في خمسينيات القرن الماضي وبالتحديد في مؤتمر باندوغ في أندونيسيا ألمح رئيس الوزراء الصيني للرئيس عبدالناصر إمكانية تسليح مصر من الاتحاد السوفيتي. وكان الرئيس عبدالناصر وقتها قد طلب من الولاياتالمتحدة تسليح الجيش المصري ولكن حكومة ايزنهاور رفضت الطلب..! تفاعل الرئيس عبدالناصر مع الأمر وتم إجراء الصفقة وقد كانت تشيكوسلوفاكيا من زود الجيش المصري بالسلاح، قامت الدنيا ولم تقعد في تلك الايام رغم ان الصفقة كانت بقيمة اثني عشر مليون دولار..! ومثلت الصفقة أول تعاون بين الاتحاد السوفيتي ومصر وقد فتحت آفاقاً جديدة للاتحاد السوفيتي وسرعان ما اتسعت العلاقة حتى شملت العراقوسوريا ومن ثم الجزائر بعد حرب التحرير...! وحتى لا يتسع نطاق نفوذ الاتحاد السوفيتي في منطقة الشرق الاوسط وفي ذات الخمسينيات من القرن الماضي ظهرت علي السطح سياسة الاحتواء، والتي نجح الغرب وتحديداً أمريكا في نسج سياج حول الاتحاد السوفيتي أسموه الستار الحديدي، وفي ذات الخمسينيات قامت أحداث المجر وبعد ذلك ببضع سنين نشبت أحداث تشيكوسلفاكيا، كل هذا لإيهام الاتحاد السوفيتي أن الخطر قادم إليه من أوروبا وليس من جهة أخرى، اعتماداً على أن كل الحروب التي خاضتها روسيا القيصرية والسوفيتية كانت أوروبية بدءاً بحروب نابليون والحرب الفنلندية مروراً بالحرب العالمية الأولى والثانية..! لذلك كان اهتمام الاتحاد السوفيتي بما يأتيه من أوروبا، فكان جل اهتمامه بأوروبا وبهذا نجحت سياسة الاحتواء التي شغلت الاتحاد السوفيتي عن دوره العالمي إلا فيما يتصل بكوبا ومصر والعراقوسورياوالجزائر وبعض دول العالم هنا وهناك..! أقوى أربعة جيوش في المنطقة العربية كانت جيوش مصر والعراقوسورياوالجزائر، وقوة هذه الجيوش ارتبطت بالعقيدة العسكرية السوفيتية وبمعنى أدق بالعقيدة العسكرية الروسية..! واليوم وبعد ثورات الربيع العربي والتي أضعفت هذه الجيوش نجد أن سياسة الاحتواء بدأت تظهر من جديد، ويدير حلف الناتو المؤامرات على روسيا عن طريق الجمهوريات السوفيتية السابقة ودول حلف وارسو كبولندا وتشيكيا، فاندلعت أزمة القوقاز وقد أشعلت فتيلها جورجيا، وانتقلت الى اوكرانيا الجار المباشر لروسيا والتي يتحدث اكثر من أربعين في المائة من سكانها اللغة الروسية، وهي أزمة مفتعلة استخدمت فيها العرقيات والعصبيات ولم يتورع أعداء روسيا في اوكرانيا من رفع شعار النازية والتطهير العرقي الذي جاهر النازيون بإبادة ثمانية ملايين مواطن روسي يعيشون في اوكرانيا ويحملون جنسيتها...! وهذا الاحتواء لحصر روسيا في نطاق حدودها حتى لا يتأثر بها العالم الخارجي ولو في إطار محدود كما كان حال الاتحاد السوفيتي. ولكن روسيا ما زالت تمارس دبلوماسية الحوار وبنفس طويل، في حين ان الولاياتالمتحدة لا دبلوماسية لها الا دبلوماسية الكروز والقنابل الذكية، وتمارس مع روسيا سياسة الثعلب الذي لم يستطع ان يدخل القفص المحصن للدفاع فصعد أعلى القفص واخذ كلما نام الجداد تبول عليه الامر الذي يحدث هرجاً ومرجاً داخل القفص عملاً بنظرية الثعلب الذي تقول «سهر الجداد ولا نومه»..!!! وسياسة الاحتواء امتدت لمنع روسيا من التعاون العسكري مع البلدان العربية فالكل يعلم ان الجيوش الاربعة الاقوى في العالم العربي وهي الجيش المصري والعراقي والسوري والجزائري.. تم تدجين الجيش المصري بعد معاهدة كامب ديفيد وتنفق الولاياتالمتحدة مليارات الدولارات سنوياً عليه..!! الجيش العراقي الذي تم حله في اليوم الأول لاحتلال العراق واليوم العراق بلا جيش يذكر، أما الجيش الجزائري فقد اضعفته