ما نود تناوله هنا باختصار هو أولا من أين أتتنا داعش و شقيقاتها بوكو حرام و قبلها طالبان و التكفير و الهجرة و الشباب الصومالي و جماعة محمد عبد الكريم و الخليفي و قتلة مسجد الجرافة و حاضني بيوت الأشباح ... إلى آخر القائمة التي لا يبدو أن لها نهاية ، و من أين استمدوا شرعية الذبح و السبي أو التعذيب ، و لماذا يحدث ذلك الآن . ثانيا : ما هو تأثير هذه المنظومة على الداخل الإسلامي و الخارج غير الإسلامي . أتتنا داعش و أخواتها من مكامن عدة ، من الثقافة السائدة التي تحترم و تبجل كل من أطلق لحية و ملأ فمه بهمهمات و دمدمات لا تحرك العقل لكنها تشحذ العاطفة ، و لا يسأل أحد عن مصداقية تلك القصص الملفقة عن السلف ، فلا أحد يسأل لماذا حاربوا بعضهم بعضا و استمرت حروبهم لقرون . و سيتكرر ظهور دواعش أخرى لأن كل البشاعات و العيوب سيتم تبريرها بالعبارة التبريرية المتكررة منذ ألف و أربعمائة عام :(العيب في التطبيق)!! و لأن أي دين يمثل لصاحبه جماع الحقيقة و الخلاص الآخروي فسينتج تأويلات داعشية لا حصر لها ... لماذا نقول ينتج فهو في الحقيقة أنتج بما لا يحتاج ذو البصيرة لمزيد من التبصّر لرؤية بشاعة تأويلاته ، لكن لأن أي دين لا يعتنقه صاحبه باستخدام عقله (ربما باستثناء ضئيل إن وُجد) بل يرثه مثلما يرث لغته و حمار والده (أو طائرته إن كان ابن عبد الرحيم حمدي مثلا) ، سواء إن كان ذلك الدين هندوسيا أو مسيحيا أو إسلاميا ، لذا فهو يحتاج للتبرير للحفاظ على صورة محفورة في خياله تمثل له راحة نفسية و تحقق أشواقه و مثله العليا . في خضم الصراع الاجتماعي الاقتصادي السياسي المحلي و العالمي ستؤدي هذه الأرضية لإيقاظ الأشواق الكاذبة و الكامنة لاستعادة أمجاد الأمس الوهمية و سيتولى البترودولار نشر كل الأكاذيب و الأساطير و الهراء بوصفه علما يدخل الجنة ، و يمنح الحور العين . سيسمي كهنته علماء و سيصبحون نجوم المجتمع و سينفحهم بملايين الدولارات لتسويق أيديولوجيته لترسيخ كرسي مملكته ... رغم أننا عبر كل تاريخهم منذ ما قبل ابن تيمية مرورا بمحمد عبد الوهاب و انتهاء بعبد الله عزام ، لا نجد لهم مساهمة و لو مجهرية في منجزات الحضارة الإنسانية ، فلا علم و لا إبداع سوى حفظ المتون و فتاوى من نوع : (وطء عدة نساء حرائر و إماء بغسل واحد ، كما ألّفوا عن ذلك حديثا يحتجون به أن النبي كان يطوف على نسائه التسع أو الإحدى عشر بغسل واحد الحديث في البخاري هل هذه صورة يرسمها عاقل لنبيه؟) . شارك التواطؤ الغربي بقوة في انعاش الفكر الظلامي بالتخطيط و الدعم اللوجستي (راجع مذكرات بريجنسكي مثلا) لأنه أراد استخدام ذلك الفكر و أهله كحاجز صد للفكر الاشتراكي الذي يخافه و أدرك أنه لا يوجد أفضل منه لتشويه كل مظاهر التقدم الإنساني ، فجماعات الفكر الظلامي تستفيد من منجزات الحضارة الحديثة (لولاها لكان قومها في مرحلة حك القمل و لبس الرداء و الإزار و ركوب الحمير و الخيل و البغال و البعران و يتعالجون ببول الناقة و شرطة من محجم و كية من نار) تستفيد من منجزات الحضارة و تصورها بأنها حضارة الانحلال و الفسوق و تحاكمها بماض تجاوزته أجيالها و أدانته من رق و حروب و ظلم و يجاهد