المرء يكون أقْرب الى الصواب حينما يتكهّن ان السودان مقبل على مرحلة اقل ما يمكن وصفها بمرحلة ما بين خيارين لا ثالث لهما, أما سودان مجزأ الى دويلات عدة كل منها تختار اسما قد لا علاقة له بالمسى القديم او سودان له القدرة على استيعاب كل التنوع الذى يزيّن السودان بجغرافيته وعلائقه الاجتماعية وتاريخه. وفى هذا لا يمكن لذى بصيرة ان يختزل كل التناقضات البيّنة والشائكة التى كلفت البلاد ما لا يطاق من الدمار والخراب وحروب الابادة والتفتيت طوال فترة ما بعد الاستقلال حتى اليوم, ان يختزل كل ذلك بالتمرد على قصور تنمويى لحق اقاليم بعينها او بحروب قبلية حول الموارد او حتى بمجرد صراع حول السلطلة, الامر ابعد مما يتصوره كثيرون من النخب ( سياسيون اكاديميون مثقفون), فتلك الظواهر هى مجرد انعكاسات لازمة أعمق فى الاصل قائمة على جوهر القضايا التى تمس كينونة الانسان نفسه, سواء فى الجانب الثقافى او الاجتماعى او مستوى تمثيله الحقيقى فى الحياة العامة وعدم مخاطبة هذه القضايا بالتجرد حتما يقود الى تهتك كيان الدولة باكمله ارضاً وشعباً وحكومةً. مرحلة مفصلية بصرف النظر عن المراحل الحساسة التى مر بها السودان وخاصة مرحلتى الاستقلال ومرحلة اتفاقية السلام الشامل عام 2005 اننا فى الواقع نقترب من مرحلة تختلف الى درجة كبيرة عن المراحل السابقة فى نقطتين مفصليتين اولاهما ان السواد الاعظم من الشعب السودانى قد توصل الى قناعة راسخة بأن الايدولجية الاسلامية ذهب بريقها سياسياً وتآكلت بالصدأ وبالتالى يستحيل تحقيق أئ استقرار فى البلاد فى ظل وجود نظام الموتمر الوطنى الحالى المؤدلج دينياً, بل ويتعذر تحقيق ذلك حتى لو شارك هذا النظام فى حكومة انتقالية فيها الموتمر الوطنى الاقلية ولأن هذه القناعة لم تأت من فراغ وانما من تجربة امتدت لمدى ربع قرن فيها كان نقض العهود سمة طاغية فى ممارسة السياسة وادارة الحكم باسم الاسلام السياسى وبالتالى حتى المواطن البسيط يرى ان التحوّل السياسى السلمى لن يتحقق مع عقلية هذا النظام حتى يلج الجمل سم الخياط, وكل من يطّلع على وثيقة المحضر التى تسربت فى الاونة الاخيرة يتأكد من تلاشى فرص تحقيق الديمقراطية فى ظل ائ شراكة مع المؤتمر الوطنى. اما النقطة الثانية هى ان دورة الكفاح الوطنى قد قاب قوسين او ادنى من وصولها الى مرحلة التشبع التى منها يقول الشعب كلمة الفصل من منظور التجربة الطويلة والمريرة, فقد تجاوزت البلاد مراحل عدة بعيوبها وامراضها بدءً بمرحلة الاستقلال الذى اتى الينا منقوصا ومروراً بكبوات الوطن المريرة فى الاتفاقيات الجزئية فى اديس ابابا عام 1972 واتفاقية السلام فى نيفاشا عام 2005 واتفاقيتى دارفورفى ابوجا 2006 والدوحة 2011, عبر هذه التجربة الطويلة ومن خلال تفاصيلها الدقيقة عرف اصحاب القضية اين تكمن الشياطين فى الازمة السودانية واضحى كل مواطن بغض النظر عن مستوى تعليمه او درجة فهمه السياسى بمقدوره ان يقدم لنا (روشيتة) كاملة ومفصلة عن الازمة السودانية بل ويجرؤ على القول فى أنّ هذه الحلول او تلك هى الأوفق للازمة السودانية. إذاً هناك تطور كبير فى الوعى تجاه الازمة السودانية وقد