دعت جماعة الأخوان المسلمين لرفع المصاحف غدا الجمعة في مصر في تظاهرة قد يسمونا (( جمعة المصاحف )) , ولا شك في أنه قد تم الاستعداد والترتيب المسبق لذلك والتخطيط أيضا والتجهيز من قبل الجماعة في الدخل والخارج تمويلا وتدبيرا وبرمجة من قبل جهات كثيرة وعلي رأسها أجهزة الاعلام وعلي رأس أجهزة الاعلام بالطبع قناة الجزيرة وأخواتها والتي جهزّت جيدا لهذا الحدث من لقاءات مرتبة مسبقّة وجاهزة وأفلام وفيديوات ومقاطع محضّرة سلفا كما حدث من قبل عديد المرات , وكذلك تم ترتيب الأحداث التي ستقع !!! . أما النتائج فلا يعلمها إلا الله عزّ وجل والتي نأمل أن لا تكون كارثية حاضرا ومستقبلا . لماذا غدا ؟ 6 صفر 1436 ه !!! هل هناك مغزى لهذا التاريخ بالتحديد ؟؟ قد لا يعلم البعض مغزى تحديد هذا التاريخ , ولا اعتقد أن المسألة مصادفة بحتة !!! فلو رجعنا بعيدا للوراء سنجد أن شهر ( صفر ) قد حدثت فيه معركة ( صفين ) وهي المعركة التي غيّرت الكثير في تاريخ الاسلام , فقد بدأت معركة صفين في الأول من صفر عام 37 ه , وبعد ايام قليلة من بداية المعركة حدثت واقعة ( رفع المصاحف ) !!! . لا بأس أن نسترجع التاريخ ونذكر ما حدث : - بدأت معركة صفّين في الأوّل من صفر 37ه، وصفّين منطقة بين الشام والعراق . - جهّز معاوية جيشاً عدده (130) ألف مقاتل من الشاميين، وجهّز الإمام علي (عليه السلام) جيشاً عدده (135) ألف مقاتل من الكوفيين، منهم (100) مقاتل ممّن قاتل مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) في معركة بدر الكبرى، كعمّار بن ياسر، وحزيمة بن ثابت، وسعد بن قيس، وعبد الله بن عباس وغيرهم . - لقد كان لاستشهاد عمّار بن ياسر في معركة صفّين الأثر الكبير في تضعضع جيش معاوية ، بعد أن علموا بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قائل لعمّار بن ياسر: (يا عمّار، تقتلك الفئة الباغية) ، قال خزيمة بن ثابت: سمعت رسول الله( صلى الله عليه وسلم) يقول : (تقتل عمّاراً الفئة الباغية) , وقال عبد الله بن سلمة : رأيت عمّاراً يوم صفّين شيخاً كبيراً آدم طوالا، أخذ الحربة بيده ويده ترعد ويقول : والذي نفسي بيده ، لقد قاتلت هذه الراية مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثلاث مرّات ، وهذه الرابعة , وقال محمّد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت : ما زال جدّي يعني خزيمة كافاً سلاحه يوم الجمل حتّى قتل عمّار بصفّين ، فسلّ سيفه فقاتل حتّى قُتل . - ليلة الهرير : وهي الليلة التي كان فيها البرد قارصا إلى الحدّ الذي كان يسمع للجنود هرير كهرير الكلب ، وبالإضافة إلى البرد في هذه الليلة فقد اشتدّ القتال بين الجيشين ، بحيث قتل الإمام علي في يومه وليلته خمسمئة وثلاثة وعشرون رجلاً كما جاء في الروايات , وفي ليلة الهرير كان الأشتر ( مالك بن الأشتر النخعي – وهو قائد الجيش ) يضرب ضرباته بكلّ قوّة حتّى اخترق صفوف أهل الشام ، وأجرى حولهم عمليات الالتفاف والتطويق ، فانكشفت غالب صفوفهم ، وكادوا ينهزمون ، حتّى وصل الأشتر إلى قرب خيمة معاوية بن أبي سفيان ، فعند ذلك رفع أهل الشام المصاحف فوق الرماح وكانت فكرة عمرو بن العاص , وقد جاء في بعض الروايات أنه قال : لو أجابوا أو لم يجيبوا علي رفع المصاحف فسيحدث الانقسام في صفوفهم (( وذلك فعلا ما حدث )) وبعد أن كان النصر يلوح لهم تفرقوا , البعض وافق والبعض رفض , ثم حدثت قضية التحكيم المعروفة والتي بدورها فرّقت الباقي وأدت لظهور فرقة ( الخوارج ) . - مآل ونتيجة :- قُتل من الطرفين خلال المعركة (70) ألف رجلاً ، فمن أصحاب معاوية من أهل الشام (45) ألف رجلاً ، ومن أصحاب الإمام علي من أهل العراق (25) ألف رجلا . ما انفكت الجماعات الاسلامية مثلها مثل غيرها دينية كانت أو سياسية , وخاصة جماعة الاخوان في استخدام الدين لتحقيق اهدافهم ( السياسية ) و ( الدنيوية ) , وإلا فما معني رفع المصاحف ( قديما وحديثا ) !! , الم تكن المصاحف هي هي موجودة قبل بدء المعركة ؟ لماذا لم يحتكم إليها قبل أن تسيل الدماء وتركض الخيول وتشرع الرماح وتتقابل السيوف ؟؟؟ . أين هي حرمة المصاحف ؟ وكيف هي حرمة المصاحف ؟؟؟ قبل أن ترفع علي اسنة الرماح أو ترفعها الأيادي ؟؟؟ . الغريب أن الذين رفعوا المصاحف في صفين وبعد أن آل لهم الأمر , لم يتورعوا عن ضرب الكعبة نفسها وهدمها بالمنجنيق علي رأس ( عبد الله بن الزبير بن العوام ) وجماعته !! أيهما أشد حرمة المصاحف أم بيت الله العتيق ؟ وأين الفكرة هنا ؟ وهل الحرمة في كلام الله أم في الأوراق والأحبار ؟ أم هو استجداء لعواطف البسطاء والعامة ! . كتاب الله أعظم وأجّل وأرفع من أن نزج به في خلاف دنيوي وسياسي , وآياته المحكمات تفضحكم وتدينكم , ولا تكونوا مثل من قبلكم الذين خاطبهم الله عزّ وجل في كتابه الكريم ( الذي ستحملونه غدا ) - بسم الله الرحمن الرحيم ((مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )) , صدق الله العظيم . كنتم من قبل قد احتكمتم ( لصناديق الاقتراع والانتخابات ) واحتكمتم ( للمظاهرات والمسيرات ) , فلماذا الآن ( كتاب الله ) , الم يكن موجودا حينها ؟؟؟ , أم ستخرجون بفتوى جديدة مفصّلة مسيّسة , كفتوى حرب صفين حين قتل الصحابي الجليل عمار بن ياسر , فقال المعسكر الآخر : (( نحن لم نقتله – بل قتله الذين أخرجوه )) , وكان رد معسكره : (( ويلكم أخرج النبي عليه الصلاة و السلام عمه حمزة للقتال – فهل قتله ؟؟ )) . أقحمتم دين الله مقحما صعبا وأوردتم الأمة موارد الهلاك , وسالت دماء المسلمين بأيادي المسلمين , وضاع الحق والحقيقة فانظروا يا قوم حين تلقون نبي الله وقد حذركم وقال لكم وأرشدكم , وها أنتم تحملون أوزار كالجبال , وما لدين قد عملتم ! وأضعتم الدنيا والدين , ولا حول ولا قوة إلا بالله . [email protected]