بالطبع هنالك مظالم تاريخية وقعت علي معظم قطاعات شعب دارفور . ولكن السؤال الذي يفرض ذاته : من الذي يتحمل الوزر . الحكومات المتعاقبة ام الشعب الشمالي _ الكاتب هنا لا يتبني فكرة وجود شعب شمالي ، حسبما يتبادر الي ذهن القاري _ هنالك فقط شعب سوداني واحد . علي كل من الذي يتحمل الوزر ؟. بالتأكيد يقع الوزر علي الحكومات التي تعاقبت علي سدة الحكم . ولكن مع ذلك برزت مؤخرا اصوات تتبني الراي المضاد .بل وتدمغ المكونات المحسوبة للشمال جغرافيا بالتواطؤ وعدم الاكتراث . مفردة – مندكورو- كانت متداولة عند العامة اثناء حقبة السودان الواحد . وغالبا ما تطلق علي المكونات ذوي السحنة البيضاء . بعد انقسام السودان توقع الكثير من المهتمين بالشان العام اختفاءها عن قاموس المجتمع السوداني . ولكن هاهي تعود مرة اخري وبصورة اكثر بشاعة. خلال الاسابيع الماضية نفذت السلطات الامنية المحسوبة لنظام المؤتمر الوطني حملة اعتقالات واسعة ضد طالبات داخلية البركس التابعة لجامعة الخرطوم . كانت الاعتقالات ذات طابع عنصري . حيث كان معظم المعتقلات ممن ينتمن جغرافيا بما يعرف في الادب السياسي بالهامش السوداني وخاصة اقليم دافور . مؤخرا تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تكشف القناع عما تعرضن له من ممارسات لا اخلاقية ؛ حيث اشتملت الممارسات علي العنف اللفظي والجسدي ،توجيه عبارات عنصرية ، وعمليات تحرش وابتزاز . ماذاكان رد فعل الشارع او المهتمين بالشان العام ؟ تراوحت ردود الفعل بين الايجاب والسلب . ردود الفعل _ وخاصة السالبة _ جعلت بعض المنتسبين للاقليم يبدون امتعاضا واضحا . قلة منهم اتهمت كل قطاعات المجتمع الشمالي بالتواطؤ . بينما اعلنت بصورة صارخة ان الانفصال هو الحل الامثل . باعتبار انه قد يساعد في رفع المعاناة والغبن عن كاهل انسان دارفور . بالتأكيد حق تقرير المصير ؛ حق طبيعي لكل شعوب الارض ،وانسان دارفور هو من يقرر ما اذا كان يرغب في الانفصال ام لا . علي كل هذا ليس من ضمن اجندة هذا المقال المتواضع . ما الذي يدفع الفئات السابقة لتبني فكرة الانفصال: " ما وقفوا معانا ".."تسعين في المائة منهم متواطي " "كلهم في النهاية جلابة ..والبعملوا فيهو مجرد عملية تقسيم اداور "..هكذا جاءتني بعض الردود . بالطبع هنالك تعميم صارخ . ما حدث هو ان الحكومات المتعاقبة تجاهلت مطالب اهل الاقليم .ولكن هذا الوزر لا يقع علي كاهل كل المنتسبين للشمال جغرافيا . حزب المؤمتر الوطني الحاكم علي سبيل المثال ليس حكرا او مؤسسة خاصة بقطاعات بعينها . هو خليط من مجموعات اثنية واجتماعية مختلفة .وجود شماليين بداخله لا يمنحه المشروعية لان يكون شماليا . هذا من جانب ، اما من الجانب الاخر: هنالك فئات محسوبة للشمال ولكنها ظلت تدافع عن قضية اقليم دارفور اكثر من اصحاب القضية انفسهم . ذات الممارسات التي ظلت تمارسها الحكومات الوطنية علي شعب الاقليم ،هي نفس الممارسات التي مؤرست بحق الشعوب السودانية الاخري . الم تجلي حكومة عبود شعب النوبة العظيم من مناطقهم التاريخية ، الم ينتهك النميري كرامة اهلنا في الجزيرة ابا ،الم تنزع حكومة المؤتمر الوطني من مواطني الجزيرة اراضيهم الزراعية لتهبها لاخرين موالين لها ..الم يُقتل الابرياء في كل من ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق ...الخ. هذا التعميم بالتاكيد سيعمل علي ازدياد الهوة بين المؤيدين للاستقلال من شعب دارفور وبين المناهضين للنظام في المناطق الاخري من الوطن . اصبح الامر كالاتي : انهم جلابة ..ولا يكترثون لازماتنا. هذا من جانب الطرف الاول ، اما الطرف الثاني فهو يري : طالما انهم ينظرون لنا بعين الاحتقار "جلابة " فلماذا نشاركهم ازماتهم . النتيجة النهائية : وجود اكثر من قضية ؛ هنالك قضية خاصة بالغرابة ،واخري خاصة بالمناصير ، البجة . اي بمعني اخر :تم تجزيء القضية السودانية . اي لا يوجد اعتراف صريح بوجود مشكل سوداني . الكل تقوقع حول ذاته . بالطبع لكل منطقة او شعب خصائصه وقضاياه .ولكن هذا ليس مبررا للتقوقع حول الذات .شخصيا لا احمل اي ضغينة تجاه احد . وفي ذات الوقت لا اؤمن بفكرة " العداوة " ولكني اعتقد انه لو كان هنالك عدوا لنا فهو بالتأكيد الحزب الحاكم ،هو الذي شرد اطفالنا ، اطلق الرصاص الحي في صدور الابرياء ،قتل اخوتنا ، انتهك كرامة نساءنا ،نهب ثرواتنا ، وأزم علاقتنا ببعض ،فلما لا نوجه انظارنا اليه بدلا من ان نكتفي بتوجيهها فيما بيننا . عندما نتحد ،ونتماسك ، ونخلع لباس الاثنية الذي نرتديه عندها فقط سنبني الوطن . ولكن عندما نتقوقع حول ذواتنا ونحمل فشل النخبة السودانية لاحدي المكونات ،عندها فقط سنهدم ما تبقي لنا من وطن . المنتسبين للشمال جغرافيا ابرياء من كل اخفاقات الانظمة المتعاقبة ،يكفي الشمال انه وهبنا ،الرفيق ياسر عرمان ،منصور خالد ، الطيب صالح ، والانسان محمود محمد طه ،عبد الخالق محجوب ، وصديقي الحقاني المشاكس تاج السر جعفر . ودمتم ودامت نضالات شعبنا [email protected]