لم يتكفي رئيس البرلمان الفاتح عز الدين بتقريره ذو ال"17" صفحة الذي القاه في ختام الدورة البرلمانية امسية امس الاول، حول ما اسماها انجازات البرلمان خلال الخمس سنوات الماضية، لكنه سارع الى عقد مؤتمر صحفي، حول ذات الموضوع وشئون مماثلة لتك التي ساقها، في الجلسة المذكور، بعد ان قيام، بالترويج داخليا عبر لافتات انيقة طبع عليها في الجزء اليسار صورا لشخصه، في مشهد، يوحي بأنه بداية ونهاية تاريخ العمل البرلماني بالبلاد، فقد قام الرئيس الفاتح عز الدين بترجمة تلك الايحاءات، المعكوسة بالصور واللافتات الي مشاهرة علنية عبر تأكيدات لفظية اثارت حفيظة وامتعاض، منسوبي الوسائط الاعلامية والمراقبون للشأن البرلماني، حيث قام عز الدين بمحو تاريخ العمل البرلماني منذ الاستقلال، ودشن تاريخا جديدا ابتذله في بضعة شهور تلك التي قضاها في رئاسة البرلمان، بمقولة اهتزت لها جنبات القاعة الخضراء حيث مكان المؤتمر الصحفي للرئيس، فحولها " ان مافعله البرلمان من ثورة تشريعية وتعديلات في اللائحة بما يمكن عرض بيانات الوزراء عبر قطاعات مجلس الوزراء بدلا عن النمط التقليدي السائد منذ الاستقلال وتعديل لقانون الشركات والمراجع القومي ومساواته بالسلطة القضائية لم يحدث في تاريخ البرلمانات السودانية قط"، وذهب عز الدين الى ابعد من ذلك في سبيل، صناعة المجد والتاريخ الذاتي، حيث كانت نسبة 90% من خطابه في ختام الدورة البرلماني والذي حوى "17" صفحة كما ذُكر آنفا، تتحدث عن نشاطات واعمال برلمانية سوء على المستوى الداخلي او الخارجي، عن فترته التي لم تتجاوز العام و نصف بعد رغم ان الخطاب مخصص لعكس انشطة الهيئة التشريعية خلال الخمسة سنوات الماضية، متجاهلا بذلك المدة التي قضاها مولانا احمد ابراهيم الطاهر في رئاسة الدورة البرلمانية المعنية، التي بلغت اكثر من 3 سوات ونصف، قبل ان يتنحى خلال عملية تغيير مشهورة في الجهازين التنفيذي والتشريعي، والتي كان ينبغي افتراضا ان تناول حيزا اكبر في التقرير وان كانت غير ذي جدوى، وبالمقابل، فان المقتطفات العامة والتي تحمل الصبغة الفضفاضة التي اوردها الخطاب عن فترة احمد ابراهيم الطاهر، ولا تليق بتاريخة، من جهة، ولاتساوى الدعم والمساندة اللتان حظى بهما عز الدين من الطاهر خلال تجربته القيليلة، من جهة اخرى، حيث ظل الطاهر عقب تنحية مساندا وداعما ومترافعا عن الفاتح، بينما سرت انباء عندما تم تنصيبه رئيسا للبرلمان ان احمد ابراهيم الطاهر وراء العملية. فبالرغم من اسهاب رئيس البرلمان الفاتح عز الدين في ذكر ما اسماها بالانجازات غير المسبوقة، التي شهدتها فترته الرئاسية، خلال مؤتمره الصحفي بالبرلمان امس "الخميس" الا انه لم يقدم دفوعات ومبررات، لابتداعاته غير المسبوقة والتي لم يشهدها تاريخ البرلمان، وتجاهلها عن قصد، وانتهج تكتيك مماثل في رده على، اسئلة صحيفتين فقط، بادرتا بالاسئلة في المؤاتمر الصحفي، مع امتناع كامل لبقية الصحف. حيث شهدت فترته الرئاسية، اعمالا كانت بمثابة ضربة قاضية للحزب الحاكم، فعز الدين الذي بدأ مسيرته العملية كمدير إدار للشباب بمنظمة الدعوة الاسلامية في العام 1985م الى ان تسلم رئاسة البرلمان في العام نوفمبر من العام 2013م بعد ان تدرج في عدد كبير من المواقع التنفيذية والتشريعية ابرزها تقلده منصب معتمد محلية ام درمان ومن بعدها رئيسا للجنة العمل والحسبة والمظالم العامة