والأمة تستشرف عاماً هجرياً جديداً نذكر ببعض مناقب أحد من أداروا شؤون الأمة الإسلامية من السلف في مقتطفات من حياته ونجاحه في إدارة الدولة ، عسى تنفع الذكرى في زمن استحكم فيه الظلم وأصبح فيه البحث عن السلطة واحداً من هموم أكل العيش، استوقفتني وأنا أطالع سيرة أمير المؤمنين الخليفة الأموي عمر بن العزيز بعض عباراته عندما جيء له مرة بالزكاة فقال أنفقوها على الفقراء والمساكين ؛ فقالوا ما عاد في أمة الإسلام فقراء ولا مساكين ، قال فجهزوا بها الجيوش ، قالوا جيش الإسلام يجوب الدنيا ، قال فزوجوا بها الشباب ، فقالوا من كان يريد الزواج زُوِّج، وبقي مال فقال اقضوا الديون عن المدينين ، فقضوه وبقي المال ، فقال انظروا في أهل الكتاب (المسيحيين واليهود) من كان عليه دين فسددوا عنه ففعلوا وبقي المال ، فقال أعطوا أهل العلم فأعطوهم وبقي مال، فقال اشتروا به حباً وانثروه على رؤوس الجبال ، لكي لا يُقال جاع طيرٌ في بلاد المسلمين !!!، وتساءلت كيف استطاع هذا الخليفة الراشد الخامس أن يخرج جميع مواطني دولته الممتدة من دائرة الفقر والعوز، فوجدت الإجابة تكمن في السياسات التي اتبعها منذ ان تولى مقاليد دولة المسلمين ؛ حيث بدأ أولاً بما يعرف في زماننا هذا بمحاربة الفساد ؛ وفي ذلك بدأ بنفسه وإن كانت سيرته خالية من أي شبهة من ذاك القبيل ؛ فجرد نفسه من كل نعيم وأعاد الأراضي والأموال التي وهبت له ولزوجته وأولاده من قبل حكام بني أمية الذين سبقوه ، إلى بيت مال المسلمين، وطلب من أهله إرجاع ما أخذوه من بيت مال المسلمين بدون وجه حق ، بالإضافة الى عزله للولاة الظالمين وتعيين ولاة عرفوا بالتقوى والصلاح وحسن السيرة بدلاً عنهم ، ثم بعد ذلك اهتم بالجانب الاقتصادي فأصلح الأرض وأقرض المزارعين وشق الطرق ووحد المكاييل والموازين في كافة أرجاء الدولة ، وفي إطار السياسات مع معارضيه انتهج الخليفة عمر بن عبدالعزيز نهج الحوار مع الخوارج واستمالهم بالحجة حتى انصاع الكثير منهم الى الحق ، ولم يغفل الناحية العلمية حيث شجع على حفظ القرآن الكريم وأمر بتدوين الحديث وجمعه ، وعندما أحس بمعاناة جنده الذين يحاصرون القسطنطينية أمر بعودتهم خوفاً عليهم من وطأة الطاعون ، وتأطيراً للسلام داخل دولته أوقف الحروب ، وعلى المستوى الخارجي كاتب الخليفة عمر بن عبدالعزيز الملوك والأمراء ، هذا بعض مما انتهجه الخليفة عمر بن العزيز من سياسات والتي انعكست - بلا شك - على حياة من عاشوا في كنف دولته ، بل عندما رأى الكثير ممن يدينون بغير الإسلام عدل عمر اعتنقوا الإسلام، وأنتجت سياساته الاقتصادية تحسناً في أحوال الناس وارتفع مستواهم المعيشي وانعدمت طبقة الفقراء تماما ، حتى خلت البلاد من مستحقي الزكاة. ..ليبقى السؤال : كم من العقود يا ترى حكم الخليفة الراشد عمر بن العزيز حتى ينجز كل تلك الإنجازات ، وكم من السنوات قضى ليكون مثالا للعدل يسير به الركبان منذ ذلك التاريخ البعيد وحتى الآن ، فقد بُويع في سنة 99 من الهجرة عقب وفاة الخليفة سليمان بن عبدالملك بن مروان ، وتوفي سنة 101 للهجرة عن عمر يناهز الأربعين عاما ، فكل الفترة التي حكم فيها عمر بن عبد العزيز لا تتعدى العامين فقط .. وما يستشف من هذه السيرة أن الإنجازات لا تتحقق بطول البقاء على سدة الحكم بقدر ما هي قوة الإرادة واتخاذ القرارات الصائبة وتنفيذ السياسات الفاعلة التي تؤمن الناس من الخوف وتطعمهم من الجوع.. صحيفة الخرطوم [email protected]