قبل سنوات كان سفير السودان في قطر، يستقبل رسالة محرجة جداً.. السفير فقيري وصلته رسالة تطالب بإنهاء خدمات الملحق الإعلامي الدكتور محمد إبراهيم الشوش.. أسلوب الرسالة كان مستفزا تجاه أديب وأكاديمي سوداني مرموق.. حيث إن الشوش كان رئيساً لتحرير مجلة الدوحةالقطرية وقبل ذلك أستاذا بكلية الآداب جامعة الخرطوم.. الرسالة استخدمت تعبير (المذكور أعلاه) لتطالب الشوش بالعودة فورا للخرطوم.. تعبير المذكور أعلاه الذي بدا مستفزا يتناسب مع طبيعة الوظيفة التي تعادل درجتها الوظيفية الدرجة الخامسة في سلك الخدمة المدنية. منصب الملحق الدبلوماسي رغم تدني درجته الوظيفية وقلة حيلته الإدارية حيث يعلو عليه إداريا أصغر دبلوماسي.. رغم هذا يتسابق عليه القوم للفوز بهذا المنصب والسبب عائداته الدولارية.. آخر الداخلين لهذا الميدان وزارة العدل.. فقد بشر وزير العدل الشعب السوداني الصابر بإنشاء ستة ملحقيات قانونية.. وحسب خبر منشور في الصفحة الأولى من صحيفتكم "التيار" تبلغ الميزانية المقترحة لهذه الملحقيات في عامها الأول فقط ثلاثين مليار جنيه (بالقديم).. بالطبع ستتمدد هذه الملحقيات مع كل مطلع عام جديد حتى توازي عدد سفاراتنا في العالم. لن تكتمل البهجة إلا إذا عرفتم من هم المرشحون لهذه المهمة السياحية.. هم أكثر مستشاري وزارة العمل خبرة.. بل بعضهم من أهل الحظوة والبريق.. المرتبات تبدأ من ثلاثة عشر ألف دولار وتنتهي عند ثمانية آلاف دولار في دولة فقيرة كإثيوبيا.. بمعنى أن ملحقنا القانوني في أديس أبابا يفوق مرتبه بأضعاف مضاعفة مرتب رئيس وزراء البلد المضيف.. أما المرحلة الأولى من المشروع السياحي فتشمل إثيوبيا ومصر والإمارات والسعودية وأمريكا وسويسرا.. أليست لنا جالية في دولة الجنوب الشقيق.. عفوا جوبا عاصمة كالحة وكادحة لا تختلف عن الخرطوم . المؤسف أن اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية والتي لم تغادر صغيرة ولا كبيرة من الشأن الدبلوماسي لم تذكر ملحقية قانونية.. هذا يعني أن ملحقيتنا (المنجورة) لن تستطيع أن تترافع عن السودان أو رعاياه في محاكم تلك الدول.. لن يتجاوز عمل هذه الملحقيات سوى توثيق شهادات الزواج والطلاق.. مهمة كان يقوم بها القنصل السوداني الموجود هنالك.. إذا تعذر الأمر يتم إرسال المستندات للخرطوم مع الحقيبة الدبلوماسية. بصراحة.. نحن نعيش عهد تبديد المال العام.. كل وزارة تريد أن تكافيء منسوبيها بفترة خدمة دولارية.. لدينا الآن ملحق إعلامي وإداري ومالي وأحيانا تجاري.. أما الملاحق العسكرية تتعدد ألوانها وأشكالها.. تمتليء سفاراتنا بكوادر غير دبلوماسية تربك حركة الدبلوماسيين المحترفين.. بل إن بعض هؤلاء الملحقين أصبحوا خالدين في المنصب.. الدكتور خالد المبارك ملحق إعلامي في لندن منذ سنوات طويلة.. عادل عبدالرحمن في الأردن منذ عقود.. لا أدري أن كان حسن عبدالوهاب مازال ملحقا أم نال الجنسية الألمانية. من يوقف هدر المال العام لإعادة توظيفه لمرضى لا يملكون ثمن جرعة الدواء وفصول دراسية من (الرواكيب) لا تقي من شمس ولا مطر. التيار