الدرس الراتب أصبح محفوظاً للجميع، دعوات لمفاوضات ثم هجرة جماعية إلى أديس أبابا، تبدأ المفاوضات، الأخبار تحمل أخباراً سارة، الطرفان على وشك توقيع اتفاق إطاري ثم تبدأ الأخبار تتحول إلى المسار الآخر، المفاوضات تتعثر، المفاوضات على وشك الانهيار، طرف يتهم آخر بتبديد الوقت، والآخر يتهم بعدم الجدية، الطرفان يغادران ثم تبدأ الردود العسكرية.. القوات تتقدم، الجيش يقترب من ساعة الحسم، المتمردون على مقربة من دخول منطقة مركزية، الجيش يسترد، والمتمردون كذلك يسيطرون، صمت طويل حتى يحين تاريخ استئناف التفاوض، وبين هذا وذاك الآلاف يشردون، يموتون، يقتلون، والوساطات تتمتع بتبديد الوقت. لم تعد المفاوضات مثيرة للاهتمام ولا متابعة أخبارها، لأن نهاياتها معلومة للجميع، بل تفاصيلها باتت محفوظة، المفاوضون في وادٍ والوطن في وادٍ آخر تماماً، الواقع يصرخ، الحكمة تسجل غياباً دائماً، البندقية حاضرة، تعلو ولا يُعلى عليها، السؤال الأكثر إلحاحاً، هل من يفاوض ويتفاوض يعي حجم الأزمة التي تحيط بالبلاد، هل يدركون أن الأمر الذي بيدهم ليس هو اختيار الشعب إنما مفروض عليه أن يكونوا بيدهم القلم. هم من يسوقون البلاد إلى خيرها وشرها وبوعي تام وقصد واضح، الفشل المتراكم والذي بات ملازماً للحالة السودانية يستوجب وقوف كل الأطراف حاكمة ومعارضة، وقوفها قليلاً مع نفسها، القليل من المكاشفة والمواجهة مطلوبة، حتى متى تقرير مصير البلاد بين يدي من تسببوا في أن تصل البلاد إلى هذه المرحلة التي تستدعي الحلول الخارجية وبرعاية خارجية ووساطة خارجية وأجندة خارجية. الفشل المتراكم أصبح عنواناً للحالة السودانية، إن كان قبضة الحكومة أو ضعف المعارضة، النتيجة أن البلاد تسير نحو اللا شيء، الصورة أصبحت واضحة، إلا أنهم لا يملون من التشبث بالمؤامرة والاستهداف، الاستهداف لأجل الشريعة، الاستهداف لأجل الموارد، بينما البلاد لا شريعة حكمتها ولا موارد تمتع بها الشعب، المتآمرون أنتم. هب أن مخططات خارجية تستهدف السودان، من ينفذ هذه المخططات من الداخل، من قسم البلاد ومن بارك هذا الانقسام، ومن يصمت لمزيد من الانقسام، أنتم المتآمرون. السودان مستهدف من بنيه لا من أعدائه وليس من مؤامرة أكثر مما يحدث الآن بأيدينا من تمزيق وتقطيع وفشل في كل المناحي يتحمله الوطن أضعافا مضاعفة، ولم يعد هناك استعداد للقتال أكثر مما وقع. من قاتل لأجل السلام لم يحصل عليه إنما حصل على وطنيْن في أرض واحدة، ومن قاتل لحماية الدين تكشفت أمامه الخديعة، فيما القتال إذن ولِمَ القتال. الحالة الآن مطلوب أن تستدعي أن يكون الوطن هو المصلحة الواحدة وليس السلطة كما ليس من هزم من، ومن ربح ومن خسر، الوطن في أشد حالات الحاجة إلى من يرفعه مرتبة تعلو على المصالح والتنافس السياسي والحروب العبثية التي لم تُحقق واحدا من أهدافها، أما كفاكم انفصال جنوب السودان؟. التيار