1- ***- بهدوء شديد وبلا ضوضاء، مرت قبل ستة ايام مضت - وتحديدآ في يوم الأثنين الماضي 18 أغسطس الحالي-الذكري ال59 عامآ علي تمرد حامية "توريت" العسكرية في جنوب السودان،التي دخلت التاريخ السوداني تحت اسم "حرب الجنوب". ***- تقول وقائع الاحداث عن تمرد الامية "اورطة" 18 في توريت، انه في يوم 18 أغسطس عام 1955، -اي وقبل اعلان استقلال السودان باربعة شهور- قام بعض ضباط وجنود "حامية توريت" العسكرية التابعة ل"قوة دفاع السودان" وقتها بتمرد عسكري استولوا بكل سهولة علي الحامية بكل مافيها من سلاح وذخيرة، وجرت عملية تصفيات جسدية طالت اغلب الضباط والجنود الشماليين الذين كانوا بها، ثم واصلوا المتمردين زحفهم نحو مدينة توريت يبحثون فيها عن الشماليين، وبالفعل وقعت مجزرة كبيرة في المدينة وباطرافها، وجرت ايضآ عمليات سلب واسعة ونهب مسلح تحت سمع وبصر الجنرالات البريطانيين في المنطقة، الذين غضوا ابصارهم تمامآ عما جري من سفك دماء وقتل ونهب. بعد حصول السودان علي استقلاله الأستقلال، تم التحقيق حول احداث التمرد بصورة واسعة ومكثفة، واسباب التمرد، فجاءت نتائج التحقيقات بان الحاكم البريطاني روبرت هاو في الخرطوم له ضلعآ كبيرآ في الاحداث، وهو الذي اشرف بنفسه وخطط للتمرد بهدف اثبات ان الاحزاب السودانية التي تنادي بالاستقلال عن التاج البريطاني ليست مؤهلة لقيادة السودان... 2- وثائق امريكية عن الازهري (20) - تمرد الجنوب- ******************* المصدر: - موقع- سودانايل- الخميس, 04 كانون1/ديسمبر 2008 واشنطن: محمد علي صالح- ------------ (أ)- اسباب التمرد: من: مكتب الاتصال، الخرطوم- الى: وزارة الخارجية، واشنطن: الموضوع: التطورات السياسية قبل التمرد- التاريخ: 28-8-1955- *** - مع اقتراب تقرير مصير السودان، صار واضحا ان السياسيين وزعماء القبائل الجنوبيين قلقون على مستقبل السودان، وعلى مستقبلهم. وتطورت الاحداث شهرا بعد شهر، كالآتي: في يناير، عقد الجنوبيون مؤتمرا في جوبا، وطالبوا ب "الفدريشن": بين الشمال والجنوب، وبين الشمال والجنوب ومصر. ورغم ان كل السياسيين وزعماء القبائل لم يشتركوا في المؤتمر، صار واضحا انهم كلهم يريدون "الفدريشن" ... وفي فبراير، زار دبلوماسي امريكي من هذا المكتب الجنوب، وعاد بانطباع عن توتر في العلاقات بين الشماليين والجنوبيين هناك. وان الشماليين هناك متفائلون، لكن الجاليتين الامريكية والبريطانية اقل تفاؤلا. وان البعثة التبشيرية الامريكية في توريت توقعت تمرد الجنوبيين هناك بعد جلاء المسئولين البريطانيين. وان البريطانيين في مصنع انزارا توقعوا توترا في العلاقات بين الشماليين والجنوبيين هناك، ايضا، بعد جلاء المسئولين البريطانيين. ***- وفي ابريل، قدم بوث ديو، زعيم حزب الاحرار الجنوبي، واحد عشر من نواب الحزب في البرلمان، مذكرة الى الازهري انتقدت عدم اهتمامه بتطوير الجنوب، رغم ان هناك تطورا في الشمال بمساعدة المصريين. وان حزب الاحرار مستعد لتأييد الازهري اذا فعل نفس الشئ للجنوبيين ... وفي مايو، حصلنا على معلومات بأن دعايات المصريين تزيد في جنوب السودان لاقناع الجنوبيين بتاييد الاتحاد مع مصر، خاصة بعد ان تخلى الازهري واغلبية الاتحاديين عن ذلك. وان تأييد الجنوبيين، وليس