يساهم هذا الى حد بعيد فى تناول القضية برمتها برؤية تؤدى فى نهاية المطاف الى مخرج جذرى قد يكون هذا المخرج هو الحل الشامل للازمة بابعادها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وهذا المخرج بالتاكيد يرسى بنا الى مرفأ الاستقرار الدائم مع تأمين الوحدة الوطنية , ايضا قد يكون المخرج هو التجزئة, رغم ما فيها من جذرية الحل الا انها مكلفة للغاية ومع ذلك فأنّ تعنت نظام الانقاذ فى المركز يوفر لنا اقوى حجة فى تبنى هذا المنحى المؤلم كما حدث فى معالجة ازمة الجنوب فى اتفاقية السلام الشامل, وبين هذين الخيارين المستقبل ليس كما كنا نأمل فى المراحل السابقة فى تاريخنا الحديث إذ أنّ الشعور العام أقرب الى إقرار أنّ السودان الان على وشك ان يصبح قصة من نبأ التاريخ. بذرة الفشل فى التجربة السياسية أية قراءة مستقبلية للمرحلة التى امامنا تلزمنا ان نقف ولو قليل على محطات التجارب السابقة علّ وعسى نهتدى بها سبل الخلاص للازمة السودانية. ففى هذا يجب اللا ينْمَحى من ذاكرتنا قسوة التجارب التى مرت بها البلاد منذ الاستقلال حتى هذه اللحظة التى نرى فيها السودان يتدحرج فى مشهد تراجيدى الى قاع سحيق نكاد لا نبصر الى ايّة قرارة سيستقر, وقد لا يختلف معى الكثيرون على انّ المراحل التى جربها السودانيون كانت بالعكس ليست مسدودة الافاق انما هناك فرص ثمنية لبناء دولة ذات ركائز متينة تتحمل عبء الازمات الناجمة عن التنوع الذى يتميز به السودان, ولكن تسربت بين ايدينا تلك الفرص وظللنا كل يوم ننام ونصحو على ايقاع مفردات التشاؤم والنحس كنواقيس خطر نطلقها كلما نقترب من كارثة كعبارات على شاكلة (على شفير الانهيار, مرحلة حرجة , منعطف خطير) وعبارات اخرى مزلزلة تدل على ان البلاد مقدم على مرحلة لا تحتمل, حتى كادت هذه النذر لا قيمة لها من شدة التكرار وعجزت تماما ان توصل حرارة الخطر الى مركز الاحساس لدى الشعب السودانى, وهكذا كانت تجربة انفصال جنوب السودان مرت كما لو انّ شيئاّ لم يحدث. فى تشريح الازمة السودانية تتجلى لنا بوضوح دلائل وبراهين قوية على اننا نشأنا كدولة فى تاريخنا الحديث فى احضان سياسات واتفاقات ومعاهدات دولية واقليمية جردتنا كثيرا من المقومات التى تلهم الشعوب بالوحدة والتضامن وبالاخص الطريقة التى اتبعتها انظمة الاستعمار فى رسم الخارطة السياسية للسودان برقعته الراهنة حيث لم يُراع فيها التباين الشديد بين الشعوب القاطنة فى هذه الرقعة انما كان ألهمْ الاكبر للاستعمار هو استحواذ اكبر قدر ممكن من المساحة الجغرافية لأجل وضع حدٍ وكبح جماح نفوذ منافسيه من الغزاة الاخرين على القارة السمراء, هكذا رسم الاستعمار خطاً سياسياً وهمياً من خلاله زجّ قسراً بما لا تقل عن خمسمائة قبيلة مشكلة اللغات والسحنات فى بوتقة جغرافية شاسعة وثقافية متنافرة وسياسية متعاركة , هذه (التكويشة والخم) جمعت شعوب متبانية فى دولة وهمية مصطنعة مما ادت لاحقا الى قيام حركات انفصالية تشكك فى كيان الوطن تحت دعاوى الظلم والاضطهاد وبالطبع عندما تكون هناك دولة ما لا يدين لها كل المواطنيين بالولاء حتماً أنها دولة فاقدة للشريعية السياسية