تمر علينا هذه الأيام ذكرى حبيبة إلى نفوسنا ألا وهي ذكرى الاستقلال، وقد درج السودانيون على الاحتفال بتلك المناسبة العظيمة في كل عام، ولكن لكل منا طريقته الاحتفالية الخاصة، فبعض الناس يقومون بتنظيم رحلات جماعية سواء كانت في إطار الأسرة الصغيرة أو الأسر الممتدة أو مع زملاء المهنة أو الأصدقاء بغرض الترفيه وتغيير الأجواء الروتينية لإيقاع الحياة، بينما نجد أن هنالك فئة من الناس يؤثرون مشاهدة ومتابعة مجريات الأحداث عبر الشاشة البلورية على الخروج من المنزل لأسباب كثيرة. «الملف الاجتماعي» قام بإجراء استطلاع وسط عينات من الناس تم اختيارها عشوائيًا لمعرفة عادتهم في الاحتفال بأعياد الاستقلال.. من داخل سوق بحري التقيتهن، سيدة في مقتبل العمر برفقة فتاة عشرينية وأخرى تصغرها قليلاً، وأيديهن تنوء بما تحمل من مستلزمات وأغراض، ومن خلال الحديث الذي تناهى إلى أذني أن تلك المستلزمات بغرض الاحتفال بعيد الاستقلال وبداية العام الجديد، دنوت منهن وألقيت عليهن التحية وتجاذبت معهن أطراف الحديث حول قضاء عطلة عيد الاستقلال، قالت السيدة الأكبر سنًا وتدعى روضة: درجنا على الاحتفال بعيد الاستقلال المجيد والذي يتزامن كما تعلمين مع بداية السنة الجديدة وقد كنا كأسرة نفضل الاحتفال خارج المنزل كنوع من التغيير ولكن في السنة الماضية تعرضنا لموقف «سخيف» حيث قام بعض الشباب المشاغبين برشقنا بالماء المتسخ والبيض الفاسد والطماطم، ومن وقتها «حلفت على بناتي» أن يكون الاحتفال من داخل المنزل والاكتفاء بمتابعة التلفاز مع أن البنات غير موافقات بالمرة على هذا القرار، ولكني مازلت مصرة عليه ومازال ذلك الموضوع مثار جدل بيني وبينهن. هنا تدخلت البنت الكبرى «تقوى» في الحديث قائلة: كل عام ونحن نحتفل خارج المنزل، وما حدث السنه الماضية ليس قياسًا، فطيلة السنوات الماضية كنا نحتفل بكل هدوء لكن «أمي» مصرة على رأيها وما علينا إلا الرضوخ والاستسلام لها على مضض. بينما أضافت الفتاة الصغرى «آية» وعلامات الضيق بادية على وجهها: افضل النوم باكرًا على الاستيقاظ لمتابعة التلفاز حتى لا «أغيظ» نفسي، فالقنوات تحمل الكثير من مظاهر الاحتفال فهل أكتفي بالمتابعة من على البعد؟! الأستاذ محجوب الفكي أفادنا بقوله: الاحتفلال بذكرى الاستقلال واجب على كل سوداني ولكل أسرة طريقتها المختلفة في الاحتفال، أنا وأسرتي نفضل الاحتفال من داخل المنزل حيث نشاهد برامج التلفزيون في القنوات السودانية ونحتسي أكواب الشاي ونتناقش أنا وأبنائي حول الأوضاع الراهنة بالبلاد وأحرص دائمًا على غرس روح الوطنية فيهم بتذكيرهم بأمجاد الآباء والجدود وكيف أنهم دفعوا المهر غاليًا ممهورًا بدمائهم الطاهرة التي سقت تراب هذا الوطن حتى نلنا استقلالنا. الحاجة ستنا عوض الكريم قالت في إفادتها لنا: عادة نحتفل كل عام بذكرى الاستقلال المجيد، أنا عن نفسي أفضل الاحتفال بالمنزل ومشاهدة التلفاز خاصة قنوات سودانية بعينها، فالاحتفال خارج المنزل تصحبه الكثير من المساوئ كالازدحام