جامعة طوكيو للطب والأسنان محاضر بجامعة الخرطوم، كلية الصحة، قسم الوبائيات. أستحسنت موقف وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم وهو يصدر قراراً وزارياً لتنفيذ حزمة من التدابير الاحترازية لمواجهة موجة البرد وحماية التلاميذ. وما أستوقفني في هذة التدابير، هو الفقرة الخاصة بضرورة اغلاق النوافذ في الفصول ومركبات الترحيل، وتجنب إبقاء الطلاب خارج الفصول لأوقات طويلة. من المنطقي أن نفترض أن حال المدارس والتلاميذ وكذلك البنية التحتية للتعليم داخل ولاية الخرطوم افضل من ولايات السودان الاخري. ولكن أنا علي علم تام بأن حال المدارس في أطراف الولاية وأريافها أسوأ بكثير من حال المدارس في كثير من ولايات الهامش، هذا ان لم تكن الأوضاع أشبة بحال المعسكرات في أطراف السودان المأزومة. لذلك بدأت أفكر جلياً في الفئات المستهدفة من هذا القرار. هل هي تلك الفئات التي تستمتع بمدارس خاصة، فصولها دافئة شتاءاً، مكيفة صيفاً، وهي في مباني متعددة الطوابق...!!! ام أن الوزير يعني تلك المدارس التي لا تتمتع بفصول من المواد الثابتة، او لا شبابيك ولا أبواب لفصولها ان وُجدت، وهي رواكيب تتخللها أشعة الشمس، وتدخلها الرياح بلا إستئذان من كل حدب وصوب، وهي لا تعرف الدفء في الشتاء، ولا يجف عرق تلاميذها في حر الصيف.... !!! وايضاً هل يستهدف الوزير بهذا القرار التلاميذ الذين يتمتعون كل يوم بتجهيزات أسرهم من مأكل لذيذ، وملابس واقية من البرد، ويرخون آذانهم في كل صباح ليسمعون بوق عربة الترحيل الفخمة..!!! أم ان الوزير يستهدف الطلاب الذين يقطعون بضع كيلومترات قاصدين مدارسهم، وهم ينتعلون احذيةً بائسة، وملابساً مهترئة. وأحسنهم حالاً هو الذي يركب حماراً، أو يمتطي دراجة هوائية، ويري أنه أكثر حظاً من أقرانه الذين تشققت أرجلهم من قسوة الشتاء. وفي كل حال من السيناريوهات المذكورة أعلاه، فأن الفئة الاولي لا تحتاج الي قرار الوزير، وهو يُعتبر من أبسط الإجراءات الروتينية التي توفرها الأُسر، وتحرص علي تطبيقها إدارة كل مدرسة دون توجية من أحد. بينما نجد الفئة الثانية غير معنية بهذا القرار. لانها ببساطة لا تملك عربة للترحيل، أو فصول يمكن إغلاق أبوابها وشبابيكها، وأن معظم نشاط الطلاب ويومهم الدراسي هو تحت الهواء الطلق. حال وزير التربية بولاية الخرطوم أحسن من الوزراء الآخرين الذين لزموا الصمت في ولايات السودان الاخري.هناك في الارياف البعيدة، طلاب المدارس يقطعون رحلة ماراثون بأقدام حافية في كل صباح، يخوضون فيها المياة الباردة للترع والوديان للوصول الي مدارسهم التي تقبع في قري أخري غير تلك التي يقطنونها، وقبل ان تجف ملابسهم المصنوعة من الدمور، يجلسون علي ارضية فصل دراسي بلا مقعد، وهم ينتظرون مُعلم يبحث عن تباشيرة. ونحن نتحدث عن ثورة تعليمية شاملة، تكون الأساس في صناعة جيل واعي، ونهضة أمة واعدة، أرجو أن تتكامل جهود الدولة مع المجتمع المدني، وان تمتد جهود الوزراء وإصلاحهم الي قرارات وبرامج عمل جريئة، تستهدف البيئة المدرسية وما تتطلبه من فصول دراسية، ومقاعد للاجلاس، ومرافق للصرف الصحي، ومياة للشرب، وكسوة للتلاميذ، اضافة للتغذية المدرسية. [email protected]