إن الحقبة التي أعقبت خروج المستعمر من بلادنا العربية والإسلامية لم تكن فيها أوضاع شعوبنا أحسن حالا أو أفضل مألا مما كانت عليه في أزمنة الرق والعبودية أيام المستعمر والجبايات بالكرباج ذلك أننا بعد أن تخلصنا من المستعمر وقعنا في عصور ظلامية من القهر والإستبداد والإقصاء والتغريب في ظل أنظمة دكتاتورية شمولية مستبدة جعلتنا نرزح في بحور من التخلف والفقر والجهل والإحتراب وغاب المجتمع في سبات عميق وضاعت الهوية وفقدنا بوصلة الإنتماء لأوطاننا تحت أفكار أممية وافدة أفسدت سلمنا الإجتماعي وحولتنا إلي شيع وطوائف وأحزاب يقاتل بعضها البعض , حاولت الصفوة من النخب المسثقفة التصدي لحركة التغيير وطرحت أفكار الصحوة الإسلامية والعلمانية ولكنها إنشغلت بالإحتراب والصراع فيما بينها وغفلت عن قيادت المجتمع ثم تحالفت مع الأنظمة الدكتاتورية لتتمكن من إقصاء الأخر فزادت من مأساتنا جراح أليمة جعلتنا نركن لواقع مرير مزري أرجعنا القهقري . معلوم أن هنالك طليعة من النخب (بمختلف تياراتها الإسلامية والعلمانية) ناضلوا الحكام المستبدين وكانوا في مقدمة الركب ودفعوا أثمانا باهظة من دمائهم وحرياتهم وأموالهم...إلا أننا وبعد كل تغيير يحصل نحصد مزيدا من الهشيم الذي تذروه الرياح ولم نكن علي فعل شئ مقتدرين خوفا من مزيد من الإحتراق لأوطان تعاني من الفقر والمرض والجوع والأمية والجهل. عندما إختلت موازين العدل وإستشري الفساد وسدّ الظلم منافذ الأمل إستيقظت الجماهيرمن سباتها وخرجت الي الشوارع ثائرة تطالب بالتغيير ورحيل الحكام المستبدين ورفعت شعارات الحرية والعدل والخبز فكان لا بدّ أن يستجيب القدر وينجلي ليل المظلمة ويسفر صبح الخلاص فيما عرف بثورات الربيع العربي . الإسلاميون تقدموا الصفوف مع غيرهم ليحافظوا علي مكتسبات ونتائج الثورات وتضحيات الشهداء ولما كانوا هم الأكثر تنظيما وشعبية...! تمكنوا من الوصول إلي سدة الحكم إلا أن الأمور شهدت تحولات حادة حيث تجمع العلمانيون (الذين يخشون من هيمنة الإسلاميين علي مفاصل الحكم ثم الإستعلاء علي الأخر بإسم الدين) مع فلول الانظمة الفاسدة وبعض الدول الخارجية لإقصاء الإسلاميين وإفشالهم بكافة الوسائل والسبل . قلة خبرة الإسلاميين بقواعد الحكم وعدم تقديرهم الصحيح لحجم المشاكل والمصائب التي خلفتها الانظمة السابقة أوقعتهم في أخطاء فادحة مهدت الطريق لإبعادهم عن الحكم بالقوة العسكرية أوالشعبية كما حدث في مصر وتونس وكما يحدث الأن في ليبيا. إن الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين والتنافس الشرس أجهض ثورات الربيع العربي وأتاح فرصة ثمينة لعودة الأنظمة المستبدة إلي السطح بواجهات جديدة و بتحالفات إقليمية ودولية ستمكنهم من الإستمرار لعقود من الزمان سنشهد فيها مزيدا من الدمارلأوطاننا والكبت والإرهاب وتقييد الحريات لشعوبنا. إن قادة التغيير في أوطاننا أمامهم كثير من الملفات الساخنة والتي لا بدّ من توضيح رؤيتهم حولها بكل شفافية ووضوح فمثلا نتحدث عن الديمقراطية والهوية والثقافة والحرية والدستور ولكننا لم نجب علي من أين تأتي الديمقراطية؟ وماهي الهوية وكيف نصنع ثقافتنا؟ وكيف نستفيد من رصيدنا المعرفي الموروث من تجارب الماضي؟ وماهية الحرية ؟ وكيفية الدولة؟ وما هو دورها في قيادة التفيير نحو التقدم والرفاهية؟ وكيف نحقق حياة عصرية حديثة ؟ وكيف ندير خلافاتنا الفكرية والمذهبية؟ وكيف نحافظ علي حقوق الأقليات؟ وكيف ندير علاقاتنا مع دول الإستكبار والهيمنة؟ إن الإجابة علي هذه الأسئلة تتطلب قدر من الشجاعة والمسئولية والرؤية العلمية الحكيمة التي تعلي من شأن الإنسان ودوره في البناء والنهوض وحقه الطبيعي في إعمار الأرض وتشييد صروح النماء والسلام. إن المشهد السياسي علي مسرحنا العربي والإسلامي يتجه نحو الإنفجار بصورة درامية مزهلة وغريبة وقد ظهرت قوي مسلحة متطرفة ترفع شعار الإسلام متحالفة مع الغرب أو من صناعته سيطرت علي أجزاء واسعة من العراق والشام ومازالت تتمدد هنا وهناك في بقية أجزاء وطننا العربي وقد إستطاعت أن تستميل الشباب المسلم من كافة أرجاء المعمورة وهي تمضي في طريقها المعوج تنشر الرعب والزعر والخوف والقتل والجريمة المنظمة ,هذا الأمر يمثل تحدي جديد أمام دعاة التغيير فلا بدّ من الإجابة علي كيفية تحجيمه ومحاربته وتعريته أمام شبابنا حتي لا نوفر له بيئة حاضنة تمكنه من البقاء طويلا. الوضع في بلادنا السودان غير بعيد من هذه التحديات ولما كان أهل الحكم في سوداننا من من يرفعون شعار الإسلام فينبغي عليهم التصدي لهذا الخطر وتبين مجافاته لقيم وسماحة الإسلام. إن الأوضاع الجحيمية التي نعيشها تتطلب من الإسلاميين والعلمانيين علي حد سواء أن يجودوا علينا بوصفة سحرية للتوافق حول صيغة للحكم وكيفية الوصول إليه ؟ تجنبنا مزيدا من التردي في مهاويا الإنحطاط والتخلف عن ركب الحضارة الإنسانية كما ينبغي علي الطليعة المستنيرة أن تكشف حجم المؤآمرة التي يديرها علينا أعداء الإنسانية من أعوان دول الهيمنة والإستكبار لشعوبنا وأن تعمل هذه الطليعة علي إستنهاض همم الجماهير ورفع كفاءة مقدرتها في التصدي لكل إشكالات مجتمعاتنا الذاتية والوافدة وأن لا تسمح للقوى التقليدية إستغلال نفوذها وكسر إرادة التغيير لان هذه القوى بطوائفها المختلفة هي المستفيد الوحيد من تفتت المجتمعات وصراع النخب المختلفة مع بعضها البعض. أحمد بطران عبد القادر [email protected]