بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يهزم مازيمبي بثلاثية نظيفة ويصعد لنهائي الأبطال    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    أرنج عين الحسود أم التهور اللا محسوب؟؟؟    الصناعة.. قَدَر الخليج ومستقبله    وصول طائرة للقوات المسلّحة القطرية إلى مطار بورتسودان    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    السودان..تحذير خطير للأمم المتحدة    شاهد بالفيديو.. ناشط سوداني يهاجم الفنانة عشة الجبل ويثبت غيرتها من زميلتها الفنانة مروة الدولية: (عرس الدولية حارقك وقاطع قلبك والغيرة دي ما حلوة)    شاهد بالفيديو.. حكم كرة قدم سعودي يدندن مع إبنته بأغنية للفنان السوداني جمال فرفور    شاهد بالصور.. رصد عربة حكومية سودانية قامت بنهبها قوات الدعم السريع معروضة للبيع في دولة النيجر والجمهور يسخر: (على الأقل كان تفكوا اللوحات)    هل فشل مشروع السوباط..!؟    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخر فترات الحكم الوطني الأسوأ والأحزاب السياسية ليست مبرأة من مشاركة الإنقاذ فيها- الحلقة الأخيرة
نشر في الراكوبة يوم 10 - 02 - 2014

- أخر فترات الحكم الوطني الأسوأ والأحزاب السياسية ليست مبرأة من مشاركة الإنقاذ فيها- الحلقة الأخيرة
الحركة الإسلامية بين خيارين أن تختار تمزيق السودان أو أن تختار الدولة المدنية التعددية
القوى السياسية بلا استثناء لو تمتعت بصحوة ضمي لاعترفت بفشلها ولا أعادت الحق لأهله
الاتفاق على حكومة لا يشارك فيها العسكر والأحزاب لفترة مؤقتة لتكوين أحزاب غير طائفية أو عقائدية
هل يختفي السودان من خارطة إفريقيا التي تكهنت بها الاستخبارات الأمريكية
أجملت حديثي في الحلقة السابقة على أن القوى السياسية المدنية والعسكرية والتي هيمنت على الفترات الستة من الحكم الوطني من ديمقراطية زائفة وانقلابات عسكرية شاركت فيها جميع الأحزاب التي تدعى انها ديمقراطية بلا استثناء كما إنني ى أكدت أن كل فترة من فترات الحكم جاءت أسوأ من سابقتها وان أخر هذه الفترات هي فترة الإنقاذ الحالية والأسوأ في مسيرة الحكم الوطني يشهد على ذلك إنها شهدت تمزق الوطن بانفصال جنوبه وكل ما تبعة من معاناة في الشمال والجنوب دون استثناء وانتشار الحروب الأهلية في أكثر من مناطقه التي لم تعرف هذه الحروب إلا في عهد الإنقاذ والتي تتهدد السودان بمزيد من التمزق كما إن ما عاناه المواطن من جوع ومرض ومن فقد لأهم الخدمات الضرورية وما شهده السودان من تفشى للفساد على نحو لم يكن يخطر ببال الشعب عندما استأثرت طبقة الحكام وأنصارها على قلتهم بكل إمكانات البلد الاقتصادية ثم أخيرا ما شهده البلد من تردى أخلاقي وانتشار لعصابات السرقة والنهب جهارا (على عينك يا تاجر) حتى عرفت العصابات بمسمياتها علانية حتى لم يعد المواطن أمناص في منزله أو موقع عمله نهارا وليلا.
وخلصت في الحلقة السابقة إلى أن أزمة البلد أصبحت مستعصية لعدم كفاءة القوى السياسية بجميع مكوناتها فئ أن تقدم مخرجا للسودان من واقعه المأساوي لافتقارها المؤسسية الديمقراطية ولأنها ظلت شريكا للانقلابات العسكرية في كل ما لحق بالبلد من دمار وأخرها الحكم اليوم الذي لم تسلم كل قيادات القوى السياسية من التورط فيه والمشاركة فيما ألحقه بالبلد من دمار حيث أنها كانت شريكة له في تمزق السودان.