ومشكوكة فى كيانها وهذا هو حال السودان وكان من الاجدر فى مثل هذه الحالة ان تقوم الحكومات الوطنية بعد خروج الاجنبى على تبنّى استراتجيات وبرامج وطنية طموحة تلبى تطلعات هذه الشعوب المتباينة لتُشكّل هويةً وذاتاً واحدة للامة السودانية بتنوعها الفريد وهذا الاخفاق الى حد بعيد مرتبط باخفاق تاريخى اخر لصيق بالحركة الاستقلالية السودانية التى نشأت منذ ان كانت جنيناً فى رحم وأحضان دولتى الاستعمار فولدت قيسرياً باتفاقات دولية واقليمية. فمنذ ان اُدرج مصير السودان فى جدول التفاوض بين دولتى الاستعمار( انجلترا- مصر) عام 1920 دون اى مشاركة وطنية والذى تمخض عنه لاحقا معاهدة 1936 بموجبها تم حكم السودان ثنائيا فمنذ تلك اللحظة اصبح السودان بمثابة الهدف التى اليها دخلت الدولتان فى ماراثون تفاوضى امتد زهاء اربعون سنة كانت المساهمة السياسية من قِبل اهل السودان تكاد لا تُذكر, وحتى اعلان الاستقلال من داخل البرلمان قُبيّل يناير 1956 بايام قلائل جاء مطبوخاً جاهزاً فى مطابخ الاستعمار حينما افلح الانجليز فى اقناع الزعيم الازهرى على ترك فكرة الاتحاد مع مصر. هذه الحقيقة تقودنا الى حقيقة اخرى لا يختلف حولها اثنان الا وهى سياسة اخفاء الحقائق لدى اهل السودان, لو اخذنا حقيقة التاريخ الحزبى فى السودان نجد حتى هذه اللحظة لم يتم تداول على نطاق واسع حقيقة نشأة حزبّى الامة والاشقاء وهما فى الاصل قوالب سياسية ذات رسائل محددة شكلتهما دولتى الاستعمار. تاريخيا نشأ حزب الاشقاء عام 1943 كواجهة سياسية لمصر كما نشأ حزب الامة كواجهة سياسية لبريطانيا فى عام 1945 الا ان كل من دولتى الاستمار عملت من خلالهما على تحقيق الهدف الذى يراد الوصول اليه فكانت مصر ترمى الى ضم السودان الى التاج المصرى فى الوقت الذى سعت بريطانيا الى استقلال السودان وفى هذه المعركة تمكنت بريطانيا بسند قوى من اللوبى البريطانى حول الحاكم العام فى السودان من هزيمة مشروع مصر رغم السند الامريكى الواضح لمصر بغية تحقيق اهداف جيو- استراتيجية ترمى الى اقامة حلف دفاعى شرق اوسطى يكون مقره مصر لمواجهة الخطر السوفيتى ومقابل موافقة مصر لهذا المشروع مارست امريكا ضغطا على بريطانيا لتتخلى عن فكرة استقلال السودان, رغم الموقف الوطنى المشّرف لحزب الامة فى هذا السجال يبرز لنا كيف كان دور الاستعمار فاعلاً فى نشوء قوى سياسية وطنية هزيلة فى السودان أثرت سلباً على مسيرة التطور فى البلاد. وفى خضم هذا الصراع الدولى الشائك حول السودان لم يتمكن مؤتمر الخرجيين الذى تأسس عام 1938 من اسهام عملية استقلال السودان على نحو الذى يمكّننا من تأسيس دولة سودانية ذات مقومات استقرار ووحدة, وجدير بالملاحظة انّ كتاب الاستقلال يفتقر الى صفحات النضال الجمعى ائ بمعنى أنّ الفئة النيلية وحدها انفردت بشرائحها المختلفة ( نخبة متعلمة-بيوتات دينية –قوى سياسية ونقابية) فى تنسيق واخراج المراحل الاخيرة للاستقلال مع دولتى الاستعمار ولكن كما قلنا كانت مشاركة شبه اسمية وهذا الدور المنقوص ادى الى ان يفتخر فقط جزء من الشعب السودانى بهذا الانجاز التاريخى والسياسى وبالتالى منذ ذلك الوقت ظلت