يوكوهاما يقلب خسارته أمام العين إلى فوز في ذهاب نهائي "آسيا"    برباعية نظيفة.. مانشستر سيتي يستعيد صدارة الدوري الإنكليزي مؤقتًا    ريال مدريد ينهي خلافه مع مبابي    هل يمكن الوثوق بالذكاء الاصطناعي؟.. بحث يكشف قدرات مقلقة في الخداع    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    سألت كل الكان معاك…قالو من ديك ما ظهر!!!    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أنشيلوتي: فينيسيوس قريب من الكرة الذهبية    حمّور زيادة يكتب: ما يتبقّى للسودانيين بعد الحرب    هجوم مليشيا التمرد الجمعة علي مدينة الفاشر يحمل الرقم 50 .. نعم 50 هجوماً فاشلاً منذ بداية تمردهم في دارفور    عاصفة شمسية "شديدة" تضرب الأرض    مخرجو السينما المصرية    تدني مستوى الحوار العام    «زيارة غالية وخطوة عزيزة».. انتصار السيسي تستقبل حرم سلطان عُمان وترحب بها على أرض مصر – صور    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: امنحوا الحرب فرصة في السودان    هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    كلام مريم ما مفاجئ لناس متابعين الحاصل داخل حزب الأمة وفي قحت وتقدم وغيرهم    الأمن، وقانون جهاز المخابرات العامة    مرة اخري لأبناء البطانة بالمليشيا: أرفعوا ايديكم    الكابتن الهادي آدم في تصريحات مثيرة...هذه أبرز الصعوبات التي ستواجه الأحمر في تمهيدي الأبطال    شاهد بالصورة.. حسناء الفن السوداني "مونيكا" تشعل مواقع التواصل الاجتماعي بأزياء قصيرة ومثيرة من إحدى شوارع القاهرة والجمهور يطلق عليها لقب (كيم كارداشيان) السودان    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهدي سكت عن الانقلاب لينقذه من موقف كان سيفقده منصب الرئيس لغريمه الاتحادي- حلقة 3-4
نشر في الراكوبة يوم 09 - 07 - 2014

اغتيال قرنق وانتحار التجمع المعارض سلم السودان لدعاة الانفصال الثلاثة
الحركة الإسلامية أصبحت قوة ثالثة في البرلمان بسبب تواطؤ حكومة الجذولي ومواقف الميرغني
أمريكا كلما كشفت عن نواياها التآمرية على الوطن سارع بالخضوع إليها كل من الإنقاذ والتجمع
أستاذ سوداني أكد انه شهد في واشنطون خارطة لإفريقيا أعدتها السيى اى ايه ليس فيها السودان
رحيل الشهيدين الشريف حسين وعبدالخالق مكن الترابى ان ينفرد بدور البطل الذى يفعل بالسودان ما يريد
تناولت في الحلقات الثانية من هذه السلسلة الرباعية كيف إن القوى السياسية الشمالية والجنوبية كانت أداة لإنجاح التآمر الغربي بقيادة أمريكا لتفتيت وحدة السودان بسبب غياب الإستراتيجية المناهضة لهذا التآمر لان القوى السياسية السودانية بلا استثناء لم تحرص على تحقيق هوية سودانية تقوم عليها مواطنة تنبذ الفوارق العنصرية والجهوية والقبلية والدينية حتى يتوحد السودان في وطن يسع الجميع فئ مساواة تامة يتمتع فيها المواطن بخيرات بلد وهبه الله سبحانه تعالى من الثروات ما لا تتمتع به الدول التي يعيش مواطنوها فئ سلام ورفاهية بينما يعيش مواطن السودان تحت ظل الحروب التي فتكت بدماء الملايين من مواطنيه منذ مطلع الخمسينات حتى بلغت تحت حكم الإنقاذ انفصال الجنوب وتهديد العديد من مناطقه بالتقسيم والتفتيت بجانب الفقر والمرض والتشريد الذي عم الوطن .