الشماليين، للاتحاد مع مصر سيعقد الوضع اكثر. وفي يونيو، سافر بولين الير، بعد ان عزله الازهري من الوزارة، الىالجنوب. وقبل سفره، قابلناه، وقال لنا انه يتوقع حربا اهلية هناك ... وفي يوليو، وصلت الينا معلومات بأن البعثة التبشيرية الامريكية في توريت تتوقع تمردا هناك يوم 15 اغسطس، يوم اجتماع البرلمان لاصدار قرار باجلاء القوات الاجنبية من السودان، تمهيدا للاستقلال. وكانت هذه المعلومات متوفرة للمسئولين الشماليين في توريت ... رأينا: قلل الشماليون من الآتي: اولا: من عداء الجنوبيين لهم. ثانيا: من خوف الجنوبيين منهم بعد جلاء البريطانيين. ثانيا: من قدرة الجنوبيين على تنظيم انفسهم، وبدء التمرد ... 3- ***- يوم 18-8، بدأ تمرد وسط الفرقة الاستوائية التابعة لقوات دفاع السودان (فيما بعد: القوات المسلحة) الموجودة في توريت، في شرق الاستوائية. قبل ذلك، كانت الحكومة ارسلت سريعا، وبالجو، قوات من الخرطوم الى جوبا، لمواجهة اضطرابات هناك. بدأت اضطرابات جوبا عندما حاولت فرقة عسكرية شمالية نزع سلاح فرقة جنوبية، ورفضت الفرقة، وحدثت اشتباكات، وقتل جنود، وهربت اغلبية الفرقة الى غرب الاستوائية، بأسلحتها ومعداتها العسكرية.ثم جاء تمرد توريت. لا نعرف موقف الشرطة المحلية في توريت، لكننا نعتقد ان الاغلبية انضمت الى التمرد ... ***- يوم 19-8، بعد يوم من تمرد توريت، اعلن الحاكم العام البريطاني الطوارئ في المديريات الجنوبية الثلاث: الاستوائية وبحر الغزال واعالى النيل.ووصلت الينا معلومات خاصة بأن بعض الشماليين في الجنوب هوجموا، وبعضهم قتل. وان البعثة التبشرية الاميركية اخلت المنطقة، بحماية جنود جنوبيين. وصار واضحا ان الشماليين هم المستهدفون، وان الامريكيين والاروبيين سالمون.حسب معلوماتنا، توجد الآن في جوبا ثمان فرق عسكرية شمالية.لكن، يبدو ان سيطرتها لا تتعدى جوبا ... ***- في مديرية بحر الغزال، يبدو الوضع هادئا نسبيا. وكانت الحكومة ارسلت فرقة عسكرية شمالية الى العاصمة واو. غير ان مدير المديرية امر بأعادتها.لكن، في وقت لاحق، وصلت الينا معلومات ان مدير المديرية وكل مساعديه الشماليين اخلوا واو. قالت مصادر انهم خافوا من هجوم الجنوبيين عليهم وقالت مصادر اخرى انهم لا يريدون اغضاب الجنوبيين. ويعتقد ان سانتينو دينق، وزير المخازن والمهمات، موجود في واو، كممثل للحكومة ... في مديرية اعالي النيل، يبدو الوضع، ايضا، هادئا نسبيا. تمرد شرطة جنوبيون، لكن اخمدتهم فرقة عسكرية شمالية، ووقع بعض القتلى. وكانت فرقة عسكرية جنوبية تحركت من ملكال نحو الخرطوم، كجزء من تحركات رويتينة. لكن، عندما بدأ تمرد توريت، نزع سلاحها. وصار واضحا ان الازهري قلق على هذه التطورات، وحاول مواجهتها باسرع فرصة. بصفته وزيرا للدفاع، امر بأستجار طائرات من الخطوط الجوية السودانية، والاثيوبية، والاردنية، والسلاح الجوي الملكي البريطاني، لنقل الجنود الى جوباوملكال. وقبل خمسة ايام، اتصل الازهري لاسلكيا بالمتمردين في توريت، وطلب منهم الاستسلام.وصار واضحا انه لا يريد مواجهة عسكرية تؤذي العلاقات بين الشمال والجنوب ... ***- وفي نفس اليوم، عاد الحاكم العام الى الخرطوم،وايضا،امر المتمردين بالاستسلام. ووعدهم، اذا استسلموا، ان يرسل وليام لوس، مستشاره للشئون الخارجية والدستورية، وسابقا نائب مدير المديرية الاستوائية، لوضع ترتيبات الاستسلام. ومنحهم فرصة اربع وعشرين ساعة.