وكنت قد حددت إن مسؤولية هذا التردي تتقاسمها ثلاثة مراكز قوى وان تفاوتت في المسئولية مركزها الأول الأحزاب الطائفية والعقائدية التي أفشلت فترات الديمقراطية وتحالفت مع العسكر بلا استثناء وثانيها الجبهة الثورية الشمالية بالرغم مما تحمله من مبررات موضوعية الا انها اصبحت اداة للتامر الأجنبي ى لتقسيم السودان وثالثها الحركة الإسلامية ممثلة في الفترة الحالية لحكم الإنقاذ التي شهد عهدها كل ما لحق بالبلد من دمار وكنت قد تعرضت بتفصيل للمركزين الأول والثاني في الحلقة السابقة وفى هذه الحلقة تأتى وقفتنا مع المركز الثالث وهى فترة الحركة الإسلامية التي حكمت ولا تزال تحكم البلد بالرغم مما أصابها من تشتت وتمزق بسبب الصراع من اجل السلطة وهذا هو موضوع هذه الحلقة .
بداية لم تشهد فترة الحكم الوطني في السودان والتي اقتصرت على حزبي الأمة والوطني الاتحادي موحدين ومنقسمين والحزب العقائدي الوحيد الحزب الشيوعي لم تشهد أي وجود لحركة إسلامية سياسية في السودان وإنما اقتصر وجود الحركة على جماعات دعوية ليست سياسية وكان على رأسها تنظيم الأخوان المسلمين إلا إن نفس الفترة كانت قد شهدت بدايات توجهات المخابرات الغربية بصفة خاصة الأمريكية في استغلال الجماعات الإسلامية لمناهضة الفكر الشيوعي بحكم اعتقادها بأنها حركة الحادية مما دفع بالحركات الإسلامية للتحول للعمل السياسي ونبذ الطريق الدعوى الذي كانت تسير عليه تحت رعاية وتمويل الغرب بعد أن جمعهما هدف واحد مشترك وهو مناهضة المعسكر الشيوعي وكان من الطبيعي أن تمتد هذه الروح للجماعات الإسلامية في السودان والتي توحدت يومها فئ فترة الحكم الوطني الثاني في جبهة الميثاق الإسلامي والتي اقتحمت مجال السياسة لأول مرة مناهضة للحزب الشيوعي ليتفجر صراع عقائدي كان مسرحه الحركة الطلابية في الثانويات والجامعات ثم امتد الأمر لصراعات في الحركة النقابية والدوائر المخصصة للخريجين التي كان يهيمن عليها الحزب الشيوعي قبل أن تستولي عليها الحركة الإسلامية يومها بفعل فاعل يوم صممت دوائر الخريجين على نحو صب لصالح الحركة الإسلامية ليصبح السودان تحت قبضة صراع طائفي من جهة بين الحزبين الطائفيين المحتكرين للسلطة لما لهما من أغلبية برلمانية وبين حزبين عقائديين هيمنا على الحركة الطلابية والنقابية تمثلا في الحزب الشيوعي وجبهة الميثاق الإسلامية وليصبح الصراع بينهما وسط قطاع الطلاب والنقابات. وهى الفترة التي شهدت نشأة أول تحالف بين الأحزاب الطائفية وجبهة الميثاق الإسلامية لإحساس الطائفية بان الشيوعية خطر على هيمنتها على السلطة ولما يجمع بينهم من النعرة الدينية وكان أول نتائج هذا التحالف أن نجحت الحركة الإسلامية في أن تستغل مصالح الأحزاب التي عانت من الحزب الشيوعي الذي كان حزبا مؤثرا في الساحة رغم عدم جماهيريته لأنه هيمن على الحركة النقابية والطلابية التي تفعل الإضرابات والتظاهرات السياسية التي مكنته من أن يشكل القوى النقابية التي هيمنت على جبهة الهيئات التي آلت إليها السلطة عقب ثورة أكتوبر والتي شهدت يومها اتجاه كوادر الحزب الشيوعي المهيمنة على حكم أكتوبر أن تبادر بالعمل على تصفية وجود الإسلاميين والطائفية المخالفين لهم فاتخذوا إجراءات تطهير الخدمة المدنية لتصفية وجودهم ليحتكر اليسار مؤسسات الخدمة المدنية فكانت تلك أول خطوة غير ديمقراطية لتصفية وجود الرأي الآخر بمعيار الولاء.
