يلجأ كثير من تجار الدين والوعاظ المتنطعون والإرهابيون لإدخال شعرات وعبارات رنانة في الدين، كالشريعة والجهاد الذي يسمونه الفريضة الغائبة للوصل للحكم والسيطرة على الناس بالخداع. فيقومون بإستقطاب وإستغلال السذج الذين تغلب عليهم عواطفهم الدينية والأغبياء الذين يتعصبون لتلك الشعارات من غير تفكير. وهؤلاء أغلبهم يكونون من المستضعفين والمساكين الذين لايعلمون أن الله تعالى يأمر بفرائض كثيرة في كتابه تؤدي لإنصافهم وللإصلاح الإجتماعي الشامل، كالحض على طعام المسكين مثلا، ولكنها غابت وضاعت بسبب طغيان تلك الأفكار المدمرة. معنى الحض.. كلمة الحض تعني في اللغة الحث. وبحسب قاموس المعاني: حضه على الأمر تعني حثه بقوة وأغراه. إن حرف الحاء والضاء يرمزان عادة للقرب من الشئ والود له. فمن الكلمات التي تشير لذلك: الحب، الحنية، الحنان، الحضن، والضم والضنا. وخلاصة فالحض يعني الحث بقوة والتحريض بفاعلية. لماذا يأمرنا الله تعالى بالحض على طعام المسكين؟.. وردت عبارة الحض على طعام المسكين في ثلاث مواقع تقريبا في القرآن الكريم:- - ((كلا بل لا تكرمون اليتيم، ولا تحاضون على طعام المسكين)) [الفجر: 18]. - ((إنه كان لا يؤمن بالله العظيم، ولا يحض على طعام المسكين)) [الحاقة: 34]. - ((فذلك الذي يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين)) [الماعون: 3]. إن الله تعالى يأمرنا بالحض على طعام المسكين للحصول على مجتمع سليم. والمجتمع الذي يكثر فيه المساكين تكون فيه كثير من المشاكل الإجتماعية. فالمسكين وما أدراك ما المسكين؟. فالمسكين هو شخص فقير ولكنه سكن في حركته لضيق ذات يده وتعسره وقلة حيلته، ليس لديه ما يكفيه وهو بائس ضعيف ذليل. فعندما لا يجد هذا المسكين ما يسد به حتى رمق جوعه فسيضطر إلى اللجوء لأفعال يخرج بها عن حدوده وطوره، لأن الجوع كافر. فالمجتمع الذي ينتشر فيه المساكين تجد فيه إنتشار الجريمة والدعارة مثلا. فأغلب المجرمين والعاهرات ليسوا هم كذلك، ولكن ظروفهم الإجتماعية القاهرة وضعتهم وإضطرتهم لفعل ذلك. وإذا كان أي أحد في مكانهم بالتأكيد لصار مثلهم. هناك حديث خطير يروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم آية في النذير لمن لا يحض على طعام المسكين، حيث قال: (أيما أهل عرصة أمسوا وفيهم جائع فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله). العرصة تطلق في اللغة على البقعة الواسعة بين الدور. فيا ويلنا إن كان هناك إنسان يبيت جائعا بين القصور والفلل والبنايات؟. وهذا الحديث يتماشى فعلا مع القرآن الكريم في ثورته للضعفاء والمساكين ضد الأغنياء المترفين. ولكن نجد فقهاء السلطان والواعظين لا يذكرون لك مثل هذه الأحاديث!. تحذير سورة الماعون.. وسورة الماعون والتي من أبسط السور تتوعد الذين لا يحضون على طعام المساكين والذين يدعون اليتامى. أي أولئك الذين قست قلوبهم فلا يحثون ولا يحرضون عليه. ((أرأيت الذي يكذب بالدين*فذلك الذي يدع اليتيم*ولا يحض على طعام المسكين*فويل للمصلين* الذين هم عن صلاتهم ساهون* الذين هم يراءون* ويمنعون الماعون)) [الماعون: 5]. فبدأت السورة بسؤوال استفهام: ((أرأيت الذي يكذب بالدين؟))، والدين ليس الصلاة فى المساجد انما الدين هو الإيمان بالله واليوم الآخر وبالحساب. ولكي تتقي الله وتزيد من أعمالك الحسنة فلابد من العمل الصالح. أو كما قال سيدنا رسول الله صل الله عليه وآله وسلم: (الدين المعاملة). ولقد أجابت الآيتين التاليتين عن من هو الذي يكذب بالدين. فالذي يكذب بالدين هو الذي يدفع اليتيم دفعا بعنف - أي الذي يهين اليتيم ويؤذيه. وهو أيضا لا يحث ولا يحرض على طعام المسكين ولا يوصي برعايته. ومن ثم ينقلب الله تعالى بخطابه على المصلين بقوله: ((فويل للمصلين* الذين هم عن صلاتهم ساهون* الذين هم يراءون* ويمنعون الماعون)). فويل للمصلين الذين يدعون اليتيم ولا يحضون على طعام المسكين وإن كانوا يصلون جميع الصلوات في أوقاتها، وفي الصفوف الأمامية. فهؤلاء المصلون هم يسهون عن صلاتهم، ليس بنسيان أداءها في وقتها، ولكن بنسيان تطبيقها في تعاملاتهم فهم يراؤون، وحتى لا يستحون حين يأتي وقت الصلاة التالية ليقفوا ببن يدى رب العالمين وكأن شئ لم يكن. فويل لهم إذا. وما بالك اذا كان مثل هؤلاء المصلون حكاما لم يولهم احد وجاءوا غصبا عن الناس الى السلطة ولم يراعوا حق اليتيم ولم يحضوا على طعام المسكين.