ولعل أهم ما خلصت إليه إن فترة الإنقاذ الحالية شهدت اكبر أخطاء القوى السياسية التي وضعت الوطن في طريق النهاية بعد أن اسلموا البلد للمتآمرين عليه بالرغم من أن زعيمة التآمر الولايات المتحدة كشفت عن نواياها العدوانية على السودان علانية يوم صدر عن أهم مؤسسة سياسية (لجنة الشئون الإفريقية بالكونجرس الأمريكي) قرارا صريحا بالعمل على تحرير السودان من الاستعمار العربي والذي صدر في فبراير 1992 وكان هذا القرار وحده كفيل بان يحث ويوحد القوى السياسية السودانية للاتفاق على إستراتيجية واضحة لإفشال هذا التآمر بتوحيد الأمة السودانية وفق هوية مواطنة متساوية الحقوق تتوافق فيها الفوارق العنصرية والجهوية والقبلية والدينية التي يتخذ منها المتآمرون على السودان مبررا لإنجاح مخططهم ولكن هذه القوى انصرفت للصراع من اجل السلطة ولفرض الرؤى السياسية الضيقة حتى لو كان المقابل تقسيم السودان كما فعلت وتصر أن تفعل الحركة الإسلامية يوم انقلبت على الديمقراطية لفرض الحكم الإسلامي بالقوة في أكثر الأوقات التي أطلت فيها بوادر التوافق لتوحيد الوطن بالاتفاق على نبذ التفرقة الدينية. والتي أصبحت بعد فرضه بالقوة سببا مباشرا لانفصال الجنوب بل ولتهديد العديد من مناطقه بنفس المصير الذي يعبر عنه اليوم انتشار الحروب الأهلية في أكثر من منطقة بالسودان بعكس ما توقعت الإنقاذ.
وحتى لا نحمل الحركة الإسلامية وحدها المسئولية بالرغم من أنها المسؤول الأكبر إلا إن الواقع يؤكد إن ذات الفترة شهدت العديد من الأخطاء والممارسات للقوى السياسية الأخرى بلا استثناء والتي ساهمت وعبدت الطريق لما لحق بالسودان من دمار ما كان له أن يشهده لو إن هذه الأحزاب انحازت للوطن وليس لرغبتها في السلطة .
موضوع هذه الحلقة حسب ما وعدت رصد هذه الأخطاء التي لعبت دورا مباشرا في إنجاح المخطط الأمريكي وأسلمته مستقبل السودان يفعل به ما يريد ولكن وقبل رصد هذه الأخطاء لابد من الوقوف في بعض المحطات التاريخية التي لعبت دورا مباشرا فيما لحق بالسودان من دمار .
ولعل أهم هذه المحطات أن نتوقف بعمق مع الدور الكبير الذي لعبه زعيم الحركة الإسلامية الدكتور حسن الترابي الذي لعب دور البطولة بنجاح منذ أن بدا الإعداد والتمهيد لسيطرة الحركة الإسلامية على السلطة بالقوة.
والحق يقال انه ما كان لينجح فئ هذا لولا إن الظروف مكنته من أن يحكم قبضته على البلد باستشهاد رحمة الله عليهما عبدالخالق محجوب والشريف حسين الهندي حيث خلت له الساحة دون أي مقاومة لما يمتلكه من ذكاء ورؤية سياسية بينما بقي من يدعون الزعامة مهووسين بالسلطة كهدف لذاتها بينما كان ولا يزال هو صاحب رؤية سياسية يريد لها أن تسود وان كان المؤسف إنها ليست من مصلحة الوطن لان نظرته وطموحاته الأممية تخرج عن حدود الوطن .
يرجع ذكاء الترابي وحنكته منذ فترة الديمقراطية الثالثة التي خلى له فيها الجو بعد انتفاضة ابريل التي كتبت نهاية انقلاب مايو وحكم النميرى.
فلقد نجح الترابي في أن يقفز بالحركة الإسلامية لتصبح ثالث قوى سياسية وهو ما لم يكن يعبر عن حقيقة مركزها كقوى شعبية ولكنه نجح منذ البداية في أن يفرض ملامحه السياسية على حكومة الفترة الانتقالية التي وقف على رأسها من العسكريين المشير سوار الذهب الذي حل رئيسا مكان النميرى وهو من المتعاطفين دينيا مع الحركة الإسلامية كما نجح في أن يأتي بأحد رجالات الحركة الإسلامية الدكتور الجذولى دفع الله رئيسا للوزارة بل وجاء بجانبهم آخرين من الموالين للحركة في أهم مناصب الحكم الانتقالي مما مكنه من أن يحكم قبضته على الحكم في هذه الفترة الهامة التي دانت له بذكاء ليرسم سياسات الفترة.