ملكية الاسقلال محتكرة فى الممارسة السياسية, فمارس البعض بهذا الحق اقصى درجات الاقصاء على قطاعات كبيرة من الشعب السودانى مما نتجت تصدعات عميقة فى الوطن. هذه اللا مبالاة وعدم الاكتراث بمدلّهات الامور فى شأن الوطن وخاصة ما مارستها النخبة السودانية إبّان فترة الاستقلال كانت لها تاثير( الدينمو)على البلاد واثبتت التجربة مدى هشاشة الحركة الوطنية فى فترة الاستقلال وهذا بدوره جعل حركة التغير نحو الديمقراطية ضعيفة للغاية وعديمة الرؤية حيث ان الحركة السياسية فى اغلبها تدور حول مفاهيم وسياقات دينية وجهوية متجذرة عند الاحزاب السياسية العريقة التى نمت وترعرعت فى كنف الدين منذ ان كانت فى اطوارها الجنينية الى ان اصبحت كهلا مما حولت البلاد برمتها الى ساحة حرب بين الرؤيتين الاسلامية والعلمانية كان أمراءها من النخبة النيلية وإن كانت وقودها وسفودها من الهامش. وكما اصبحت الانجازات التاريخية والسياسية التى من المفترض ان تجمع الناس غائبة تماما واحتلت النزاعات والعصبية الصدارة فى المفخرة بدلا عن الانجازات التاريخية المشتركة التى يمكن ان تكون مادة جذب قوية للولاء القومى. والنتيجة كانت حروب ونزاعات وانقلابات على مدى ستة عقود حاولت خلالها الانظمة المركزية معالجة تلك الازمات بجرعات مهدئة للالم دون ان تخاطب الاسباب الرئيسية للازمة السودانية كما هو فى اديس ونيفاشا وابوجا والدوحة, فكلما أمعنا النظر فى التجارب السودانية من على شرفة التاريخ نجد انها مشدودة باوتاد من اتفاقيات دولية واقليمية تغذّى الحلول الجزئية وتكبّل البلاد فى قالب من عدم الانسجام. فمنذ خروج المستعمر اصبح عدم الانسجام بين العناصر الاساسية لمقومات الدولة سمة طاغية لازمت سيرورة البلاد حتى تاريخ هذه المرحلة التى من الجائز ان نطلق عليها مرحلة نكون او لا نكون او بالاحرى سودان موحد او دويلات متناثرة. عدم الانسجام يفرض نفسه على جل النواحى الحياتية....لا انسجام بين الجفرافيا الممتدة من صحراء العتمور فى اقصى الشمال حتى شلالات فولا عند نمولى ومن البحر الاحمر شرقا حتى وادى كاجا عند تخوم غرب افريقيا وبين تاريخ الشعوب القاطنة فى هذه الرقعة الشاسعة ولا حتى ادنى انسجام بين الثقافات المختلفة التى تعج بها هذه الرقعة ومكوناتها الاجتماعية التى تفوق ال500 قبيلة. كل هذا الحصاد المر يعتبر تركة ثقيلة بسبب التجربة السياسية فى السودان عبر عقود طويلة ولكن للاسف فى ظل تعنت نظام الانقاذ فى مخاطبة القضايا الجوهرية للازمة السودانية بنظرة أشمل, لا زلنا اقرب الى تكرار التجارب التاريخية ذات الصلة بالحلول الجزئية ائ كأننا امام ضرور حتمية لاكل الميتة على قاعدة فمن اضطر غير باغ. الوحدة او التجزئة..