عقب وفاة الشاعر الكبير محجوب شريف جاءت برقية تعزية غير عادية لقيادة الحزب الشيوعي السوداني..لم يكن من اليسير تلاوتها على الحاضرين لمراسم التأبين..البًرقية المثيرة لم تكن سوى رسالة تعزية رقيقة وأنيقة من الحزب الشيوعي الاسرائيلي ..الحزب المقيم في تل ابيب ذرف الدمع الثخين على الراحل محجوب شريف.. بل استعان الحزب الاسرائلي في مرثيته بقصيدة محجوب شريف الشهيرة (قلبي مساكن شعبية) والتي ازدادت صيتا على صيت بعد ان تغنى بكلماتها الفنان المصري محمد منير. قبل ايام تحدث الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي معلقا على تصريحات الرئيس المصري المشير السيسي التي قال فيها السودان جزءا من مصر..الاستاذ يوسف حسين أوضح ان تصريحات الجنرال السيسي جاءت في اطار التعاطف الأخوي والمشاعر المتبادلة بين شعبي وادي النيل ..ثم أستدرك الرجل وربما خشي غضب السودانيين وقال ربما تحمل التصريحات رسالة سياسية..تعاطف الحزب الشيوعي السوداني مع الجنرال السيسي تجاوز مسالة التصًريحات الى مباركة الانقلاب العسكري الذي دبره الفريق اول وقتها عبد الفتاح *السيسي بمهارة في يوليو 2013. بيد ان الامر ليس في تعاطف الحزب الشيوعي السوداني بمصر وأحزابهم..شيوعيو السودان تجاوزوا *الثوابت السودانية وأقاموا روابط وصلات مع اسرائيل .. الحزب الشيوعي السوداني ولد وترعرع بين أكتاف هنري كوريل وهو سليل اسرة يهودية ثرية كانت تسكن في حي الزمالك البرجوازي..كوريل شمل برعايته على رواد الحركة الشيوعية الذين درسوا في مصر من لدن الاستاذ الراحل عبد الخالق محجوب واحمد سليمان المحامي وليس انتهاءا بمولانا فاروق ابوعيسى ولم يخرج موقف شيوعي السودان من الاتحاد السوفيتي الذي اعلن اعترافه بإسرائيل بعد ثلاثة ايام من اعلان قيامها ولم تسبقه في ذلك سوى الولاياتالمتحدة ويفاصل زمني قدره خمسة دقائق فقط. نعود لنهري كوريل صاحب الأيادي البيضاء على الحزب الشيوعي السوداني منذ ان كان تحت مسمي الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) ..هنري لم تكن السفارة السوفيتية في القاهرة تثق فيه بل كانت تنظر له بكثير من الارتياب..اما شيوعيو مصر فقد شق بعضهم عصا الطاعة عليه وأبرزهم الزميل شهدي عطية الشافعي والذي مات لاحقا في ظروف غامضة بعيد اعتقاله بواسطة البوليس المصري. عاد هنري كوريل الى فرنسا بعد ان تم نفيه عام 1950من مصر.. هنالك وللحقيقة تعرض الرجل للتضييق والاعتقال وأسس عدد من الحركات المناهضة للاستعمار..الا انه بين هذا وذاك نشط في التطبيع بين اليهود والعرب وجمع قيادات من الجانبين فيما يسمى بلقاءات باريس..في ابريل من العام 1978 وجد الزميل هنري كوريل مضرجا في دمائه على سلم شقته الباريسية وقيد البلاغ ضد مجهول وسط تحليلات ان الرجل قضي نحبه تحت بند التصفيات الجسدية بين الرفاق فيما حسب بعض المراقبين ان يمينيين متطرفين انهو بطريقة صاخبة حياة المناضل الكهل. في تقديري الحزب الشيوعي السوداني وكغيره من الاحزاب العقائدية العابرة الولاءات لا يأبه كثيرا لمزاج الراي العام حينما يتبنى مواقف سياسية رهينة لالتزاماته الأممية ..بل ان كثيرا من الخطوات السياسية الخاطئة لهذا الحزب العريق جاءت بتبنيه لمواقف سياسية لم تجد قبولا عند السودانيين..من بينها استنجاد الشيوعيين بقوات عراقية لتوطيد دعائم حكمهم الذي دام ثلاثة ايام عقب انقلاب يوليو 1972..بل ان هتافاتهم التي شقت الفضاء ظهيرة الانقلاب وما تلاه من ايام صرفت قلوب السودانيين عنهم بل *واستفزتهم ومن تلك الهتافات (الخرطوم ليست مكة) و ( يا نميري يا جبان جنود لينين في الميدان). بصراحة الحزب الشيوعي السوداني يحتاج لمفكر وقائد يكون في مقدوره سودنة أفكار الشيوعيين وصناعة حزب بمواصفات سودانية يستطيع ان يجمع شمل الاشتراكيين واللبراليين كما في الاحزاب اليسارية الغربية. (التيار) [email protected]