مفكروها و يصارعون من أجل تجاوزه لغد عادل و إنساني (لا أحد يجزم بانتصار قيم العدل قريبا لكن كل الخيرين يكافحون من أجلها و يثقون في مستقبل انتصارها). و لعجز المنظومة الفكرية لآباء الدواعش ليس هناك من حل سوى الرجوع للماضي المقدس و هو ماض كما قلنا و أعدنا القول إنه ماض وهمي لم يحدث ، ماض لم تقم دولته على انتاج الخيرات إنما على الحصول عليها من منتجيها بشرعية الغزو ، ماض فيه قتل المختلف و الرق و السبي ، ماض من المستحيل إعادته حتى بسوءاته تلك لأن الزمان غير الزمان . أتتنا داعش و أخواتها من ركام ظلمات تاريخنا و تخلف فكرنا و التمسك بالأكاذيب و غياب العقلانية ، و لكن لماذا الآن ؟ اشتد الصراع السياسي الاقتصادي الاجتماعي و تفاقم الظلم محليا و دوليا و لأن مسارب العقل مغلقة فلا توجد أيديولوجية قادرة على الحشد مثل الأيديولوجية التي تلبس لباس الدين . واهم من يظن أن داعش فقاعة ستزول ، كلا داعش لن تزول إلا بصراع فكري و دموي طويل ، و حين ينهض العقل و يقطع سلاسل الوهم عندها ستزول داعش و كل أخواتها . ما هو تأثير داعش و أخواتها ؟ على الداخل الإسلامي أثبتت أنها تستمد شرعيتها من منظومة الفقه الإسلامي التقليدية منذ الأشاعرة و الحنابلة و ابن تيمية و تابعيه بغير إحسان . بالنسبة للمخدرين الذين تعميهم الستارة التي تناولنا تأثيرها من قبل في الحلقة الثانية من سلسلة (العلمانية و جوهر الدين و الرق و المسكوت عنه) المنشورة بتاريخ 6 فبراير 2014 في الراكوبة بالرابط http://www.alrakoba.net/articles-act...w-id-45437.htm بالنسبة لهؤلاء لن يفيقوا من تأثير المخدر ، لكن ستدور بين النخب و الشباب تساؤلات و عصف ذهني و ستتوسع آفاق نظرتهم و لن يقبلوا بالثوابت . الذين لا يرون ذلك التأثير و حراكه هم العمي فقط ، التساؤلات لن تكون محصورة داخل المنظومة الدينية بل ستتخطاها لما هو خارجها . أما الخارج بالذات الغربي و المقصود أوربا و أمريكا و كندا و استراليا فإن صدمات المذابح الوحشية و جز الأعناق و المجازر من نوع إعدام 1700 شاب (طلاب المدرسة العسكرية في العراق اسبايكر) و سبي النساء و أعلان النية عن بيعهن في السوق كما فعلت بوكو حرام ، أدى أشباه ذلك في الماضي إلى تنامي الخوف من الإسلام و زيادة نفوذ الأحزاب اليمينية التي تكن الكره للأجانب و بالذات المسلمين و حتما ستكون ردة الفعل على تراجيديا ما يحدث اليوم أعمق و أكبر أثرا . عندما يرى المرء مسلمي الهند و مدى دفاعهم عن العلمانية و خوفهم من تنامي نفوذ (بهارتيا جاناتا) الهندوسي الحاكم اليوم و كيف أدركوا أن الديمقراطية لا تعني فقط صندوق الانتخاب و أقلية و أغلبية ، إنما مبادئ و قيم ، عندها يشعر المرء بالحسرة على قومه الذين لا يتعلمون رغم التجارب المريرة ... سيحمل الغد للمسلمين العاديين نتائج غير سارة و كله بسبب داعش و صمتهم عن ممارساتها و ربما تأييدها من طرف خفي ، و يسأل المرء نفسه : أيهما أولى بالغضب و الحشد و الاستنكار : ذبح الآلاف و سبي النساء و اغتصابهن أم رسومات كاركتير رسام مغمور ؟ العالم يرقب و يتابع و يستنتج فهل أدرك قومي خطورة ما هم فيه ؟ أتمنى أن يدركوا . [email protected]