حلول بطعم علقم ما يمكن تكهنه من قرائن الاحوال هو ان المرحلة القادمة مهما تمسك النظام فى الخرطوم بوثبته الهشة لتفكيك ازمات البلاد المزمنة من خلال منبر يعقد فى الداخل فأنّ الواقع يكذّب ما يدّعيه النظام , والارجح نحن على مرمى حجر من صياغة مرحلة جديدة تتم هندستها اما خارج حدود السودان إن كان لا بدّ من الحوار بديلا لقوة السلاح او توأمة الهبة الشعبية مع النضال المسلح لإجتثاث حكم الانقاذ . ففى الحالة الاولى لا يساورنى الشك فى أنّ مولود السودان القادم سيلقّح خارج رحم البلاد ومن ثم يُنقل الى الداخل ما دامت رحم السودان على الاقل فى الوقت الحاضر غير ملائمة ان يتم بداخلها الاخصاب ناهيك عن نمو الجنين فيها وقبل ان يُنقل مثل هذا الجنين تحتاج الرحم الى عملية جراحية دقيقة لاستئصال كل الاورام الخبيثة التى نمت وعشّشت جراء جرثومة الانقاذ . تحقيق السلام والوحدة فى السودان أياّ كان حجم المشروع يتطلب استحقاقات كبيرة وتنازلات من هنا وهناك ومن جميع الاطراف وإلا سيصبح التعايش فى ظل دولة واحدة امرا مستحيلا وهنا يكمن النجاح أوالفشل فى حسم الازمة السودانية وحدةً اوتجزئةً. جدلية الوحدة او الانفصال فى السودان ليست مسألة وليدة مع الصراعات التى اندلعت فى الجنوب ودارفور وبعض مناطق كردفان والشرق فى الحقبة الاخيرة انما كانت فى صلب موتمر جوبا عام1947 حينما حاول الاستعمار ان يستنطق الجنوبين فى مسالة بقاءهم فى السودان الموحد او اختيارهم دولة منفصلة الامر الذى يجعلنا ان نؤكد ان هناك واقع ينبض بالتباين منذ الازل فى تراب السياسة السودانية, قادر ان يفتت وحدة البلاد مستقبلا ما لم نتمكن من معالجة ما يكمن من الاختلالات. ومما يدعو للاسف مثل هذه النذر المبكرة مرت على السياسة السودانية مرور الكرام فى كل من تمرد توريت والحركات المطلبية فى دارفور وفى الشرق وفى جبال النوبة فى مطلع الستينيات وكلها كانت انعكاس مباشر لسياسات تمارس فى المركز على حساب الاقاليم المذكورة بعينها, ومع تعنت المركز فى الخرطوم تطورت اساليب الاحتجاج حتى كادت ان تغمر كل السودان بحركات احتجاجية وخاصة من الهامش, ومع هذا, نظامنا السياسى لم يتحرك قيد انملة لمداركة هذا الطوفان الذى ظل يتمدد دون توقف ولو برهة واحدة, وكل الذى قدّمه هذا النظام او ذاك لا يتعدى اكثر من اجراء تجميلى سرعان ما يتبدّى لنا الوجه الحقيقى للمشروع الذى يراد تحقيقه وهكذا دخلت البلاد منذ عقود فى حلقة مجدبة لا ارضاً قطعنا ولا ظهراً ابقينا. الخلاف الذى يخيّم على السياسة السودانية لم يكن مجرد خلاف فى المفاهيم كما يترآءى انما فى الدرجة الاولى خلاف نابع من الازمة فى النوايا وغياب المصداقية فى مخاطبة القضايا الجوهرية التى تؤرق البلاد. صحيح على مدى تاريخ الصراع فى السلطة طغت على الاجواء السياسية معارك طاحنة بين رؤى مختلفة حول الدولة الدينية او اللا دينية , إلا اننا اليوم لا نحتاج الى مزيد من صراعات فكرية لكى ننتصر لهذا الفكر او ذاك فى شأن الدولة العصرية التى تقوم على المواطنة كاساس فى الحقوق والواجبات, يجب كسودانيين فى الوقت الذى نقر بهذا النسيج من التنوع فى الدين وفى اللغة وفى القبائل وفى التراث يجب ان نقر ايضا أن القاسم المشترك الوحيد الذى يجمع كل هذا التنوع هو الوطن وحده, فلذا أئ حلول فى المستقبل نحاول ان نخرجه من قضبان المواطنة لا شك حلول عاجز بل وضد ناموس الحياة وكأننا فى معامل العلوم نبرهن عبثاً ان الماء يتكون من دون ذرات الاكسجين والهيدروجين, وحتماً سنفشل فى تجربة كهذه ليست مرة او مرتين بل الى الابد. حسين اركو مناوى