والبردوة الشديدة في شهر يناير إضافة إلى الكثير من الممارسات السالبة من بعض الشباب المتهورين، بناتي يخضعن لرغبتي ويمكثن معي بالمنزل، أما أبنائي فيحبذون الاحتفال مع أصدقائهم سواء كان الاحتفال نهارًا بالقيام بالرحلات أو ليلاً في شارع النيل أو بعض الحفلات الساهرة. «هناء الطيب» ربة منزل أفادتنا بقولها: لوقت قريب كنا نفضل الاحتفال بذكرى الاستقلال بالخروج للرحلات الترفيهية ولكن منذ العام الماضي آثرنا الاحتفال من داخل المنزل ومتابعة التلفاز، لأننا نحتفل بالمناسبة كأسرة ممتدة وكثيرًا ما كنا نجد صعوبة في التنقل بسبب الازدحام «والأطفال بنوموا والدنيا برد». لكن الشباب من الأسرة يبدأون معنا الاحتفال بالمنزل ولكنهم سرعان ما يُصابون بالملل على حد قولهم مما يحدوا بهم إلى الخروج برفقة أصدقائهم. الأستاذ تاج السر عثمان الطيب قال في إفادته لنا إن عددًا من شبابنا يعيشون حالة من الاستلاب الثقافي، فهذه النوعية من الشباب يحتفلون برأس السنة الميلادية وليس الاستقلال. وعدد منهم لا يعرفون متى وكيف نلنا استقلالنا؟ ولكني لا ألقي عليهم صوت اللوم! فللأسر الدور الكبير في تنشئة الأطفال منذ الصغر على مفهوم الوطنية وذلك بسرد القصص والحكايات عن الكيفية التي نال بها السودان استقلاله وكيف أن الآباء والأجداد ضحوا بالغالي والنفيس من أجل أن ننعم نحن بالحرية، أضف إلى ذلك يجب أن تكون هنالك مادة للتربية الوطنية بمدارسنا منذ مرحلة التعليم قبل المدرسي حتى ينشأ الطفل وهو ملم بتاريخ بلاده ومحب لها. أنا أعمل معلمًا لمادة التاريخ منذ أكثر من ثلاثين عامًا، ويعني ذلك أني ملم بالتاريخ، لذا أحرص على جمع أبنائي وأحفادي في غرة شهر يناير من كل عام بغرض مراجعة تاريخ سوداننا الحبيب مرورًا بكل الحقب التي مرت علينا منذ أن نلنا الاستقلال كما أنني أحرص على متابعة قنواتنا السودانية. وياحبذا لو فرّق بعض الناس بين الوطنية وحب الوطن وبين النظام الحاكم. ذكرى الاستقلال ذكرى حبيبة إلى نفوسنا، هكذا ابتدرت الأستاذة سعاد عبد الرحيم حديثها ثم أضافت: يجب على كل سوداني محب لوطنه أن يحتفل بتلكم المناسبة التي ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بتحررنا من قيود الاستعمار التي كانت تكبلنا، وها نحن الآن احرار في بلادنا بغض النظر عن بعض الكبت إن جاز لي التعبير! لكن الاستقلال مناسبة عظيمة تستحق منا الاحتفال ومراجعة تاريخ بلادنا المشرِّف وأخذ الدروس والعبر من الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل أن ننعم بسوداننا حرًا أبيًا. أنا كما ترين سيدة كبيرة في العمر ولكني أحرص كل الحرص على الاحتفال بذكرى الاستقلال برفقة أسرتي الممتدة من أبناء وأحفاد وأحرص كل الحرص على الحضور بمنزل الزعيم الأزهري في ذلك اليوم. وعبر صحيفة «الإنتباهة» أتوجه بنداء للمسؤولين وخاصة وزارة التربية والتعليم بتخصيص حصص دراسية للتربية الوطنية وفق منهج مدروس بعناية، فعدد من شبابنا مع الأسف لا يعرفون شيئًا عن تاريخ السودان.