تعيش جامعة جوبا منذ أيام وسط موجة عارمه من الأفراح الممزوجة بالزغاريد والأكاليل المكلله بالزهور والورود التي تنسجها أسر الخريجين بعناية فائقة ودقة متناهية،تقدمها للخريجين عند زفافهم في مشهد يفوق حد التصور بهجةً وسرورا، يكاد لا يعي الخريج نفسه منذ إزاعة إسمه حتي إستلام الشهاده،ولكم أن تتخيلوا شكل المشاهد التي تثير الدهشة والإعجاب والإنجذاب في آن واحد . قد سنحت لي أكثر من فرصة للمشاركة في محافل وكرنفالات كليات جامعة جوبا قلعة الإنتماء والتمييز العلمي،بالإضافة الي مشاركة بعض الروابط التي قدمت لي دعوات كريمة،ولا أخفي مدي إندهاشي وإثارة إعجابي بذلك الزخم المتعدد والمتنوع من الثقافات رقصا،غناءا وتمثيلا،ومنذ ذلك اليوم ظللتُ أترقب عن كثب كرنفال تخريج رابطة الطلاب السودانيين حيث الإنتماء والأصالة والتاريخ! لأن الطلاب السودانيين يمتازون بخصوصية متميزة ومتفردة في كافة الجامعات العالمية،من حيث الترابط والإنسجام والإنصهار الذي لايخدع للتمييز بالإضافة الي تمتعهم بروح الإخاء والمحبة وكذلك قدرتهم علي عكس الثقافة السودانية لبقية الشعوب،وفي ذات مرة حدثني صديق عزيز من إحدي دول شرق إفريقيا عن إعجابه المنقطع النظير بالطلاب السودانيين الدارسين في وطنه،فسألته عن سر الإعجاب الكبير فقال:تعاملهم مع بعضهم البعض يعطيك إحساس انهم أبناء شخص واحد!فقلتُ نعم هذه هي إحدي الخصال المتفردة التي يمتاز بها الشعب السوداني عن بقية الشعوب. وعندما نفد صبري من الإنتظار ذهبت لجامعة جوبا أبحث عن رابطة الطلاب السودانيين إلا أنني تفاجأة بعدم وجودها،فقلتُ كيف لا توجد لديكم رابطة وأنتم بهذا الكم في الجامعة؟فأجاب أحد الطلاب عن تساؤلي مبررا غياب الرابطة بسبب إنتماء أغلبية الطلاب الموجودين لإقليم دارفور،فقلت له إذن دلني الي ملتقي رابطة طلاب دارفور فرد متأسفا للمرة الثانية بعدم وجود رابطة بهذا المسمي!فدنوت منه متعجبا ومستغربا عن ماهية هؤلاء الطلاب فكررتُ سؤالي الأخير بروح يسوده التشاؤم والإنكسار فقلتُ ماذا لديكم إذن؟ وتحت أي جسمٍ تنضون؟فرد محبطا! بأن هنالك بعض الطلاب ينضون تحت روابط تتبع لإثنياتهم أما البقية الباقية فليس لهم أي هوية للإنتماء!رافضيين مبدأ روابط الكيانات داخل الجامعة بتاتا. حقيقةً لم استطيع ان أتفهم هذة الوضعية المأزومة للطلاب السودانيين داخل جامعة جوبا،والمألات التي أوصلتهم لهذا الدرك الأدني من الحضيض تفككا وتباعدا!وعند إستطلاعي لبعض الأراء وجدتُ ان أغلبهم يرمي اللوم علي المنعطفات السياسية السالبة للتيارات الثورية التي إنعكست بصورة سلبية جدا علي الطلاب،وعبرها تم ضرب النسيج الإجتماعي وغزوه بالأفكار الإقصائية المصبوغة بالتشدد والتقوقع في الكيانات بدلا من الإنتماء المركب أو القومي الكبير،واصبحت المواقف الأيدولوجية هي التي ترفض سطوتها علي الدوام،وكل مجموعة تصف الأخري بالتعصب والتشرزم فتتصاعد أبخرة الدخان الممزوجة بنفسية التسيُد علي كافة مفاصل الأشياء هنا وهنالك،فتزداد الشحنات وتتكهرب الأجواء بالموجات الكهرومغنطيسية فيعود كل فرد الي أدراجه حيث التقوقع في حظيرة الإنتماء البسيط التي تمنحه النقاء ،السيادة والأفضلية علي الأخرين من حيث الإعتقاد الخاطي،لذا ينعدم مساحات التلاقي والتواصل الإقليمي لأبناء الإقليم الواحد،دعك من التواصل القومي كسودانيين أبناء وطن واحد. في تقديري ان السودانين يحتلون القائمه الأولي من حيث الكثافة السكانية قياسا بنسبة الجاليات الأجنبية الموجودة في جنوب السودان،إلا أن هذا الكم المهول يعاني من مشاكل شتي لا حصر لها!