رغم امتلاء الساحة السياسية بالكثير من القضايا الساخنة وبينها حوار نراه يتعثر ومع ذلك يقف البعض بعيداً عن مداره، وعلاقات خارجية بحاجة إلى من يحل عقدتها الشائكة، واقتصاد يترنح إزاء المقاطعة وغلول أيادي المانحين والمستثمرين إلى الأعناق، وانتخابات يريد لها المؤتمر الوطني المضي بينما ترفضها أحزاب المعارضة. رغم كل ذلك انشغلت البلاد بأسرها بما قاله أمين خزينة اتحاد كرة القدم السوداني عن اتصالاتهم بالاتحاد الأفريقي لوضع السودان كبديل لاستضافة نهائيات البطولة الأفريقية بعد اعتذار المغرب عن استضافتها في يناير القادم نسبة لتخوفها من انتقال مرض الإيبولا المعدي والقاتل عبر الوفود واللاعبين والمشجعين الذين سيحضرون للمنافسة خاصة وأن أغلبهم سيحضرون من منطقة غرب أفريقيا حيث ينتشر المرض هناك، ولكي نقدر حجم كلمة ينتشر فإن مجرد اكتشاف حالة واحدة في أمريكا جعلها تقف على رجل واحدة. فمن الذي أعطى اتحاد الكرة الحق ليتخذ قراراً كهذا قبل التيقن من موافقة سلطات البلاد التي تخضع الأمر لمختلف القياسات السيادية بما في ذلك التحوط من انتقال وباء إيبولا بواسطة القادمين من مناطق انتشاره؟ وإذا سلمنا جدلاً بسلامة قرار الاتحاد فهل يملك الاتحاد البنية التحتية التي تليق بالمنافسة؟ وهل بمقدورنا إرضاء الذين سيفدون من حيث توفير الفنادق اللازمة للسكن والإعاشة ووسائل الترحيل الداخلية وتوفير الأمن والسيطرة على ما سيحدث من انفلات بين مشجعي الدول المتنافسة؟ ففي مثل هذه المنافسات لا تحضر عادة طواقم اللاعبين والإداريين وحدهم وإنما سيحضر معهم الآلاف، بل كان الأحرى باتحادنا قبل التسرع في هذا الشأن الذي لا يملك فيه القرار السيادي أن يتوارى خجلاً لكون فرص منتخبنا في المشاركة مع المنتخبات المتأهلة للنهائيات ضعيفة إن لم تكن معدومة (تأكد لاحقاً انعدامها بعد الثلاثية التي تلقاها في نيجيريا قبل أيام). وهل يعقل أن تقام منافسة يتطلع إليها كل الأفارقة دون مشاركة الدولة المضيفة أم أن النظم تعتبر الدولة المضيفة ضمن المنتخبات المنافسة وهذا ما أسعد الاتحاد بعد أن فشلنا في التأهل عبر بوابة البذل والمهارة؟ ثم ما هي الحوافز التي تجعل المشجع السوداني يشهد منافسات ليس طرفاً فيها أو سيشارك فيها بضربة الحظ نتيجة لشجاعتنا على تحدي وباء الإيبولا في عقر دارنا؟ لقد اتخذ مجلس الوزراء الموقر قراراً سليماً برفض إقامة النهائيات ببلادنا لذات الأسباب التي جعلت المغرب ترفض الاستضافة حرصاً على سلامة مواطنيها، وكان قبل ذلك قد علت أصوات الرافضين في المنابر وشبكات التواصل والصحف، وبما أن الجميع قد أدلوا بدلوهم فقد أغرى ذلك حتى رئيس هيئة علماء السودان ليقول: (إن من ضمن رسالة الإسلام السامية المحافظة على كيان وكليات الإنسان في نفسه وماله ودمه وعرضه... وإن ذلك يتحقق بكمال صحة الإنسان والمحافظة عليها، حيث حث الرسول (صلى الله عليه وسلم) بمحاصرة الطاعون وأمر بالحجر الصحي وعزل المريض ... ومن واجب الدولة حماية المجتمع من كل ما يؤدى إلى الإضرار بصحة الفرد أو الجماعة ... وإن الدول المتحضرة تأخذ بهذه القواعد التي في أصلها قواعد شرعية إسلامية). وبما ان المواطن العادي يريد تنويراً حول هذا المرض فقد جاء في المواقع المرجعية بأن فيروس إيبولا المنتشر في غرب القارة الأفريقية يعتبر الأخطر والأكبر منذ بداية اكتشافه سنة 1976وإن غينيا وليبيريا ونيجيريا وسيراليون هي الدول المتأثرة بالفيروس حتى الآن وهي من الدول الأفقر في العالم والتي تفتقر إلى ابسط المستلزمات الطبية في القرى والمناطق النائية مما يجعل السيطرة على انتشار الفيروس أمراً صعباً للغاية. والإيبولا هو أحد الأمراض البشرية التي تبدأ أعراضها عادةً بالظهور بعد يومين إلى ثلاثة أسابيع من الإصابة بالفيروس، وتتمثل في حمى والتهاب الحلق وآلام العضلات وصداع. وعادةً ما يتبعها غثيان وقيء وإسهال، ويصاحبها انخفاض في وظائف الكبد والكلية وينتقل عبر الملامسة كما يمكن الإصابة بالفيروس عن طريق الاتصال بالحيوان المصاب بالعدوى من خلال الدم أو سوائل الجسم. [email protected]