بالبرلمان، وبعد ان خاض معركة في عالم العمل والمعرفة وصل من خلالها الى الدرجة قبل الاخيرة في الدراجات العلمية (الدكتوراة) فضلا عن حصول على اكثر من خمسة دبلومات في مجالات مختلفة ودورات تدريبية داخلية وخارجية،-وفقا لسيرته الذاتية- وبعد كل ذلك لم يجد سبيل لادارة البرلمان غير فرض الوصاية على الاخرين من احزاب سياسية ونواب حتى مندوبي الصحف بالبرلمان لم يسلموا من تلك الوصاية،هذا فضلا عن ادارته للشأن البرلماني والجلسات بصورية شبهة انفرادية مصحوبة بالتعصب وبعض الاحيان بالتهديد الى ان وصل به الامر الى طرد زعيم كتلة المعارضة بالبرلمان د. اسماعيل حسين من جلسة مناقشة قانون الانتخابات الشهيرة واعلانة وعدم الاعتراف باي كتلة في البرلمان غير كتلة المؤتمر الوطني في مشهد هز الساحة السياسية وشكل ضربة كبيرة للحزب الذي كان يسوق وقتها لما عرف بمبادرة الحوار الوطني، ما دفع د. اسماعيل حسين بجانب رئيس حزب الامة الوطني المهندس عبد الله على مسار وقتها الى وصف الامر صراحة بانه ضرب من ضروب الوصاية التي يسعى رئيس البرلمان الجديد فرضها عليهم.وعلى الرغم من ذلك اكد عز الدين امس ان البرلمان المنتهي عمره، به 12 حزبا سياسيا، ولم يضيغو برأيها الاخر وتقبلوها بصدر رحب، وذهب ابعد من ذلك ووعد بان البرلمان القادم سيشهد تمثيل اوسع، للقوى السياسية ، وان ، 29 حزبا سياسيا ستدخل البرلمان، وقدم، اعترافات عامة دون ان يركز على قضية بعينها او واقعة ، وقال " لا نقول قد بلغنا الكمال ولكن ما فعلناه كان محل تقدير، وقوم اداء الجهاز التنفيذي". ولم يتنهي عز الدين بالوصاية التي فرضها على الاحزاب السياسية، بالبرلمان وانما مارس الشي نفسه مع مندوبي الصحف بالبرلمان وسلب منهم التفويض والثقة التي منحتها لهم صحفهم بنقل وقائع واخبار البرلمان، بتعينه شخص من خارج الاعلام الرسمي للبرلمان لتغطية اجتماعاته وتوزيعها في شكل اخبار جاهزة على بقية المناديب، ليجردهم بذلك من حقهم القانوني والدستوري في الحصول على المعلومات من مصدرها ، فضلا عن، تخصيصه لصحف بعينها دون غيرها لمدها بالاخبار، واصطحاب تلك الصحف في زياراته الداخلية والخارجية، الامر الذي اثار حفيظة الصحفيين البرلمانيين واعتبارهم للامر وصاية حقيقبة مُورست عليهم من قبل الرئيس، وتأكيدهم بان الممارسة لم تحدث في تاريخ البرلمان، على الاطلاق، ما دفعهم الى اتخاذ موقف من ما يحدث بمقاطعة جلسات البرلمان ليعودوا لتقطيتها عقب وساطة قادها رئيس لجنة الامن بالبرلمان مالك حسين الذي نقل اعتذار شفاهي عن الرئيس لمناديب الصحف. ويبدو ان رئيس البرلمان قد تعمد حرق المراحل لصناعة التاريخ والمجد الذاتي، لكنه لم يُوفق في اختيار الوسائل الناجعة لتحقيق مبتغاه، ومن المؤكد فان التاريخ والمجد لا يُصنعان بالمؤتمرات الصحفية، ولا بمحو تاريخ ومجهودات السابقين الذين وضعو لبنات العمل والممارسة البرلمانية في البلاد، بقدر ما يصنع بالابداع في العمل والابتكارات الحقيقة النابعة من الارادة الذاتية دون المُملاة من الاجهزة العليا سواء على المستوى الحزبي او الحكومي، لاقناع المتابعين والمهتمين بالمجال مؤيدين او معارضين، ومن المؤسف، ان يتجرأ الفاتح عز الدين الذي ما زال في طور تعلم ابجديات العمل البرلماني رغم "الدكتوراة"، على تمزيق تاريخ اسلافه ويتربع على عرش التاريخ البرلماني بهذه الصورة المخجلة. [email protected]