الحرب الاهلية، اما الجيش السوري فاليوم تجري عملية إضعافه للحد الأدنى، فهو آخر جيش يمكن ان يواجه العدو الاسرائيلي. كل هذه الجيوش تعتمد العقيدة القتالية السوفيتية وهي ذات العقيدة القتالية الروسية وقد كان هذا الاحتواء ظاهراً حيث عقد رئيس الوزراء العراقي صفقة عسكرية ضخمة مع روسيا ولم تدم طويلاً فما ان حطت طائرة الرئيس العراقي في بغداد حتى تم إلغاء الصفقة..!! ويبقي السؤال كيف ستقاتل هذه الجيوش بلا عقيدة قتالية..؟! وما حدث في الربيع العربي الامريكي يجيب على هذا السؤال، كيف ستحافظ هذه الدول على وحدتها واستقلالها..؟! كيف ستواجه مؤامرات التقسيم التي تحاك للمنطقة بلا تسليح يذكر ولا عقيدة قتالية يمكن انتهاجها..؟! وغياب العقيدة القتالية هو البوابة التي يدخل منها تقسيم المنطقة فالعراق اليوم تم تقسيمه بالفعل الى ثلاث دويلات ويجري تقسيم سوريا على هذا المنوال اما مصر فبشرها بدولة الاقباط ودولة الجنوب ودولة ثالثة.. ورابعة.. ماذا تنتظر ليبيا أليست عدة دويلات قبلية تتناحر مع بعضها البعض..!! وما نموذج السودان الذي انقسم الى دولتين وينتظر ثالثة في دارفور ورابعة في الشرق..؟ الحرب على الإرهاب هي الاداة التي تستخدمها الولاياتالمتحدة كغطاء لتقسم الدول الاسلامية والعربية، ولنا ان نتذكر من الذي احتوى بن لادن حين احتل الاتحاد السوفيتي افغانستان اليس الذي احتواه هو ذات امريكا..؟ سقط الاتحاد السوفيتي وكان لا بد لامريكا ان تبحث عن عدو، فالجينات الامريكية جينات عدوانية، فامريكا ما كانت لتكون الا بعد إبادة عشرين مليوناً هم سكان الارض الجديدة، وعملية الابادة هذه شكلت في النفسية الامريكية عقدة ذنب هي ان هناك عدواً يتربص بأمريكا عدو لا تستطيع ادراك ملامحه فتاره هو الاتحاد السوفيتي واخرى هو الارهاب، وترسم السياسة الامريكية الخارجية على وجود عدو متوهم كذلك نجد ان الشعب الامريكي تحت عقدة الذنب ووجود عدو وهمي يبارك تدمير افغانستانوالعراق وقرينادا وباناما وغيرها من الدول الضعيفة لانها خطر على الامن القومي الامريكي، وتلعب الآلة الاعلامية الضخمة الدور الاساسي للتأثير على الشعب الامريكي الذي ورث عقدة ذنب إبادة عشرين مليوناً كانوا يعيشون في أمن وأمان فيما بينهم..!! على روسيا ألا تنظر الى الارهاب من خلال النظارة الامريكية، فالدبلوماسية الروسية اكبر من هذا، وهي رغم ما تفرضه امريكا عليها من الاحتواء الا ان الدبلوماسية الروسية تبقى دائماً مفتاح الحل في الأزمات العالمية، ولا ننسى أنها اخرجت ذات امريكا من أحرج المواقف كما أنقذت الشرق الاوسط من حرب كان الخاسر الاكبر فيها هو الشرق الاوسط وبذات القدر أمريكا وأعني بذلك أزمة الكيماوي السوري..! يدرك العالم ان امريكا لا تدخل بلداً الا بالقصف من بعيد وبطائرات B52 التي تحمل اثني عشر صاروخاً نووياً، والسلاح المضاد الذي يمكن ان تقاوم به روسيا هو سلاح الاقتصاد، والتعاون الاقتصادي ذو المنفعة المتبادلة بينها وبين الدول، وهي مؤهلة لهذا الدور، وعدوان أمريكا على الدول الضعيفة وتقسيمها سببه ضعف اقتصادها، والعالم يحتاج لاقتصاد جديد يؤمن له العيش الكريم، وحتى لا تقوم روسيا بهذا الدور يتم تطبيق سياسة الاحتواء عليها وهذه المرة بأقرب المقربين إليها، تارة في القوقاز واخرى في اوكرانيا، والاداة الاقتصادية الجديدة واعني بها الاتحاد الاوراسي والتعاون الجاد بين روسيا والصين وايران يشد انظار العالم الى موسكو التي تمثل رأس الرمح في السلام والامن العالميين لاحلال الاقتصاد مكان الكروز والقنابل الذكية. [email protected]