة عصرية في مختلف الولايات. أصبح وضع العاصمة في وضعها الراهن عجب. كفت فيها وسائل المواصلات إلا من ثلاث تقريباً هي الحافلات والركشات ناقلات أغلبية السكان والعربات الصالون (السيارات الخاصة) التي تنقل الأكابر وما تبقى من الطبقة الوسطى داخل السودان وأسر العاملين بالخارج. أما بصات الوالي وما شابهها من وسائل مواصلات غير مدروسة جيداً وما شابها من غموض وفساد فقد ربضت مثل حيوانات قطبية صادها البيات الشتوي. (يتبع ) بشرى الفاضل [email protected]