وكانت تلك الخطوة كافية لان تمهد للحركة الإسلامية استغلال معاناة الطائفية من هيمنة الحزب الشيوعي على الحركة الطلابية والنقابات لتتوحد هذه الكتلة التي قامت على تحالف الإسلاميين مع الطائفية فتقدم هذه الكتلة على اخطر خطوة تعرضت لها الديمقراطية مدنيا عندما أقدمت على حل الحزب الشيوعي و طرد نوابه المنتخبين من البرلمان ورفضهم الانصياع لحكم المحكمة الدستورية بعودة النواب للبرلمان لعدم شرعية طرد نواب منتخبون من الشعب ويومها افتعلت هذه الكتلة تعبيرا جديدا أهدر أهم مقومات العدالة ممثلة في القضاء أعلنه يومها رئيس الوزراء السيد الصادق المهدي بكل جرأة عندما أفتوا بان قرار المحكمة الدستورية حكم تقريري غير ملزم وليس واجب التنفيذ وبهذا جردوا القضاء من سلطته كرقيب على الديمقراطية ولعل هذا الموقف هو الذي قاد صاحب اكبر منصب في القضاء في ذلك الوقت أن يشارك في انقلاب عسكري وهو مولانا بابكر عوض الله الذي انقلب على الديمقراطية وشارك في التخطيط لانقلاب مايو69 مع انه كان من القيادات التي قادت التظاهرات والإضرابات ضد انقلاب نوفمبر في ثورة أكتوبر.
كان ذلك الانقلاب ردة فعل لحل الحزب الشيوعي حيث شرعت جبهة يسارية عريضة من العسكر منبثقة مما سمى بتنظيم الضباط الأحرار الأقرب لليسار وبعض العناصر العسكرية ذات الميول اليسارية والقومية العربية مدعومة بالعناصر الشيوعية التي شكلت جبهة الهيئات وتمت تصفيتها من السلطة على يد الطائفية والإسلاميين وكانت قد شكلت جناحا انقساميا داخل الحزب الشيوعي بسبب ما تصاعد بينهم وبين الحزب مجموعة عبد الخالق محجوب عندما كانوا قابضين على السلطة باسم الحزب لهذا وقفت هذه الجبهة مساندة للتخطيط لانقلاب عسكري يطيح بالديمقراطية الثاتية وتمسكت بموقفها من الشراكة في تنظيم الانقلاب بالرغم من رفض الحزب الشيوعي جناح عبدالخالق مباركة تلك الخطوة فاستولى انقلاب مايو اليساري على السلطة وانضم لقوة الانقلاب بعد نجاحه الحزب الشيوعي نفسه جناح عبد الخالق ومثل في مجلس ثورته باثنين من عناصره وليصبح الحزب بجناحيه شريكا في الانقلاب والذي كان على رأس قيادته من المدنيين مولانا بابكر عوض الله الذي كان مطروحا مرشحا لرئاسة الدولة من قبل الشيوعيين بسبب موقفه من ثورة أكتوبر.وهكذا كان الدور الذي لعبته الحركة الإسلامية في واد الديمقراطية بحل الحزب الشيوعي وقد شكل دافعاً لانقلاب مايو اليساري ولكن الحركة الإسلامية لم تقف مكتوفة اليد بعد أن قويت شوكتها تنظيميا فاستغلت العداء الذي تفجر بين الحزب جناح عبدالخالق وانقلاب مايو والذي انتهى نهاية مأساوية بإعدام قيادات الحزب الشيوعي على اثر انقلاب 19 يوليو الذي انهار في يومه الثالث وعرفت الحركة الإسلامية كيف تتسلل لداخل السلطة المايوية عبر مشروع المصالحة الوطنية الذي ابرمه الإسلاميون و الطائفية مع مايو وكانت الحركة الإسلامية هي التي عرفت كيف تستغل المصالحة لتتغلغل داخل مؤسسات الحكم العسكري وبصفة خاصة قواته المسلحة حتى أمكن لقياداتها أن تزرع البذرة التي مكنتها من أن تخطط للانقلاب الذي استولت به على السلطة في يونيو 89 منفردة هذه المرة بالحكم الذي لا يزال تحت قبضة بعض منها بعد تفجر الخلاف بين قياداتها وليصبح السودان تحت قبضة الحركة الإسلامية وشراكة صورية من الطائفية امتدادا لتورطها السابق مع انقلابي نوفمبر ومايو.
