بالأمس استضاف برنامج ( بعد الطبع ) الذي يبث من فضائية النيل الأزرق ، الأستاذ الصحافي محمد لطيف للتعليق على ما أورته الصحف من أخبار عالمية ومحلية ، ومن ضمن الأحداث التي عرضت على ضيف الحلقة تعرض ثلاثة ألف نخلة وعدد من المنازل للحريق بالولاية الشمالية دون معرفة السبب ، والجدير بالذكر أن حرائق النخيل بالولاية الشمالية وبوجه خاص في منطقة جغرافية بعينها ، أضحت من فرط تكرارها ظاهرة ملفتة للانتباه ومثيرة للأسئلة المنطقية ، في غياب أي معلومة موثوق بها حول أسباب هذه الحرائق المتكررة . قال الأستاذ محمد لطيف في معرض تعليقه على هذه الظاهرة ، بأن البعض يستسهل تطويق عنق الحكومة واتهامها عملا بنظرية المؤامرة ، بحجة كونها ترغب في إخلاء المنطقة لإقامة السدود ، غير أنه يرى المنطق بجانب الذين يعزون أسباب الحرائق لظروف موضوعية ، لخصها في إهمال تنظيف النخيل بصورة منتظمة بسبب فقدان جريد النخل لقيمته بعد انصراف الناس عنه ، وتخليهم عن استخدامه في أسقف المنازل وكوقود لطهي الأطعمة ، فأصبح النخل عرضة للاحتراق ، هذا مضمون تعليق الأستاذ محمد لطيف . للأسف أن هذه الظروف التي يراها الأستاذ موضوعية ، لا تفي لإقناع صبي في السابعة من فرط سذاجتها، ناهيك عن رجل(mature). ولعل أول ما يلفت الانتباه ، محاولة الأستاذ تبرأة ساحة المسئولين واستبعادهم مما يحدث ، وأن ليس من مسوق للاستناد على نظرية المؤامرة كما يرى ، لعمري لم يطرق سمعي من قبل ، أن صحافيا سعى لدمغ رأي غالب بين جملة من سكان المنطقة بالتآمر على حكامهم ، لمجرد كونهم انتقدوا حكامهم بغية تبصيرهم بمسؤوليتهم التقصيرية في الكشف عن أسباب هذه الأحداث المتكررة التي هددت أرواحهم وممتلكاتهم ، لقد جرت العادة إن نظرية التآمر تستخدم في دمغ النشاط السياسي المعارض إذا ما توفرت الشبة اللازمة. لا المواطن العادي البسيط المطالب بحقوقه الشرعية لدفع الظلم عنه ، والأمر الأكثر ( مضحكة ) ، ويجعل مبررات الأستاذ المحترم التي استند إليها فطيرة و( قاعدة في السهلة ) ، ربط الحريق بإهمال نظافة جريد النخل ، هذه فرية بلقاء لأن فقدان جريد النخل لقيمته وانصراف حاجة الناس له ، لا يمنع مالك النخل من نظافة أشجاره ، لأسباب عديدة منها: 1 فقدان القدرة على جني الثمار إذا ما كثر الجريد وتراكم على الساق لبدا. 2 تعريض النخلة وثمارها للحشرات والهوام الضارة. 3 تعريض النخلة للسقوط عند اشتداد الرياح . لذا فمن غير المنظور إهمال الملاك نظافة نخيلهم . إن من يسوقون لهذه الفرية كسبب موضوعي للحرائق ، فات عليهم أنهم قارنوا أحداث حرائق النخيل بظاهرة حرائق الغابات الموسمية المعلومة ، رغم الفارق بين المسبب الرئيس المجهول هنا والمعلوم في حرائق الغابات فمن الثابت أن كثافة الأشجار الغابية وحدها ليست سببا ، بل غزارة الحشائش تحت الأشجار مما يتسبب في إشعال الحرائق بعد جفافها ، وغني عن القول أن الشمالية لا تقع في حزام السافنا لكي تغطي الحشائش حدائقها زد على كل ذلك أن فنيات زراعة النخل تقتضي حفظ مسافة لا تقل عن خمس خطوات بين نخلة وأخرى ، وحتى لو وضعت كل ما سقته هنا جانبا ، وقبلت بهذا التبرير على علاته ، يبرز سؤال حول سبب تكرار الأحدث في منطقة بعينها دون بقية مناطق الولاية وجزره المكتظة بالنخيل ، ألآمر الذي يدفع مواطن المنطقة ليتشكك في طهر الأيادي الممتدة من حوله في ظل سريان خطط الدولة المتعلقة بالسدود. [email protected]