من اجل امرأة غادرت بلدتها جبرا وقسرا وكانت تحمل في أحشائها جنينا مكتمل النمو ، وضعته داخل عربة عسكرية محروقة في أقصى المفازات الغربية تحت درجة حرارة لهب ، تلفتت فلم تجد أحداً ولا جذعاً ، دفنت تبيعتها في الرمال ونامت دون أن تأكل رطبا جنيا . هذا البلد المبتور الأطراف كما قدامى المحاربين ، الشارب أهله ملحا ممزوجا بالعرق والحزن ، الجالس دوما على فوهة بركان من النزاعات والخلافات والفتن وتقاطع المصالح الشخصية ، الصابرين أهله في السراء والضراء ، بلد الطقس الحار المتقلب المزاج والطبوغرافية الشاهقة الاختلاف بجلود كقوس قزح بسحناتها ولهجاتها المتنوعة حد عدم الفهم أحيانا ن بلد يتلاكم حكامه بالألسن ويتقن أولو السياسة منهم مراعاة مصالحهم كما يتقن الأسبان لعبتهم المفضلة . لوحة عجيبة من الخلافات المتفرقة ذات العدوى السريعة و تغير التحالفات ما بين ليلة وضحاها ، كل هذا محمول على أرض اسمها وطن ، لم تكن تعرف معنى وطن ولا سمعت بها يوما ، كانت تعرف الأرض وشقها وأنها تُنبت فولا وبصلا وبرسيما للبهائم وتعرف أيضا أن الأرض وحدها تنفخ الضرع وتُشبع البطن وكانت تعرف أن يدها ملح الأرض وطيبها ، وأنه لإزالة الآثار المغرقة في البؤس والمعتقة بشقائها والدائخة من ضبابية الغد يلزم الكثير من الصبر ، كلهّن وحدّهن الشوق غلى حطّ الرحال ، إلى حضن يضمهم فرادى أو جماعات ، أيلزم الحضن معجزة من السماء ، كما إلزام الحنين لهن بالرحيل ، بلدة صغيرة كنقطة وسط صحراء واسعة لكنها كانت على عرش القلب ، حملن حب بلدتهن كما النبضات ، لكن الصحراء الواسعة ضاقت بأهلها وضاقت الصدور ، اختلف الرجال وتفرقت الكلمة وضعفت الهمة وصاروا رغم الكثرة كما زبد السيل ، أينما تجرفه الدنيا يمضي ، وعندما تضيق صدور الرجال يكون حتما على النساء أن يحملن كرة الأرض طوعا أو كرها على عاتقهن المخمور أبدا بعشق الاستقرار وحب مكان النشأة الأولى . سماء على سماء وعلى الأرض ظلم وعلى السماء عدل وبينهما نهيم وفي الصحراء لا دليل سوى القلب وأيضا ما تيسر من التيه . سرنا في صف طويل نتقوى على التعب بالتعب ونصطاد من الفضاء صبرنا ، بدايتنا التي لم تكن يوما لنا ، كانت للنزاعات والفرقة ، دموع ما كان ذاك أوانها وسنين حبو كانت على بقايا حياة ، لم يكونوا يملكون لنا سوى وعود بقيع وأحلام وكلام كثير ، هل كانوا يعرفون قدر طيبتنا التي دعتنا للتصديق الفوري أم أنهم كانوا لا يهتمون بإنسانيتنا أصلا . سرنا في جماعات في عراء ممتد يدلنا القلب على الطريق ، الطريق كان طويلاً ، متحدا في الأفق البعيد وكان العراء بلا رائحة والشمس تغمرنا بموجة حنين موجع لمكان قد لا نعود إليه مرة أخرى ، الشقاء قلص من قامتنا والرحيل الجبري بدل أرواحنا ، لا خيار سنظل نمضي قدما بأثداء عقيمة وثياب لا تستر وأطفال يأتون إلى الدنيا ساعة أسى وحزن عظيم ما أنصفنا أولياءنا ، نزاع وسلاح ورصاص وخيول ، على ماذا ؟؟ سألنا بعضنا ونحن في صفنا ذاك لكن لم يكن معنا رجل ليخبرنا لما هي البندقية على كتفه ولما السيف في الخاصرة ولما هم على جياد ، قد لا نجد إجابة إنصاف ابدا لأن العنف لا يلد خيرا قط ولا عدلا وكيف يسلم الظل والعوج غي مستقيم وهل يعقل آلا تشوه الحرب نفوسنا بالحنين والحزن وهل يعقل أن نعود سيرتنا الأولى بعد أن عبأنا أرحامنا بالعنف وافرغناها موجوعين وبخاطر مكسور !! عموما سنمضي إلى أقصى الهبات علّ الضروع تدّر لبنا يكفي الصغار اميمة عبد الله الخرطوم [email protected]