فلقد حال دون أن يصدر قرار من الحكومة الانتقالية بإلغاء قوانين النميرى المسماة بالإسلامية بعد أن أرهب زعماء الطائفتين دينيا وبصفة خاص السيد محمد عثمان الميرغني الذي جعل منها البرنامج الانتخابي للحزب الاتحادي الديمقراطي وليضعف بموقفه هذا اقوي الأحزاب السياسية والأكثر شعبية ويا لها من مفارقة حيث إن الميرغني نفسه عاد في وقت لاحق ووقع اتفاقا مع الحركة الشعبية تضمنت شروطه إلغاء هذه القوانين في أول وأخر خطوة ايجابية تحسب له في تاريخه السياسي.
ثانيا نجح الترابي في أن يقضى على ما تبقى من نفوذ الحزب الشيوعي الذي كان يمثل الكتلة الثالثة جماهيريا لأن الترابي بما له من قوة محركة للحكومة الانتقالية ولقدرته الفائقة في الحسابات الانتخابية ولأنه يعلم إن اليسار بقيادة الحزب الشيوعي يحتكر دوائر الخريجين وتحقق له وجودا مؤثرا في البرلمان فنجح في أن يجهض هيمنة اليسار على هذه الدوائر بالرغم من أغلبيته الكاسحة عندما حققت له الحكومة الانتقالية رغبته بان تحول دوائر الخريجين لدوائر جغرافية يتنافس فيها حسب المناطق وليست قومية كما كان الحال مما مكنه آن يحقق لأول مرة في التاريخ الأغلبية العظمى من دوائر الخريجين وبأصوات متواضعة لا تذكر مقارنة بجملة أصوات الحزب الشيوعي التي تمركزت في العاصمة ولم تحقق له الفوز بدوائر الخريجين بينما حققت الحركة الإسلامية أغلبية دوائر الخريجين ببضع مئات من أصوات الدوائر في الأقاليم لتصبح الحركة الإسلامية مهيمنة على دوائر الخريجين وليخرج اليسار تماما من الوجود كقوة مؤثرة في البرلمان مع إنها ما كانت لتحقق مقعدا واحدا.
ثالثاً استفاد الدكتور من الخطأ التاريخي الذي ارتكبه زعيم طائفة الختمية الميرغني الذي فرض نفسه مهيمنا على مرشحي الحزب الاتحادي فقدم باسمه مرشحين منتسبين في حقيقتهم لحزب الترابي أو متعاطفين معه كما انه اضعف موقف الكثيرين من مرشحي الحزب في دوائر مقفولة للحزب لأنه إصر على تعدد المرشحين لإضعاف موقف من تريدهم قواعد الحزب ويعتبرهم هو مناهضين لنفوذه مما حقق للحركة الإسلامية فوزوا لعدد معتبر من النواب في الدوائر الجغرافية دون وجه حق لان الحزب الاتحادي كان هو صاحب النسبة الأعلى من الأصوات في هذه الدوائر دون أن يفوز بالدائرة وبهذا تحقق للترابي دخول مجموعة معتبرة من النواب مكنته من أن يكون صاحب الكتلة البرلمانية الثالثة والمؤثرة في البرلمان لأول مرة في تاريخ البرلمان بالرغم من انه لا يتمتع بالقاعدة التي تبرر هذا الانجاز الذي مكنه من أن يلعب دور القوى الضاغطة في البرلمان حيث عرف كيف يستغل الصراع بين الحزبين العدوين لان كلا الحزبين الكبيرين بحاجة لتحالف معه لتحقيق الأغلبية البرلمانية التي لم يتمكن أي منهما في تحقيقها ولهذا نحج في أن يتسابق الحزبان على كسب تأييده وبصفة خاصة حزب الأمة الأقرب إليه لضمان رئاسة السيد الصادق لرئاسة الحكومة.
