خمسة وعشرين عام تلت الانقلاب الذي جاء بالرئيس عمر حسن البشير إلى سدة الحكم في السودان بدعم ومشاركة مباشرة من الجبهة القومية الإسلامية بقيادة حسن الترابي، مدى استغلال الإسلاميين الشعارات التي تتسبب في إحداث دمار شامل للنظامين السياسي والاقتصادي، ما يقود إلى إفقار الشعوب وإهدار مواردها والتلاعب بمقدراتها وموجوداتها.تتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية في السودان بشكل مريع ومترابط. وبلغ التدهور حداً أصبح فيه ظهر السودان مكشوفاً سواء من ناحية العلاقات الخارجية على الصعيدين الإقليمي والدولي أو من الجانبين السياسي والاقتصادي. اقتصادياً وصلت قيمة الجنيه إلى حد التلاشي ففي يوم انقلاب الإسلاميين كما تذايدت البطالة وارتفاع معدل البطالة أما من الناحية الأمنية فيكفي فقدان السودان إلى الجنوب الذي يشكل ثلث مساحته السابقة تقريباً، فيما تدور صراعات كبيرة في أجزاء كبيرة من أقاليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وجبال النوبة. ومن أجل الوصول إلى تحليل سليم للأسباب التي أدت إلى هذا المأزق الخطير لا بد لنا من قراءة متأنية لثلاثة مبررات تضمنها البيان الأول لانقلاب الإسلاميين على الحكم في السودان في 30 يونيو 1989 والذي أذاعه عمر البشير.والذي جاء فيه: (لقد تدهور الوضع الاقتصادي بصورة مزرية وفشلت كل السياسات الرعناء في إيقاف التدهور، ناهيك عن تحقيق أي قدر من التنمية مما زاد حدة التضخم وارتفعت الأسعار بصورة لم يسبق لها مثيل.. وقد أدى التدهور الاقتصادي إلى خراب المؤسسات العامة وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية وتعطيل الإنتاج.. وانشغل المسؤولون بجمع المال الحرام حتى عم الفساد كل مرافق الدولة وكل هذا مع استشراء التهريب والسوق الأسود.مما جعل الطبقات الاجتماعية من الطفيليين تزداد ثراء يوماً بعد يوم بسبب فساد المسؤولين وتهاونهم في ضباط الحياة والنظم.. لقد امتدت يد الحزبية والفساد السياسي إلى الشرفاء فشردتهم تحت مظلة الصالح العام، مما أدى إلى انهيار الخدمة المدنية، ولقد أصبح الولاء الحزبي والمحسوبية والفساد سبباً في تقديم الفاشلين في قيادة الخدمة المدنية وأفسدوا العمل الإداري وضاعت بين أيديهم هيبة الحكم وسلطان الدولة ومصالح القطاع العام.. لقد كان السودان دائماً محل احترام وتأييد من كل الشعوب والدول الصديقة، كما أنه أصبح اليوم في عزلة تامة والعلاقات مع الدول العربية أصبحت مجالاً للصراع الحزبي، وكادت البلاد تفقد كل صداقاتها على الساحة الإفريقية ولقد فرطت الحكومات في بلاد الجوار الإفريقي حتى تضررت العلاقات مع أغلبها.. وهكذا أنهت علاقة السودان مع عزلة مع الغرب وتوتر في إفريقيا والدول الأخرى. من الاسباب التي استندت عليها حكومة المؤتمر الوطني للفساد. كما يزعمون الوضع الاقتصادي وهنالك عدة أسباب أدت إلى هذا التراكم الهائل في الديون الخارجية أبرزها التدهور المريع في العلاقات الخارجية، والذي دفع بالحكومة السودانية إلى اللجوء إلى قروض مكلفة للغاية من حيث الفوائد والشروط، هذا إضافة إلى الصرف الحكومي غير المسؤول وعدم التقيد بالأسس السليمة لتقييم شروط الاقتراض. وهنالك مشكلة أخرى جوهرية ستطال تبعاتها الشعب السوداني خلال السنوات المقبلة. وساهم هذا بشكل مباشر في الضغط على الموارد المحلية واللجوء إلى التمويل بالعجز في الموازنة العامة للدولة. كما تسبب تراكم الديون في تراجع تدفق العملات الأجنبية مقارنة بالطلب، ما دفع إلى تخفيض قيمة الجنيه بشكل مريع.