ولكن انقلاب الإسلاميين هذه المرة في يونيو 89 كانت له خلفيات وإبعاد سياسية خطيرة شكلت الدافع له والتي دفع السودان وحدته ثمنا غاليا لها ولا يزال مهددا تحت ظلها بدفع المزيد من انفراط وحدته بسبب ما شهده السودان تحت حكم الإسلاميين منفردين هذه المرة.ناهيك عن ما لازم هذا من مشكلات أخرى اقتصادية واجتماعية
وللوقوف على هذه الأبعاد الخطيرة التي دفعت بالإسلاميين للانقلاب على الديمقراطية لابد من خلفية ترجع بنا :
أولا إن السودان بحكم تكوينه تاريخيا من دويلات صغيرة ممزقة قوامها عنصريات وجهويات واديان مختلفة ما بين شماله العربي المسلم الذي ظل مهيمنا على الحكم الوطني وجنوبه الزنجي غير المسلم مهضوم الحقوق وما بين غربه وشرقه الذي تختلط فيه القبائل من مختلف العنصريات والجهويات والأديان والذي لم يقل معاناة عن الجنوب مما يجعل إن قضية توحيده في بلد واحد كانت هي قضيته الملحة التي لم تلتفت إليها القوى السياسية الشمالية العربية الإسلامية والتي كانت تفرض عليهم العمل للوصول لصيغة وحدوية لا تفرض هيمنة أي لون أو عنصر أو دين علي البلد حتى تسوده وحدة مستقرة حيث إن أي اتجاه لهيمنة أي جهة عليه إنما تعنى تمزقه وعدم تحقيق وحدته وهى الوحدة التي لم يشهدها السودان بعد أن ظلت القوى السياسية العربية في شماله تنفرد بالهيمنة عليه متجاهلة حقوق الجنوب والأقليات الأخرى من العنصريات غير العربية وغير الإسلامية لهذا فان أي وجه لفرض حكم إسلامي عليه إنما يعنى تمزقه وهذا هو ما قام عليه انقلاب الإنقاذ الذي نظمته الحركة الإسلامية وهى تهدف منه فرض الحكم الإسلامي.
ثانيا إن الصراع الفكري بين الإسلاميين واليسار اغرق السودان في جدل بيزنطي لا مكان له في القضية السودانية وهو ما عرف بالصراع النظري بين العلمانية والإسلامية مما أدى لتجاهل جوهر القضية التي تفرض توحيد العنصريات والجهويات والأديان تحت راية السودان وحده حيث صعب هذا الصراع من توحد بلد يستحيل أن يجمع بين الضدين مع إن هذا الصراع العلماني الإسلامي لا يعنى السودان في شيء وإنما المعنى توحيد بلد متعدد الهويات والأعراق الأجناس والأديان وفق صيغة تحقق التعايش والإخاء بين هذه المتناقضات وهو ما طرح بعد فوات الأوان فيما سمى بدولة المواطنة السودانية بعيدا عن صراع النظريات.ولكن بعدان أفرزت هذه التناقضات حربا أهلية في الجنوب وأفرزت حالة احتقان في أكثر من منطقة بالسودان خاصة في غربه والنيل الأزرق بل وشرقه
ولابد أن نعترف هنا إن الأحزاب السياسية والتي تشكلت قواها من طائفتي الأنصار والختمية رغم ما سادهما من انقسامات تعددت بموجبها جبهات متنافرة من الطائفية نفسها ضاعفت من الخطر في مرحلة تاريخية هامة والسودان يبحث عن هويته إن هذه الطائفية انساقت خلف الحركة الإسلامية والتفت حول طرح الحركة لدستور إسلامي متجاهلين بذلك جوهر القضية السودانية التي لا تقبل هذا الطرح إلا إن الحركة الإسلامية نجحت في أن تستغل ضعف هذه الكيانات وحبها في السلطة ومخاوفها من انتشار الفكر الشيوعي رغم محدوديته وقلته فانساقت وراء الحركة الإسلامية رافعة ومؤيدة للدستور الإسلامي وكم كان غريبا أن تنساق قيادات الحركة الاتحادية التي تحررت من الطائفية بقيادة الأزهري حول هذا الطرح و انجرفت مع هذا التيار إلا إن كل هذه القوى باستثناء الحركة الإسلامية تراجعت في وقت لاحق عن هذه الدعوى عندما تضاءل نفوذ الحزب الشيوعي وعندما استيقظ ضميرها على خصوصية الوضع في السودان التي لا تقبل هذا الطرح فأسقطت الحديث عن دستور إسلامي وأصبحت تتسابق في البحث عن حلول توفق بين الجهويات والأديان التي تهيمن على السودان لتبقى الحركة الإسلامية وحدها القوى السياسية المتمسكة بطرحها الإسلامي وان أدركت يومها إنها يستحيل عليها أن تفرض هذا النظام عبر الديمقراطية التي لا تملك أن تحقق أغلبيتها بعدان انفضت الطائفية عن مساندتها في هذا الطرح رغم انتمائها الديني. .