رابعا وهذا هو الأهم فان الترابي منذ أن تمت المصالحة مع النميرى وفى الوقت الذي كان المهدي والمراغنة يبحثون عن السلطة والمراكز العليا كان هو يستغل وجوده في السلطة لبناء خلايا الحركة الإسلامية في الجيش السوداني لإدراكه انه من أهم عوامل الحسم للمعارك الحزبية (يوم الحاجة) ولأنها كلها لا تحترم الديمقراطية كما انه أكمل إعداد القوات المسلحة (لليوم الموعود) لما تمتع به من النفوذ الكبير في فترة حكومة الانتفاضة التي جند فيها الموالين له والمتعاطفين مع الحركة لهذا لم يكن صعبا على الحركة الإسلامية أن تنقلب على الديمقراطية يوم تأكد انه خاسر المعركة أن تم تنفيذ ذلك الاتفاق الذي ابرمه الميرغني عن الحزب الاتحادي الديمقراطي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان ذلك الاتفاق الذي لو وضع موضع التنفيذ لكتب نهاية أطروحات الحركة الإسلامية لان على رأس بنود الاتفاق إلغاء قوانين سبتمبر والتامين على الوحدة والسلام بنبذ الفوارق الدينية
لهذا لم يصعب عليه أن يسخر ما خطط له في القوات المسلحة لما تأكد له إن الاتفاق في الطريق للتنفيذ الذي تبقت أيام معدودة من تاريخ الجلسة البرلمانية التي تقرر أن تنظر في إلغاء قوانين سبتمبر حسب شروط اتفاق الميرغني مع قرنق. والتي قبل السيد الصادق مجبرا إصدار قانون من البرلمان يلغى قوانين سبتمبر.
وهنا لابد من الوقوف في بعض المحطات الهامة التي سبقت الانقلاب :
أولها موقف السيد الصادق المهدي من اتفاق الميرغني قرنق لما له من ارتباط بموقفه من الانقلاب على حكومته الذي أصبح في نهاية الأمر اكبر حلفائه.
وهنا لا بد أن أشير لما وثقه الأستاذ فتحي الضو في كتابه الذي نشرت صحيفة الراكوبة الإلكترونية بعض حلقاته والذي قدم فيه الكثير من الحقائق التي أكد بها علم السيد الصادق رئيس الحكومة التي يستهدفها الانقلاب به وقبل تنفيذه استنادا على ما وصله من تقارير عن منظمي الانقلاب ولكن للقضية جانب آخر يتمثل في موقف الصادق من اتفاق الميرغني قرنق.
فالصادق وللتاريخ كان هو الذي رفض قوانين سبتمبر في برنامجه الانتخابي بينما بقى الميرغني مؤيدا لها في برنامج الحزب الاتحادي لهذا لم يكن الصادق رافضا لما تضمنه اتفاق الميرغني قرنق من شرط إلغاء قوانين سبتمبر لتحقيق الوحدة والسلام إلا إن الصادق كان يرى أن تلغى هذه القوانين بقرار من مجلس الوزراء وهذا ما رفضته الحركة الشعبية بحجة إن القوانين لا تلغى بقرارات من السلطة التنفيذية وإنما بقانون يصدر عن السلطة التشريعية وهى البرلمان إلا إن الصادق تمسك برأيه ولم يقبل بعرض الأمر على البرلمان لأنه كان تحت تهديد الترابي والحركة الإسلامية بان عرض الأمر على البرلمان سوف يعنى انسلاخ الكثيرين من نواب حزبه ووقوفهم بجانب نواب الحركة الإسلامية الرافضين لإلغاء قوانين سبتمبر مما يعنى إن المهدي سيفقد أكثرية نوابه مقارنة بالحزب الاتحادي مما يفقده رئاسة الوزارة التي تحققت له بأغلبيته عندما كان الشريك الأكثر نوابا,ولان هذا الخلاف قد تصاعد بين الطرفين تحت إصرار الحركة على عرض الأمر على البرلمان فتم الاتفاق على الاحتكام لتكوين لجنة يكونها مجلس الوزراء من كبار القضاة برئاسة