وعلمنا من مصادر خاصة ان بوث ديو، زعيم حزب الاحرار الجنوبي ومن قادة المعارضة، يتعاون مع الازهري لحل المشكلة حلا سلميا. 4- الى: وزارة الخارجية، واشنطن الموضوع: تطور الوضع في الجنوب التاريخ: 2-9-1955 ------------- ***- "منذ آخر تقرير ارسلناه يوم 28-8 ، يظل الوضع في الجنوب متوترا وغامضا. لكن، ليس الوضع في كل السودان خطرا. امس، عاد الى الخرطوم وليام لويس، مستشار الحاكم العام البريطاني، واللواء احمد محمد، قائد قوات دفاع السودان (فيما بعد: القوات المسلحة)، بعد ان فشلا في اقناع المتمردين بالاستسلام. قبل ذلك بيوم، وصلت قوات عسكرية الى توريت لترتيب استسلام المتمردين. لكنها وجدت انهم هربوا الى الغابات، خوفا من القوات الشمالية. لم تنضم شرطة توريت الى المتمردين. ولم يؤيد زعماء القبائل المحلية التمرد. وهناك تقارير ان المتمردين قتلوا شماليين وعائلاتهم بالجملة، وان بعض الشماليين احتمى بالكنيسة الكاثوليكية. ***- وصار واضحا ان المتمردين هربوا لأنهم خائفون. لا لانهم يريدون تنظيم انفسهم لمواجهة القوات الشمالية. اخذ الهاربون معهم 500 بندقية تقريبا. وهرب بعضهم الى منطقة كابويتا، وعبر بعضهم الحدود الى يوغندا، واستسلم عدد قليل. وفي غرب الاستوائية، وصلت قوات عسكرية شمالية الى يامبيو، عن طريق مريدي وامادي. ويبدو ان قتل الشماليين هناك كان اقل منه في توريت. ويعتقد ان بعض افراد قبيلة المورو هناك انضموا الى المتمردين. ***- في الخرطوم، يواجهه الازهري نقدا متزايدا بانه اهمل: اولا: في مواجهة التمرد الذي كان متوقعا منذ فترة طويلة قبل حدوثه. ثانيا: في ترتيب استسلام المتمردين في توريت ... 5- كررت الوثائق الامريكية كثيرا اربعة اخطاء ارتكبها الشماليون في هذا الموضوع: ------------- اولا: قلل الشماليون تقدير عداء الجنوبيين لهم. ثانيا: قللوا تقدير خوف الجنوبيين منهم (بعد ان يخرج البريطانيون). ثالثا: قللوا تقدير قدرة الجنوبيين على التمرد. رابعا: بعد ان تمرد الجنوبيون، قللوا تقدير قدرة الجنوبيين على الاستمرار في التمرد - لخمسين سنة. هل كان الشماليون يقدرون على مواجهة تمرد توريت بطريقة غير التي واجهوها به؟ هل اخطاءوا عندما طلبوا استسلام المتمردين بينما تزحف قوات شمالية نحوهم بقيادة اللواء احمد محمد؟ هل كان المتمردون سيقبلون وساطة وليام لوس، مستشار الحاكم العام، اذا ذهب الى هناك بمفرده، او مع وفد بريطاني؟ هل كان المتمردين سيقبلون وساطة رجال الدين المسيحيين، مع وفد من رجال الدين المسلمين؟)... 6- ***- مرت قبل ايام قليلة الذكري ال59 علي اول حرب بين الشمال والجنوب بصورة علنية واضحة، والتي لم تنتهي بعد طالما هناك مشكلة ابيئ (كشمير السودانان) التي لم تحل بعد..موضوع النفط الدامي.. ومعضلة الحدود التي لم ترسم بعد بصورة واضحة بين البلدين... ***- تعتبر الحرب بين شمال السودان وجنوبه، من اطول حروب القرن العشرين.. والقرن الحالي 21..وتوسعت لتدخل دارفور،وجبال النوبة، وكردفان، وولاية النيل الازرق، وابيي...ودخول 42 ألف جندي أممي!! بكري الصائغ [email protected]