حاضرة ولاية الجزيرة الغائبة وأنت تقترب من الدخول إلي مدينة ودمدني بطريق الموت تستقبلك لافتة بائسة كتب عليها ( ابتسم أنت في ودمدني) تلك اللافتة تغنيك عما سوف تشاهده مما تبقي من معالم تلك المدينة قد تبتسم ولكن تلك ستكون آخر مرة تبتسم فيها ، لا أريد أن أخوض في التاريخ فكلكم تعرفونه وتلك المداخل التاريخية هي سمة لكل مقال وهي معروفة ومحفوظة وتبدأ في سرد أن الحال كان كذا وأصبح كذا وكان وكان وكان سوف ادخل في الواقع مباشرة ولكم أن تضيفوا عليه ما تشاءون حتي من لم يري ودمدني يستطيع أن يكتب ما يشاء في حالها المتردي أو لنكن أكثر دقة الرديء المنعدم لان ما يكتبه بكل تأكيد لن يجانب الصواب فليؤلف كل شخص ما تجود به مخيلته في كل أنواع الدمار والخراب عن مدني وسوف يري انه أصاب ولم يخطئ ...بما نبدأ ؟ صحة البيئة: انظروا لتلك العبارة الرنانة ( صحة البيئة) للوهلة الأولي أري أن تلك الجملة صارت أعظم من أن تناسب تلك المدينة المفجوعة فلنقل ( ناس النظافة ) اعتقد أنها مناسبة نوعا ما فكلمة ( صحة البيئة ) يمكن أن نبدأ بها حديثا عن كوبنهاجن مثلا أو دبي أو نيويورك او أزمير – وأزمير هذه مدينة تقع في جنوبتركيا علي ساحل البحر الأبيض أكاد اجزم أن معرفة الناس بها في العالم تقل عن معرفتهم بمدينة ودمدني ، هاتفت صديقا وجارا لي في مدني وكالعادة بعد السلام والمعايدة بدا السؤال المعروف ( اها الخبر شنو ؟ مدني كيف ؟ فأجاب : ما في صحة بيئة واستطرد صحة بيئة شنو ياخ هو مافي شي اصلا ما في أي شي نحنا ذاتنا بقينا ما عارفين شي – انتهي كلام الرجل – أحسست أن صديقي خانه التعبير وقد نقلت لكم إجابته كما هي و أنا اخبره تماما فهو مثقف مفوه لا يخونه التعبير .. أراد صديقي إن يعبر عن واقع الحال فعجز، من تلك الإجابة استشعرت انه كمن فقد البوصلة وتاه في صحراء لا غرار لها وظل يرغي ويزبد ويلعن ويسب وقال: كدي ياخ خلينا من الكلام ده لا بودي ولا بيجيب أنت كيف ؟ يا أهل مدني الكرام مدني أوشكت أن تزول من خارطة الوطن أصبحت لا تشكو من كثر ما وهن جسمها أصبحت توفر طاقة الشكوى لكي تعيش يوما آخر مدينة بلا حاضر ما ذا يفيدها الماضي حتي ولو كانت مثل باريس مدينة ينهش البعوض في سكانها ليلا والذباب نهارا مدينة هجرتها الكلاب لأنها لا تجد ما تقتات به فأصبحت تفترس في أطرافها مدينة يشكو كل مواطن فيها لنفسه لأنه لا يجد من يشكو له مدينة كل حديثها أصبح عن كيف سيتدبر الشخص نفسه غدا ، مدينة أصبح الناس فيها يلتمسون الحد الادني من الادني من العيش والصحة والتعليم والخدمات مدينة يصبح الشاب فيها لا يهمه إن نام أو أفاق فكل الظروف عنده تتشابه فهو يصحو لا يلوي علي شيئ وان كان موفقا فمصيره عربة صغيرة من ثلاث عجلات يفوق سعرها 4000 دولار تسمي الركشة دخلها اليومي 5 دولار في أحسن الظروف لا مصانع ولا معامل ولا مزارع ولا ورش ولا إنتاج ولا عجلة تنمية فقط تلك العجلة ذات الثلاث عجلات هي مصير كل شخص وسوف يقوم بتوصيل جاره أو صديقه أو قريبه أو أخاه أو أخته أو أمه فأهل مدني يقومون بتوصيل بعضهم البعض لان في كل بيت توجد تلك الركشة وبطبيعتهم يتندرون فتلك ميزة تميزوا بها حتي ولو علي حالهم وكما يقولون ( مدني فيها مليون جنيه( بالقديم) كل يوم بيبيت عند زول) في إشارة لانعدام أي حركة تجارية فيها أصبحت المنازل متهالكة آيلة للسقوط فليس من أولوياتهم الصيانة والعمران فهي رفاهية ، لا طرق ولا نظافة ولا مصارف البعوض في كل مكان والناس مرضي بكل أنواع الأمراض تعودوا علي الأمراض البسيطة من شاكلة ملاريا وتيفويد فهذه أصبحت أمراض صديقة لا يأبهون بها كثيرا فهي من حديث المدينة كل صباح واعتادوا عليها بمرور الوقت لكنهم يخافون من الفشل الكلوي والسرطان حمانا وحماكم الرحمن فهذه لا قبل لهم بها وهذا الطريق البشع يحصد أرواحهم كلما فكروا في الذهاب إلي الخرطوم لا احد يتحدث عن مشروع الجزيرة ولا محالج القطن ولا احد يتحدث عن مصانع الزيوت أو الصابون والألبان والبسكويت لا يتحدثون عن مصانع الغزل والنسيج ولا يتحدثون عن شركات الري والحفريات والرش الجوي فقط يكتفون بمحاولة تدبير يومهم والتفكير في فيما سوف يفعلون غدا . مات فيهم أي أمل أو دعنا نقول قتل فيهم أي أمل إلي متي الحال ... وأهلي يتسربون من الحياة يوما بعد يوم وليد عثمان عبد الرازق/مدني [email protected]