ومنها ضعف التواصل بين السفارة السودانية وراعياها وعدم قدرتها علي حصرهم حتي يتثني لها حل مشاكلهم،!ويقيني التام هو إمتلاك السفارة قدرة لجذب راعياها وإحتوائهم إذا أرادة ذلك!ويمكنها بذل القليل من الجهد لتحقق ذلك عن طريق إفتعال يوم ثقافي خاص بالجالية السودانية مثلا،او يمكنها الإستفادة من المناسبات والاعياد علي شاكلة تسمية يوم للإفطار الرمضاني للسودانيين،بالإضافة الي جلب القامات الفنية المتميزة من السودان وإحياء ليالي ثقافية خصوصا في الأعياد لكسر الروتين الممل المعاش،فكل هذا في إطار الممكن المبسط فيما يختص بواجب السفارة،ولكنها لم ولن تفلح في هذا الأمر ولاتريد الخير البتة للسودانيين المقيمين في جنوب السودان،!لذا دوما تسعي للتملص نهارا عن مهامها وهذا الأمر جعل الكثيرين يبحثون عن أجسام بديلة تتحمل عناء حل مشاكلهم دون تواطوء مسبق،ومسألة تكوين كل فئه لجسم يمثلها زاد من تفاقم وضعية السودانيين في كل الأصعدة،والمشاهد هو إنتقال هذة الحالة المأزومة من الوسط المجتمعي الي الوسط الطلابي بكل إفرازاته السالبة لذا لايتفقون علي كلمة سواء تقودهم لبر الأمان. الجدير بالذكر هو قدرة الطلاب علي تفكيك وتشخيص هذة الأزمة من جذورها ثم وضع الحلول المناسبة لها حسب هذة المرحلة العصيبة التي تمر به بلادنا،ولكم السند العلمي الذي يمكنكم ويخول لكم ذلك،والدليل علي ذلك موضوعية الاراء التي ذكرت سالفا وهي عباره عن تشخيص جوهري لعمق الازمة مع بعض الإضافات الطفيفة،والحقائق الواقعية أثبتت علي عدم وجود صوت يعلو فوق صوت العلم وأنتم صوته!فليس لكم سوي التمعن قليلا في معية التفكير العميق الإيجابي والنظر الي الامور بعينٍ فاحصة وموضوعية كاملة تفضي الي إنتاج حلول موضوعية لواقعكم الداخلي أولا،وذلك بتكوين جسمٌ قومي يمثلكم جميعا كأبناء وطنٍ واحد وهذا الجسم يكون بمثابة المراة التي يري فيها كل واحد منكم نفسه وصورته كاملة متكاملة،وفي تقديري هذا الجسم هو رابطة الطلاب السودانيين بجمهورية جنوب السودان،فإن فعلتم هذا حققتم الإنتصار المرتجي وأعتم للتاريخ السوداني رونقه وبريقه الذي آفل!فالطلاب هم مشاعل العلم ونيرانها ورواد التغيير في كافة المجتمعات،فثورة أكتوبر وأبريل المجيدتين شاهدي عيان علي مدي قوة وعزيمة وإرادة الطلاب التي لاتقهر فأرجوا منكم كل الرجاء بتفويت الفرصة علي الذين يتربصون ويحيون ويسودون تحت شتات وتفتت المجتمع السوداني،وأعلموا ان قوتكم وجبروتكم تجاه كنس كافة معالم التشتت والتفرقة والعصبية النتنه تكمن في الوحدة وأكيد إيد في إيد تجدع بعيد،فقط خذوا عزمكم وأربطوا احزمتكم جيدا كي تحتطبوا من شجرة الوحدة ولكم نصيب في ذلك فلا تدعوا الفرصة تفوتكم. بقلم/صالح مهاجر خلف الستار 13.3.2015 [email protected]