لم أستطع دوما أن أستسيغ عبثية صمويل بيكيت (المختلف حولها) ، بالذات في روايته "مالون يموت" ؛ الرواية تنطلق من سرد لمالون الذي يحتضر والذي يقرر اللعب بكتابة قصة ما ؛ تبدأ بقصة سابو الذي يتغير اسمه فيما بعد إلى ماكمان .. حسنا ماذا يمكنني أن أضيف؟ إن سرد أو وصف لقصة من قصص أو مسرحيات صمويل بيكيت ﻷمر صعب ؛ على أية حال يبقى مالون في مأوى وكذلك الحال لمكمان ، وتستمر معاناة وجودية بالنسبة للراوي وبطل قصته حتى لكأننا نخالهما كائنا واحدا أو أن مالون يروي ذكرياته .. وتنتهي الرواية بقيام المسئول عن مأوى المشردين بقتل رجلين .. ثم أن الراوي يؤكد بأن القاتل لن يقتل المزيد كدليل على أن سارد هذه القصة وهو مالون قد مات. يستخدم بيكيت لغته المعهودة ؛ الجمل غير المكتملة ، المعاني المتنافرة ، السرد المتقطع ، العبثية بكل ما تعنيه هذه الكلمة. لكن رغم هذا فالرواية تتحامل على نفسها رويدا رويدا وتقودنا إلى نهاية ما .. يثير هذا التحامل الجدل حول المغزى .. إنه وبخلاف كافكا -الذي يثير موضوعه المتماسك الجدل في حد ذاته- لا يثير التماسك الجدل بقدر ما يثيره هذا التفكيك المغالى فيه . يبدو الإنسان في رواية (مالون يموت) كائنا مجنونا ؛ بائسا ، شرها نحو اللا شيء ، ممزقا ، مشردا ، تحف به العفونة من كل مكان ، سواء كان شابا أو عجوزا . لماذا يحطم بيكيت صورة الإنسان الزاهية العقلانية بهذه السكين المشوهة ؟ إن بيكيت لا يستخدم أي تحليل نفسي ﻷشخاصه بل يتركنا وحدنا معهم ، مع ارتباكاتهم وعثراتهم وجنونهم وتفككهم . لنقوم نحن - ومن خلال هذه الصور المتنازعة - بتحليل وقتي وسريع وغير مؤكد . لا يتقيد بيكيت بشيء في الكتابة فهو لا يتقيد بالزمن ولا حتى بأسماء الشخصيات ولا بخطوط اتزانهم العقلي ولا بتسلسل الرواية .. إنه ينطلق بارتباك طفولى -قد يكون مصطنعا- ويتعثر كما يتعثر الطفل في مشيته الأولى .. وينعطف بشكل أخرق في مطبات طريقه مرتفعا وهابطا دون احترام لعقل القارئ ؛ إنه كالمراهق المتهور . في موت مالون نرى الصور المقززة والعلاقات الحميمية الهامشية في نفس الوقت . وحياة مالون التي هي أقرب للموت منها إلى الحياة . ويكتفي بيكيت بهذا القدر .. تاركا لنا إطلاق اللعنات وراءه. أمل الكردفاني 22مارس2015