ما يزال قرار محكمة سودانية بإدانة الطبيبة أبرار محمد عبد الله يثير جدلاً قانونيا وفقهيا وانقساما في الشارع. وكانت أبرار اختارت اسم مريم بعد اعتناقها المسيحية وزواجها من شاب مسيحي مقعد يدعى دانيال منحدر من جنوب السودان ويحمل الجنسية الأميركية، وقد أنجبت منه طفلاً في الثالثة من عمره وطفلة لم تتجاوز الأسبوعين. وفي ظل الضغوط الدولية على الخرطوم، نُسب لوكيل وزارة الخارجية السودانية عبد الله الأزرق القول إن الأيام المقبلة ستشهد إطلاق سراح مريم بالتنسيق بين القضاء ووزارة العدل. إلا أن وزارة الخارجية قالت إن الأزرق لم يدل بتصريحات مفادها أنه سيتم إطلاق سراح المدانة خلال الأيام القليلة المقبلة، مشيرة -في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه- إلى أن هيئة الدفاع عن المدانة استأنفت حكم المحكمة الابتدائية. وقد رهن البيان إطلاق المدانة بفصل محكمة الاسئناف في القرار الابتدائي لصالحها. وقالت الوزارة إن الوكيل أوضح أن الموضوع برمته أمام المحكمة وأن الحكومة ملتزمة باستقلال القضاء ولا تتدخل في عمله. النشأة والديانة ووفق أسرتها، نشأت أبرار في قرية شديرة بولاية القضارف شرقي السودان من أبوين مسلمين قبل أن تغادر مسقط رأسها إلى العاصمة الخرطوم لدراسة المختبرات الطبية في جامعة السودان. لكن أبرار كذّبت هذه الرواية أمام المحكمة، وقالت إنها تنحدر من إقليم دارفور غربي السودان، وإن والدها سوداني وأمها إثيوبية مسيحية. وكانت المحكمة التي اطلعت على بلاغ أسرة أبرار قضت بإعدامها حدا للردة مع معاقبتها بمائة جدلة حدا للزنا، وفق منطوق مادتين من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991. كما أبطلت المحكمة زواج المدانة، معتبرة ذلك نكاحا باطلا وينطبق عليه وصف الزنا لأن المادة 146 من القانون الجنائي تنص على أن كل امرأة تُمكن رجلا منها وهي في غير ذمته تعتبر زانية. وتوضح حيثيات الحكم أن كل من يخرج عن الإسلام بقول صريح أو فعل قاطع الدلالة يعتبر مرتداً وتجب استتابته لمهلة تقدرها المحكمة. عضو هيئة الدفاع عن المدانة محمد عبد النبي أكد أنهم قدموا شهادات تثبت أن المدانة نشأت في أسرة مسيحية، وتربت مع والدتها. وأشار إلى أن الحكم جاء بجملة أخطاء، لافتا إلى أن الهيئة ستستأنف القرار "لأن مريم مسيحية ولم تغير دينها أو ترتد". وكان رئيس البرلمان السوداني الفاتح عز الدين اتهم جهات لم يسمها "بتحريك ملف قضية المدانة مريم بهدف السماح للتدخل الدولي في الشأن السوداني". تنصير الشباب ويؤيد المركز الإسلامي للدعوة والدراسات المقارنة حكم الإعدام الصادر بحق الطبيبة. ويرى أن أعداء الحكومة بالداخل وبعض الشيوعيين "يؤكدون مسيحية أبرار بغرض إذلال الإسلام". وفي مؤتمر صحفي مشترك مع أسرة المدانة، كشف المركز عن إحصائية تؤكد ارتداد 105 من الشباب السوداني عن الإسلام، مشيرا إلى أن جهات لم يسمها تعمل على التنصير في البلاد. ويقول الخبير القانوني نبيل أديب إن قضية المرأة خضعت للمادة 126 من القانون الجنائي لسنة 1991 والتي تقرر أن أي مسلم يخرج عن الملة يستتاب لمدة محددة قبل أن ينفذ عليه حكم الإعدام. لكنه يرى أن المرأة ليست مذنبة لأن المادة 38 من دستور السودان لسنة 2005 تنص على أن لكل إنسان الحق في حرية العقيدة الدينية والعبادة، وأنه "لا يكره أحد على اعتناق دين لا يؤمن به أو ممارسة طقوس أو شعائر لا يقبل بها طواعية". أما الخبير القانوني شيخ الدين شدو، فيرى أن القضية حصل فيها إرباك بسبب قرار المحكمة الابتدائية وتصريحات وكيل وزارة الخارجية، مشيرا إلى تعدد وجهات النظر حول الموضوع. واعتبر أنه لا يحق لأية جهة سياسية أو تنفيذية التدخل في قرارات القضاء، قائلا إن المسألة شائكة وينبغي التروي فيها. المصدر : الجزيرة