بل وأوقعوا الناس فى غياهب الجهل والفقر والمرض والحروب وعضوهم ببراثن العدوان والحقد والكراهية. فهؤلاء متعمدون السهو عن صلاتهم التى يؤدونها لرب العالمين ويتعاملون مع الناس ليكونوا هم المتنعمون والحاكمون بأمر الله والمتلذذون بإسم الدين ليكونوا في السلطة إلى أبد الابدين. فهؤلاء يراؤون بالصلاة وإن كانوا يؤدونها فى وقتها وفي جماعة وفى المساجد لأنها لم تترك أثرا في قلوبهم وأعمالهم وخلاصة ذلك إنهم يمنعون إعانة هؤلاء المستضعفين بكذبهم بالدين وتضليلهم. والرياء هنا ليس كالنفاقق. فالنفاق هو إظهار خلاف ما بطن. والمنافق هو كافر أساسا. ولكن المرآئي يمكن أن يكون مسلما ولكنه يتظاهر بالعبادة ويتاجر بها أمام أعين الناس لمآرب شخصية وينسى المقصد السامي للدين. فالويل لأمثال أولئك المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون، أو المرآئين وكل من لف لفهم، لأنهم يمنعون الماعون بعدم تقديم المعونة والمساعدة الكافية التي تجعل الفقير قادر على تجهيز ماعون طعامه. وللأسف نجد معظم الفقهاء والوعاظ ينحازون للتفسير الخاطئ لهذه السورة بأن "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون" مقصود بها الذين يسمعون الأذان ولا يأتون للمسجد لأداء الصلاة في وقتها!. فهم بهذا التفسير يودون رضا الحكام وولاة نعمتهم، بصم أفواه الفقراء الكادحين لتخديرهم حتى يذهبوا للمسجد سريعا للتضرع بجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، وربط الأحزمة والصبر على البلاء والغلاء، ومن ثم الدعاء أن يوفق راعي الأمة وقائد البلاد لما فيه الصلاح وخير العباد. كيفية الحض على طعام المسكين.. الحض على طعام المسكين غير إطعام المسكين. فأنت يمكنك أن تطعم عشرات المساكين يوميا ولكن هل هذا سيحل مشكلتهم الأساسة. لذلك فإن الحض (الحث والتحريض) على طعام المسكين يكون بالسعي لإصلاح الوضع الإجتماعي لهم. وبنفس نظرية: علمني كيف أصطاد خير من أن تهديني سمكة، فيجب أن يجد المسكين العطاء المناسب لكي لا يحتاج لأحد. وعليه أن يعي أولا أين مصدر الظلم الذي يقع عليه. فمن المعلوم إن الوضع الإجتماعي للمساكين لن يتغير إلا بإصلاح الوضع الإقتصادي ومن وراءه السياسي. لذلك فإن الإسهام في نشر الوعي سبيل من سبل الحض على طعام المسكين. فغالبا ما يأتي الظلم لهؤلاء من النظام السياسي الفاشل الذي يضغط على الفقراء بالأسعار ويغلي الأسعار ويفرض عليهم الضرائب العالية والجبايات المختلفة ليحسن من إقتصاده على حسابهم. ففي نفس الوقت يكون قد زاد الضغط على الفقراء والمساكين ولا يأبه إن أكلوا أم لم يأكلوا أو لو حتى ماتوا من الجوع. فالحض على طعام المسكين يكون بمناهضة الطبقية والظلم والبغي الذي يقع على أولئك المساكين المستضعفين من الحكام. ويجب أن يكون بالوقوف بصلابة ضد حكومة الظالم والطاغية والمستبد الذي أوصلهم لهذا الحد فجعل يتحكم في أقواتهم وأرزاقهم مما منعهم الطعام. فهذا النظام يستحق أن يسقط سيما إن كان غاصبا نفسه أصلا على الناس. ولو تلاحظ فإن أغلب الآيات بالحض جاءت معها "لا" النافية -لا يحض، ولا تحاضون- لتدل على قلة من يفعل الحض على طعام المسكين. فنجد الكثير يلجأ لإطعام المسكين ولكنهم لا يقدرون على الحض على طعام المسكين لما فيه من جهاد لا يقدر عليه إلا أولو العزم من المتقين. فالحض على طعام المسكين في الحقيقة نوع من الجهاد لأنه يتطلب قول الحق في وجه الظالم الطاغية بالحث بالثورة ضده والتحريض لإسقاطه لتحقيق العدالة الإجتماعية. ويتطلب الوقوف ضد الفساد والحرامية الذين نهبوا ثروة البلاد وكنزوا مال الدولة في جيوبهم فأفقروا الشعب فأصبح مريضا وجائعا مسكينا. فبالحض على طعام المسكين ستنال شرف معية رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام الذي قال: (اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحُب المساكين..)، وفي رواية أن يحشر في زمرتهم. وربما يؤدي ذلك إلى الموت. ولكنها حقيقة شهادة في سبيل الله إذا كان الذي يحض على طعام المسكين يؤمن بالله العظيم. [email protected]