مولانا هنري رياض ومجموعة ضمت مولانا دفع الله الرضي وآخرين ليفتوا في هذا الخلاف وجاء تقرير اللجنة مؤكدا لوجهة نظر الحركة الشعبية من إن القوانين لا تجمد بقرار من مجلس الوزراء ولا تلغى إلا بقانون يصدره البرلمان مما ادخل السيد الصادق في نفق مظلم اجبر بموجبه أن يقبل وهو غير راضى ومتخوف من طرح الأمر على البرلمان فى الجلسة التي حددت في الأسبوع الأول من يوليو 89 ( أي قبل أيام بل ساعات من انقلاب الحركة الإسلامية) لهذا فان السيد الصادق كان في قمة التوتر والأيام تقارب من انعقاد البرلمان لهذا فمن المؤكد انه كان من اسعد السياسيين بالانقلاب لأنه أزاح عنه كابوس البرلمان الذي يتهدده بفقدان أغلبيته التي أهلته رئيسا للوزراء لهذا لا يستبعد أن يكون سكت عنه عمدا عندما اخذ به علما لهذا السبب قبل أن يصبح نادما عليه في وقت لاحق لهذا لا أظنه كان شريكا في الانقلاب وإنما كان متهاونا في الحيلولة دونه حيث انه أخرجه من موقف كان يبحث عن تجنبه وفشل ولم يكن يعرف له مخرجا منه حتى حقق له الانقلاب المخرج (ب دعوى الانقلاب ولا تسليم رئاسة الوزارة لعدوه التقليدي )
من هنا فالثابت وهو ما يشكل نقطة البداية فى رصد مواقف القوى السياسية من ما لحق بالسودان فان توقيت الدكتور الترابي للانقلاب كان محسوبا بدقة متناهية ولذكائه اصبح من معتقليه عند إعلانه حتى لا يكشف هويته الإسلامية قبل تأمينه لأنه يدرك إن الحركة ليست بتلك القوة حتى تؤمن انقلابها سواء عسكريا أو جماهيريا حتى تمسك بمفاتيح السلطة لتؤمن موقفها وهذا ما نجحت فيه
لهذا كان التوقيت للانقلاب بالتحديد ليحول دون انعقاد جلسة البرلمان لان تفعيل اتفاق الوحدة والسلام قائم على سد الطريق أمام أي حكم إسلامي.
تفعيل اتفاق الميرغني قرنق يعنى تفويت الفرصة على تنفيذ مخطط أمريكا لتقسيم السودان وتفتيته ومخطط الترابي لفرض الحكم الإسلامي لهذا انتهى الأمر بالتحالف الاستراتيجي بين أمريكا والإنقاذ رغم ما بينهما من عداء تقليدي في اتفاق مرحلي..
ثاني المحطات ولتأكيد ما للترابي من نفوذ على حكومة الديمقراطية الرابعة لعلكم تذكرون كيف إن الأحزاب السياسية كلها ماعدا حزب الترابي أجمعت على مطالبة الحكومة الانتقالية بمد فترتها لعام آخر حتى تتمكن من إعداد نفسها للانتخابات لأنها تعرضت للفركشة في فترة مايو فكان إن رفضت الحكومة الانتقالية طلب الأحزاب و تجاوبت مع رغبة حزب الترابي لأنه كان الحزب الوحيد الذي أكمل إعداده للمرحلة الانتخابية بعد تغلغله في نظام النميرى بعد المصالحة وتغلغله في الحكومة الانتقالية ويومها ولتغطية الحكومة الانتقالية لرفض طلب الأحزاب والتواطؤ مع الترابي رفعت الحكومة راية الالتزام بما اتفق عليه بإنهاء الفترة الانتقالية في الموعد المحدد مع إن الذين طلبوا مد الفترة هم أصحاب الاتفاق نفسه ماعدا حزب الترابي فكانت بلا شك حجة أريد بها خدمة الترابي لهذا لم يكن غريبا أن تكافئ الحركة الإسلامية رئيس المجلس الأعلى يومها بتعيينه مديرا لمنظمة الدعوة الإسلامية مترقيا وظيفيا ومخصصات أفضل.
ثالث المحطات وأغربها تلك المشاهد التي شهدها السودان قبل انقلاب الحركة الإسلامية والتي صبت كلها لصالح تأمينه.
