لا عاطفة في هذه الدنيا الواسعة أعظم من عاطفة الامومة ، هي العاطفة الوحيدة التي تتفانى المرأة في الاخلاص لها حتى ساعة اليقين ، تدّخر كل حنو عندها منذ النشأة الأولى وتفترض العاطفة بالغيب ، تحلم الفتاة الصغيرة بالأمومة قبل حلمها بفارس الحصان الأبيض ، تحتضن دميتها بحنان فطري ورقة وعذوبة صادقة ، ذلك هو حالنا نحن النساء دائما ، لقد أودع الله في قلوبنا سراً عظيماً وطاقة حب جبارة لأبنائنا وأبنائهم من بعدهم ، حب مستمد من نور العرش وفيض حنان منهمر على الدوام حتى ونحن مغاضبيهم ، ولا أقسى على الأمهات من موت أحد ابنائها أيّا كان عمره ، لا فرق عندها إن كان طفلا أو رجلا ، تظل تبكيه سرا وعلانية ما تبقى من عمرها دعك من إن كان قد ذهب غدرا وبلا ثمن ، لذا جعل الله أجر الأم الصابرة عظيما لأنه يعلم أن المصاب جلل وأن القلب به أنفطر . وأول أمر عالجه المولى تعالى بعد نجاة نبيه موسى أن رده إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ، كرم رباني من أجل يوكابدا – أم موسى – لا من أجل موسى ، لأن فؤادها أصبح خاويا ، لكن دارفور الحبيبة ما اتقنت شيئا في عقدها الأخير كما تقديم فلذات اكبادها قربانا ندية لتأخذ الحرب ما تشاء والصحراء والجوع والرصاص الطائش والحمى والحصبة ، كلُ له نصيب من اولادها ، لقد دُفعت الارواح بالجملة وتِباعا ، يموت الأطفال بالمرض والبرد وبؤس المعسكرات وسؤ التغذية الذي حرمهم حتى حقهم في الصراخ ، من كل شيء حرموا حتى اللعب ضاع في متاهة صفوف الصدقات والهبات وأحلام الكبار ونزاع المناصب والحروب الكلامية بينهم وتبادل الاتهامات والجمل الصاروخية وحماقات الرجال والحرب التي لا ندري فيها أيهم على حق أي بلاء هذا ، وأي امتحان ،مات الشباب وتيتم الأطفال وترملت الكثير جدا من النساء ، كيف يستقيم أن بعضهم اجتمعوا وأتقنوا تصويب السلاح ليأتوا بالسلام والخضرة والعيشة الوافرة الظلال ومقومات الحياة من صحة وتعليم وقبلهما عيش كريم لنسائهم !!، كيف يستقيم ذلك وأول ما كان من امرهم أن حصدوا الأرواح وشقوا قلوب الامهات حد فقدان بعضهن للنطق ، لقد احتملن أوزار الرجال وحماقة قراراتهم وأحلام بعضهم بالتمتع بالدنيا وأهوائها بطاقة فاقت حد الممكن ، دفعن الثمن نيابة عنهم . أطفال شربوا من مياه الخيران دون تردد لأن العطش كان حاضرا ، رحيل ورحيل ودواب أتعبها طول المسير ، قرى بأكملها غاب عنها الرجال فباتت تحرسها النساء ، أي قربان تدفعين يا دارفور ومن أجل ماذا ؟؟ لقد رايتها بعيني امرأة سبعينية أفقدتها مصيبة موت أبنائها السبعة معا في نزاع كان مسلحاً القدرة على المشي والكلام ، زوجها البائس حكى تحدث بعينيه ولسانه ويديه وبكى ، بكل حواسه تحدث فقد حبست العبرة النطق مراراً ، والحمد أولى بالمحن ولا قول امام المصائب ليقال ، عظمت المصائب وتوالت الفجائع على أهلي هناك ، بيوت كانت عامرة بالحياة أضحت في لحظة رماد شتته الصحراء ، قرى كانت آمنةً أفزعها الليل والغرباء والسلاح والرصاص دون رحمة بها ، دارالفور أضحت سيدة على الكل بجرحها وانكشافها للفواجع ، كفاها احتمالا ، لقد كانت دوما غنية لا بثروتها بل بتعايش كان وأرض كانت تكفي الجميع ، لكن النفوس دائما تتحرك تبعا لأهوائها محولة التعايش التاريخي إلى فحيح سام والسم عندما يسرى يصعب منه الفكاك ، عهود لم تُصنع إلا لتنقض ، مؤتمرات صلح كانت فقط أمام كاميرات الإعلام ، دارفور فردوس أرضي بما تملك ، لكن أي لعنة تلك التي حلت على السودان فيها ، وأي عقول تلك التي تحرك الفتنة دون أن تهدأ نحن بحاجة للسلام كما الأطفال ، ارحموا النساء والأطفال فقد هدّهن الوجع وهجر الديار قسراً وفزع الأطفال ليلاً ، ذاكرتهن أصبحت لا تحتمل مزيدا من المصائب ربنا أكشف عنا الضرّ فقد مسنا وأهلنا وأرضنا وزرعنا وكدنا نهلك ، اللهم آمين [email protected]