وبين التقرير السنوي الأول للتنمية البشرية في السودان 2011 أن نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر أي الذين يقل دخلهم عن دولارين في اليوم تبلغ 46.5%. وحل السودان ضمن العشر الأواخر في مؤشر التنمية البشرية الذي تصدره الأممالمتحدة، والذي يستعرض حالات 179 بلداً. وكنتيجة طبيعية لانتشار الفساد دخل السودان ضمن قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم بحسب تصنيف منظمة الشفافية الدولية. تحدثت الإنقاذ عند مجيئها عن تدهور العلاقات الخارجية، لكنها ربما أخطأت التعبير، وكأنها أرادت أن تقول إن واحداً من أهداف الانقلاب هو تدمير علاقات السودان الخارجية الراسخة، والتي ظلت لعقود طويلة مثالاً يحتذى به، حيث عرف السودان ومنذ استقلاله كيفية احترام جيرانه ونجحت دبلوماسيته الفذة في بناء علاقات قوية مع الدول العربية وبلدان الخليج وحتى على المستوى الأوروبي. كما أن إفراغ وزارة الخارجية من كوادرها المؤهلة وإحلالها بكوادر الحزب الحاكم التي بدت وكأنها تدير الشأن الخارجي للسودان بعقليات اتحاد الطلاب، كان من العوامل المهمة التي أسهمت في الوضعية الحالية المترهلة لعلاقات السودان مع المحيطين الإقليمي والدولي. أقسم البشير ومنذ بيانه الأول على ألا يفرط في شبر من أراضي السودان، لكن السودان الذي حافظ بالكامل على وحدة أراضيه عرف التمزق والانكماش والسطو الخارجي على مناطقه منذ مجيء حكومة الإنقاذ. وبعد التهاون في احتلال مصر لحلايب وترك منطقة الفشقة في الشرق لإثيوبيا جاءت الطامة الكبرى في 9 يوليو 2011. وفشلت حكومة البشير في الحفاظ على السودان الذي تسلمته موحداً متماسكاً. بات من الواضح أن الإنقاذ لم ولن تكون قادرة على رسم طريق لبناء سياسي واقتصادي سليم للسودان الذي يمتلك من القدرات والمقومات الاقتصادية والبشرية التي يمكن أن تصنع وطناً مستقراً وآمناً ومتماسكاً ومتسامحاً. لكن كل هذا غير ممكن في ظل نظام الإنقاذ الذي قام أساساً على معاداة الآخر وإهلاك البنيات الأساسية وإرساء ثقافة الفساد والمحسوبية .تعاقبت على السودان حكومات مختلفة لكنها وعلى الرغم من اختلافها في العديد من الجوانب الايدلوجية والفكرية اشتركت جميعها في التمسك بوحدة أراضي السودان.وكان السودان يشكل البلد الأكبر في افريقيا من حيث المساحة التي كانت تبلغ نحو 2.5 مليون كيلومتر مربع.ورغم التغيرات الكثيرة التي تمثلت في اتباع النظام المركزي لسنوات عديدة أحياناً والتحول إلى نظام الحكم الإقليمي أحياناً أخرى إلا أن الوحدة الوطنية كانت تشكل خطاً أحمر على مر العقود والسنوات.بانفصال الجنوب فقد السودان قرابة ثلث أراضيه وتراجعت مساحته إلى 1.881 مليون كيلو متر مربع. وتراجع عدد الدول التي تتشارك مع السودان في الحدود من 9 إلى 6 دول. وخرجت أوغندا وكينيا والكونغو الديموقراطية من قائمة الدول الحدودية مع السودان.والدول الحدودية معه الآن هي أريتريا، وإثيوبيا وإفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا ومصر. كما أن حدود السودان مع إثيوبيا تقلصت من 1605 كيلومترات إلى 727 كيلومترا، أما حدوده مع إفريقيا الوسطى فتراجعت من 1080 كيلومترا إلى 448 كيلومترا. أدى الإهمال الكبير للقطاع الزراعي إلى تلاشي الآمال بأن يتحول السودان سلة غذاء للعالم. وجاء انخفاض الانتاج الزراعي لأسباب عديدة أهمها تراجع الصرف على القطاع والخطط الغير مدروسة التي أدت إلى تخريب الأراضي الزراعية.ونتيجة للتدهور في القطاع الزراعي ارتفعت فاتورة استيراد الغذاء بشكل كبير. وفي حين استمرت السياسات على ذات الوتيرة التي بدأت بها في عام 1989 .ولا زال الشعب يدفع في فاتورة الانقاذ . ادم فاضل ادم فاضل [email protected]