وكان أهم نتائج هذا التحول في فكر القوى السياسية الطائفية إن وقع زعيم طائفة الختمية وباسم الحزب الاتحادي الديمقراطي اتفاقا مع زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي تطرح ما أسمته السودان الجديد القائم على التعايش بين الجهويات والأديان حيث استهدف الاتفاق تحقيق السلام وحل قضية السودان بالحوار في إطار دولة تراعى الفوارق الدينية والعنصرية والتي أملت يومها أن تتبنى الحكومة عبر تحالف الطائفتين في الحكم إلغاء قوانين سبتمبر الإسلامية التي أصدرها النميرى عام 83 والتي رفعت سقف حرب الجنوب ومطالبه وذلك امتثالا لمطلب الحركة الشعبية لتهيئة الأجواء للحوار الذي يحقق التعايش والسلام وكان قد تحدد لهذا القرار أن يصدر فى جلسة البرلمان في مطلع يوليو 89 بان يصدر البرلمان قانونا بلغي قوانين سبتمبر الإسلامية من اجل توحيد السودان بعيدا عن أي ى هيمنة دينية إلا أن اليوم المحدد لعقد جلسة البرلمان شهد انقلاب الحركة الإسلامية التي أذاعت البيان العسكري رقم 3 إعلاناً بنهاية الديمقراطية الثالثة وإعلانا لثالث حكم عسكري وليحل قادة الطائفية بسجون الإنقاذ والذي شهد لأول مرة في تاريخ الانقلابات أن يكون زعيم طائفة الختمية الزى وقع الاتفاق مع الحركة الشعبية ضيفا على سجن الانقلاب مما يؤكد علاقة الانقلاب بذلك الاتفاق حيث كان الدافع للانقلاب إذن هو أن تحول الحركة الإسلامية دون وضع اتفاق الميرغني موضع التنفيذ لتفعيل الحوار مع الحركة الشعبية لتحقيق وحدة السودان القائمة على نبذ فكرة الدستور الإسلامي.
من هنا كان دافع الانقلاب وباختيار هذا التوقيت تحديدا اذن الحيلولة دون تنفيذ الاتفاق الذى يسد الطريق اما فرض الحكم الاسلامى على السودان حيث لم يعد من طريق امام الحركة الاسلامية الا ان تستولى على السلطة باتقلاب عسكرى كانت قد مهدت اليه منذ شاركت النميرى فى الحكم بعدالمصالحة الوطنية والتى مكنتها من ان تتغلغل كما قلت فى القوات المسلحة. فسلكت طريقا جديدا خصما على فرضية الحكم الاسلامى فبادرت بسد الطريق امام الديمقراطية. بانقلاب 89وقبل أيام معدودة من جلسة البرلمان
لهذا ومن هذا السرد التاريخي للوقائع التي سبقت الانقلاب فان إستراتيجية الحركة الإسلامية كانت واضحة تهدف لفرض الحكم الإسلامي ولأنها كانت تدرك أن هذا لن يتحقق بموافقة الجنوب فإنها لم تكن إذن رافضة لرحيل الجنوب عن السودان الموحد حتى لا يقف في طريق الحكم الإسلامي لهذا كان انفصال الجنوب أمر حتمي في أجندة النظام وقد عبرت عن هذه النوايا منذ بداية مشوارها بإبرامها لاتفاق بون عاصمة ألمانيا الشهير عام 90 مع العناصر التي انقسمت على الدكتور قرنق في الحركة الشعبية والتي كانت تنادى بالانفصال ووقع عن الإنقاذ يومها الدكتور على الحاج ومحمد الأمين خليفة والدكتور ريك مشار والدكتور لاما اكول من جانب دعاة الانفصال في الحركة الشعبية. حيث نص الاتفاق على حق الجنوب في تقرير مصيره وهو الاتفاق الذي أجهض بالمعارضة العنيفة التي واجهته. والتي ساهم فيها التجمع الوطني المعارض قبل انتكاسته والذي رفض الاعتراف بحق تقرير المصير للجنوب.