فلقد شهد السودان لأول مر في تاريخه ما سميت بمذكرة القوات المسلحة التي تحمل مطالب سياسية من الجيش مما يعنى التدخل السافر في السياسة والتي فهمت يومها إنها تهديد واتزار مبكر من قيادة الجيش أنها ستعيد تجربة الفريق عبود وتتولى السلطة عسكريا وكما إن هذه المذكرة في نهاية المطاف كانت من اكبر العوامل التي أمنت انقلاب الإنقاذ لان الرأي العام الغاضب والمحبط من حكومة الصادق توهم إن ذلك الانقلاب هو تنفيذ الجيش لوعيده وتهيئته وانه انقلاب قومي في مفهومه وليس انقلاب حزب بعينه ناهيك إن يكون اضعف الأحزاب وهو حزب الحركة الإسلامية فلقد قدم هذا الاعتقاد دعما كبيرا لإنجاح انقلاب الثلاثين من يونيو لان كل ضباط الجيش وجنوده توهموا انه انقلاب المؤسسة العسكرية الذي وعدت به ومنهم من خرج داعما له بهذا الفهم حتى صدم بالحقيقة مما ساعد على تأمينه على وجه السرعة
أما المشهد الثاني فلقد شهد السودان قبل انقلاب الإنقاذ بأيام معدودة حركة انقلابية غريبة ضعيفة المحتوى نسبت لعودة النميرى للسلطة بالتعاون مع مصر واكتملت المفاجأة من هذا الانقلاب الذي اتهم بأنه مايوي إن خرج رئيسه وقائده نائبا لرئيس مجلس انقلاب الإنقاذ مما يطرح أكثر من سؤال ولكن أهم ما قدمه هذا الانقلاب الفاشل فكرة وتنظيما أنه أمن انقلاب الحركة الإسلامية من مخاوفها من تدخل مصر عسكريا لإجهاض الانقلاب لو علمت حقيقته من البداية كما فعلت يوم تدخلت لحماية انقلاب مايو في الجزيرة أبا فلقد توهمت مصر وهللت بكل ما تملك لانقلاب الإنقاذ في بداياته لاختياره قائد الانقلاب الذي قيل انه موالى لمصر على رأس مجلسه تحت هذا الوهم لدرجة إن مصر رفضت يومها لقيادات سياسية معارضة لجأت لمصر أن تمارس أي معارضة من أراضيها قبل أن تدرك المقلب وتعيد فتح الأبواب لهم لما تكشفت لهم حقيقة الخدعة التي انطوت عليهم وكانت سببا في إعفاء مسئول المخابرات المصرية في السفارة المصرية بالسودان من منصبه.
أما المشهد قبل الأخير من هذه المسرحية فلقد جاء اختيار أول مجلس عسكري للانقلاب مجرد لافتة من قيادات عسكرية لا تنتمي للحركة الإسلامية ولم تكن مشاركة في الانقلاب نفسه حتى تتأهل لهذه المواقع ولكنها كانت غطاء ذكيا للمرحلة الأولى من الانقلاب لإخفاء هويته وإبعاد الشبهة عن الحركة الإسلامية حتى لا يجهض الانقلاب لسهولة إجهاضه في بداياته ويؤكد هذه المشاهد أخرها والأغرب عندما حل الشيخ الترابي زعيم الحركة الإسلامية حبيسا في سجن كوبر بين قيادات الأحزاب المستهدفة من الانقلاب وكان الهدف من ذلك واضحا لتضليل الرأي العام والقوى السياسية نفسها بان الانقلاب ليس لحزب الترابي لهذا وما أن تم تامين الانقلاب حتى خرج الشيخ ليشرف علانية على انقلاب الحركة الإسلامية.( الذي ادخله السجن صوريا )
إذن وبرصد هذه الوقائع والمشاهد الدراميتكية التي شكلت في مجملها مسلسل الإنقاذ فإنها لابد ان تكون من تخطيط عقلية تتمتع بالدهاء والذكاء والخبرة وإجادة قراءة الأوضاع من جميع جوانبها ولاشك انه لن يكون غير الشيخ الترابي الزى أجاد لعب دور البطولة في هذا المسلسل الزى جاءت كل أحداثه ومشاهدة لحساب الانقلاب رغم غرابتها حيث كانت كلها في خدمته وتأمينه ويا لها من مفارقة فلقد واصل الشيخ الترابي لعب ذات الدور الذي خطط له بحنكة حتى اليوم حيث واصل نفس الدور في مواقفه طوال فترة الإنقاذ التي ظلت تصب دائما لحماية النظام حتى انه لعب دور المعارض للنظام في قوى الإجماع الوطني رغم ما شهده السودان من مظاهر خلافية ولكن بقى الشيخ هو المحرك والمؤمن للنظام الذي خطط كل مسرحياته بحنكة .
