اللهجة هى طريقه الكلام التي نتحدث بها ويتحدث بها كل شخص تبعا للغته الأم ولدولته ومدينته وقبيلته ومنطقته الجغرافية التي يعيش فيها, وهى كلام ومصطلحات وربما (لكنة) تضاف إلى اللغة الأساسية بحيث إذا قيلت دلت على شئ معين. فمثلا، في بعض اللهجات العربية يعرف (الكوب) باسم (الكوباية) أو (الكاسة) أو (القلاص). تختلف اللهجات العربية وتتنوع باختلاف المواقع الجغرافية تنوعا كبيرا ومدهشا حتى يكاد يخيل للمرء إنها ليست نفس اللغة. اللهجة المصرية جميلة ولطيفة ونحن السودانيون نعرفها جيدا ونفهمها بحكم الجيرة والقرب الجغرافي وأيضا لأننا نشانا ونحن نتفرج على المسلسلات المصرية قبل النت والأقمار الصناعية. يتحدث إخوتنا في المغرب العربي لهجة أجدها صعبة جدا تسمى ( الهدرة). التقيت بمجموعة من المترجمين العرب في دورة تدريبية للترجمة الفورية، كنا مجموعة متنوعة من مختلف البلاد العربية، أحيانا كان الأمر صعبا لأننا لا نفهم بصورة دقيقة إذا تحدث كل واحد بلهجة بلاده، أدركنا بالممارسة إننا كنا نستعمل لهجة (وسطية) وعرفنا أن هناك مصطلحا لهذه اللهجة وتسمى (اللهجة البيضاء) أي إنها لهجة عربية ولكنها ليست مصرية وليست عراقية ولا سودانية ولا يمكن أن تصنفها تحت بلد معين وإنما هي خليط وهي واضحة إلى حد ما بحيث يسهل على مختلف الجنسيات العربية فهمها والتحدث بها. سألنا استاذنا اللغوي الضليع عن اللهجة البيضاء؟ فأجابنا بتعسف يتنافي مع العلم انه – علميا – لا يوجد شي اسمه اللهجة البيضاء! أهل الإمارات كذلك لهم لهجة صعبة جدا، فمثلا هم يطلقون على السرير ( الشبرية) النافذة ( الدريشة) الملعقة (الخاشوقة ) الطاقية (القحفية) ! في الكويت يطلقون على الملعقة (القفشة) وتجمع على ( قفاش) ! أما القط فيسمى في بعض البلاد العربية ( قطوة) وفي مصر (اٌ طة) وفي معظم البلاد العربية يسمى ( بسة) وفي لبنان يسمونها ( بسينة) والمذكر ( بسين) وتجمع على ( بسينات)! في سلطنة عمان يطلقون عليها (سنورة) وتجمع على ( سنانير) و( سنورات) ! وغني عن القول إننا في سوداننا الكبير الممتد نطلق على القطة اسم ( كديسة) والذكر (كديس) وتجمع على ( كدايس وكدسة) ! اللهجة البيضاء هي لهجة مستحدثة أي جديدة تستخدم في الكثير من وسائل الاطلاع والاستماع والإعلام كالمقابلات التلفزيونية وخصوصا الفنية، الأغاني ، المنتديات عبر الانترنيت، المقابلات الصحفية والردود على القراء والكثير غير ذلك. فهي لغة عربية في الأساس ولكنها خليط من عدة لهجات مع بعض المصطلحات الانجليزية وبعض التعابير الشبابية الحديثة واللزمات الكلامية . الحاجة أم الاختراع، اعتقد أن الحاجة إليها جاءت أو ازدادت مع هذا الانفتاح الهائل الذي وفرته وسائل الاتصال الحديثة، أدرك الناس صعوبة فهم اللهجات المحلية وبالتالي صعوبة التواصل فعمدوا إلى اختراع هذه اللهجة البيضاء، ومن اسمها يأتينا الإيحاء إنها بيضاء لا تحمل هوية معينة وهي ملك للجميع. تختلف اللهجة البيضاء عن ( عربي جوبا) اختلافا كبيرا ، عربي جوبا يستخدم نفس المفردات تماما في اللغة العربية وإنما تختلف فقط مخارج الحروف وطريقة نطقها – أي ( اللكنة)، ويعود السبب في ذلك أن اللغات المحلية التي يتحدث بها أهلنا في جنوب السودان يستخدمون فيها نواقل عصبية معينة تمكن من نطق بعض الحروف، هي موجودة عند كل إنسان إلا أن بعضها يضمحل ويموت بعدم الاستعمال، وهذا هو الأمر الذي يفسر لنا صعوبة نطق بعض الحروف العربية لغير المتحدثين بها كما يصعب علينا نطق بعض الأحرف من اللغات الأخرى. هذه النواقل العصبية الغير مستعملة تضعف أو تموت في عمر السابعة أو الثامنة من العمر. (إذا تعلم الطفل لغتين بطريقة متوازية قبل عمر السابعة يستطيع الاحتفاظ بهذه النواقل العصبية ولا يفقدها) وهذا يفسر لنا أن رأينا الكثير من أهلنا في جنوب السودان ممن ولدوا وتربوا في شمال السودان وهم يملكون هذه النواقل العصبية ويتحدثون لغتهم المحلية واللغة العربية بطلاقة واضحة. تتشابه اللهجة البيضاء مع اللهجة الهجين الموجودة في الخليج والتي نشأت إلى الوجود نسبة للأعداد الكبيرة من الآسيويين وهي لهجة خليط من العربية وكلمات من اللغة الأردية واللغات الآسيوية الأخرى مع التركيز على بعض الكلمات العربية التي تستخدم في هذه اللهجة ، مثلا كلمات : صديق، رفيق ، نفر. مثلا إذا أردت أن تقول عبارة : كنت اعتقد انك شخص جيد ولكني اكتشفت انك لست جيدا وانك تحب المشاكل. تكون العبارة كالآتي بهذه اللهجة العرب- آسيوية: أنا كنت أفكر أنت في نفر زين بس أنت يطلع ما في زين ، أنت واجد مشكلة ! هناك حملة كبيرة تشن على اللهجة البيضاء ويرى أهل اللغة إنها خطوة إلى الوراء للغة العربية ومهدد كبير لها، لأنهم يخافون أن تندثر اللغة العربية الفصحى، ولذلك هم لا يعترفون بها ولا يقرون وجودها. وحقيقة لا يخلو الأمر من بعض منطق وخصوصا ونحن نرى الشباب والأطفال صاروا يكتبون اللغة العربية بأحرف وأرقام انجليزية ! لا ادري أن كنت استطيع أن أقول إن اللهجة البيضاء جيدة وهي تقدم تطورا وإضافة إلى اللغة العربية، أو إن كنت استطيع القول إنها كارثة حلت باللغة العربية. ما أدركه إنها موجودة في الواقع وهي بالتأكيد تسهل التواصل. [email protected]