وهنا أصبح الطريق معبدا للغرب المتآمر على وحدة السودان أن يتخذ من الإنقاذ شريكا له فى تحقيق مخططه لتقسيم السودان والذي سبق أن نادى به علانية فيما اسماه تحرير السودان من الاستعمار العربي طالما أن طرح الحركة الإسلامية يسهل إنفاذ مخططه الانفصالي.
لست هنا بصدد الحديث بتفصيل عن ما شهده السودان من أحداث حيث سبق أن تعرضت إليها في أكثر من مقالة الآن الثابت أن المسرح اعد لتنفيذ رغبة أمريكا والإنقاذ في فصل الجنوب يوم مهد التجمع الوطني الطريق لنجاح المؤامرة الأمريكية عندما تراجع عن موقف عام 90 وبصم على قرارها الذي فرضته على قرنق بمنح الجنوب حق تقرير مصيره في مؤتمر القضايا المصيرية في اسمرا عام 95 يوم كان التجمع يطمع في دعم أمريكا له لإسقاط النظام والعودة للسلطة وقيادته لا تعلم لجهلها أو تعمدها أن تغض الطرف عن ما تعلمه من توافق الأجندة الأمريكية مع أجندة الإنقاذ وإنها احرص على بقاء النظام وضد عودة الساعين لوحدة السودان ليخلو الجو تماما للإنقاذ ولأمريكا حيث انتهى السيناريو باتفاق نيفاشا الذي سلم مستقبل السودان لأمريكا في طبق من ذهب بعدان تحقق للإنقاذ وأمريكا إخراس صوت التجمع المعارض وتسابق القيادات الطائفية والأحزاب بعد ذلك للتقرب من النظام بحثاً عن شراكات ثانوية تحقق المصالح الذاتية والتي كان أخرها إن قيادة الطائفتين مثلتا في القصر الجمهوري في أعلى مؤسسات الإنقاذ بابني زعيمى الطائفتين لتصبح القوى السياسية شريكة فيما انتهى إليه السودان ولم تعد الإنقاذ رغم عظم مسئوليتها وحدها المسئولة عن تدمير السودان وهو المصير الذي لم يتوقعه الإنقاذ أو التجمع حتى تبين لهما إن مطامع أمريكا لن تقف على فصل الجنوب وإنما هدفها تمزيق السودان كله من غربه والنيل الأزرق بل وشرقه لهذا اتسعت مناطق الحروب التي لها مبرراتها التي لم يتحسب لها من فصلوا الجنوب وفرضوا الحكم الإسلامي ولتجد أمريكا المناخ المناسب لتحقيق المرحلة الثانية من مخطط التقسيم طالما إن الإنقاذ مصرة على دربها الذي يحقق لأمريكا أهدافها.وبعد أن اخرس موقف التجمع صوته. بل ودفعه لان يبحث عن نصيبه من السلطة حتى لو كان الفتات
هكذا بلغ السودان أزمته الحالية التي استعصى حلها كما قلت تحت ظل حكم العسكر المدعوم بمواقف القوى السياسية الحزبية التي شاركت العسكر الفشل في كل مراحل الحكم الوطني وأخرها الحكم الحالي مما يؤكد عدم أهلية كل هذه القوى مدنية وعسكرية عن حل الأزمة المستعصية التي يواجهها السودان حتى لو توافقت مؤقتا على اقتسام السلطة عبر فترة انتقالية مؤقتة تعقبها دورة ديمقراطية رابعة زائفة تنتهي كالعادة ببيان عسكري رقم 4
وبهذا نصل للسؤال الأصعب في تاريخ السودان:
كيف إذن يكون المخرج للسودان إذا كانت هذه المكونات السياسية التقليدية والشريكة في صنع الأزمة فاقدة الأهلية للخروج به من هذا المأزق ا؟
دعونا نبحث عن الإجابة وليكن هذا موضوعا للحوار إذا كان هناك ثمة أمل في حل قضية السودان
عفوا عزيزي القارئ كنت احسب إنني ى سأتناول الإجابة على هذا السؤال في هذه الحلقة إلا إن السؤال ولأهميته لن يسعه ما تبقى من مساحة في هذه الحلقة لهذا أعود إليه في حلقة قادمة أخيرة.
