في البدء أهنئ كل من ضغط او ساهم في الضغط علي الحكومة السودانية الذي اسفر عن اطلاق سراح المدانة اعلاه , كما أهنئ المدانة المفرج عنها مرتين اولا: بمناسبة صمودها وموقفها الرافض لمهزلة الاستتابة , وثانيا بمناسبة اطلاق سراحها. كنتيجة للضغوط المحلية والاقليمية والدولية , وليس نتيجة لاستقلال القضاء كما زعم البيان الصادر مؤخرا من وزارة الخارجية السودانية , فالثابت من خلال تصريحات سابقة منسوبة للوزير المختص , عند بداية الازمة الناجمة عن ادانة المتهمة بالردة وتوقيع عقوبة الاعدام عليها ( ان القضاء قد يعالج هذه الازمة ) وبالتالي لا يختلف اثنان في ان الجهاز التنفيذي وراء استصدار قرار اطلاق سراح المدانة بواسطة محكمة الاستئناف , و يا ليت لم يصدر مثل هذا البيان من وزارة الخارجية المذكورة حول قرار محكمة الاستئناف , لان الشخص العادي درج على ان يفسر اي بيان او تصريح صادر من اية جهة رسمية علي النقيض , وهنا اقصد الجزئية المتعلقة باستقلال القضاء وعدم تدخل الجهاز التنفيذي في الاحكام التي تصدره ,و بهذه المناسبة و مع الاعتذار في الزمن السابق في بعض المجتمعات السودانية الشخص السكران او الثمل عندما يسير في الطريق مترنحا يمينا و شمالا و تفوح منه رائحة الخمر اذا قابل اي شخص يعرفه اول كلمة ينطقها و بدون مقدمات( انا ما سكران ) وقياسا علي ذلك لم يبق لوزارة الخارجية الا ان تقول ( انا لم اتدخل في قرار الاستئناف ) فالسؤال الذي يطرح نفسه , لماذا لا تنقي الحكومة كل القوانين من المواد التي تتعارض مع الدستور والتزامات السودان الدولية ؟ حتي لا تقحم اجهزتها العدلية في مثل هذه المطبات و الزنقات , لكنني علي قناعة تامة ان الحكومة لم تفعل ذلك تلقائيا لا نها تعتقد جازمة ودون ادني شك ان هذه الترسانة من القوانين هي السبب الرئيس في بقائها طيلة هذه المدة كالقوانين المقيدة الحريات وعلي راسها قانون الامن الوطني, لكن الامل الوحيد يبقي في الجهات التي ساهمت بفعالية في الضغط المذكور انفا والذي اسفر عن اطلاق سراح المدانة مريم , وهنا اقصد بالتحديد المنظمات الحقوقية السودانية و الافراد من محاميين وقضاة سابقين ومستشارين , لان في تقديري لو لا تعرية هؤلاء الأجلاء الافاضل لمادة الردة التي اقحمت في القانون الجنائي للعام 1991 بخبراتهم المتراكمة لما وجد المجتمع الدولي اساس للتدخل و من ثم الضغط علي الحكومة السودانية في محاكمة المذكورة اعلاه , لكن ما يؤرقني الان نحن كسودانيين دائما ما نوصف باننا موسميين لدرجة ان علاقة احزبنا بجماهيرها فقط في فترة الانتخابات , ودعم و مؤازرة جماهير الرياضة لأنديتها تنتهي بانتهاء المباراة , لذا اخشي ان ينتهي الحراك و النشاط الذي تم ابان هذه الازمة والذي اثري الساحات القانونية و المنتديات الفقهية دون ان تتحول الي حملة شاملة و ضاغطة في اتجاه تنقية كافة القوانين التي تتعارض مع الدستور الانتقالي للعام 2005 م والمواثيق الدولية , فالقانون الجنائي لسنة 1991 الذي يحتوي المادة 126 سيئة الذكر تعج بعقوبات كثيرة مهينة للإنسانية و لا تواكب الالفية الثالثة , وينتهك حقوق الطفل , هذا ناهيك عن قانون العمل الذي ينتهك كرامة المرأة , وقانون الاحوال الشخصية1991 الذي يحرض علي اغتصاب الاطفال(انظر المادة40 الفقرتين2و3) , هذا وقد سرني تصريح النطاق باسم الخارجية الأمريكية والذي فيما معناه ينبغي ان يفعل السودان الكثير من اجل ان يتواءم قوانينه مع الدستور و المواثيق الدولية , لكن هذا التصريح وحده لا يكفي لان لا توجد ارادة سياسية لحكومة الامر الواقع , فالمسئولية تقع علي عاتق النشطاء ومنظمات المجتمع المدني بشكل عام , نخلص مما تقدم ان اطلاق سراح المدانة بالردة مريم يحي بداية المعركة وليست نهايتها. ابو طالب امام المحامي والمدافع عن حقوق الانسان جنيفا سويسرا [email protected]