لست أدري سببا لحدوث أشياء معتادة مطلع كل عام تجعلني أزداد يقينا بأن موعد الأستقلال الحقيقي ليس مكانه رأس السنة الميلادية فطابع الأحتفال بذلك اليوم يغلب عليه طابع مجاراة العالم في الأحتفال والتقليد وليس فرحا برفع العلم ولا برافعي العلم ولكنه أحتفال ذو نمط غربي تسبق تحزيرات الشرطة فيه موعده في الأنضباط وعدم المغالاة المفرطة والتقليد الأعمش الذي يعطي صانعي القرار بأن البلاد تعيش حالة من الرخاء الوفير والترف الزائد الذي يجعل شبع المحتفلين بائنا في رشق المارة بالبيض والبطاطس وحتي والطماطم علي غلاتهما يسارع الناس- حبا في التقليد- الي الأسراع بأقتنائهما طمعا في المجاراة البليدة للتراشق والضحك الهستيري . أستقل السودان رسميا في يوم أعلان الأستقلال من داخل البرلمان عندما فأجأ الأزهري الأعضاء وأعلن السودان دولة مستقلة موفورة السيادة والريادة وكان يوم الفاتح من يناير هو يوم ديكوري مظهري أعطي الفرصة للوفود من الولايات للتدافع بغية المشاهدة والوقوف علي جلية الأوضاع والدليل علي ذلك تلك الحشود الضخمة التي نراها في التسجيل الوثائقي والتي لم يكن خروجها عفويا وأنما كان ذا ترتيب ومواعيد أتت من كل حدب وصوب لذلك اليوم الذي انتظرته طويلا يوم الحرية وأستزكار نضالات السابقين ليأتي الأحتفال الرسمي للتسليم والتسلم بحضور الشعب وممثلي الدول المستعمرة . لذا أجد نفسي مؤيدا بقوة لكل رأي يدعو لألغاء الفاتح من يناير تاريخا للأحتفال بيوم أستقلالنا نسبة لأنشغال الناس بالأحتفال به كل علي طريقته الخاصة ومخطئ من يظن أن أولئك قد خرجوا تمجيدا للأزهري أو عشقا للمحجوب أو أستزكارا لصناع الأستقلال وأنما كل يحتفل بطريقته في ذلك اليوم بتسيير الرحلات وأقامة المناسبات التي لايكون فيها للسياسة أو الرجوع للتاريخ مجال فقط يبقي رأس السنة بيومه هو يوم غلاء للضروريات وفي أسعار اللحوم والخراف وترف في المأكولات الذي يمتد فحشه الي رمي الناس بالنعم وشرائها بقصد الضحك والمزاح . في كثير من الدول نجد أن عيد أستقلالها لايتوافق مع أي مناسبة مجمع عليها تراضي عليها الناس حتي يعطوا الشعب أمكانية الرجوع الي التاريخ بغرس الماضي المجيد في نفوس الصغار والتزكير ببطولات السابقين التي كاد التاريخ أن يدوس عليها في التراب فتمنح الأجازات التي تجعل الجميع موقنا بأنها لعيد البلاد ولصناع تاريخ البلاد فيحفظ الجميع حقهم ويرد الوفاء لهم ويمسح مالعق بصورهم وتاريخهم من سهو وغبار جراء الهموم والسعي خلف المعائش ول.كن الحق محفوظ والنضال حاضر يتجدد مع الأيام الي الأمام ثباتا في زاكرة الكبار وغرسا في نفوس الصغار فلاغرو فاليوم يوم بر ووفاء . وفي بعض الدول تزيد الأجازة عن اليوم الواحد لتجاوز ثلاثة أيام وأربعة تمجيدا للعيد الوطني وتزكيرا بصناع المجد وباعثي نهضة الأمم وقديما قالوا أمة بلا تاريخ هي أمة لاحاضر ولامستقبل لها اذا فالأمم السائرة في طريق المجد والنهوض لابد لها من مصاحبة التاريخ ولابد لها من معرفة قدر الرجال ولابد لها من التفريق بين العام والخاص في ربط البلاد بيوم خاص يخلو من المناسبات المعروفة ليكون عيدا معروفا بأسمه وعندما يسأل الصغار عن دواعي الأجازة فيه لابد من تبصيرهم بأمجاد السابقين وبصناع الأستقلا ل لينشوا علي العهد والميعاد في المحافظة علي السيرة ومواصلة المسيرة المتطورة دوما الي الأمام بعرق السابقين وتعاقب اللاحقين . وحتي تاريخ السودان أضحي شحيحا في مناهجنا التعليمية مايعطي أنطباعا بضعف الشعور القومي المطلوب تنميته بدءا بصغارنا وتعميما علي الكبار ولكنه أضحي في مرحلة الأندثار وجل البحوث والأستطلاعات المكتوبة تنبئك عن هذا ولعل من الطرائف التي أستحضرها دائما عندما سئلت طالبة وطالب عن حكومة السيدين وعن مدي معرفة الأستاذ محمد أحمد المحجوب فسألت الطالبة الأولي عن هل السيدين أسم لشخص وأفتي الطالب الثاني بأن ه درس للمحجوب قصيدة في منهجه الدراسي فقط دون أي معلومات أخري ونتيجة البحث والأستطلاع أثبتت رسوب جل الطلاب في أمتحان معرفة التاريخ وصناع الأستقلال . اذا يبقي الغاء الأول من يناير موعدا للأحتفال بالأستقلال مطلب رسمي يقتضي بنا أن نسمي يوما آخر للأستقلال وهو اليوم الذي يصادف يوم اعلان استقلالنا من داخل البرلمان وجعله أجازة رسمية تعرف بيوم الأستقلال المجيد فيه يرجع الناس قليلا الي الماضي ليس أنغماسا فيه الي الآخر وأنما يوم وفاء وتجديد للسيرة ووعدا بمواصلة المسيرة التي أبتدأها أولئك فالشعوب أنما تقوم نهضتها بتاريخها الواسع و بتواصل الأجيال الذي يضمن حفظ الحقوق وتجديد النضال وتعبيد الطريق المفضي الي التنمية الرشيدة والرفاهية المتوازنة. [email protected]