دخلت فانيسا الأسانسير من أمامي وعندما أغلق بابه للتو انبعث داخله موجة صاخبة من العطور المحببة (رائحة الكريم، رائحة الشامبو، رائحة المنكير، رائحة الفستان والحذاء الجديدين، رائحة العلكة، وعطر جادور ديور المحبب لدى فانيسا) فلم أتمالك نفسي و بشكل تلقائي غازلت رفيقتي "انت جميلة" سقطت مني الكلمة سهواً، ليس من الحصافة أن أقول ذلك في تلك اللحظة، شعرت أنني أهدر القداسة بالألفاظ العادية. كان يجب أن أترك السفينة تسير حسب الرياح. فشرعت وكأنني أعتذر "أعني عطرك، رهيف ومنعش" شعرت من جديد أنني أرتكب بعض الحماقة بالتنازل عن الحقيقة الواقعة وعن كلمتي فكررت من جديد "وانت طبعاً جميلة، أظنه عطر روحك" فضحكت فانيسا بشهية وألتفتت إلى الخلف حيث مرايا الأسانسير ومسكت فستانها القصير من طرفيه ناحية ركبتيها شدته وحركت جسدها عدة مرات في نصف دائرة بينما هي تحدق في صورتها في المرايا "هل أعجبك العطر حقاً، هذا جميل، كنت أخشى أن لا يروق لك". وفجأة جاءت ناحيتي بثقلها تزيح شعرها المفرود عن الجهة اليسرى من رقبتها فلتصق صدرها بصدري والقشة الذهبية في خدي وأندس ساقها الأيسر بين ركبتي وشفتاي تعلقت برقبتها "شمه هو جادور ديور" تلك اللحظة وحدها أستطعت فرز رائحة جادور ديور عن موجة العطور التلقائية المصاحبة، لكن ليس ذاك فحسب!. شعرت بالحاجز السابع والأخير يتزلزل. عندما توقف الأسانسير كانت فانيسا تشد ياقة قميصي وتصلح من وضعها وانا خادع لها في خشوع وكأني عصفور صغير في طريقه لرياض الأطفال وكانت عينا فانيسا لامعتان بالإشراق. خلفنا الفندق من خلفنا راجلين ناحية مركز المدينة. كنا حالمين وكانت هناك إرتعاشة ما تكلل جسدينا نقرها وننكرها في ذات الأوان. عند شارة المرور الأولى مسكت فانيسا بيدي اليمنى "أعمل حسابك أنا أعرف أن طريقة السير عندكم مختلفة، لا أريدك أن تموت قبل أن نتعشى معاً هذه الليلة" ثم ضحكت بشهية وفعلت مثلها. في المنحنى الواقع أمام مركز ماريون للتسوق وقفت فانيسا أمام إحدى الألبسة فأقنصت الفرصة لأعاين جلبة صغيرة تحدث خمسين متراً عند الناحية اليمنى من المركز. كان حادث حركة صغير. كان الحادث في الإتجاه العكسي، لم أكن أعلم، كنا في طريقنا إلى المطعم اليوناني في شارع هاروقيت حيث يقيمون موسيقى شرقية حية كل مساء جمعة. ضعت لوهلة عن عيون فانيسا. كانت عدة ثوان من القلق. وفي اللحظة التي ألتقينا من جديد "أوووه" صاحت الفتاة ثم سقطت على صدري بصورة تلقائية وأنفاسها تتصاعد. ظلت فانيسا تدس رأسها في صدري عدة ثواني فائضة عن السمت المتوقع وكأنها تخشى أن ترفع رأسها تفادياً للضربة القاضية قبل أن تكتمل إجراءات اللعبة الحتمية. كان هناك شيء يحدث في دواخلنا، شيء مؤكد!. رأس الفتاة في صدري وعيوني مصوبة ناحية عدة مباني من مركز المدينة، مباني مختلطة السمت كلاسيكية في نسق الحداثة، باهرة، وهناك في السماء نجمتان صغيرتان وحيدتان يغالبن أضواء المدينة المنبعجة ناحية الأفاق. كنت أنضدد صبري تاركاً فانيسا تتخذ وحدها القرار وهي تنحشر في صدري. فانزاح الحاجز السابع والأخير بغتة، لكن مع وقف التنفيذ!. وقفت فانيسا أمام مائدة من مقعدين تحمل الرقم 8 "مسز مونتجمري" صاح النادل من الخلف "نعم، وهذا صديقي" حيانا النادل العجوز بحرارة تنم عن خبرته الطويلة ثم دعانا إلى الجلوس على طاولتنا المحجوزة سلفاً. يتواصل.. حكايتي مع الشابة الإنجليزية فانيسا. محمد جمال [email protected]