عفوا إذا كنت أسهبت في تفصيل هذه المواقف والمشاهد وكل ذلك لأثبت إلى أي مدى كانت غفلة القوى السياسة وقيادات الأحزاب السياسية بلا استثناء والمدفوعة بحب السلطة والتي انطلت عليها كل هذه الأحداث التي حركها الشيخ من خلف ستارة المسرح حيث كانت كل القوى السياسية أدوات تحت يده حققت للحركة ما خططه لها الشيخ ولعل هذا أول وأهم أخطاء القوى السياسية التي مكنت الحركة الإسلامية من أن تهيمن على مستقبل السودان ومصيره خاصة وان رؤية هذه الحركة والتي تقوم على أن أي موقف يمكن الحركة من فرض الحكم الإسلامي فهو في شرع الحركة شرف حتى لو كان المقابل تفتيت وحدة السودان .
لهذا فلقد توافقت رؤية الحركة الإسلامية مع مصلحة المتآمرين على وحدة السودان بقيادة أمريكا مما شكل تحالفا استراتيجيا بينهما غير معلن رسميا ولكنه حقيقة على ارض الواقع وان كان في ظاهره نزاعا زائفا بين الطرفين فأمريكا كانت منذ إعلان الانقلاب الذي حال دون مضى السودان في تنفيذ اتفاقية الوحدة والسلام مع الجنوب عبر الحركة الشعبية فانه حظي بالدعم الأمريكي ولا يزال حتى اليوم وسيبقى حتى يكتمل سيناريو تفتيت السودان ,فأمريكا هي التي قررت العمل لتحرير السودان من الاستعمار العربي وعلى رأسه بالطبع انفصال الجنوب والحركة الإسلامية انقلبت على الديمقراطية لتحول دون أن يكون رفض الحكم الإسلامي هو ثمن وحدة السودان وإنها لهذا السبب تفضل فصل الجنوب وليس التضحية بالتنازل عن فرض الحكم الإسلامي ولو بالقوة .
الحركة الإسلامية إن مخطط أمريكا لن يتوقف عند فصل الجنوب وحده وإنها ستحرص على الانقلاب حتى يمكنها من تحرير مناطق أخرى غير الجنوب من الاستعمار العربي كما قررت وهذا لن يتحقق لها إلا باستمرار النظام وتصاعد الحروب الأهلية.
ولعلني بهذه المناسبة اذكر إن أستاذا سودانياً يعمل محاضراً في جامعة أمريكية جاء للقاهرة في الربع الأول من التسعينات وهو في طريقه للخرطوم وتصادف إننا كنا نعقد ندوة كل جمعة فئ شقة الأخ زين العابدين على صالح حول الأوضاع في السودان فشارك الأستاذ يومها في تلك الندوة وفى مداخلته أكد انه كان حضورا في محاضرة قدمها بروف أمريكي عن مستقبل إفريقيا وانه عرض أثناء محاضرته خريطة لإفريقيا لم يكن فيها السودان وقال الأستاذ انه احتج على الخارطة إلا إن المحاضر زجره وقال له بحدة إن هذه الخارطة زودته بها المخابرات الأميركية وهذا يكفى أليس كذلك؟
مؤكد هذه الحقيقة رغم مرارتها فقد قدمتها أمريكا طواعية يوم أعلنت نواياها هذه عندما ا صدرت قرار تحرير السودان من الاستعمار العربي وإنها بلا شك احرص على بقاء النظام حتى تكمل هذا السيناريو فهل كانت ردة فعل القوى السياسية السودانية حاكمة ومعارضة مواكبا لهذا الخطر
هكذا جاءت مواقف أمريكا سافرة في حرصها على استمرارية النظام ليس حبا فيه أو تعاطفا مع الإسلام وإنما لأنه الوسيلة الوحيدة التي تحقق لهم مخطط تفتيت السودان لعدة دويلات صغيرة لا حول لها أو سلطان.
وسنرى ما ارتكبته القوى السياسية من أخطاء في حق السودان.ولخدمة المتآمرين على وحدته
هذا موضوع الحلقة القادمة والأخيرة
.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.