ولكن هذا لا يمنع من أن اطرح بعد التساؤلات تمهيدا لموضوع الحلقة القادمة
1- هل القوى السياسية التي تعاقبت على الحكم الوطني من عسكر ومدنيين يمتلكون الشجاعة في أن يعترفوا بما ارتكبوه في حق الوطن عبر فترات الحكم الوطني الستة؟
2- وان اعترفوا وهذا ما اعلم أنهم لن يفعلوه هل لديهم الاستعداد للتنحي وإخلاء الساحة ليردوا الحق لأهله ضحيا فشلهم سبعة وخمسين عاما حتى يحقق الشعب مصيره في مؤسسات حزبية ديمقراطية لا تقوم على هيمنة الطائفية أو العقائدية؟
3- وان لم يحققوا هذا للشعب المغلوب على أمره فالي متى سيبقى هذا الشعب صامتا عن حقوقه فينساق كعادته خلف أي ى توافق وهمي بين أطراف الفشل وهل يمكن لأي اتفاق بين رموز إفشال الحكم الوطني أن يقدم حلا جذريا لازمة السودان أم تدور البلد في ساقية الدوش بسبب هذا التوافق الزائف المؤقت ؟
4- هل الحركة الإسلامية التي وضعت السودان اليوم أمام خيارين أما أن تسير على طريقها لفرض الحكم الإسلامي ى ويتمزق الوطن أو ترتضى الحكم المدني التعدد حرصا على وحدة الوطن بل وإعادة الجنوب لحظيرة السودان الموحد فأي خيار تختار؟
5- هل يمكن الاتفاق سلميا على تكوين حكومة انتقالية لفترة لا يشارك فيها العسكر أو الأحزاب الطائفية أو العقائدية يكون على رأس أهدافها بناء مؤسسات حزبية ديمقراطية بديلة تؤمن على سلطة الشعب وليس أي جهة سواه؟
6- هل يمكن إعادة بناء القوات النظامية على ما كانت عليه قبل انقلاب نوفمبر لتصبح صمام أمان للديمقراطية وكيف ذلك؟
7- هل نعلم نحن كسودانيين انه إذا لم تتحقق هذه الأمنيات أن مصير السودان أن يحقق الخارطة التي أعدتها المخابرات الأمريكية لإفريقيا ولا تتضمن دولة اسمها السودان وقدمها محاضر أمريك في ندوة عن مستقبل إفريقيا؟
8- وأخيرا هل قواعد الأحزاب السياسية التي أفشلت الحكم الوطني لعدم ديمقراطيتها والرافضة لواقع هذه الأحزاب وتعددت مسمياتها هل لها أن تتوحد تشارك من اجل حل جذري يخلص السودان من هذه الأحزاب طالما إنها متفقة على مسئوليتها في إفشال الديمقراطية المفقودة؟
9- وهل الجبهة الثورية الشمالية مستعدة للتحرر من قبضة المتآمرين على وحدة السودان وتشارك بفاعلية في الحل الجذري للازمة؟
عفوا لست متشائما ولكن لا أرى سببا للتفاؤل أمام هذا المستحيل الذي يواجهه السودان ويبقى الاجتهاد واجب في كل الأحوال
والى الحلق القادمة والأخيرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.